الهند تنفتح على جمهوريات آسيا الوسطى... وعينها على الصين

في ظل منافسات كبيرة على النفوذ بين الدول الكبرى

الهند تنفتح على جمهوريات آسيا الوسطى... وعينها على الصين
TT

الهند تنفتح على جمهوريات آسيا الوسطى... وعينها على الصين

الهند تنفتح على جمهوريات آسيا الوسطى... وعينها على الصين

بعد سنوات من الإهمال وعدم الاهتمام، تحتضن الهند بحرارة اجتماعاً يضم خمس دول في آسيا الوسطى. وبعد أن عقدت سلسلة من المحادثات رفيعة المستوى معهم منذ استيلاء حركة «طالبان» على أفغانستان، وفي إطار تحركات الهند الدبلوماسية، وجّهت نيودلهي الدعوة إلى قادة دول آسيا الوسطى الخمس – طاجيكستان، وأوزبكستان، وتركمانستان، وكازاخستان وقيرغيزستان - للمشاركة في احتفالات يوم الجمهورية المصادف الأربعاء المقبل 26 يناير (كانون الثاني).
تعد هذه المرة الأولى التي يشارك فيها ممثلون عن جميع دول آسيا الوسطى ضيوفاً في هذه المناسبة، والمرة الثانية التي يجري خلالها توجيه الدعوة إلى العديد من الدول معاً بعد عام 2018 عندما جرى توجيه الدعوة إلى دول مجموعة «آسيان».
وإذا ما سمحت الظروف في ظل جائحة فيروس «كوفيد - 19»، من المقرر مشاركة كل من رئيس كازاخستان، قاسم جومارت توكاييف، ورئيس أوزبكستان، شوكت ميرزيوييف، ورئيس طاجكستان، إمام علي رحمون، ورئيس تركمانستان، قربانقولي بيردي محمدوف، ورئيس قيرغيزستان، صدير جاباروف، في الاحتفال الهندي باعتبارهم من بين كبار الضيوف المدعوين في يوم الجمهورية. ومن المقرر أن يشهد الاحتفال كذلك أول قمة بين الهند ودول آسيا الوسطى في إطار احتفال الجانبين بالذكرى الثلاثين لتدشين العلاقات الدبلوماسية بينهم.
ويرى البعض، أن هذه الخطوة جاءت في الوقت المناسب، وتسعى من خلالها الهند إلى نفض غبار سنوات من الإهمال واللامبالاة، وتطمح إلى العودة إلى مقدمة مراكز الوعي في آسيا الوسطى. والملاحظ، أنه خلال الأشهر القليلة الماضية، كثّفت الهند تعاونها واتصالاتها مع دول آسيا الوسطى، لا سيما منذ استيلاء «طالبان» على مقاليد السلطة في أفغانستان، وهو ما حوّل منطقة آسيا الوسطى إلى ساحة جيوسياسية تتكشف فيها منافسات كبيرة على النفوذ. في هذا الإطار، تعدّ روسيا لاعباً مهماً، في الوقت الذي يبدو النفوذ الصيني راسخاً بقوة من خلال مبادرة «الحزام والطريق»، بينما تنافس الولايات المتحدة، التي انسحبت من أفغانستان، بقوة لإيجاد مساحة لها.
من ناحيتها، تدرك الهند جيداً أن الاستفادة من النفوذ في كابل وحصاد هذا التأثير في شكل مكاسب مادية، يستلزم وجود قاعدة ثابتة لها في آسيا الوسطى، وهو أمر يعد بمثابة شرط أساسي في هذا الصدد، حسبما ذكرت الكاتبة سيما جوها.
جدير بالذكر هنا، أن الهند سبق لها عقد حوارين وحافظت على قنوات اتصال منتظمة مع دول آسيا الوسطى من خلال منتديات مثل منظمة شنغهاي للتعاون ومؤتمر التفاعل وتدابير بناء الثقة في الهند. ورغم ذلك ما زال دور الهند ضعيفاً على مستوى المنطقة، مقارنة بروسيا والصين وتركيا وإيران وغيرها.
- الحوار بين الهند ودول وسط آسيا
في وقت سابق من ديسمبر (كانون الأول) 2021، عُقدت النسخة الثالثة من اجتماع لحوار الهند وآسيا الوسطى في دلهي. وخلال الاجتماع، التقى وزير الشؤون الخارجية الهندي د. إس. جايشانكار نظراءه الخمسة من دول وسط آسيا. وركزت المحادثات على الوضع في أفغانستان، وأزمة جائحة «كوفيد ـ 19»، وأهمية التواصل بين الدول المشاركة. بجانب ذلك، التقى وزراء الخارجية الخمسة رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، الذي سبقت له زيارة جميع دول آسيا الوسطى عام 2015 ووصفها بأنها تشكل الجوار الممتد للهند، وهنأ الدول التي زارها بمناسبة مرور 30 عاماً على إقامة علاقات دبلوماسية بينها وبين بلاده. أما جايشانكار، فقد زار دول آسيا الوسطى ثلاث مرات منذ اندلاع الأزمة الأخيرة في أفغانستان.
جدير بالذكر في هذا الصدد، أن أول حوار بين الهند ودول وسط آسيا عُقد في مدينة سمرقند التاريخية بأوزبكستان، في يناير 2019. وعكس هذا الحدث رغبةً من جانب جميع دول وسط آسيا لتعزيز اتصالاتهم مع الهند. وبالفعل، بدأت العديد من المبادرات المقدمة خلال القمة الأولى، التي استضافتها سمرقند، تؤتي ثمارها، بما في ذلك تشكيل مجلس أعمال الهند وآسيا الوسطى.
كما قدمت الهند خط ائتمان بقيمة مليار دولار وجّهته لمشروعات التنمية ذات الأولوية في مجالات الطاقة، والرعاية الصحية، والاتصال، وتكنولوجيا المعلومات، والزراعة، والتعليم، وما إلى ذلك. ومهّد الحوار الثالث الطريق لتكثيف العلاقات الثنائية بين الهند من ناحية وكل من دول آسيا الوسطى من ناحية أخرى.
من جهتهم، أعلن وزراء الخارجية في بيان مشترك، أنهم ناقشوا «الوضع الحالي في أفغانستان وتأثيره على المنطقة». وشدد البيان على الدعم القوي لأفغانستان كي تنعم بالسلام والأمن والاستقرار، مع التأكيد على احترام سيادتها ووحدتها وسلامة أراضيها وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، وكذلك إعادة التأكيد على أهمية قرار مجلس الأمن رقم 2593 (2021)، الذي «يطالب بشكل قاطع بعدم استخدام الأراضي الأفغانية لإيواء (الجماعات) الإرهابية أو تدريبها أو التخطيط لها أو تمويلها»، ودعا إلى اتخاذ إجراءات متضافرة ضد جميع الجماعات الإرهابية.
وفي سياق متصل، شارك مستشارو الأمن القومي من كازاخستان، وطاجيكستان، وقيرغيزستان وتركمانستان في الاجتماع الإقليمي الذي استضافته الهند في نوفمبر (تشرين الثاني) حول الوضع في أفغانستان، وذلك بمشاركة ممثلين عن وكالات الأمن الوطني في روسيا وإيران. وفي اليوم ذاته، استضافت إسلام آباد مبعوثين من الولايات المتحدة والصين وروسيا لمناقشة الوضع في أفغانستان.
وعن ذلك، قال الكاتب سارانش ميشرا «موقع آسيا الوسطى في قلب أوراسيا، وقربها الجغرافي وروابطها التاريخية يجعل المنطقة ذات صلة وثيقة بمصالح الهند الاستراتيجية. والمعروف أن السياسة الخارجية للهند كانت مركّزة بشكل أكبر حول القوى الكبرى مثل روسيا والولايات المتحدة، وركزت على التعامل مع التحديات الناشئة عن الصين وباكستان. وعليه، تعرضت منطقة آسيا الوسطى للتهميش. وما زالت الطريق طويلة أمامنا بالتأكيد قبل أن يجري تصنيف الهند كواحدة من العناصر الفاعلة في آسيا الوسطى. ومع ذلك، تظل الحقيقة أن الهند تسير اليوم على المسار الصحيح، ومن شأن استغلال مثل هذه التفاعلات الدبلوماسية المتكررة ببراعة أن يمكن من بزوغ فجر جديد في تاريخ العلاقات بين الهند وآسيا الوسطى».
- الورقة البيضاء بين الهند وروسيا حول آسيا الوسطى
لا تخلو الجهود الحثيثة الحالية من جانب الهند من بعض المباركة الروسية، كما يقول مسؤولون في نيودلهي. ويأمل الهنود بأن تعمل روسيا معهم لكبح جماح وجود بكين غير الضروري في منطقة آسيا الوسطى، خاصة بعدما وضعت الصين عينيها على المنطقة الغنية بالطاقة، والتي تقع كذلك على الحدود مع أفغانستان.
وتبدو روسيا، كما تقول مصادر في نيودلهي، «أكثر من حريصة» على العمل مع الهند في منطقة آسيا الوسطى الغنية بالطاقة وذات الأهمية الاستراتيجية.
وكشفت مصادر رفيعة المستوى، عن أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال زيارته الأخيرة إلى دلهي سمع من القيادة الهندية أنها تشعر بالقلق حيال تنامي نفوذ الصين. ويُعتقد أن الجانب الهندي حاول إقناع الروس بوجهة نظرهم في خصوص «السياسات العدوانية» التي تنهجها بكين.
اللافت، أن الهند وروسيا تبادلتا الأفكار حول زيادة المشاركة الثنائية واستكشاف مشروعات مشتركة في آسيا الوسطى وهي منطقة وصفها رئيس الوزراء ناريندرا مودي بأنها جزء من الجوار الممتد للهند.
تجدر الإشارة في هذا الصدد إلى أن الدول الخمس كانت في وقت مضى جزءاً من الاتحاد السوفياتي، وما زال لروسيا تأثير كبير عليها حتى اليوم.
وكشفت مصادر، عن أن الورقة البيضاء الموقّعة بين الهند وروسيا تتناول مشروعات دفاعية مشتركة في آسيا الوسطى (كازاخستان، وقيرغيزستان، وطاجيكستان، وتركمانستان وأوزبكستان) من خلال مصانع الدفاع القائمة بالفعل التي تعود إلى الحقبة السوفياتية في بعض جمهوريات المنطقة، في وقت تسعى الهند إلى أن تكون دولة مصدّرة بمجال الصناعات الدفاعية. يذكر، أن دول آسيا الوسطى ما زالت تعتمد على المعدات الدفاعية روسية الصنع.
وتحتوي الورقة البيضاء، وهي وثيقة غير رسمية، كذلك على اقتراحات بشأن الإنتاج الدفاعي الهندي ـ الروسي المشترك في بعض جمهوريات آسيا الوسطى لتلبية الطلب المحلي، بالإضافة إلى طلب الهند. ويأتي توقيع هذه الورقة في الوقت الذي دعت روسيا لتعزيز المشاركة الهندية في الشرق الأقصى، خاصة فيما يتعلق بالقوى العاملة الهندية.
في هذا الإطار، قال بي ستوبدان، الخبير في شؤون آسيا الوسطى وسفير الهند السابق لدى قيرغيزستان «إنه إنجاز دبلوماسي كبير للهند أن تبدي روسيا، التي تتمتع بعلاقات وثيقة مع الصين في الوقت الحالي، استعدادها للعمل مع الهند لمواجهة الصين. وبمجرد أن تبدأ روسيا والهند مشاركة أكثر فاعلية في الدفاع والأنشطة البناءة الأخرى، ناهيك عن التدريبات العسكرية في دول آسيا الوسطى، سيأتي ذلك بمثابة انتكاسة كبيرة لطموح الصين الكبير لتعزيز وجودها في المنطقة. ومع تنفيذ روسيا مشروعات تنموية في أقصى شرقها، كان شريكها المفضل في هذه الجهود الهند، وليس الصين المجاورة. جدير بالذكر، أن هذه المنطقة الروسية تقع على الحدود مع الصين وتتميز بوفرة الموارد».
وأضاف «ثمة خطط جارية لربط فلاديفوستوك مع تشيناي، وهي نتاج رئيسي لزيارة رئيس الوزراء مودي عام 2018 للمدينة لحضور القمة السنوية بين الهند وروسيا. علاوة على ذلك، فإن قرار دلهي بدعوة قادة آسيا للقدوم إليها لا ينبغي مطلقاً النظر إليه باعتباره حدثاً قائماً بذاته. كانت هناك مؤشرات عابرة عن انتهاج خط جديد في التفكير خلال زيارة الرئيس فلاديمير بوتين الأخيرة إلى دلهي. الواضح أن محادثات بوتين الفردية مع مودي بعثت الحياة في التفكير الجديد بشأن الأمن الإقليمي. من جانبه، يدرك بوتين أن الصينيين كانوا يسيطرون على هذا الفضاء منذ تفكك الاتحاد السوفياتي، واللافت أنه لا ينفر من التعامل مع قوة ثالثة، مثل الهند، التي تسعى لاستعادة النفوذ. في الواقع، ربما يكون من مصلحة بوتين تقليص قوة الصين داخل المنطقة».
- الهند وآسيا الوسطى: العلاقات والتحديات
تشترك الهند وآسيا الوسطى في تاريخ طويل يمتد إلى 2500 عام. على الصعيد السياسي، يتضمن هذا التاريخ إمبراطورية كوشان، التي امتدت عبر أراضي آسيا الوسطى والهند الحديثة، وغزو المغول للهند أوائل القرن السادس عشر. من الناحية الاقتصادية، اضطلعت مدن آسيا الوسطى الكبرى ـ مثل فرغانة وسمرقند وبخارى - بدور بارز في طريق الحرير الذي يربط الهند بالصين وأوروبا، علاوة على دور التجار الهنود المقيمين في المنطقة الذين شكّلوا جزءاً لا يتجزأ من الاقتصادات المحلية. وعلاوة على الروابط الاقتصادية القوية، ازدهر التبادل الثقافي بين المنطقتين، وتضمن ذلك انتشار البوذية من الهند إلى آسيا الوسطى وما وراءها، والصوفية من آسيا الوسطى إلى داخل الهند.
ومع انحسار طريق الحرير، وبزوغ فجر «عصر الكشوفات الجغرافية» الأوروبي وكذلك توسع الإمبراطوريتين الروسية والصينية في آسيا الوسطى، تلاشت المنطقة من مخيلة الهند الاستراتيجية. وبعد استقلال الهند، أصبحت العلاقات الهندية السوفياتية قوية وزار القادة الهنود منطقة آسيا الوسطى، في وقت كانت المنطقة لا تزال جزءاً من الاتحاد السوفياتي.
وبعد تفكك الاتحاد السوفياتي وقيام جمهوريات مستقلة في آسيا الوسطى، حاولت الهند جاهدة التواصل مع الجمهوريات السوفياتية السابقة، لكن الاتصال كان ولا يزال يمثل مشكلة رئيسية. وفي الوقت الذي كانت أفغانستان تكابد حرباً أهلية، ترحب باكستان باستخدام الهند أراضيها للتجارة مع آسيا الوسطى. أما الصين، فقد استفادت من الموقف وكشفت عن مبادرة الحزام والطريق التي حظيت باهتمام كبير. اليوم، تدفع الهند دول آسيا الوسطى للاستفادة من ميناء تشابهار في إيران، مع شبكة تربطها بأفغانستان من أجل تسيير التجارة مع آسيا الوسطى.
من جهته، أعرب المحلل البارز فيفيك كاتجو عن اعتقاده بأنه «في الوقت ذاته، سعت جمهوريات آسيا الوسطى إلى تطوير علاقاتها مع بقية العالم. وتبدو هذه الدول حريصة على كسر القيود التي تفرضها الجغرافيا عليها، خاصة أن جميع البلدان الخمس غير ساحلية، وبالتالي فهي غير قادرة على تحقيق كامل إمكاناتها الاقتصادية والتجارية. وفي إطار جهودها للتواصل مع العالم، تحرص دول آسيا الوسطى على تطوير علاقاتها مع الهند، التي تعدّها لاعباً رئيسياً. وقبلت هذه الدول بنيودلهي في اتفاقية عشق آباد، والتي سمحت للهند بالوصول إلى شبكات الاتصال لتسهيل التجارة والتفاعلات التجارية مع كل من آسيا الوسطى وأوراسيا، وكذلك الوصول إلى الموارد الطبيعية في المنطقة». وأضاف موضحاً، أنه «على الرغم من أن الصين لديها أكبر حضور إقليمي في آسيا الوسطى، والذي يبدو الوصول لمستواه أمراً بعيد المنال أمام الهند في المستقبل القريب، تبدي دول آسيا الوسطى اهتمامها بتنويع روابطها الاقتصادية بحيث لا يصبح باستطاعة بلد واحد الهيمنة على المنطقة. بجانب ذلك، فإن المشاعر المعادية المتنامية تجاه الصين داخل المنطقة والتهديدات الأمنية من طالبان تسمح لنيودلهي ودول آسيا الوسطى بإعادة النظر في مستوى التعاون بينهما. ويمكن للهند كذلك أن تتطلع إلى استغلال صداقتها التي أثبتت جدواها مع روسيا، وهي واحدة من أكثر الدول نفوذا في المنطقة، لإحراز تقدم على هذه الجبهة. ولا ينبغي للهند أن تضيع أي وقت في إعادة ضبط ارتباطاتها الإقليمية».
- إضاءة على العلاقات الاقتصادية
> لطالما نظرت بلدان آسيا الوسطى إلى الهند لفترة طويلة باعتبارها من أصحاب المصلحة الشرعيين في المنطقة، وسط حسن نيتها السياسية الهائلة بالنظر إلى تراث صداقتها مع الاتحاد السوفياتي السابق. ورغم ذلك، أخفقت الهند في إحراز تقدم تجاري على صعيد علاقاتها مع دول المنطقة.
يذكر، أن حجم التجارة بين الهند وآسيا الوسطى يبلغ مليارَي دولار أميركي مقارنة بالتجارة الصينية مع دول المنطقة، والتي تبلغ نحو 100 مليار دولار أميركي. وتبدو هذه الأرقام غير مُرضية على نحو أكبر عندما تقترن باعتماد الهند الكبير للغاية على استيراد الطاقة، في وقت تتمتع دول آسيا الوسطى بوفرة الموارد الطبيعية، مثل النفط والغاز الطبيعي واليورانيوم وما إلى ذلك. ويمكن أن يُضاف لذلك التجارة في الطاقة والأدوية والمواد الكيميائية ومعدات الدفاع والمنتجات الزراعية، وما إلى ذلك، والتي لا يزال حجمها ما بين الهند ودول المنطقة غير مرضي.
ومع ذلك، ورغم التحديات القائمة، جرى إحراز تقدم طفيف فيما يتعلق بتأمين المصالح الهندية في مجال الطاقة، في الوقت الذي حرصت دلهي كذلك على توسيع التعاون النووي المدني مع المنطقة. وربما توفر كازاخستان وأوزبكستان للهند المزيد من اليورانيوم من أجل محطات الطاقة النووية. ومن المرجح أن يجري اتخاذ قرار رسمي في هذا الصدد من قِبل قيادات دول آسيا الوسطى.
وربما يجري اتخاذ القرار بشأن تعزيز إمدادات اليورانيوم إلى الهند عندما يزور رؤساء جمهوريات آسيا الوسطى الخمس، الهند للمشاركة في احتفالات يوم الجمهورية. وبرزت هذه القضية خلال حوار آسيا الوسطى. يذكر أن طاجيكستان وأوزبكستان تمتلكان احتياطيات ضخمة من اليورانيوم، وتعد الأولى أكبر منتج لليورانيوم في العالم. وبالفعل، تستورد الهند هذه المواد منهم، لكن المصانع الهندية تعاني في الوقت الراهن من نقص اليورانيوم.
من ناحيته، قال وزير الدولة لشؤون الفضاء والطاقة الذرية، د. جيتندرا سينغ، أمام البرلمان قبل وقت قريب «إن الإنتاج السنوي الحالي لليورانيوم في البلاد لا يكفي تلبية متطلبات الوقود السنوية لجميع محطات الطاقة النووية العاملة باليورانيوم». وأوضح، أن البلاد تستورد اليورانيوم من دول مختلفة، مثل كندا، وكازاخستان، وأوزبكستان، وروسيا.
من ناحية أخرى، ومن أجل تسهيل نقل البضائع بين الهند وآسيا الوسطى عبر إيران، انضمت الهند إلى الاتفاقية الجمركية للنقل الدولي للبضائع عام 2017 وانضمت إلى اتفاقية عشق آباد، التي تشمل إيران وعُمان وتركمانستان وأوزبكستان، عام 2018. والمؤكد، أن تعزيز إمكانية الوصول إلى أسواق الهند الضخمة سيعود بالنفع الوفير على دول آسيا الوسطى التي تبحث باستمرار عن تعزيز اقتصاداتها المتعثرة.
ويرى البعض، أنه في حين أعطت مثل هذه الخطوات فرصة جديدة للحياة لرؤية الهند للتواصل الأوروبي الآسيوي، يجب على نيودلهي الجمع بين الدبلوماسية الماهرة والعمل على أرض الواقع لضمان استمرارية هذه المشروعات في المنطقة لتجنب تراجع نفوذها ومكانتها داخل الإطار السياسي الأوروبي - الآسيوي. الآن، الأمر متروك لرئيس الوزراء مودي لإدارة إعادة التوازن في آسيا الوسطى من خلال الدبلوماسية والتعاون، بدلاً من التنافس.



جدعون ساعر... غريم نتنياهو الذي ناصره في «حكومة الحرب»

جدعون ساعر
جدعون ساعر
TT

جدعون ساعر... غريم نتنياهو الذي ناصره في «حكومة الحرب»

جدعون ساعر
جدعون ساعر

عادّاً قرار عودته إلى الحكومة الإسرائيلية «عملاً وطنياً صحيحاً» يأتي في «أوقات صعبة مليئة بالتحديات»، تحالف النائب الليكودي جدعون ساعر من جديد مع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، وانضم لنصرته في «مجلس الحرب» وزيراً بلا حقيبة، وسط تكهّنات بأن المعارض اليميني «المتشدد» الذي يلقبه زملاؤه بـ«جيدي» قد يخلف وزير الدفاع يوآف غالانت، حال استقالته من منصبه. ساعر، الذي كان قد استقال من حكومة نتنياهو قبل بضعة أشهر اعتراضاً على استبعاده من «مجلس الحرب»، قال يومذاك جملته الشهيرة «لم نأت لتدفئة الكراسي». إلا أنه تراجع عن موقفه وعاد اليوم إلى الحكومة، مبرراً ذلك خلال مؤتمر صحافي لإعلان المصالحة مع حليفه وغريمه نتنياهو، بأنه «ليس من المفيد البقاء في المعارضة، بل واجبي في الوقت الحالي أن أحاول المساهمة على الطاولة حيث تُتخذ القرارات».

أثارت عودة جدعون ساعر إلى الحكومة الإسرائيلية جدلاً واسعاً، وشكلت تناقضاً سافراً لمواقف سبق أن أعلنها في خضم خلافه المحتدم مع نتنياهو ضمن كتلة «الليكود» النيابية. وهو الأمر الذي لم ينكره ساعر، إذ قال: «أمضينا أنا وبيبي (نتنياهو) سنوات من الشراكة الجيدة والوثيقة جداً، وكانت هناك أيضاً سنوات من الخلافات الشخصية والسياسية، لكن منذ صباح 7 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي لم يعد لهذا الخلاف أهمية»، وهذا ما أقرّ به أيضاً نتنياهو عندما ردّ: «وضعنا ضغائن الماضي خلفنا».

نشأة في «كيبوتز»

ولد جدعون ساعر في تل أبيب يوم 9 ديسمبر (كانون الأول) 1966. وهو الابن الأكبر لأم من يهود بُخارى (في أوزبكستان) تعمل في التدريس، وأب طبيب جاء إلى إسرائيل من الأرجنتين. ولقد نشأ جدعون في مستوطنة تعاونية (كيبوتز)، واعتاد أن يرافق والده في زيارات إلى بيت ديفيد بن غوريون، أول رئيس وزراء لإسرائيل، إذ كان أبوه الطبيب الخاص لبن غوريون.

بدأت ميول جدعون ساعر السياسية في وقت مبكر، وإبان مرحلة تعليمه الثانوي انضم إلى حركة «هتحيا»، وترأس فرع الشباب فيها، وهي الحركة التي تحوّلت فيما بعد إلى حزب سياسي يميني متطرّف بين عامي 1979 و1992، أسّسه إسرائيليون يمينيون معارضون لاتفاقية «كامب ديفيد»، وظل قيادياً ناشطاً في ذلك الحزب إلى أن التحق فيما بعد بصفوف حزب «الليكود» (التكتل) اليميني. أما في مرحلة الدراسة الجامعية، فقد حاز ساعر درجة بكالوريوس في العلوم السياسية وبكالوريوس في الحقوق من جامعة تل أبيب. وبما يتصل بخدمته العسكرية، فإنه خدم في الجيش الإسرائيلي جندي مشاة في وحدة «غولاني»، وبعد إصابته أكمل خدمته ضابط استخبارات.

محام وصحافي

عمل ساعر في مهن عدة، وتدرّج في عدة مناصب. ولقد بدأ حياته العملية في المجال الحقوقي مساعد نائب عام، ثم عمل محامياً في النيابة العامة لمنطقة تل أبيب. وفي عام 1999، عندما كان في الثانية والثلاثين من عمره عيّن أميناً لمجلس الوزراء في حكومة نتنياهو الأولى، وهو المنصب الذي شغله أيضاً في حكومة أريئيل شارون الأولى. أيضاً سبق لساعر أن عمل صحافياً في وسيلتين إعلاميتين يساريتين. وإبان «الانتفاضة الفلسطينية الثانية»، شغل أيضاً منصب سكرتير مجلس الوزراء، وترأس وفد إسرائيل إلى الأمم المتحدة مركزاً على منع تشكيل لجنة تحقيق دولية في معركة جنين ضمن «عملية الدرع الواقي» التي نفذتها القوات الإسرائيلية في الضفة الغربية من أجل القضاء على «الانتفاضة». وكان ممثلاً للحكومة في الكنيست؛ حيث روّج لتشريعات عدة متعلقة بالقضايا الأمنية والسياسية الحساسة. وفي عام 2002 انتخب عضواً في الكنيست للمرة الأولى، وكان رئيساً لكتلة «الليكود» البرلمانية ورئيساً للائتلاف اليميني. هذا، وبرز ساعر في «الليكود» خلال فترة توليه السلطة، وقاده أيضاً في زمن المعارضة بعد خسارة الحزب انتخابات عام 2005. وكان من الشخصيات الرئيسية والمؤثرة في إعادة تأهيل «الليكود» للفوز في انتخابات 2009. وحقاً، في ذلك العام عيّن وزيراً للتربية والتعليم، كما صار عضواً في «مجلس الوزراء الأمني». ثم في عام 2013 عيّن وزيراً للداخلية.

استراحة أسرية

عام 2014، بعد زواجه من الإعلامية اليسارية غيئولا إيبن، قرّر ساعر أخذ استراحة من العمل السياسي وتكريس وقته لرعاية أطفاله من زواجه الأول وأطفال زوجته الجديدة، دانييلا وألونا وديفيد وشيرا. وخلال هذه الفترة، تعمّق في متابعة قضايا الأمن القومي الإسرائيلي، وصار زميلاً في «المعهد الإسرائيلي لدراسات الأمن القومي»، كما عمل محاضراً في قضايا الحكومة والإصلاح في كلية «أونو الأكاديمية»، ومستشاراً خاصاً لإحدى شركات المحاماة.

وبالفعل، عاش ساعر مع أسرته، إبان هذه الفترة، في شقة بتل أبيب «مليئة بألعاب الأطفال الملوّنة والمراهقين الصاخبين»، وفق وصف صحيفة «الواشنطن بوست» في حوار أجرته معه عام 2017، كذلك نقلت الصحيفة عنه قوله إنه «يريد التركيز على عائلته ونفسه، على الأقل لفترة من الوقت، تاركاً الباب مفتوحاً لعودته للسياسة يوماً ما». وأردف: «عندما استقلت من الحكومة والكنيست في نوفمبر (تشرين الثاني) 2014 كان من الواضح أنني سأعود... وكان السؤال الوحيد هو متى». ثم تابع في حواره مع الصحيفة الأميركية: «لست في عجلة من أمري لكي أصبح رئيساً للوزراء، لكنني قلت بوضوح عند عودتي إنني أعتزم قيادة الحزب والبلاد في المستقبل». وبالضبط، بعد نحو خمس سنوات، قرر ساعر العودة للسياسة وانتخب على قائمة «الليكود» في الكنيست.

مواقف «متشددة»

يُعرف ساعر بمواقفه اليمينية الحادة والمعارضة، فهو رفض خطة الانسحاب من قطاع غزة، وتنازل عن منصبه في رئاسة كتلة الائتلاف في الكنيست أيام أريئيل شارون، إثر تنفيذ خطة «فك الارتباط». وأيضاً من آرائه ومواقفه المتشددة، معارضته الشديدة «حل الدولتين». وفي هذا الشأن قال في حوار مع «معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى» – القريب جداً من إسرائيل – عام 2021 إنه «يدعم أقصى قدر من الحكم الذاتي للفلسطينيين ليحكموا حياتهم، مع الحدّ الأدنى من القدرة على إلحاق الضرّر بأمن دولة إسرائيل». وتكلّم عن «الحاجة لعنصر إقليميّ، مع دمج الدولتَين المجاورتَين، الأردن ومصر، في الحلول نفسها»، عبر ما وصفه باتفاقيات «ثلاثية الأطراف في بعض القضايا؛ بشأن السياحة والاقتصاد والبيئة وقضايا أخرى».

وبالنسبة للاستيطان، يدعم ساعر بناء المستوطنات في الضفة الغربية مع ضم أجزاء من الضفة الغربية. وسبق أن أوضح خلال لقاء مع صحيفة «تايمز أوف إسرائيل» عام 2018 أن «إقامة دولة فلسطينية على بعد أميال قليلة من مطار بن غوريون والمراكز السكانية الرئيسية في إسرائيل من شأنها أن تخلق خطراً أمنياً وديموغرافياً على إسرائيل».

وحيال «حرب غزة»، حثّ ساعر حكومته على «اتخاذ إجراء عسكري أكثر قوة في غزة»، وهو ما من شأنه حسب رأيه «تقصير فترة الحرب». وعدّ في مقال نشره موقع «بوليتيكو» في نوفمبر 2023 أن «الصراع بين حماس وإسرائيل حرب للغرب أيضاً... ومنذ الثورة الإيرانية عام 1979، أصبح الإسلام الراديكالي منافساً آيديولوجياً للغرب الديمقراطي». وأضاف أن «الصبر والتسامح تجاه الآيديولوجية المتطرّفة التي لا تعترف بشرعية أسلوب حياتكم (أي الغرب) هما أكبر عدوّ للسلام والتعايش».

حليف نتنياهو وغريمه

في الواقع، يحمل جدعون ساعر سمات شخصية مزدوجة، وقد وصفته صحيفة «هآرتس» عام 2020 بأنه في آن معاً «علماني رائع من تل أبيب... وقومي مؤيد للمستوطنين».

ولعل تناقضات شخصية ساعر المثيرة للجدل تظهر بوضوح في علاقته بـ«بيبي» نتنياهو، الذي ظل لسنوات طويلة داعماً له بصفته عضواً في «الليكود»، أو سكرتيراً لرئيس الوزراء ووزيراً في حكومات نتنياهو المختلفة. لكن هذا التحالف سرعان ما انفضّ كاشفاً عن «ضغينة شديدة» يكنّها ساعر ضد رئيسه السابق، إذ انفصل عن «الليكود» وشكّل حزباً جديداً لمنافسة حليفه السابق في الانتخابات، ما «يضع العقل السياسي الماكر ضد معلمه السابق في معركة شخصية عميقة غارقة في مظالم الماضي»، بحسب تقرير لوكالة «الأسوشييتد برس» عام 2021. والحقيقة أن الخلاف مع نتنياهو مر بمراحل عدة، كانت الأولى عندما خاض الانتخابات التمهيدية لقيادة «الليكود» ضده عام 2019، لكنه لم يستطع يومذاك الحصول على زعامة الحزب، فقرر عام 2020 الاستقالة من الكنيست والحزب، وتأسيس حزب «تكفا هداشا» (الأمل الجديد)، الذي خاض انتخابات 2021 وحصل على 6 مقاعد في الكنيست، ومن ثمّ، لعب دوراً في تشكيل «حكومة وحدة» بديلة لإسرائيل، ليشغل في البداية منصب نائب رئيس الوزراء ووزير العدل.

وللعلم، وصف ساعر دائماً بأنه «قومي متشدد» وكان يُنظر إليه منذ فترة طويلة على أنه «وريث لقيادة حزب الليكود»، لكنه بعد تحديه الفاشل لنتنياهو في سباق الزعامة، ومن ثم حرمانه من أي منصب حكومي عقاباً له، انفصل عن الحزب وأعلن أن «هدفه هو الإطاحة بنتنياهو لتحويله حزب الليكود أداةً للبقاء الشخصي».

ولكن، في أكتوبر الماضي، وافق ساعر على طلب نتنياهو تشكيل «حكومة موسّعة»، بيد أنه سرعان ما ترك الحكومة في مارس (آذار) الماضي، بعد رفض «بيبي» السماح له بالانضمام إلى «حكومة الحرب»، وقال حينذاك إنه لن يستطيع «تحمّل المسؤولية طالما أنه ليس لدي أي تأثير، فنحن لم نأت إلى الحكومة لتدفئة الكراسي».

مع هذا، عاد ساعر مرة أخرى ليتراجع، وأعلن في29 سبتمبر (أيلول) الماضي عودته إلى الحكومة الإسرائيلية، فيما عُدّ «نُصرة» لنتنياهو تتيح له توسيع غالبيته مع دعم أربعة نواب إضافيين.