باريس تجد نفسها مجدداً في وضع حرج بـ «الساحل»

باريس تجد نفسها مجدداً  في وضع حرج بـ «الساحل»
TT

باريس تجد نفسها مجدداً في وضع حرج بـ «الساحل»

باريس تجد نفسها مجدداً  في وضع حرج بـ «الساحل»

مرة أخرى، تجد باريس نفسها في وضع حرج في منطقة الساحل، حيث حضورها العسكري والسياسي هو الأقوى باعتبارها الدولة المستعمرة السابقة التي تربطها بالدول الخمس «موريتانيا ومالي والنيجر وبوركينا فاسو وتشاد» اتفاقيات من كل نوع ومصالح متشابكة. وحتى يوم الأحد الماضي، كانت مالي حيث تتمركز بشكل رئيسي قوة «برخان» منذ مطلع العام 2014 مشكلتها الرئيسية بعد انقلابين عسكريين أطاحا برئيسها المنتخب وجاء بسلطة عسكرية تريد البقاء في الحكم لخمس سنوات بعكس وعودها السابقة مستندة لدعم ميليشيا «فاغنير» الروسية. ويتوازى ذلك مع تصاعد الشعور المعادي لفرنسا التي أقرت خطة لخفض عديد قوة «برخان» إلى النصف بحلول العام 2023، لكن مصدر صداع آخر للسلطات الفرنسية استجد أول من أمس مع حصول انقلاب. وحرص عسكري في بوركينا فاسو المجاورة أطاح برئيسها روك مارك كريستيان كابوريه الذي أعيد انتخابه في العام 2020، وعمد الانقلابيون الذين يقودهم الكولونيل بول هنري سانداوغو داميبا إلى تعطيل العمل بالدستور وحل البرلمان والحكومة وإغلاق الحدود كافة واحتجاز الرئيس كابوريه في ثكنة عسكرية في العاصمة واغادوغو مع عدد من كبار المسؤولين. كما أعلن العسكريون نيتهم إعادة البلاد إلى «نظام دستوري مقبول من الجميع» في غضون فترة زمنية «معقولة».
مع التطورات الأخيرة، تكون منطقة الساحل قد عرفت في أقل من عامين ثلاثة انقلابات عسكرية إذ تتعين الإشارة أيضا إلى ما حصل في تشاد عقب مقتل رئيسها إدريس ديبي في معارك مع تمردين شمال البلاد في أبريل (نيسان) من العام الماضي. ذلك أن ابنه الضابط محمد إدريس ديبي عمد، مباشرة عقب مقتل والده، إلى تشكيل مجلس عسكري بإمرته تسلم السلطات في نجامينا وأعلن لاحقا رئيسا للدولة التشادية ضاربا عرض الحائط بالدستور وبآلية انتقال السلطة عقب شغور المنصب الرئاسي. وفي كل مرة، تجد باريس نفسها مضطرة للتنديد علنا بما حصل مع السعي لإيجاد «مخارج» تحافظ على علاقاتها ومصالحها في هذه المنطقة التي تعدها استراتيجية سياسيا واقتصاديا. لذا، لم يكن مفاجئا أن تنتظر باريس عدة ساعات قبل أن تعلق رسميا على التطورات التي هزت واغادوغو.
جاء أول تعليق رسمي أمس على لسان الرئيس إيمانويل ماكرون الذي ندد بالانقلاب. وكما في حالة مالي، فقد حرصت باريس على استعادة المواقف التي تعبر عنها المجموعة الاقتصادية لغرب أفريقيا. وقال ماكرون بعد إشارته إلى اتصالات قام بها مع عدد من قادة المنطقة وعزمه على إجراء اتصالات إضافية، ما حرفيته «بكل وضوح وكما نقوم بذلك دوما، نحن نصطف إلى جانب المنظمة الإقليمية (المجموعة الاقتصادية لغرب أفريقيا) لإدانة الانقلاب العسكري». وذكر ماكرون أن الرئيس كابوريه انتخب مرتين «ديمقراطيا». وقبل الرئيس الفرنسي، أدانت المجموعة الأفريقية الانقلاب كذلك فعل الاتحاد الأفريقي. وجاء في بيان صادر عن موسى فكي، رئيس لجنة الاتحاد «إدانة قوية للمحاولة الانقلابية ضد رئيس انتخب ديمقراطيا». وأضاف فكي: «ندعو الجيش الوطني والقوى الأمنية إلى الالتزام بواجب الجمهورية وهو الدفاع عن الأمن الداخلي والخارجي لهذا البلد». وبطبيعة الحال، أجمعت ردود الفعل على الانقلاب أوروبيا وأميركيا ودوليا على التنديد باستيلاء العسكريين على السلطة والمطالبة بإطلاق سراح الرئيس كابوريه. والأمر نفسه طالبت به المفوضية العليا لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة.
حقيقة الأمر أن وضع باريس في بوركينا فاسو لم يكن مريحا منذ شهور عديدة. ورغم أنه ليست لباريس قاعدة عسكرية في واغادوغو كما هو الحال في مالي أو النيجر، فإن قوة كوماندوز فرنسية تعرف باسم «سابر» «أي السيف» ترابط فيها ومهمتها ملاحقة الإرهابيين. ونشرت هذه القوة التي تعد 350 رجلا وتتبع لـ«قيادة العمليات الخاصة» في بلدان الساحل منذ العام 2008. وأبلغ دليل على ذلك ما حصل في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي حيث أوقفت مظاهرات شعبية في وسط البلاد قافلة إمداد عسكرية فرنسية انطلقت من شاطئ العاج متجهة إلى مالي لأيام لاتهامها بأنها تساعد الإرهابيين. ويأخذ المواطنون على فرنسا عدم دعمها لـبوركينا فاسو في وقف الهجمات الإرهابية التي تضرب شمال بالبلاد وكان أكثرها دموية الهجوم الذي استهدف في الشهر نفسه قاعدة للدرك أسفر عن مقتل 53 شخصا بينهم 49 دركيا. وهذا الحادث أجج الشعور المعادي للحكومة ومهد، بشكل ما، للحركة الانقلابية حيث اتهم كابوريه وحكومته بالعجز عن مواجهة الموجات الإرهابية في شمال البلاد التي قضت على أكثر من ثلاثة ألاف شخص وأدت إلى نزوح 1.3 نسمة إلى مناطق أكثر أمنا.
ليس الكولونيل بول هنري سانداوغو داميبا نكرة في فرنسا. فهذا الضابط البلغ من العمر 41 عاما تأهل، كالكثيرين من الضباط الأفارقة، في المدرسة الحربية في باريس كما أنه حاصل على شهادة ماجستير فرنسية في العلوم الجرمية وعلى شهادة أخرى في علوم القيادة والاستراتيجية. وفي العام 2021 أصدر الكولونيل داميبا كتابا بعنوان: «جيوش غرب أفريقيا والإرهاب: الردود المتأرجحة». وبحسب دار النشر التي أصدرته، فإن الكولونيل داميبا «يقدم تحليلا حول خصائص الإرهاب في غرب أفريقيا والردود التي يتعين توفيرها من قبل جيوش المنطقة ما يشكل انقطاعا مع المقاربات الراهنة لهذا الموضوع». وبالنظر لما سبق، يعد الكولونيل المذكور اختصاصيا في شؤون الإرهاب ليس فقط على المستوى النظري بل أيضا من الناحية العملية، حيث عمل في إطار الجيش شمال وشرق البلاد. وقبل الانقلاب تم تعيينه قائدا عسكريا للمنطقة الثالثة التي تقع شرق البلاد. ولأنه يرأس «الحركة الوطنية للحماية والاستعادة، التي قامت بالانقلاب، فإنه يعد ظاهريا القائد الفعلي في الوقت الحاضر بانتظار ما يصدر من إجراءات عن الانقلابيين.
مهما يكن من أمر، فإن باريس تراقب عن كثب التطورات في بروكينا فاسو. ومشكلتها أنها لا تستطيع التعبير عن مواقف راديكالية من شأنها إحداث قطيعة مع السلطات الجديدة. وبالمقابل، فإنها غير قادرة على إظهار الليونة لأن ذلك يناقض لما تدعو إليه من تعزيز الديمقراطية ووضع حد للانقلابات في القارة.


مقالات ذات صلة

إسبانيا: السجن لأعضاء خلية «إرهابية» خططت لاستهداف مصالح روسية

العالم إسبانيا: السجن لأعضاء خلية «إرهابية» خططت لاستهداف مصالح روسية

إسبانيا: السجن لأعضاء خلية «إرهابية» خططت لاستهداف مصالح روسية

قضت محكمة إسبانية، الجمعة، بالسجن 10 سنوات على زعيم خلية «إرهابية» نشطت في برشلونة، و8 سنوات على 3 آخرين بتهمة التخطيط لهجمات ضد أهداف روسية في المدينة، وفقاً لـ«وكالة الصحافة الفرنسية». وذكرت «المحكمة الوطنية» في مدريد، في بيان، أنها أدانت «4 أعضاء في خلية إرهابية متطرفة مقرُّها برشلونة، حدّدوا أهدافاً روسية لتنفيذ هجمات ضدَّها في عاصمة كاتالونيا بشمال شرقي إسبانيا. وأضافت المحكمة، المسؤولة خصيصاً عن قضايا «الإرهاب»، أنها برّأت شخصين آخرين. وجاء، في البيان، أن زعيم الخلية «بدأ تحديد الأهداف المحتملة، ولا سيما المصالح الروسية في عاصمة كاتالونيا، وأنه كان في انتظار الحصول على موادّ حربية». وأوض

«الشرق الأوسط» (مدريد)
العالم اعتقال سوري بتهمة التخطيط لهجمات في ألمانيا

اعتقال سوري بتهمة التخطيط لهجمات في ألمانيا

أعلنت السلطات الألمانية، الثلاثاء، القبض على سوري، 28 عاماً، في هامبورغ للاشتباه في تخطيطه شن هجوم ارهابي. وأعلن المكتب الاتحادي للشرطة الجنائية، والمكتب الإقليمي للشرطة الجنائية في ولاية هامبورغ، ومكتب المدعي العام في الولاية أنه يُشتبه أيضاً في أن شقيق المتهم الذي يصغره بأربع سنوات، ويعيش في مدينة كمبتن ساعده في التخطيط. ووفق البيانات، فقد خطط الشقيقان لشن هجوم على أهداف مدنية بحزام ناسف قاما بصنعه.

«الشرق الأوسط» (هامبورغ)
العالم هولندا تُدين أربع نساء أعادتهن من سوريا بتهمة الإرهاب

هولندا تُدين أربع نساء أعادتهن من سوريا بتهمة الإرهاب

حكمت محكمة هولندية، اليوم (الخميس)، على أربع نساء، أعادتهنّ الحكومة العام الماضي من مخيّم للاجئين في سوريا، بالسجن لفترات تصل إلى ثلاث سنوات بعد إدانتهنّ بتهم تتعلق بالإرهاب. وفي فبراير (شباط) 2022 وصلت خمس نساء و11 طفلاً إلى هولندا، بعدما أعادتهنّ الحكومة من مخيّم «الروج» في شمال شرقي سوريا حيث تُحتجز عائلات مقاتلين. وبُعيد عودتهنّ، مثلت النساء الخمس أمام محكمة في روتردام، وفقاً لما أوردته وكالة الصحافة الفرنسية، حيث وجّهت إليهن تهمة الانضمام إلى مقاتلين في تنظيم «داعش» في ذروة الحرب في سوريا، والتخطيط لأعمال إرهابية. وقالت محكمة روتردام، في بيان اليوم (الخميس)، إنّ النساء الخمس «قصدن ساحات ل

«الشرق الأوسط» (لاهاي)
العالم قتيلان بإطلاق نار في هامبورغ

قتيلان بإطلاق نار في هامبورغ

أفادت صحيفة «بيلد» الألمانية بسقوط قتيلين عقب إطلاق نار بمدينة هامبورغ اليوم (الأحد). وأوضحت الصحيفة أنه تم استدعاء الشرطة قبيل منتصف الليل، وهرعت سياراتها إلى موقع الحادث. ولم ترد مزيد من التفاصيل عن هوية مطلق النار ودوافعه.

«الشرق الأوسط» (برلين)
العالم الادعاء الألماني يحرّك دعوى ضد شابين بتهمة التخطيط لشن هجوم باسم «داعش»

الادعاء الألماني يحرّك دعوى ضد شابين بتهمة التخطيط لشن هجوم باسم «داعش»

أعلن الادعاء العام الألماني في مدينة كارلسروه، اليوم (الخميس)، تحريك دعوى قضائية ضد شابين إسلاميين بتهمة الإعداد لشن هجوم في ألمانيا باسم تنظيم «داعش». وأوضح الادعاء أنه من المنتظر أن تجري وقائع المحاكمة في المحكمة العليا في هامبورغ وفقاً لقانون الأحداث. وتم القبض على المتهمَين بشكل منفصل في سبتمبر (أيلول) الماضي وأودعا منذ ذلك الحين الحبس الاحتياطي. ويُعْتَقَد أن أحد المتهمين، وهو كوسوفي - ألماني، كان ينوي القيام بهجوم بنفسه، وسأل لهذا الغرض عن سبل صنع عبوة ناسفة عن طريق عضو في فرع التنظيم بأفغانستان. وحسب المحققين، فإن المتهم تخوف بعد ذلك من احتمال إفشال خططه ومن ثم عزم بدلاً من ذلك على مهاج

«الشرق الأوسط» (كارلسروه)

إطلاق نار كثيف في مقر إقامة رئيس الاستخبارات السابق بجنوب السودان

جوبا عاصمة جنوب السودان (مواقع التواصل)
جوبا عاصمة جنوب السودان (مواقع التواصل)
TT

إطلاق نار كثيف في مقر إقامة رئيس الاستخبارات السابق بجنوب السودان

جوبا عاصمة جنوب السودان (مواقع التواصل)
جوبا عاصمة جنوب السودان (مواقع التواصل)

وقع إطلاق نار كثيف، الخميس، في جوبا عاصمة جنوب السودان بمقر إقامة رئيس الاستخبارات السابق، أكول كور، الذي أقيل الشهر الماضي، حسبما أكد مصدر عسكري، فيما تحدّثت الأمم المتحدة عن محاولة لتوقيفه.

وبدأ إطلاق النار نحو الساعة السابعة مساء (17.00 ت.غ) قرب مطار جوبا واستمر زهاء ساعة، بحسب مراسلي «وكالة الصحافة الفرنسية».

وأبلغت الأمم المتحدة في تنبيه لموظفيها في الموقع، عن إطلاق نار «مرتبط بتوقيف الرئيس السابق لجهاز الاستخبارات»، ناصحة بالبقاء في أماكن آمنة.

وقال نول رواي كونغ، المتحدث العسكري باسم قوات الدفاع الشعبي لجنوب السودان، لإذاعة بعثة الأمم المتحدة في البلاد (مينوس) إنه «حصل إطلاق نار في مقر إقامة رئيس الاستخبارات السابق».

وأضاف: «شمل ذلك قواتنا الأمنية التي تم نشرها هناك لتوفير مزيد من الأمن».

وتابع: «لا نعرف ماذا حدث، وتحول سوء التفاهم هذا إلى إطلاق نار»، و«أصيب جنديان بالرصاص». وأضاف: «بعد ذلك هرعنا إلى مكان الحادث... وتمكنا من احتواء الموقف عبر إصدار أمر لهم بالتوقف».

وقال: «مصدر عسكري مشارك في العملية» لصحيفة «سودانز بوست» اليومية، إن أكول كور أوقف بعد قتال عنيف خلف «عشرات القتلى والجرحى من عناصره»، لكن التوقيف لم يتأكد رسمياً حتى الآن.

وأظهرت صور انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي وأخرى نشرتها الصحيفة شبه توقف لحركة المرور بالقرب من مقر إقامة رئيس الاستخبارات السابق، حيث فر سائقون خائفون بعد سماع إطلاق النار تاركين سياراتهم، وفقاً لصحيفة «سودانز بوست».

وأقال رئيس جنوب السودان سلفاكير في أكتوبر (تشرين الأول) رئيس جهاز الاستخبارات الوطنية أكول كور الذي تولى منصبه منذ استقلال البلاد عام 2011، وكلّفه تولي منصب حاكم ولاية واراب التي تشهد اضطرابات.

ولم تُحدّد أسباب هذه الخطوة. ويأتي هذا القرار بعد أسابيع من إعلان الحكومة تأجيلاً جديداً لعامين، لأول انتخابات في تاريخ البلاد، كان إجراؤها مقرراً في ديسمبر (كانون الأول).

بعد عامين على استقلاله، انزلق جنوب السودان إلى حرب أهلية دامية عام 2013 بين الخصمين سلفاكير (الرئيس) ورياك مشار (النائب الأول للرئيس)، ما أسفر عن مقتل 400 ألف شخص وتهجير الملايين.