هل سيرضخ الغرب لمطالب بوتين بعدم توسع {الناتو}؟

بوتين يراقب المناورات العسكرية الروسية المشتركة مع بيلاروسيا (أ.ب)
بوتين يراقب المناورات العسكرية الروسية المشتركة مع بيلاروسيا (أ.ب)
TT

هل سيرضخ الغرب لمطالب بوتين بعدم توسع {الناتو}؟

بوتين يراقب المناورات العسكرية الروسية المشتركة مع بيلاروسيا (أ.ب)
بوتين يراقب المناورات العسكرية الروسية المشتركة مع بيلاروسيا (أ.ب)

قبل اجتماع أمس الجمعة بين وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن ونظيره الروسي سيرجي لافروف، كانت المحادثات بين روسيا، والولايات المتحدة وأوروبا، وصلت إلى طريق مسدود بشأن مطلب روسيا بأن يوافق حلف شمال الأطلسي (الناتو) على عدم السماح بقبول أي أعضاء جدد. ورفض إدارة بايدن وقادة أوروبا لمثل هذه الشروط، يحمل في طياته خطر توفير مبرر للرئيس الروسي فلاديمير بوتين لغزو أوكرانيا. وتعهد بلينكن بمواصلة المفاوضات مع روسيا بشأن الوضع المتوتر على الحدود الأوكرانية، مؤكداً أن الولايات المتحدة سترسل قريباً ردوداً مكتوبة إلى روسيا للرد على مخاوفها، في حين انتقد لافروف ما وصفه بهيستيريا الغرب تجاه أوكرانيا مؤكداً أنه لا نية لدى موسكو لغزو جارتها. وقال بلينكن عقب الاجتماع: «إذا كانت روسيا تريد أن تبدأ في إقناع العالم بأنها ليست لديها نية عدوانية تجاه أوكرانيا، فإن أفضل شيء للبداية هو عدم التصعيد». واتفق الجانبان على أنه يجب أن تسير المفاوضات في مناخ أقل انفعالاً، وذلك رغم تصريح لافروف بأنه لا يستطيع أن يقول ما إذا كانت المحادثات بينهما تسير على الطريق الصحيح أم لا.
وأشارت بلومبرج إلى أنه يبدو أن الاجتماع جاء لكسب بعض الوقت من قبل الطرفين لمواصلة الجهود الدبلوماسية وسط تحذيرات متزايدة من الرئيس الأميركي جو بايدن بأن روسيا ربما تخطط لغزو وشيك لأوكرانيا بعد حشدها نحو 100 ألف جندي بالقرب من حدود البلاد.
وذكر مقال افتتاحي لوكالة بلومبرج للأنباء أنه رغم خطورة الموقف، سوف يكون الخضوع لابتزاز بوتين أمراً أسوأ. فلطالما اتهم بوتين الناتو بمحاولة «تطويق» روسيا بتوسيع نطاق الحلف عبر الامتداد حتى حافة أراضيها. وفي حقيقة الأمر، هناك حتى الآن خمس دول فقط من الدول الأربع عشرة المجاورة لروسيا أعضاء في الناتو، ما يغطي فقط 6 في المائة من الحدود الروسية، ولم يضف الناتو سوى دولتين إلى عضويته خلال العقد الماضي: مونتينغرو (الجبل الأسود) في عام 2017 ومقدونيا الشمالية في عام 2020، ولا يمثل أي منهما تهديداً للمصالح الحيوية الروسية. وصدر عن الناتو في عام 2008 وعد غير ملزم بإمكانية أن تصبح أوكرانيا وجورجيا ضمن أعضائه في نهاية المطاف، ولكنه لم يقدم لهما ما يعرف بخطة عمل للعضوية، وهي خطوة ضرورية لتعزيز عملية الانضمام. ورغم ذلك، يريد بوتين ضمانات مكتوبة بأن الحلف سوف يتخلى عن المزيد من التوسع وأنه سوف يحد من عمليات انتشار القوات والأسلحة في دول أوروبا الشرقية الأعضاء فيه. وأثناء الاجتماعات مع المسؤولين الأميركيين بهدف نزع فتيل تصعيد الموقف في أوكرانيا، ظلت روسيا على إصرارها بأنها تعتبر أي ذكر لتوسع الناتو أمراً غير مقبول. وفي مؤتمر صحافي للرئيس الأميركي جو بايدن يوم الأربعاء الماضي، قال إن عضوية أوكرانيا في الناتو أمر «غير مرجح للغاية» على المدى القريب، في ضوء حجم المزيد من العمل الذي يتعين على أوكرانيا القيام به لتعزيز مؤسساتها الديمقراطية، كما لمح إلى أن هناك اختلافاً بين الدول الأعضاء الحالية بشأن هذا الأمر. وذكرت بلومبرج أن تصريحات بايدن ربما تعكس الواقع تماماً، لكنها رغم ذلك تعتبر تصريحات غير مدروسة؛ إذ إنها تنقل صورة عن ضعف الحلف وتفككه في وقت يتعين فيه أن يكون حازماً. ووفقاً لمعاهدة الباب المفتوح الخاصة بالناتو، تحظى الدول بالحق السيادي
للسعي للانضمام إليه إذا اختارت ذلك. وترجع معارضة بوتين لتوسع الناتو إلى حنينه للاتحاد السوفياتي ورغبته في إعادة ترسيخ السيطرة الروسية على الدول السوفياتية السابقة. وترى بلومبرج أن منحه أي حق في إبداء الرأي بشأن حجم وشكل الناتو مقابل سحب قواته من على حدود أوكرانيا سيكون خطأً استراتيجياً كارثياً؛ إذ إن هذا سوف يمزق أوصال المصداقية الغربية؛ فتسليم أوكرانيا لمجال النفوذ الروسي؛ والتخلي عن الدول أعضاء الناتو الواقعة في المحيط الروسي، مثل دول البلطيق، أمر أكثر خطورة أيضا. وتقول بلومبرج إن هذا سوف يؤدي أيضاً إلى استقواء الصين وقيامها بتكثيف حملات الترهيب ضد الدول الأصغر لانتزاع تنازلات أمنية من الولايات المتحدة. وذكرت بلومبرج أنه يتعين على المسؤولين الأميركيين والأوروبيين التأكيد على أنه رغم أن الناتو لا يعزز بصورة نشطة ترشيح أوكرانيا للانضمام للحلف، لن يتم إلغاء مثل هذه العملية بناءً على طلب بوتين - وأن القرارات المستقبلية بشأن توسع الحلف سوف تعتمد على تصرفات روسيا تجاه الدول المجاورة لها. وأكدت بلومبرج على أنه يتعين على بايدن دعم القيادات في فنلندا والسويد وتبنى مقترحات لسرعة تمتع الدولتين بعضوية الناتو في حالة قيام روسيا بغزو أوكرانيا. واختتمت بلومبرج مقالها بأنه ينبغي أن تكون الرسالة الموجهة لبوتين واضحة: وهي أن أي مزيد من التصعيد في أوكرانيا سوف يسفر عن أنه سيكون هناك ناتو أكبر وأفضل تسليحاً.



عودة ترمب تضع قادة العالم في مأزق: تهانٍ دبلوماسية بعد انتقادات لاذعة

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (يمين) يصافح الرئيس دونالد ترمب (د.ب.أ)
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (يمين) يصافح الرئيس دونالد ترمب (د.ب.أ)
TT

عودة ترمب تضع قادة العالم في مأزق: تهانٍ دبلوماسية بعد انتقادات لاذعة

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (يمين) يصافح الرئيس دونالد ترمب (د.ب.أ)
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (يمين) يصافح الرئيس دونالد ترمب (د.ب.أ)

عاد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، إلى البيت الأبيض بعد فوزه في انتخابات 2024، مما وضع عدداً من قادة العالم في موقف دبلوماسي حرج، حيث وجدوا أنفسهم مجبرين على مواجهة تعليقاتهم السابقة، التي شنَّت هجمات قاسية عليه. وبينما كانوا ينتقدون سياساته خلال ولايته الأولى، فإنهم اليوم يصوغون رسائل تهنئة ويدخلون في محادثات دافئة معه، استعداداً لمرحلة جديدة من العلاقات بين بلدانهم والولايات المتحدة. وفقاً لصحيفة «واشنطن بوست».

في أوروبا، تزداد المخاوف بشأن تداعيات عودة ترمب على الأمن القاري، خصوصاً في ظل تصريحاته السابقة التي أشار فيها إلى أن حلف «الناتو» لا يفي بالتزاماته المالية.

في المملكة المتحدة، اضطر ديفيد لامي، وزير الخارجية الحالي في حكومة حزب «العمال»، إلى تقديم تهنئة رسمية لترمب، رغم سجله السابق في انتقاده، حيث كان قد وصفه بأنه «عنصري، ومعتل نفسي، وتهديد للنظام الدولي». ويأتي ذلك في سياق تعليقات ساخرة من المعارضة السياسية ووسائل الإعلام، حيث عنونت صحيفة «ديلي ستار» البريطانية على صفحتها الأولى بـ«هذا محرج».

حتى رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، الذي بارك فوز ترمب، واجه تلميحات ساخرة من الزعيمة الجديدة لحزب المحافظين، كيمي بادنوش، التي تساءلت عمّا إذا كان ستارمر قد اعتذر لترمب عن تصريحات لامي السابقة. وفي حين لم يرد ستارمر مباشرة، فإنه أشار إلى أن لقاءه الأخير ترمب كان بنّاءً للغاية.

وفي فرنسا، هنَّأ الرئيس إيمانويل ماكرون الرئيس الأميركي المنتخب ترمب، عبر محادثة وصفها مكتبه بـ«الدافئة»، رغم علاقة شابها كثير من التوتر خلال ولاية ترمب السابقة. فبعد فترة من المصافحات الحماسية والخلافات السياسية، يستعد ماكرون الآن للتعامل مع ترمب في قضايا دولية ملحة، مثل الحرب في أوكرانيا، والصراع في الشرق الأوسط.

وعلى غرار الساسة الأوروبيين، قام سفير أستراليا في واشنطن، كيفن رود، بحذف منشورات سابقة وصف فيها ترمب بأنه «مدمر، وخائن للغرب». وأعرب رود عن استعداده للعمل مع الإدارة الأميركية الجديدة؛ لتعزيز العلاقات الثنائية.

يشير المشهد الحالي إلى أن العودة السياسية لترمب قد تضع علاقات الولايات المتحدة مع حلفائها على محك جديد، خصوصاً في ظل تحديات دولية تتطلب تنسيقاً مشتركاً، في حين يبرز المأزق الذي يواجهه قادة العالم بين تصريحاتهم السابقة والواقع السياسي الجديد.