الهند تنفتح على جمهوريات آسيا الوسطى... وعينها على الصين

في ظل منافسات كبيرة على النفوذ بين الدول الكبرى

الهند تنفتح على جمهوريات آسيا الوسطى... وعينها على الصين
TT

الهند تنفتح على جمهوريات آسيا الوسطى... وعينها على الصين

الهند تنفتح على جمهوريات آسيا الوسطى... وعينها على الصين

بعد سنوات من الإهمال وعدم الاهتمام، تحتضن الهند بحرارة اجتماعاً يضم خمس دول في آسيا الوسطى. وبعد أن عقدت سلسلة من المحادثات رفيعة المستوى معهم منذ استيلاء حركة «طالبان» على أفغانستان، وفي إطار تحركات الهند الدبلوماسية، وجّهت نيودلهي الدعوة إلى قادة دول آسيا الوسطى الخمس – طاجيكستان، وأوزبكستان، وتركمانستان، وكازاخستان وقيرغيزستان - للمشاركة في احتفالات يوم الجمهورية المصادف الأربعاء المقبل 26 يناير (كانون الثاني).
تعد هذه المرة الأولى التي يشارك فيها ممثلون عن جميع دول آسيا الوسطى ضيوفاً في هذه المناسبة، والمرة الثانية التي يجري خلالها توجيه الدعوة إلى العديد من الدول معاً بعد عام 2018 عندما جرى توجيه الدعوة إلى دول مجموعة «آسيان».
وإذا ما سمحت الظروف في ظل جائحة فيروس «كوفيد - 19»، من المقرر مشاركة كل من رئيس كازاخستان، قاسم جومارت توكاييف، ورئيس أوزبكستان، شوكت ميرزيوييف، ورئيس طاجكستان، إمام علي رحمون، ورئيس تركمانستان، قربانقولي بيردي محمدوف، ورئيس قيرغيزستان، صدير جاباروف، في الاحتفال الهندي باعتبارهم من بين كبار الضيوف المدعوين في يوم الجمهورية. ومن المقرر أن يشهد الاحتفال كذلك أول قمة بين الهند ودول آسيا الوسطى في إطار احتفال الجانبين بالذكرى الثلاثين لتدشين العلاقات الدبلوماسية بينهم.
ويرى البعض، أن هذه الخطوة جاءت في الوقت المناسب، وتسعى من خلالها الهند إلى نفض غبار سنوات من الإهمال واللامبالاة، وتطمح إلى العودة إلى مقدمة مراكز الوعي في آسيا الوسطى. والملاحظ، أنه خلال الأشهر القليلة الماضية، كثّفت الهند تعاونها واتصالاتها مع دول آسيا الوسطى، لا سيما منذ استيلاء «طالبان» على مقاليد السلطة في أفغانستان، وهو ما حوّل منطقة آسيا الوسطى إلى ساحة جيوسياسية تتكشف فيها منافسات كبيرة على النفوذ. في هذا الإطار، تعدّ روسيا لاعباً مهماً، في الوقت الذي يبدو النفوذ الصيني راسخاً بقوة من خلال مبادرة «الحزام والطريق»، بينما تنافس الولايات المتحدة، التي انسحبت من أفغانستان، بقوة لإيجاد مساحة لها.
من ناحيتها، تدرك الهند جيداً أن الاستفادة من النفوذ في كابل وحصاد هذا التأثير في شكل مكاسب مادية، يستلزم وجود قاعدة ثابتة لها في آسيا الوسطى، وهو أمر يعد بمثابة شرط أساسي في هذا الصدد، حسبما ذكرت الكاتبة سيما جوها.
جدير بالذكر هنا، أن الهند سبق لها عقد حوارين وحافظت على قنوات اتصال منتظمة مع دول آسيا الوسطى من خلال منتديات مثل منظمة شنغهاي للتعاون ومؤتمر التفاعل وتدابير بناء الثقة في الهند. ورغم ذلك ما زال دور الهند ضعيفاً على مستوى المنطقة، مقارنة بروسيا والصين وتركيا وإيران وغيرها.
- الحوار بين الهند ودول وسط آسيا
في وقت سابق من ديسمبر (كانون الأول) 2021، عُقدت النسخة الثالثة من اجتماع لحوار الهند وآسيا الوسطى في دلهي. وخلال الاجتماع، التقى وزير الشؤون الخارجية الهندي د. إس. جايشانكار نظراءه الخمسة من دول وسط آسيا. وركزت المحادثات على الوضع في أفغانستان، وأزمة جائحة «كوفيد ـ 19»، وأهمية التواصل بين الدول المشاركة. بجانب ذلك، التقى وزراء الخارجية الخمسة رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، الذي سبقت له زيارة جميع دول آسيا الوسطى عام 2015 ووصفها بأنها تشكل الجوار الممتد للهند، وهنأ الدول التي زارها بمناسبة مرور 30 عاماً على إقامة علاقات دبلوماسية بينها وبين بلاده. أما جايشانكار، فقد زار دول آسيا الوسطى ثلاث مرات منذ اندلاع الأزمة الأخيرة في أفغانستان.
جدير بالذكر في هذا الصدد، أن أول حوار بين الهند ودول وسط آسيا عُقد في مدينة سمرقند التاريخية بأوزبكستان، في يناير 2019. وعكس هذا الحدث رغبةً من جانب جميع دول وسط آسيا لتعزيز اتصالاتهم مع الهند. وبالفعل، بدأت العديد من المبادرات المقدمة خلال القمة الأولى، التي استضافتها سمرقند، تؤتي ثمارها، بما في ذلك تشكيل مجلس أعمال الهند وآسيا الوسطى.
كما قدمت الهند خط ائتمان بقيمة مليار دولار وجّهته لمشروعات التنمية ذات الأولوية في مجالات الطاقة، والرعاية الصحية، والاتصال، وتكنولوجيا المعلومات، والزراعة، والتعليم، وما إلى ذلك. ومهّد الحوار الثالث الطريق لتكثيف العلاقات الثنائية بين الهند من ناحية وكل من دول آسيا الوسطى من ناحية أخرى.
من جهتهم، أعلن وزراء الخارجية في بيان مشترك، أنهم ناقشوا «الوضع الحالي في أفغانستان وتأثيره على المنطقة». وشدد البيان على الدعم القوي لأفغانستان كي تنعم بالسلام والأمن والاستقرار، مع التأكيد على احترام سيادتها ووحدتها وسلامة أراضيها وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، وكذلك إعادة التأكيد على أهمية قرار مجلس الأمن رقم 2593 (2021)، الذي «يطالب بشكل قاطع بعدم استخدام الأراضي الأفغانية لإيواء (الجماعات) الإرهابية أو تدريبها أو التخطيط لها أو تمويلها»، ودعا إلى اتخاذ إجراءات متضافرة ضد جميع الجماعات الإرهابية.
وفي سياق متصل، شارك مستشارو الأمن القومي من كازاخستان، وطاجيكستان، وقيرغيزستان وتركمانستان في الاجتماع الإقليمي الذي استضافته الهند في نوفمبر (تشرين الثاني) حول الوضع في أفغانستان، وذلك بمشاركة ممثلين عن وكالات الأمن الوطني في روسيا وإيران. وفي اليوم ذاته، استضافت إسلام آباد مبعوثين من الولايات المتحدة والصين وروسيا لمناقشة الوضع في أفغانستان.
وعن ذلك، قال الكاتب سارانش ميشرا «موقع آسيا الوسطى في قلب أوراسيا، وقربها الجغرافي وروابطها التاريخية يجعل المنطقة ذات صلة وثيقة بمصالح الهند الاستراتيجية. والمعروف أن السياسة الخارجية للهند كانت مركّزة بشكل أكبر حول القوى الكبرى مثل روسيا والولايات المتحدة، وركزت على التعامل مع التحديات الناشئة عن الصين وباكستان. وعليه، تعرضت منطقة آسيا الوسطى للتهميش. وما زالت الطريق طويلة أمامنا بالتأكيد قبل أن يجري تصنيف الهند كواحدة من العناصر الفاعلة في آسيا الوسطى. ومع ذلك، تظل الحقيقة أن الهند تسير اليوم على المسار الصحيح، ومن شأن استغلال مثل هذه التفاعلات الدبلوماسية المتكررة ببراعة أن يمكن من بزوغ فجر جديد في تاريخ العلاقات بين الهند وآسيا الوسطى».
- الورقة البيضاء بين الهند وروسيا حول آسيا الوسطى
لا تخلو الجهود الحثيثة الحالية من جانب الهند من بعض المباركة الروسية، كما يقول مسؤولون في نيودلهي. ويأمل الهنود بأن تعمل روسيا معهم لكبح جماح وجود بكين غير الضروري في منطقة آسيا الوسطى، خاصة بعدما وضعت الصين عينيها على المنطقة الغنية بالطاقة، والتي تقع كذلك على الحدود مع أفغانستان.
وتبدو روسيا، كما تقول مصادر في نيودلهي، «أكثر من حريصة» على العمل مع الهند في منطقة آسيا الوسطى الغنية بالطاقة وذات الأهمية الاستراتيجية.
وكشفت مصادر رفيعة المستوى، عن أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال زيارته الأخيرة إلى دلهي سمع من القيادة الهندية أنها تشعر بالقلق حيال تنامي نفوذ الصين. ويُعتقد أن الجانب الهندي حاول إقناع الروس بوجهة نظرهم في خصوص «السياسات العدوانية» التي تنهجها بكين.
اللافت، أن الهند وروسيا تبادلتا الأفكار حول زيادة المشاركة الثنائية واستكشاف مشروعات مشتركة في آسيا الوسطى وهي منطقة وصفها رئيس الوزراء ناريندرا مودي بأنها جزء من الجوار الممتد للهند.
تجدر الإشارة في هذا الصدد إلى أن الدول الخمس كانت في وقت مضى جزءاً من الاتحاد السوفياتي، وما زال لروسيا تأثير كبير عليها حتى اليوم.
وكشفت مصادر، عن أن الورقة البيضاء الموقّعة بين الهند وروسيا تتناول مشروعات دفاعية مشتركة في آسيا الوسطى (كازاخستان، وقيرغيزستان، وطاجيكستان، وتركمانستان وأوزبكستان) من خلال مصانع الدفاع القائمة بالفعل التي تعود إلى الحقبة السوفياتية في بعض جمهوريات المنطقة، في وقت تسعى الهند إلى أن تكون دولة مصدّرة بمجال الصناعات الدفاعية. يذكر، أن دول آسيا الوسطى ما زالت تعتمد على المعدات الدفاعية روسية الصنع.
وتحتوي الورقة البيضاء، وهي وثيقة غير رسمية، كذلك على اقتراحات بشأن الإنتاج الدفاعي الهندي ـ الروسي المشترك في بعض جمهوريات آسيا الوسطى لتلبية الطلب المحلي، بالإضافة إلى طلب الهند. ويأتي توقيع هذه الورقة في الوقت الذي دعت روسيا لتعزيز المشاركة الهندية في الشرق الأقصى، خاصة فيما يتعلق بالقوى العاملة الهندية.
في هذا الإطار، قال بي ستوبدان، الخبير في شؤون آسيا الوسطى وسفير الهند السابق لدى قيرغيزستان «إنه إنجاز دبلوماسي كبير للهند أن تبدي روسيا، التي تتمتع بعلاقات وثيقة مع الصين في الوقت الحالي، استعدادها للعمل مع الهند لمواجهة الصين. وبمجرد أن تبدأ روسيا والهند مشاركة أكثر فاعلية في الدفاع والأنشطة البناءة الأخرى، ناهيك عن التدريبات العسكرية في دول آسيا الوسطى، سيأتي ذلك بمثابة انتكاسة كبيرة لطموح الصين الكبير لتعزيز وجودها في المنطقة. ومع تنفيذ روسيا مشروعات تنموية في أقصى شرقها، كان شريكها المفضل في هذه الجهود الهند، وليس الصين المجاورة. جدير بالذكر، أن هذه المنطقة الروسية تقع على الحدود مع الصين وتتميز بوفرة الموارد».
وأضاف «ثمة خطط جارية لربط فلاديفوستوك مع تشيناي، وهي نتاج رئيسي لزيارة رئيس الوزراء مودي عام 2018 للمدينة لحضور القمة السنوية بين الهند وروسيا. علاوة على ذلك، فإن قرار دلهي بدعوة قادة آسيا للقدوم إليها لا ينبغي مطلقاً النظر إليه باعتباره حدثاً قائماً بذاته. كانت هناك مؤشرات عابرة عن انتهاج خط جديد في التفكير خلال زيارة الرئيس فلاديمير بوتين الأخيرة إلى دلهي. الواضح أن محادثات بوتين الفردية مع مودي بعثت الحياة في التفكير الجديد بشأن الأمن الإقليمي. من جانبه، يدرك بوتين أن الصينيين كانوا يسيطرون على هذا الفضاء منذ تفكك الاتحاد السوفياتي، واللافت أنه لا ينفر من التعامل مع قوة ثالثة، مثل الهند، التي تسعى لاستعادة النفوذ. في الواقع، ربما يكون من مصلحة بوتين تقليص قوة الصين داخل المنطقة».
- الهند وآسيا الوسطى: العلاقات والتحديات
تشترك الهند وآسيا الوسطى في تاريخ طويل يمتد إلى 2500 عام. على الصعيد السياسي، يتضمن هذا التاريخ إمبراطورية كوشان، التي امتدت عبر أراضي آسيا الوسطى والهند الحديثة، وغزو المغول للهند أوائل القرن السادس عشر. من الناحية الاقتصادية، اضطلعت مدن آسيا الوسطى الكبرى ـ مثل فرغانة وسمرقند وبخارى - بدور بارز في طريق الحرير الذي يربط الهند بالصين وأوروبا، علاوة على دور التجار الهنود المقيمين في المنطقة الذين شكّلوا جزءاً لا يتجزأ من الاقتصادات المحلية. وعلاوة على الروابط الاقتصادية القوية، ازدهر التبادل الثقافي بين المنطقتين، وتضمن ذلك انتشار البوذية من الهند إلى آسيا الوسطى وما وراءها، والصوفية من آسيا الوسطى إلى داخل الهند.
ومع انحسار طريق الحرير، وبزوغ فجر «عصر الكشوفات الجغرافية» الأوروبي وكذلك توسع الإمبراطوريتين الروسية والصينية في آسيا الوسطى، تلاشت المنطقة من مخيلة الهند الاستراتيجية. وبعد استقلال الهند، أصبحت العلاقات الهندية السوفياتية قوية وزار القادة الهنود منطقة آسيا الوسطى، في وقت كانت المنطقة لا تزال جزءاً من الاتحاد السوفياتي.
وبعد تفكك الاتحاد السوفياتي وقيام جمهوريات مستقلة في آسيا الوسطى، حاولت الهند جاهدة التواصل مع الجمهوريات السوفياتية السابقة، لكن الاتصال كان ولا يزال يمثل مشكلة رئيسية. وفي الوقت الذي كانت أفغانستان تكابد حرباً أهلية، ترحب باكستان باستخدام الهند أراضيها للتجارة مع آسيا الوسطى. أما الصين، فقد استفادت من الموقف وكشفت عن مبادرة الحزام والطريق التي حظيت باهتمام كبير. اليوم، تدفع الهند دول آسيا الوسطى للاستفادة من ميناء تشابهار في إيران، مع شبكة تربطها بأفغانستان من أجل تسيير التجارة مع آسيا الوسطى.
من جهته، أعرب المحلل البارز فيفيك كاتجو عن اعتقاده بأنه «في الوقت ذاته، سعت جمهوريات آسيا الوسطى إلى تطوير علاقاتها مع بقية العالم. وتبدو هذه الدول حريصة على كسر القيود التي تفرضها الجغرافيا عليها، خاصة أن جميع البلدان الخمس غير ساحلية، وبالتالي فهي غير قادرة على تحقيق كامل إمكاناتها الاقتصادية والتجارية. وفي إطار جهودها للتواصل مع العالم، تحرص دول آسيا الوسطى على تطوير علاقاتها مع الهند، التي تعدّها لاعباً رئيسياً. وقبلت هذه الدول بنيودلهي في اتفاقية عشق آباد، والتي سمحت للهند بالوصول إلى شبكات الاتصال لتسهيل التجارة والتفاعلات التجارية مع كل من آسيا الوسطى وأوراسيا، وكذلك الوصول إلى الموارد الطبيعية في المنطقة». وأضاف موضحاً، أنه «على الرغم من أن الصين لديها أكبر حضور إقليمي في آسيا الوسطى، والذي يبدو الوصول لمستواه أمراً بعيد المنال أمام الهند في المستقبل القريب، تبدي دول آسيا الوسطى اهتمامها بتنويع روابطها الاقتصادية بحيث لا يصبح باستطاعة بلد واحد الهيمنة على المنطقة. بجانب ذلك، فإن المشاعر المعادية المتنامية تجاه الصين داخل المنطقة والتهديدات الأمنية من طالبان تسمح لنيودلهي ودول آسيا الوسطى بإعادة النظر في مستوى التعاون بينهما. ويمكن للهند كذلك أن تتطلع إلى استغلال صداقتها التي أثبتت جدواها مع روسيا، وهي واحدة من أكثر الدول نفوذا في المنطقة، لإحراز تقدم على هذه الجبهة. ولا ينبغي للهند أن تضيع أي وقت في إعادة ضبط ارتباطاتها الإقليمية».
- إضاءة على العلاقات الاقتصادية
> لطالما نظرت بلدان آسيا الوسطى إلى الهند لفترة طويلة باعتبارها من أصحاب المصلحة الشرعيين في المنطقة، وسط حسن نيتها السياسية الهائلة بالنظر إلى تراث صداقتها مع الاتحاد السوفياتي السابق. ورغم ذلك، أخفقت الهند في إحراز تقدم تجاري على صعيد علاقاتها مع دول المنطقة.
يذكر، أن حجم التجارة بين الهند وآسيا الوسطى يبلغ مليارَي دولار أميركي مقارنة بالتجارة الصينية مع دول المنطقة، والتي تبلغ نحو 100 مليار دولار أميركي. وتبدو هذه الأرقام غير مُرضية على نحو أكبر عندما تقترن باعتماد الهند الكبير للغاية على استيراد الطاقة، في وقت تتمتع دول آسيا الوسطى بوفرة الموارد الطبيعية، مثل النفط والغاز الطبيعي واليورانيوم وما إلى ذلك. ويمكن أن يُضاف لذلك التجارة في الطاقة والأدوية والمواد الكيميائية ومعدات الدفاع والمنتجات الزراعية، وما إلى ذلك، والتي لا يزال حجمها ما بين الهند ودول المنطقة غير مرضي.
ومع ذلك، ورغم التحديات القائمة، جرى إحراز تقدم طفيف فيما يتعلق بتأمين المصالح الهندية في مجال الطاقة، في الوقت الذي حرصت دلهي كذلك على توسيع التعاون النووي المدني مع المنطقة. وربما توفر كازاخستان وأوزبكستان للهند المزيد من اليورانيوم من أجل محطات الطاقة النووية. ومن المرجح أن يجري اتخاذ قرار رسمي في هذا الصدد من قِبل قيادات دول آسيا الوسطى.
وربما يجري اتخاذ القرار بشأن تعزيز إمدادات اليورانيوم إلى الهند عندما يزور رؤساء جمهوريات آسيا الوسطى الخمس، الهند للمشاركة في احتفالات يوم الجمهورية. وبرزت هذه القضية خلال حوار آسيا الوسطى. يذكر أن طاجيكستان وأوزبكستان تمتلكان احتياطيات ضخمة من اليورانيوم، وتعد الأولى أكبر منتج لليورانيوم في العالم. وبالفعل، تستورد الهند هذه المواد منهم، لكن المصانع الهندية تعاني في الوقت الراهن من نقص اليورانيوم.
من ناحيته، قال وزير الدولة لشؤون الفضاء والطاقة الذرية، د. جيتندرا سينغ، أمام البرلمان قبل وقت قريب «إن الإنتاج السنوي الحالي لليورانيوم في البلاد لا يكفي تلبية متطلبات الوقود السنوية لجميع محطات الطاقة النووية العاملة باليورانيوم». وأوضح، أن البلاد تستورد اليورانيوم من دول مختلفة، مثل كندا، وكازاخستان، وأوزبكستان، وروسيا.
من ناحية أخرى، ومن أجل تسهيل نقل البضائع بين الهند وآسيا الوسطى عبر إيران، انضمت الهند إلى الاتفاقية الجمركية للنقل الدولي للبضائع عام 2017 وانضمت إلى اتفاقية عشق آباد، التي تشمل إيران وعُمان وتركمانستان وأوزبكستان، عام 2018. والمؤكد، أن تعزيز إمكانية الوصول إلى أسواق الهند الضخمة سيعود بالنفع الوفير على دول آسيا الوسطى التي تبحث باستمرار عن تعزيز اقتصاداتها المتعثرة.
ويرى البعض، أنه في حين أعطت مثل هذه الخطوات فرصة جديدة للحياة لرؤية الهند للتواصل الأوروبي الآسيوي، يجب على نيودلهي الجمع بين الدبلوماسية الماهرة والعمل على أرض الواقع لضمان استمرارية هذه المشروعات في المنطقة لتجنب تراجع نفوذها ومكانتها داخل الإطار السياسي الأوروبي - الآسيوي. الآن، الأمر متروك لرئيس الوزراء مودي لإدارة إعادة التوازن في آسيا الوسطى من خلال الدبلوماسية والتعاون، بدلاً من التنافس.



كريستيان ليندنر... الزعيم الليبرالي الذي أسقط عزله الحكومة الألمانية

ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين
ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين
TT

كريستيان ليندنر... الزعيم الليبرالي الذي أسقط عزله الحكومة الألمانية

ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين
ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين

رجل واحد حمله المستشار الألماني أولاف شولتس مسؤولية انهيار حكومته، وما نتج عن ذلك من فوضى سياسية دخلت فيها ألمانيا بينما هي بأمس الحاجة للاستقرار وتهدئة اقتصادها المتدهور. رجل وصفه المستشار بأنه «أناني»، وشن عليه هجوماً شخصياً نادراً ما يصدر عن شولتس المعروف بتحفظه وهدوئه. ذلك الرجل كان وزير ماليته كريستيان ليندنر، زعيم «الحزب الديمقراطي الحر» الذي كان شريكاً في الحكومة الائتلافية الثلاثية منذ عام 2021، برئاسة «الحزب الديمقراطي الاجتماعي» (الاشتراكي)، ومشاركة حزب «الخضر». ولقد طرده شولتس من الحكومة بعد خلافات حول ميزانية سنة 2025، ما تسبب بخروج الوزراء المتبقين من «الحزب الديمقراطي الحر»، ليبقى المستشار يقود حكومة أقلية حتى إجراء الانتخابات المبكرة في 23 فبراير المقبل. ثم إن شولتس تعرض لانتقادات كثيرة لهجومه الشخصي على ليندنر، خاصة من المستشارة السابقة أنجيلا ميركل التي وصفته بأنه كان «خارجاً عن السيطرة». لكن مع ذلك، فإن الصورة التي رسمها المستشار عن وزيره قد تحمل شيئاً من الواقع؛ إذ خرجت انتقادات من أوساط الديمقراطيين الأحرار لليندنر و«تصرفه بشكل أحادي» في دفع المستشار لإقالته. وقبل ذلك طالته انتقادات بعدما أصبح «الوجه الأوحد» لـ«الحزب الديمقراطي الحر» إبان الانتخابات الماضية عام 2021 وقبلها عام 2017. ولعل الحزب تسامح مع تصرفات ليندنر «الأنانية» تلك لنجاحه بإعادة الحزب إلى الخارطة السياسية بعد انهياره تقريباً عام 2013 وفشله بدخول البرلمان للمرة الأولى في تاريخه. إلا أن مستقبل الرجل الذي أعاد حزبه إلى الحياة... هو نفسه في خطر. فهل يستمر ليندنر بالبناء على تاريخه حتى اليوم للنهوض مجدداً؟

قد يكون كريستيان ليندنر أصغر زعيم انتُخب ليرأس حزبه «الديمقراطي الحر»، عن عمر 34 سنة فقط عام 2013، بيد أنه لم يكن ناجحاً على الدوام. وبعكس حياته السياسية وصعوده السريع إلى القمة، فشل ليندنر في مشاريع أعمال أطلقها عندما كانت السياسة ما زالت هواية بالنسبة إليه. واعترف لاحقاً بإخفاقاته تلك، مستعيناً بعبارة «المشاكل هي مجرد فرص شائكة» لكي يدفع نفسه إلى الأمام.

وبين عامَي 1997 و2001 أسس شركات خاصة مع أصدقاء له، انتهت بالفشل آخرها شركة «موماكس» التي انهارت وأفلست بعد أقل من سنة على إطلاقها.

هذه «الإخفاقات» التي طبعت مغامراته التجارية وهو في مطلع العشرينات قد تكون دفعته للتوجه إلى السياسة بجدية أكبر. وبالفعل، نجح عام 2001 بدخول البرلمان المحلي في ولايته شمال الراين-وستفاليا وهو ابن 21 سنة ليغدو أصغر نائب يدخل برلمان الولاية. ولصغر سنه وقسمات وجهه الخجولة كسب ليندنر آنذاك لقب «بامبي» بين أعضاء الحزب نسبة للغزال الصغير عند «ديزني».

«بامبي» في «البوندستاغ»

في عام 2009، فاز ليندنر بمقعد في البرلمان الفيدرالي (البوندستاغ) ليعود عام 2012 إلى ولايته أميناً عاماً للحزب في الولاية ونائباً محلياً مرة أخرى.

وبعدها ساعدت إخفاقات الديمقراطيين الأحرار في الانتخابات العامة عام 2013 بتسليط الضوء على ليندنر، الشاب الكاريزماتي الطموح الذي وجد فرصة سانحة أمامه للصعود داخل الحزب. ويومذاك فشل الحزب بتخطي عتبة الـ5 في المائة من أصوات الناخبين التي يحددها القانون شرطاً لدخول «البوندتساغ». وعقد أعضاؤه اجتماعاً خاصاً لمناقشة النتائج الكارثية التي لم يسبق للحزب أن سجلها في تاريخه، وانتخب ليندنر، وهو في سن الـ34، زعيماً للحزب مكلفاً بتأهيله وإعادته للحياة... وبذلك بات أصغر زعيم ينتخب لـ«الحزب الديمقراطي الحر».

شاب أنيق وجذّاب

شكّل سن ليندنر وأناقته وشخصيته عاملاً جاذباً للناخبين الشباب خاصة. وقاد حملة مبنية على أساس جذب الشباب ونفض صورة الحزب القديم التقليدي عنه، كما ساعده حضوره على وسائل التواصل الاجتماعي في التواصل مع مستخدميها من الشباب وتقريبهم إلى الحزب.

وغالباً ما نُشرت له صور من حياته الشخصية على «إنستغرام»، منها صورة لإجازة مع فرانكا ليهفيلدت، زوجته الصحافية التي كانت تعمل في قناة «دي فيلت»، ولقد عقدا قرانهما وهو في الحكومة عام 2022 في حفل ضخم وباذخ بجزيرة سيلت حضره عدد كبير من السياسيين. وينتظر الزوجان مولودهما الأول في الربيع المقبل.

للعلم، كان ليندر متزوجاً قبل ذلك من صحافية أخرى كانت نائبة رئيس تحرير «دي فيلت» أيضاً، هي داغمار روزنفلت، التي تكبره سناً ولم ينجبا أطفالاً معاً. لكنهما ظلا متزوجين من 2011 وحتى 2018 عندما أعلن طلاقهما وكشف عن علاقته مع ليهفيلدت.

أيضاً، لا يخفي ليندنر حبه للسيارات السريعة، وكان قال غير مرة قبل دخوله الحكومة مع حزب «الخضر» بأنه يهوى السيارات القديمة ويملك سيارة بورشه قديمة ومعها يملك رخصة للسباقات. وبجانب هذه الهواية يحب اليخوت ويملك رخصة للإبحار الرياضي وأخرى للصيد.

صورة شبابية عصرية

هذه الصورة التي رسمها ليندنر لنفسه، صورة الرجل الأنيق الذي يهتم بمظهره (لدرجة أنه خضع لزرع شعر) ويمارس هوايات عصرية، ساعدته على اجتذاب ناخبين من الشباب خاصة، وجعلته ينجح بإعادة حزبه إلى البرلمان عام 2017 بحصوله على نسبة أصوات قاربت 11 في المائة.

في حينه دخل في مفاوضات لتشكيل حكومة ائتلافية مع المستشارة أنجيلا ميركل التي فاز حزبها بالانتخابات، وكانت تبحث عن شركاء للحكم إثر حصولها على 33 في المائة من الأصوات. وفعلاً، بدأت ميركل مفاوضات مع الديمقراطيين الأحرار و«الخضر»، لكن ليندنر انسحب فجأة من المفاوضات بعد 4 أسابيع، ليعلن: «أفضل عدم الحكم من الحكم بشكل خاطئ».

ليندنر كان يختلف آنذاك مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين قبل سنتين. ويومها واجه الانتقاد لتفويته على حزبه فرصة الحكم، وهي فرصة خشي بعض الحزبيين ألا تُتاح مُجدداً.

ائتلاف مع اليسار

غير أن الفرصة أتيحت مرة أخرى في الانتخابات التالية عام 2021 عندما حقق «الحزب الديمقراطي الحر» نتائج أفضل من الانتخابات السابقة، حاصلاً على نسبة 11.5 في المائة من الأصوات. ومع أن «الحزب الديمقراطي الحر» حزب وسطي ليبرالي يؤيد الحريات الاقتصادية، ويعدّ شريكاً طبيعياً لحزب «الاتحاد الديمقراطي المسيحي» (يمين معتدل)، قرر ليندنر عام 2021 الدخول في ائتلاف حاكم مع الاشتراكيين و«الخضر»؛ ذلك أن الأخير يعتبر نقيضاً فكرياً للديمقراطيين الأحرار الذين يرون سياساته البيئية مكلفة وكابحة للتقدم الاقتصادي.

وهكذا تسلم ليندنر إحدى أهم الوزرات؛ إذ عُيّن وزيراً للمالية وثاني نائب للمستشار. وحقق بذلك حلمه الذي غالباً ما كرره خلال الحملات الانتخابية بأنه يريد أن يصبح وزيراً للمالية، وحتى إنه عرّف نفسه في إحدى الحملات ممازحاً: «تعرّفوا على وزير ماليتكم المقبل!».

خلفيته العلمية والفكرية

اهتمام ليندنر بالسياسة الاقتصادية ينبع من اهتماماته منذ تخرّجه من الجامعة؛ حيث درس العلوم السياسية ثم القانون والفلسفة في جامعة بون المرموقة (واسمها الرسمي جامعة راينيشه فريدريش - فيلهامز).

ثم إنه لم ينضم فور مغادرته المدرسة للخدمة العسكرية التي كانت إجبارية آنذاك، وأجّلها للدراسة وإكمال مغامراته التجارية، لكنه عاد لاحقاً وانضم إلى جنود الاحتياط ووصل لرتبة رائد. ورغم فشل مغامراته التجارية، بقيت اهتماماته السياسية منصبّة على الجانب المالي، ومن هنا جاء طموحه بأن يصبح وزيراً للمالية في الحكومة الفيدرالية.

وفكرياً، يؤمن ليندنر وحزبه بتقليص الإنفاق العام وخفض الضرائب وفتح الأسواق أمام الشركات الخاصة. ودائماً عارض خططاً عدّها متطرفة يدعمها «الخضر» لاستثمارات أكبر في الطاقة النظيفة بحجة تكلفتها العالية وتأثيرها على الشركات والأعمال. وكانت المفارقة أنه تسلّم حكومة كانت مسؤولة عن تطبيق سياسات تروّج للطاقة البديلة وتزيد من النفقات الاجتماعية وترفع من الضرائب.

هذا الأمر كان صعباً عليه تقبّله. ورغم وجود اتفاق حكومي حدّدت الأحزاب الثلاثة على أساسه العمل خلال السنوات الأربع من عمرها، عانى عمل الحكومات من الخلافات منذ اليوم الأول. وطبعاً لم تساعد الحكومة الأزمات المتتالية التي اضطرت لمواجهتها وكانت لها تأثيرات مباشرة على الاقتصاد، بدءاً بجائحة كوفيد-19 إلى الحرب الأوكرانية.

ولذا كان شولتس غالباً ما يعقد خلوات مع ليندنر وزعيم «الخضر»، روبرت هابيك، ويطول النقاش لساعات بأمل التوصل لحلول وسط يمكن للحكومة أن تكمل فيها عملها. وفي النهاية، كان من أبرز نقاط الخلاف التي رفض ليندنر المساومة فيها هي ما يُعرف في ألمانيا بـ«مكابح الدَّين العام»؛ إذ يرفض الدستور الألماني الاستدانة إلا في حالات الطوارئ، ولقد استخدمت الحكومة كوفيد-19 كطارئ للتخلي عن «مكابح الدَّين العام»، وبالتالي، الاستدانة والإنفاق للمساعدة عجلة الاقتصاد.

وأراد شولتس تمديد العمل بحالة الطوارئ كي تتمكن حكومته من الاستدانة وتمويل الحرب في أوكرانيا من دون الاقتطاع من الخدمات العامة، لكن ليندنر رفض مقترحاً تخفيض الإنفاق العام في المقابل، الأمر الذي اعتبره شولتس «خطاً أحمر».

تهم وشكوك

وحقاً، اتُّهم ليندنر بعد طرده بأنه كان يخطط للانسحاب من الحكومة منذ فترة، وبأنه وضع خطة لذلك بعدما وجد أن حزبه منهار في استطلاعات الرأي وأن نسبة تأييده عادت لتنخفض إلى ما دون عتبة الـ5 في المائة.

أيضاً، كُشف بعد انهيار الحكومة عن «وثيقة داخلية» أعدّها ليندنر وتداولها مع نفر من المقرّبين منه داخل الحزب، تحضّر للانسحاب من الحكومة بانتظار الفرصة المناسبة. وقيل إنه بدأ يخشى البقاء في حكومة فقدت الكثير من شعبيتها بسبب المشاكل الاقتصادية وارتفاع التضخّم خلال السنوات الثلاث الماضية، ما أثر على القدرة الشرائية للألمان. وبناءً عليه، خطّط ليندنر للخروج منها قبل موعد الانتخابات واستخدام ذلك انتخابياً لإعادة رفع حظوظ حزبه الذي يبدو الأكثر تأثراً من الأحزاب المشاركة في الحكومة، بخسارة الأصوات. وطرحت «الوثيقة» التي كُشف عنها مشكلة أخرى بالنسبة لليندنر - داخل حزبه هذه المرة - فواجه اتهامات بالتفرّد بالقرارات وحتى دعوات لإقالته.

طامح لمواصلة القيادة

حتى الآن، يبدو كريستيان ليندنر مصراً على قيادة حزبه في انتخابات فبراير (شباط)، وما زال لم يفقد الأمل العودة حتى إلى الحكومة المقبلة وزيراً للمالية في حكومة يقودها زعيم الديمقراطيين المسيحيين، فريدريش ميرتز، الذي يتقدّم حزبه في استطلاعات الرأي ومن المرجح أن يتولى المستشارية. وللعلم، ميرتز نفسه أبدى انفتاحاً على ضم ليندنر إلى حكومته المحتملة، وشوهد الرجلان بعد أيام من إقالة ليندنر يتهامسان بتفاهم ظاهر داخل «البوندستاغ».

ولكن عودة ليندنر للحكومة ستتطلب منه بدايةً تخطي عقبتين: الأولى أن يبقى على رأس حزبه لقيادته للانتخابات. والثانية أن ينجح بإقناع الناخبين بمنح الحزب أصواتاً كافية لتخطي عتبة الـ5 في المائة الضرورية لدخول البرلمان.