معرض «محمد أحمد إبراهيم: بين الشروق والغروب»... رحلة في بيئة خورفكان

TT

معرض «محمد أحمد إبراهيم: بين الشروق والغروب»... رحلة في بيئة خورفكان

في تقديمها لموضوع الدورة الـ59 من بينالي فينيسيا للفنون قالت المنسقة الإيطالية الأصل سيسيليا أليماني، إن المعرض العالمي سيركز على ثلاثة موضوعات: «تصوير الأجساد ومحيطها، والعلاقة بين الأشخاص والتكنولوجيا، والصلة بين الأجسام والأرض». وفي جناح دولة الإمارات العربية المتحدة تأتينا رؤية بصرية مفاهيمية للموضوع عبر عمل الفنان الإماراتي محمد أحمد إبراهيم الذي يستكشف من خلاله موضوعاً أثيراً لديه وهو علاقته ببيئته المحلية. المعرض يمثل المشاركة السابعة لدولة الإمارات في بينالي البندقية ويحمل عنوان «محمد أحمد إبراهيم: بين الشروق والغروب» وهو تحت إشراف القيّمة مايا أليسون، المدير التنفيذي لرواق الفن ورئيس القيّمين الفنيين في جامعة نيويورك أبوظبي.
نعود للمعرض والفنان، ومعنى عنوانه. حسب البيان الصادر عن الجناح فالفنان يقدم تركيباً مكوناً من عدة منحوتات بحجم الإنسان مصنوعة بأسلوب نحتي مجرد ومتناغم مستمَد من الأشكال الطبيعية والعضوية. المعروف عن الفنان محمد أحمد إبراهيم ارتباطه بشكل كبير ببيئته المحلية في مسقط رأسه خورفكان على الساحل الشرقي من إمارة الشارقة في دولة الإمارات، ومنها استمد موضوعاته وعناصره الطبيعية ليطرح أفكاراً ودلالات جديدة. ويأتي عمله ضمن شعار بينالي البندقية «خيال بلا عنان» ليستكمل رحلته مع خورفكان ينسج من خلالها العناصر البيئية في أشكال يلوّنها ويركّبها لتعبّر عن تلك البيئة. وحسب البيان فالفنان «ينسج أفكاره بين الألوان والحركة ليأخذ المشاهد على متن رحلة تستعرض الأجسام ومراحلها التحولية».
يقول الفنان لـ«الشرق الأوسط» إن معرضه هو «محاولة لاستعراض البيئة الإماراتية من الساحل الغربي إلى الساحل الشرقي من حيث البيئة الجغرافية والثقافية وما تحمله هذه المسافة من تنوع بدءاً بالبحر ومروراً بالجبال إلى الصحراء ومن ثم السبخات حتى الوصول إلى الساحل المقابل».
تبدو رقعة الفنان واسعة ومتشعبة، تشمل عناصر المكان وتفاصيله. ولكنه ليس أي مكان، بل هو مكان له علاقة حميمة ومؤثرة على تكوين الفنان ومشاعره. يُبرز الفنان تلك العلاقة عبر عمله ويجسد من خلاله التباين بين أنوار الشمس وأشعتها عبر النهار ثم رحلتها نحو المغيب، هي ألوان لا نهائية ومشاعر وتأملات وأفكار تنبع من تلك الرحلة يجسّدها الفنان في عمله التركيبي. لا يرى الفنان في خورفكان غروب الشمس فهي تختفي خلف الجبال لكنه يلجأ إلى التخيل: «نحن لا نرى غروب الشمس أبداً في خورفكان، لكن بإمكاننا تخيل تلك اللحظة الساحرة للشمس وهي تغرب في الجانب الآخر من دولة الإمارات».
كيف يقدم الفنان ذلك المشهد بكل معطياته البصرية والبيئية امتداداً إلى تأثيره على مشاعره وأفكاره؟ لا يبتعد قيد أنملة عن بيئته بل يعبّر عنها باستخدام عناصرها المختلفة، ويضيف قائلاً إنه يفعل ذلك من خلال «استخدام المواد البيئية الموجودة في خورفكان ومن خلال الأشكال والمجسمات التي ربما تحاكي الأشجار والجبال الموجودة». تنتج أعمال الفنان عبر تطويع الخامات المستمدة من أرضه مثل الطين والأشجار وأوراقها والشاي والقهوة والتبغ. يمكننا تخيل كيف تتحاور وتتجاور تلك العناصر المختلفة لتعبّر عن مفهوم الفنان لذلك المشهد وتنوعاته البصرية من خلال أسلوبه الخاص لينتج عن ذلك التحول الأخير «من مشهد بصري إلى مشهد متصوَّر».
القيّمة على الجناح مايا أليسون تحكي عن علاقتها مع أعمال الفنان وتقول: «على مدار السنوات الماضية، كنت أتابع عن كثب نشاط إبراهيم الفني وتطور علاقته الوطيدة مع كل بيئة يخوض غمار تفاصيلها ومكوّناتها، بدايةً من المناظر الطبيعية بين صخور الجبال في مسقط رأسه، ووصولاً إلى البيئة الساحرة في الأماكن التي أقام فيها خلال إقاماته الفنية في هولندا وفرنسا والهند وغيرها من الدول الأخرى. ولعل ما يميز إبراهيم عن غيره من الفنانين الآخرين هو أسلوبه الذي تبنّاه لسنوات كثيرة في معالجة الأفكار والمفاهيم بطريقة مغايرة لاحتمالات المكان والمواد المستخدمة».
- الدورة الـ59 من المعرض الدولي للفنون في بينالي البندقية تفتح أبوابها للزوار خلال الفترة 23 أبريل (نيسان) - 27 نوفمبر (تشرين الثاني) 2022.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».