ثاني أكبر توغل صيني في منطقة الدفاع الجوي التايوانية

طائرات صينية مقاتلة من طراز جي-10 خلال معرض الطيران الدولي في الصين عام 2014 (رويترز)
طائرات صينية مقاتلة من طراز جي-10 خلال معرض الطيران الدولي في الصين عام 2014 (رويترز)
TT
20

ثاني أكبر توغل صيني في منطقة الدفاع الجوي التايوانية

طائرات صينية مقاتلة من طراز جي-10 خلال معرض الطيران الدولي في الصين عام 2014 (رويترز)
طائرات صينية مقاتلة من طراز جي-10 خلال معرض الطيران الدولي في الصين عام 2014 (رويترز)

نفذت طائرات حربية صينية 39 توغلاً في منطقة الدفاع الجوي التايوانية، أمس (الأحد)، على ما أعلنت حكومة الجزيرة، في ثاني أكبر عملية توغل يومي تسجّل حتى اللحظة.
وتعيش تايوان تحت تهديد دائم من احتمال تعرّضها للغزو من قبل الصين، التي تعدّ الجزيرة ذات الحكم الذاتي الديمقراطي جزءاً من أراضيها وتصرّ على وجوب استعادتها، بالقوة إذا لزم الأمر.
وازدادت عمليات التوغل الصينية بشكل كبير في الربع الأخير من العام 2021 في منطقة «تمييز الهوية لأغراض الدفاع الجوي التايوانية (أديز)»؛ إذ تمّت أكبر عملية توغل يومية في الرابع من أكتوبر (تشرين الأول)، عندما دخلت 56 مقاتلة صينية المنطقة.
وقالت وزارة الدفاع التايوانية في بيان في وقت متأخر الأحد، إن 39 طائرة صينية دخلت منطقة تمييز الهوية لتايوان - ثاني أكبر عدد من التوغلات على الإطلاق -، وهو رقم يتساوى مع ذاك المسجّل في الثاني من أكتوبر العام الماضي.
وأكدت، أنها نشرت طائراتها لبث التحذيرات الأحد واستخدمت أنظمة الدفاع الصاروخي لتعقّب الطائرات التي دخلت منطقتها.
https://www.youtube.com/watch?v=Y4K_yQ_L1lM
ومن بين الطائرات المشاركة في هذه العملية 24 مقاتلة من طراز «جاي - 16» و10 مقاتلات من طراز «جاي - 10»، إضافة إلى قاذفة «إتش - 6» ذات القدرة النووية.
ولا يزال سبب إطلاق الصين عملية بهذا الحجم غير واضح.
لكن التوغلات تأتي على وقع تدريبات عسكرية بحرية أميركية - يابانية في بحر الفليبين، وهي منطقة تشمل مسطحات مائية شرق تايوان.
وشاركت عشر سفن تابعة للبحرية الأميركية بينها حاملتا الطائرات «يو إس إس كارل فينسن» و«يو إس إس أبراهام لينكلن»، في التدريبات مع اليابان التي جرت من 17 وحتى 22 يناير (كانون الثاني) «للردع والاستجابة بشكل فاعل».
وبدأت وزارة الدفاع التايوانية الإعلان عن توغلات الطائرات الحربية الصينية في «أديز» في سبتمبر (أيلول) 2020.
وشهد أكتوبر الماضي أكبر عدد من التوغلات بالمطلق؛ إذ سُجّلت 196 عملية، جاءت 149 منها خلال أربعة أيام فقط تزامنت مع احتفال بكين بعيدها الوطني.
ومنطقة تحديد الدفاع الجوي ليست هي نفسها المجال الجوي الإقليمي لتايوان، ولكنها تشمل منطقة أكبر بكثير تتداخل مع جزء من «منطقة تمييز الهوية لأغراض الدفاع الجوي» التابعة للصين.
وكثّفت بكين الضغط على تايوان منذ انتخبت تساي إنغ - وين رئيسة عام 2016، علماً بأنها تعتبر الجزيرة دولة مستقلة لا جزءا من «الصين الواحدة».
وسجّلت تايوان العام الماضي 969 عملية توغل نفّذتها طائرات حربية صينية في منطقة «أديز» التابعة لها، وفق بيانات جمعتها وكالة الصحافة الفرنسية، وهو عدد أعلى بالضعف تقريباً عن ذاك المسجّل في 2020 والبالغ 380 تقريباً.
وشهد سلاح الجو التايواني على سلسلة حوادث دامية في السنوات الأخيرة، بينما يتعرّض أسطول الجزيرة المتقادم إلى ضغط متواصل من الصين.
وأوقف سلاح الجو بشكل مؤقت استخدام جميع المقاتلات من طراز «إف - 16» في وقت سابق من الشهر بعدما تحطّمت طائراته الأكثر تقدّماً من طراز «إف - 16» في البحر خلال عملية تدريب روتينية؛ ما أسفر عن مقتل طيار.



عالم الجيوبوليتيك... بين الترابط والانفصال

الرئيس الأميركي دونالد ترمب يتحدث مع صحافيين على متن الطائرة الرئاسية الأحد (رويترز)
الرئيس الأميركي دونالد ترمب يتحدث مع صحافيين على متن الطائرة الرئاسية الأحد (رويترز)
TT
20

عالم الجيوبوليتيك... بين الترابط والانفصال

الرئيس الأميركي دونالد ترمب يتحدث مع صحافيين على متن الطائرة الرئاسية الأحد (رويترز)
الرئيس الأميركي دونالد ترمب يتحدث مع صحافيين على متن الطائرة الرئاسية الأحد (رويترز)

يشهد عالم اليوم ما يُسمّى «التحوّل النموذجي» (Paradigm Shift)، وفي أبعاد عدّة، منها الاجتماعي والاقتصاديّ، والتكنولوجي وبالطبع الجيوسياسيّ. التحوّل النموذجيّ يعني أن العالم يمرّ بمرحلة الانتقال من منظومة قديمة، كانت لها قواعدها وقوانينها وثقافتها وتوازناتها، إلى مرحلة لم تتّضح فيها الضوابط بعد. تُعدّ هذه المرحلة الانتقالية الأخطر على الأمن والسلم العالميّين.

في تسعينات القرن الماضي، أطاحت العولمة بكل الضوابط والحدود، لكن بطريقة سلميّة. يشهد عالم اليوم الانكماش والتراجع عن الانفتاح. وفي الحالتَيْن، يكون التأثير على التوازنات الجيوسياسيّة في النظام العالمي مختلفاً. في التسعينات، فتحت أميركا نفسها، وانفتحت على العالم بشكل لم يسبق له مثيل.

صورة من فيديو لمناورات صينية بالذخيرة الحية في محيط بحر الصين الشرقي (أرشيفية - رويترز)
صورة من فيديو لمناورات صينية بالذخيرة الحية في محيط بحر الصين الشرقي (أرشيفية - رويترز)

قرّرت أميركا اليوم الانحسار. عندما انفتحت على العالم ثبّتت نفسها بصفتها أولى بين متساوين، حتى الوصول إلى درجة الأحاديّة. تنحسر اليوم أميركا، مع الرئيس ترمب، في شكل لم تتظهّر معالمه وتداعياته الكاملة بعد، على العالم وعلى الداخل الأميركيّ أيضاً. وعليه يمر عالم اليوم بحالة من اللاتوازن. وفي حالة اللاتوازن، تستغلّ عادة القوى العظمى، والكبرى، وضمنها القوى الإقليميّة، هذا الوضع، وهذه الفرصة الجيوسياسيّة، لتحقيق أحلامها وأهدافها، خاصة عبر التوسّع الجغرافي، أو عبر الهروب من التحالفات، والاصطفاف في مكان آخر.

الترابط والانفصال

تفتح روسيا الباب أمام أميركا الآن، لكنها مع الصين في شراكة لا حدود لها. تقاتل الوحدات الخاصة من كوريا الشمالية في روسيا ضدّ أوكرانيا، كما تمدّ كوريا الشمالية روسيا بالذخيرة والصواريخ، علماً بأن ترمب سبق أن هدّد في ولايته الأولى بتدمير كوريا الشمالية، قبل أن يعقد محادثات مع زعيمها كيم جونغ أون. تُصنّف كوريا الشمالية اليوم ضمن مجموعة الدول التي تملك أسلحة نوويّة، وبذلك تشكّل، بسبب قربها الجغرافيّ من الصين، خطراً استراتيجياً على الأمن القومي الصيني، علماً بأن التنين الصيني يحاول حالياً فرض منطقة نفوذ في محيطه تشمل بحر الصين الجنوبي وتايوان وفيتنام وكوريا بشطرَيْها الشمالي والجنوبي.

وزير الدفاع الأميركي الجديد بيت هيغسيث ورئيس الوزراء الياباني شيغيرو إيشيبا في طوكيو 30 مارس 2025 (أ.ف.ب)
وزير الدفاع الأميركي الجديد بيت هيغسيث ورئيس الوزراء الياباني شيغيرو إيشيبا في طوكيو 30 مارس 2025 (أ.ف.ب)

هناك شراكة «دون حدود» بين الصين وروسيا، لكن منطقة نفوذ الصين الحالية في آسيا الوسطى، تهدّد منطقة النفوذ الروسية التاريخيّة. كما أن المشروع الكوني للرئيس الصيني شي جينبينغ، «الحزام والطريق»، يمرّ حكماً في مناطق النفوذ الروسي.

في المقابل، تنشر أميركا في الفلبين صواريخ «تايفون» القادرة على ضرب كل الساحل الصيني الشرقي، كما تعزز القدرات الدفاعية لتايوان. لكن روسيا تشارك الصين في الكثير من المناورات البحريّة على حدود اليابان، الحليف المركزي للعم سام في الشرق الأقصى.

تستعجل الصين التحضير العملانيّ لضم جزيرة تايوان بالقوة، إذا تعثّرت القوة الناعمة عن تحقيق الأهداف. وحسب بعض الخبراء، تعتمد الصين على استراتيجية تجاه تايوان ترتكز على أربعة أسس هي: الإذلال، والإكراه، والعقاب، ومن ثمّ الاجتياح بوصفه حلاً أخيراً. ولذلك تعتمد الصين في محيطها الشرقي، ولتأمين منطقة نفوذها، على استراتيجيّة «الملفوف» (Cabbage)، بدل «السلامي» (Salami Tactic). فما الفارق بين المقاربتَيْن؟ ترتكز مقاربة «السلامي» على القضم المتدرّج للشرائح واحدة بعد الأخرى. لكن ما يربط شرائح «السلامي» بعضها ببعض يبقى هشّاً. أما استراتيجيّة «الملفوف» فهي تقوم على حماية كل إنجاز بإنجاز آخر يحميه ويٌحصّنه، وعلى عدّة مستويات وطبقات (Layers) تلتف حول بعضها، كما تلتف أوراق «الملفوف» على القلب. فإذا ما أراد البعض الوصول إلى القلب، فعليه المرور بطبقات عدة، الأمر الذي يبدو مُكلفاً.

جندي أوكراني يطلق قذيفة مدفعية باتجاه مواقع روسية على الجبهة الأحد (رويترز)
جندي أوكراني يطلق قذيفة مدفعية باتجاه مواقع روسية على الجبهة الأحد (رويترز)

تعاني تايوان من استراتيجيّة الغموض الأميركيّ تجاه مصير الجزيرة؛ فهل سيكون مصيرها مثل مصير أوكرانيا مع الإدارة الجديدة؟ وماذا لو هاجمت الصين الجزيرة واستبقت أي تحضير أميركيّ؟ أتى الردّ الأميركيّ على القلق التايواني بطريقة غير مباشرة؛ ولكن كيف؟

عمّمت وزارة الدفاع الأميركيّة (البنتاغون) مؤخراً مذكّرة تحت اسم «توجيهات سريّة ومؤقّتة» تشرح فيها رؤية الرئيس دونالد ترمب تجاه الصين. تطلب المذكّرة التحضير العسكري للانتصار في أيّ حرب مستقبليّة مع الصين. تعدّ المذكّرة أن الصين تشكّل الخطر الأوحد على الولايات المتحدة، ومن الضروري ردعها كي لا تفرض أمراً واقعاً (Fait Accompli) باحتلال الجزيرة.

وفي هذا الإطار، زار وزير الدفاع الأميركي الجديد، بيت هيغسيث، مؤخراً كلاً من الفلبين واليابان. ولإرضاء ترمب، قررت تايوان وعبر أهم شركة مُصنّعة للشرائح الذكيّة في العالم، استثمار ما يُقارب من 100 مليار دولار في الداخل الأميركي.

في الختام يُنظّر المفكّر والمحاضر في جامعة تكساس، إيونوت بوبيسكو، في كتابه «لا نظراء منافسون» (No Peer Rivals)، أن على الولايات المتحدة، وكي تبقى مهيمنة، وكي تحافظ على نفسها بصفتها القوة العظمى الوحيدة في العالم، أن تعتمد الواقعية الهجوميّة والاستراتيجية الكبرى التالية: «الهيمنة (الأميركية) على المحيط المباشر، ومنع الصين من الهيمنة على محيطها المباشر كي لا تنطلق منه إلى الهيمنة العالمية». فهل تشكّل تايوان مفتاح الهيمنة الصينيّة على محيطها، والباب للهيمنة العالميّة؟ وأين تصبّ سياسة ترمب الخاصة بغرينلاند وكندا وقناة بنما؟ وهل تدخل الحرب التجارية مع العالم في هذا الإطار؟ إن غداً لناظره قريب.