السياسة تفرض طابعها على ربطة العنق وسط تذبذبات السوق

تحدد أناقتك وشخصيتك وتشهد مبيعاتها انتعاشًا

من عرض «هاكيت»، (وسط) من عرض جيورجيو أرماني
من عرض «هاكيت»، (وسط) من عرض جيورجيو أرماني
TT

السياسة تفرض طابعها على ربطة العنق وسط تذبذبات السوق

من عرض «هاكيت»، (وسط) من عرض جيورجيو أرماني
من عرض «هاكيت»، (وسط) من عرض جيورجيو أرماني

قوة الأزياء وتأثيرها أصبحا واقعا معيشا، يعرفه أعتى السياسيين ويستغلونه في حملاتهم الانتخابية، إما من خلال ألوان يعرفون أنها تعكس صورة واثقة أو منفتحة أو مهدئة، أو تصاميم تخاطب كل شرائح المجتمع ببساطة أناقتها. فعلى العكس من الخطابات الرنانة والأجندات الطويلة التي تشرح طموحات كل مرشح، للأزياء والإكسسوارات لغة صامتة وفعالة. فهي أول ما يخضع للتشريح والتمحيص من قبل المراقبين، من جهة، كما تكشف بعض الجوانب التي لا يريد صاحبها أن يكشف عنها، من جهة ثانية.
صحيح أنه لا أحد يتوقع من السياسي أن يعانق ألوانا صارخة، ونقشات متضاربة، أو بنطلونات قصيرة أو سترات ضيقة تواكب صرعات الموضة أو توجهاتها، لكن المتوقع منه أن يبدو مرتبا ومنتبها إلى التفاصيل، وعلى رأسها ربطة العنق. فهذه بمثابة الترمومتر الذي يحدد أناقة الش3.خص، كما أنها أول ما يثير الانتباه في مظهره. لهذا يفضل أن تكون بلون هادئ بدرجات الأحمر أو الأزرق حتى تضفي بعض الحيوية على بدلة كلاسيكية بلون داكن من دون أن تصدم الناظر. فالأزرق والأخضر والليلكي في العرف السياسي، ألوان مضمونة تعكس دائما صورة إيجابية مهدئة، بينما يشع الأحمر بالجرأة والشجاعة، والبرتقالي بالأمل والتفاؤل والرغبة في التغيير وهكذا. الملاحظ في الحملة الانتخابية التي تخوضها الأحزاب البريطانية حاليا، أن أغلب المتنافسين، من ديفيد كاميرون إلى إيد ميليباند وجورج أوزبورن وداني ألكسندر وإيد بولز، طلقوا الألوان البراقة واستعاضوا عنها برابطات «لا لون أو طعم لها»، ما جعل البعض يتساءل ما إذا كانت هذه الرتابة تعكس الوضع السياسي الحالي، أم هي خيار مدروس نابع من خوفهم من قوة الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي التي لا ترحم أي خطأ مهما كان صغيرا في حال ما سولت لهم أنفسهم الاختلاف أو الخروج عن النص المكتوب. يقول مايكل هيل، المصمم الفني لشركة «درايكس» المتخصصة في ربطات العنق «ربما يعود الأمر إلى أنهم يضعون آمالهم على حكومة ائتلافية ثانية، وهذه الألوان الطينية تشير إلى عدم التفاؤل وأنهم مستعدون لكل الاحتمالات». إيحاءات ربطة العنق ليست وليدة الساعة، فإلى جانب إضفاء الأناقة على بدلة رسمية، كانت إلى عهد قريب تشير إلى انتماء الرجل إلى مدرسة أو جامعة معينة أو ناد نخبوي أو حزب، ولم تتراجع هذه الوظيفة إلا بعد أن بدأ أمثال المصمم رالف لوران يطرحونها بهذه الألوان النخبوية، لكل من له الرغبة في الحصول عليها، ما أفقدها خصوصيتها وجعلها تقتصر على الأناقة.
الآن أهميتها، أو قوة تأثيرها، لا تقتصر على السياسيين أو على النجوم فحسب، بل تشمل الرجل العادي، لا سيما أن الإكسسوارات الخاصة به تبقى محدودة مقارنة بما هو متاح للمرأة. شركة «درايكس» لاحظت ارتفاعا ملموسا في مبيعاتها مؤخرا، إلى حد أنها أصبحت تنتج ما لا يقل عن 3000 ربطة عنق في الأسبوع، وهو رقم لم يكن يخطر على البال منذ 20 سنة تقريبا عندما كان الرجل يتعامل معها كشر لا بد منه، خصوصا أن ربطها كان عملية مضنية ومتعبة لا يتقنها الكل، ما كان يتطلب منه عدة دقائق يقضيها في عقدها قبل أن يتوجه إلى العمل.
ثم جاءت حقبة توني بلير التي خففت من رسمية ملابس العمل، وأصبح بالإمكان التوجه إلى المكتب ببنطلون جينز وسترة عوض بدلة وقميص كلاسيكي. وكان من بين أول ما تخلص منه البعض، ربطة العنق. الملياردير البريطاني ريتشارد برانسون، كان واحدا من هؤلاء. الطريف أنه لم يكتف بالاستغناء عنها، بل قاد حملة ضدها، بعنوان «باي تو دو تاي» أي وداعا لربطة العنق، قطع فيها مجموعة من ربطات العنق بالمقص على الملأ. ووصلت الحملة ضدها إلى المنظمات الصحية ببريطانيا، التي طلبت في عام 2006 من الأطباء عدم استعمالها في المستشفيات، لأنها تساعد على نشر الميكروبات. وكان من الطبيعي أن تتعرض بعض الشركات المنتجة لها للإفلاس مثل شركة «تاي راك» التي كان لها أكثر من 450 فرعا في التسعينات.
مرت السنوات، وخفت مشاعر الرجل السلبية تجاه هذا الإكسسوار، بل اشتاق إليه خصوصا بعد ظهور أمثال ديفيد بيكام وتيني تامبا وجاستين تيمبرلايك وإيدي رايدمان وغيرهم بها في الكثير من المناسبات. السبب الآخر أنها أصبحت خيارا وليست فرضا كما كانت في عهد الآباء والأجداد، حتى بالنسبة للسياسيين، وإن كان مظهرهم يبدو مفتعلا من دونها، يشي إما بمحاولة لإقناع العامة بأنهم مستمعون جيدون لنبض الشارع ومواكبون لتغيراته، وإما برغبة في إظهار أنهم يتمتعون بروح شبابية.
وإذا كانت القاعدة أنه على السياسيين أن يتبنوها دائما لأن مظهرهم يبدو نشازا من دونها، فإن قواعدها بالنسبة للرجل العادي مختلفة في ظل تنامي موضة المظهر الـ«كاجوال» أو المنطلق حتى في أماكن العمل.
خياطو محلات شارع «سافيل رو» لمسوا إقبال الشباب عليها، ولا يخفون أنها تشهد نهضة ذهبية. لكن رغم أنهم يؤمنون بأنها تلعب دورا كبيرا في الارتقاء بمظهر أي رجل، ومنحه صورة توحي بالثقة والقوة، فإنهم ينصحون بضرورة اختيارها بخامة جيدة وألوان عصرية. هذا تحديدا ما تأكد منه باتريك دادلي ويليامز، مؤسس شركة «ريف نوتس» الذي ترك العمل في أسواق البورصة للتفرغ لتصميمها وتوفيرها. نجح مشروعه سريعا، وأصبحت لائحة زبائنه تضم كثيرا من النجوم والسياسيين على حد سواء. يعود السبب إلى أن ربطاته تتميز بالخفة وتمنح صاحبها الراحة، بحسب شهادات من استعملوها، فضلا عن أنها بأسعار مناسبة. تتميز أيضا ببعض الشقاوة بفضل نقشاتها وألوانها، وهذا يعني أنه خلصها من الرسمية التي كانت تخنقها وتجعل البعض يعزف عنها، وأضفى عليها عنصر المرح، وهو كل ما كان مطلوبا. تبريره أن جيل الشباب يريد تبينها، وفي الوقت ذاته لا يريد أن يبدو فيها صارما أو يشبه غيره «بالعكس فهو يريد أن يكون متميزا ومختلفا، ولا يمانع في ربطة تكشف بعض الجوانب من شخصيته على شرط أن تضيف إليه لا أن تكون مجرد إضافة جامدة».

* أحوال ربطة العنق مثل أحوال البورصة، تمر بتذبذبات. ففي الستينات مثلا، ومع ظهور موجة الهيبيز، توقع الجميع أن تختفي تماما، لكنها عادت بقوة في الثمانينات، ثم توارت بعض الشيء في التسعينات لتشهد عصرا ذهبيا جديدا في السنوات الأخيرة.
* لم تعد عنوانا للرسمية بقدر ما أصبحت تعبيرا عن التفرد الشخصي.
* من القرن السابع عشر حين ظهرت لأول مرة إلى اليوم، عكست رابطة العنق تطور العصر وتغيراته، من حيث تصاميمها وخاماتها والترصيعات التي أضيفت إليها.
*لا يختلف اثنان أنها أول ما يلفت الانتباه، لهذا فإن اختيارها بلون يناسب البشرة وباقي الأزياء مهم إلى جانب طريقة عقدها ومدى سمكها.
* طولها يجب أن يلامس الحزام لا أن يتعداه أو يجلس فوقه ولو بإنش واحد.
* يفضل ألا تكون عريضة جدا، لأنها تبدو مغرقة في الرسمية وغير عصرية، أو نحيفة جدا. خير الأمور دائما أوسطها.
* رغم أن نقشات البايزلي أو الربطات المصنوعة من التويد موضة أنيقة هذه الأيام، فإن الخيار الأمثل دائما أن تكون بلون واحد لأنها في هذه الحالة تتناغم مع
أي قميص، سواء كان أبيض أو مقلما أو بنقشات. إذا كانت بالأسود مع بدلة رمادية وقميص أبيض فإنها تبدو رسمية ومناسبة للمساء، أما إذا كانت مع جاكيت من الجلد أو الجينز فهي تكتسب حيوية وشبابية.



الجينز الياباني... طرق تصنيعه تقليدية وأنواله هشة لكن تكلفته غالية

في معمل كوجيما تعكف عاملة على كي قماش الدنيم (أ.ف.ب)
في معمل كوجيما تعكف عاملة على كي قماش الدنيم (أ.ف.ب)
TT

الجينز الياباني... طرق تصنيعه تقليدية وأنواله هشة لكن تكلفته غالية

في معمل كوجيما تعكف عاملة على كي قماش الدنيم (أ.ف.ب)
في معمل كوجيما تعكف عاملة على كي قماش الدنيم (أ.ف.ب)

تحظى سراويل الجينز اليابانية المصبوغة يدوياً بلون نيلي طبيعي، والمنسوجة على أنوال قديمة، باهتمام عدد متزايد من عشاق الموضة، الذين لا يترددون في الاستثمار في قطع راقية بغض النظر عن سعرها ما دامت مصنوعةً باليد. وعلى هذا الأساس يتعامل كثير من صُنَّاع الموضة العالمية مع ورشات يابانية متخصصة في هذا المجال؛ فهم لا يزالون يحافظون على كثير من التقاليد اليدوية في صبغ قطنه وتصنيعه من الألف إلى الياء.

يوضع القطن في وعاء يحتوي على سائل أزرق داكن لا يلوّنها وحدها بل أيضاً أيدي العاملين (أ.ف.ب)

داخل مصنع «موموتارو جينز» الصغير في جنوب غربي اليابان، يغمس يوشيهارو أوكاموتو خيوط قطن في وعاء يحتوي على سائل أزرق داكن يلوّن يديه وأظافره في كل مرّة يكرر فيها العملية. يتم استيراد هذا القطن من زيمبابوي، لكنّ الصبغة النيلية الطبيعية المستخدَمة مُستخرجةٌ في اليابان، ويؤكد أوكاموتو أنّ لونها غني أكثر من الصبغات الاصطناعية. وكانت هذه الطريقة التي يشير إلى أنها «مكلفة» و«تستغرق وقتاً طويلاً»، شائعةً لصبغ الكيمونو في حقبة إيدو، من القرن السابع عشر إلى القرن التاسع عشر.

العمل في هذه المصانع صارم فيما يتعلق بمختلف جوانب التصنيع من صبغة إلى خياطة (أ.ف.ب)

وتشكِّل «موموتارو جينز» التي أسستها عام 2006 «جابان بلو»، إحدى عشرات الشركات المنتِجة لسراويل الجينز، ويقع مقرها في كوجيما، وهي منطقة ساحلية تشتهر بجودة سلعها الحرفية، بعيداً عن سراويل الجينز الأميركية المُنتَجة على نطاق صناعي واسع. ويقول رئيس «جابان بلو»، ماساتاكا سوزوكي، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «نحن صارمون جداً فيما يتعلق بمختلف جوانب التصنيع». ويشمل ذلك «جودة الخياطة والصبغة»، ما يجعل الاعتماد على مهارات التصنيع التقليدية للحرفيين المحليين، مسألة ضرورية.

بيد أن كل ما هو منسوج يدويا ومصنوع بهذا الكم من الحرفية له تكلفته، إذ يبلغ سعر النموذج الرئيسي من الجينز الذي تنتجه «موموتارو» نحو 193 دولاراً. أما النموذج الأغلى والمنسوج يدوياً على آلة خشبية محوّلة من آلة نسج كيمونو فاخرة، فيتخطى سعره 1250 دولاراً.

يعمل أحد الحرفيين على تنفيذ بنطلون جينز باليد بصبر رغم ما يستغرقه من وقت (أ.ف.ب)

ومع ذلك، ازداد الاهتمام بما تنتجه «جابان بلو» على أساس أنها إحدى ماركات الجينز الراقية على غرار «إيفيسو»، و«شوغر كين». وتمثل الصادرات حالياً 40 في المائة من مبيعات التجزئة، كما افتتحت الشركة أخيراً متجرها السادس في كيوتو، ويستهدف السياح الأثرياء بشكل خاص. يشار إلى أن صناعة الجينز ازدهرت في كوجيما بدءاً من ستينات القرن العشرين لما تتمتع به المنطقة من باع طويل في زراعة القطن وصناعة المنسوجات. وخلال حقبة إيدو، أنتجت المدينة حبالاً منسوجة للساموراي لربط مقابض السيوف. ثم تحوّلت بعد ذلك إلى صناعة «تابي»، وهي جوارب يابانية تعزل إصبع القدم الكبير عن الأصابع الأخرى، وانتقلت فيما بعد إلى إنتاج الأزياء المدرسية.

تعدّ سراويل الجينز الياباني من بين أغلى الماركات كونها مصنوعة ومصبوغة باليد (أ.ف.ب)

ويقول مايكل بندلبيري، وهو خيّاط يدير مشغل «ذي دينيم دكتور» لتصليح الملابس في بريطانيا، إنّ سوق سراويل الجينز اليابانية «نمت خلال السنوات الـ10 إلى الـ15 الماضية». ومع أنّ محبي الجينز في الدول الغربية يبدون اهتماماً كبيراً بهذه السراويل، «لا يمكن للكثيرين تحمل تكاليفها»، بحسب بندلبيري. ويتابع قائلاً: «إن ماركات الجينز ذات الإنتاج الضخم مثل (ليفايس) و(ديزل) و(رانغلر) لا تزال الأكثر شعبية، لكن في رأيي تبقى الجودة الأفضل يابانية». ويرى في ضعف الين وازدهار السياحة فرصةً إضافيةً لانتعاش سوق هذه السراويل.

رغم هشاشتها والضجيج الذي ينبعث منها فإن الأنوال القديمة لا تزال هي المستعملة احتراماً للتقاليد (أ.ف.ب)

يعزز استخدام آلات النسيج القديمة رغم هشاشتها والضجيج الذي ينبعث منها، وبالتالي لا تملك سوى رُبع قدرة أنوال المصانع الحديثة، من سمعة «موموتارو جينز» التي تعود تسميتها إلى اسم بطل شعبي محلي. وغالباً ما تتعطَّل هذه الأنوال المصنوعة في الثمانينات، في حين أنّ الأشخاص الوحيدين الذين يعرفون كيفية تصليحها تزيد أعمارهم على 70 عاماً، بحسب شيغيرو أوشيدا، وهو حائك حرفي في موموتارو.

يقول أوشيدا (78 عاماً)، وهو يمشي بين الآلات لرصد أي صوت يشير إلى خلل ما: «لم يبقَ منها سوى قليل في اليابان» لأنها لم تعد تُصنَّع. وعلى الرغم من تعقيد هذه الآلات، فإنه يؤكد أنّ نسيجها يستحق العناء، فـ«ملمس القماش ناعم جداً... وبمجرّد تحويله إلى سروال جينز، يدوم طويلاً».