«بزيبز».. القنطرة التي سرقت الأضواء من أشهر جسور العالم

عبرها عشرات الآلاف من النازحين الهاربين من معارك الأنبار أملا في ملاذ ببغداد

نازحون هاربون من معارك الأنبار يعبرون جسر بزيبز في طريقهم إلى بغداد أمس (أ.ب)
نازحون هاربون من معارك الأنبار يعبرون جسر بزيبز في طريقهم إلى بغداد أمس (أ.ب)
TT

«بزيبز».. القنطرة التي سرقت الأضواء من أشهر جسور العالم

نازحون هاربون من معارك الأنبار يعبرون جسر بزيبز في طريقهم إلى بغداد أمس (أ.ب)
نازحون هاربون من معارك الأنبار يعبرون جسر بزيبز في طريقهم إلى بغداد أمس (أ.ب)

على مدى الأيام الستة الماضية كانت قنطرة خشبية عائمة على نهر الفرات تربط بشكل مؤقت بين عامرية الفلوجة ومقتربات العاصمة العراقية بغداد وتسمى «جسر بزيبز» قد سرقت الأضواء من أشهر جسور العالم بما فيها العائمة.
وبخلاف ما تتميز به جسور العالم الاستراتيجية من ميزات على مستوى التصميم والبذخ فإن جسر بزيبز الذي صار استراتيجيا رغم أنفه أصبح أمثولة للمعاناة الإنسانية لا يضارعه فيها سوى الجسر الحجري الذي يربط بين البوسنة والصرب الذي أقيم على نهر درينا بمدينة «فيتشيغراد» والذي خلده الروائي البوسني – الصربي (اليوغسلافي) الحاصل على جائزة نوبل إيفو اندريتش المتوفى في عام 1975، في روايته الشهيرة «جسر على نهر درينا». ففي تلك الرواية كانت الأمهات يصرخن ويولولن وهن يهرولن بين الصخور ورمال الشاطئ والمنحدرات القاسية ليتبعن بنظرات حزينة وعيون باكية أطفالهن الذين تم خطفهم من قبل الجنود ووضعوا في سلال من الخوص على ظهور الجياد للذهاب بهم إلى أرض أخرى وعالم آخر ومستقبل آخر بعيدا عن أمهاتهم وأوطانهم.
جسر بزيبز العراقي أصبح خلال هذه الأيام مادة إعلامية وإنسانية نادرة المثال، حين هبت آلاف العوائل من مدينة الرمادي هربا من احتمال دخول تنظيم داعش المدينة باتجاه بغداد. ولكي تصل إلى أطراف بغداد فإن عبور هذا الجسر الخشبي أصبح حلم هذه العوائل وكأن انتقالها من ضفته الغربية إلى الشرقية بمثابة كتابة حياة جديدة لهم. ويقول المواطن عبد المجيد العيساوي الذي قدم مع عائلته إلى بغداد ليسكن مؤقتا مع ابنته المتزوجة في بغداد لـ«الشرق الأوسط» إن «المعاناة لا توصف سواء أثناء السير باتجاه الجسر أو عبوره الذي استغرق ساعات بسبب الكثافة البشرية فضلا عن أن العبور إلى الضفة الثانية وإن كان يصطدم بإجراءات روتينية صارمة فإنه يبدو وكأنه عبور إلى الحرية».
ويمضي العيساوي في وصف جسر بزيبز الذي يجهل سبب تسميته بهذا الاسم الاستثنائي إنه «ليس جسرا بالمعنى المعروف للجسور بل جسر حديدي عائم يربط ناحية عامرية الفلوجة بمقتربات العاصمة بغداد»، مضيفا أن «هذا الجسر لم يكن يهتم له أحد حين كان الذهاب من بغداد إلى الرمادي والفلوجة يمر من خلال الطريق الدولي السريع لكن سيطرة تنظيم داعش على الفلوجة ألغى المرور عبر الطريق السريع وصار جسر بزيبز هو البديل، ومن هنا جاءت أهميته الاستراتيجية لأنه همزة الوصل الوحيدة المتبقية مع مناطق غرب العراق».
ازدادت أهمية هذا الجسر أيضا بعد سقوط مدن وقرى أعالي الفرات القريبة من مدينة الرمادي وعلى امتداد منطقة الجزيرة وصولاً إلى مدينة هيت وما بعدها من مدن ونواح وقرى، فصار على الراغبين من سكنتها والمحتاجين لقضاء أعمالهم وأغراضهم في بغداد اختيار أحد طريقين، أما طريق النخيب الصحراوي المؤدي إلى مدينة كربلاء ثم إلى بغداد، وهو طريق صحراوي طويل جدا تشوبه الكثير من التعقيدات والصعوبات، أو الطريق الذي ينتهي بجسر بزيبز، بعد المرور بأطراف مدينة الرمادي وصولا إلى ناحية عامرية الفلوجة ثم الجسر، وهو طريق أقصر من طريق النخيب.
قضية نازحي الأنبار دفعت كبار سياسيي الأنبار من أعضاء برلمان ووزراء وحكومة محلية إلى تنظيم مظاهرة داخل المنطقة الخضراء لحمل الحكومة العراقية والسفارة الأميركية على اتخاذ الإجراءات الكافية لمساعدة الأنبار بعد تمكن «داعش» من احتلال مناطق جديدة عند مداخل مدينة الرمادي. وبينما واجه نازحو الأنبار شرط الكفيل للدخول إلى بغداد بسبب خشية السلطات الحكومية من إمكانية تسلل إرهابيين من بينهم فإن عضو لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي عن محافظة الأنبار محمد الكربولي انتقد في تصريح لـ«الشرق الأوسط» هذا التشدد قائلا إن «معاناة الناس في الرمادي لم ينظر إليها للأسف ببعدها الإنساني وإنما جرى التعامل معها من قبل البعض سواء كانوا في السيطرات ونقاط التفتيش أو حتى المسؤولين بطريقة إدارية بحتة علما أن البرلمان صوت بإلغاء شرط الكفيل لأنه ليس إجراء قانونيا وليس من حق أية جهة العمل به دون قرار أو تشريع».
رئيس الوزراء حيدر العبادي قال خلال اجتماع مجلس الوزراء أمس إن عملية النزوح الكبير من الرمادي خضعت لمنطق التهويل الإعلامي. وقال في بيان له إن «السلطات الحكومية والمحلية والأهالي استنفرت جهودها لاستيعاب النازحين، وإن موجة النزوح انحسرت، وإن الكثير من العوائل بدأت بالعودة».
لكن الأمم المتحدة أعلنت أمس عن نزوح أكثر من 114 ألف شخص في الأسبوعين الأخيرين نتيجة المعارك في الرمادي، معربة عن قلقها من المشكلات المتفاقمة التي يواجهونها. وأفادت المفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة أن 8 آلاف من هؤلاء النازحين ما زالوا في الأنبار. وأوضح المتحدث باسم الوكالة الأممية أدريان إدواردز أن «نحو 54 ألف شخص غادروا إلى بغداد، و15 ألفا إلى السليمانية في كردستان العراق، و2100 إلى بابل». وأعربت المفوضية العليا عن «القلق إزاء الصعوبات التي يواجهها آلاف المدنيين العراقيين» الفارين من المعارك. ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن المتحدث أن «النازحين في محافظة الأنبار بلا مأوى وظروف حياتهم تسوء. كما أن النازحين الجدد منهكون ولا يسعهم الانتظار للوصول إلى أماكن أكثر أمانا». وتابع أن بعضهم «سار كيلومترات بلا ماء ولا غذاء».



اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
TT

اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)

كان مخيم اليرموك للاجئين في سوريا، الذي يقع خارج دمشق، يُعدّ عاصمة الشتات الفلسطيني قبل أن تؤدي الحرب إلى تقليصه لمجموعة من المباني المدمرة.

سيطر على المخيم، وفقاً لوكالة «أسوشييتد برس»، مجموعة من الجماعات المسلحة ثم تعرض للقصف من الجو، وأصبح خالياً تقريباً منذ عام 2018، والمباني التي لم تدمرها القنابل هدمت أو نهبها اللصوص.

رويداً رويداً، بدأ سكان المخيم في العودة إليه، وبعد سقوط الرئيس السوري السابق بشار الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول)، يأمل الكثيرون في أن يتمكنوا من العودة.

في الوقت نفسه، لا يزال اللاجئون الفلسطينيون في سوريا، الذين يبلغ عددهم نحو 450 ألف شخص، غير متأكدين من وضعهم في النظام الجديد.

أطفال يلعبون أمام منازل مدمرة بمخيم اليرموك للاجئين في سوريا (أ.ف.ب)

وتساءل السفير الفلسطيني لدى سوريا، سمير الرفاعي: «كيف ستتعامل القيادة السورية الجديدة مع القضية الفلسطينية؟»، وتابع: «ليس لدينا أي فكرة لأننا لم نتواصل مع بعضنا بعضاً حتى الآن».

بعد أيام من انهيار حكومة الأسد، مشت النساء في مجموعات عبر شوارع اليرموك، بينما كان الأطفال يلعبون بين الأنقاض. مرت الدراجات النارية والدراجات الهوائية والسيارات أحياناً بين المباني المدمرة. في إحدى المناطق الأقل تضرراً، كان سوق الفواكه والخضراوات يعمل بكثافة.

عاد بعض الأشخاص لأول مرة منذ سنوات للتحقق من منازلهم. آخرون كانوا قد عادوا سابقاً ولكنهم يفكرون الآن فقط في إعادة البناء والعودة بشكل دائم.

غادر أحمد الحسين المخيم في عام 2011، بعد فترة وجيزة من بداية الانتفاضة ضد الحكومة التي تحولت إلى حرب أهلية، وقبل بضعة أشهر، عاد للإقامة مع أقاربه في جزء غير مدمر من المخيم بسبب ارتفاع الإيجارات في أماكن أخرى، والآن يأمل في إعادة بناء منزله.

هيكل إحدى ألعاب الملاهي في مخيم اليرموك بسوريا (أ.ف.ب)

قال الحسين: «تحت حكم الأسد، لم يكن من السهل الحصول على إذن من الأجهزة الأمنية لدخول المخيم. كان عليك الجلوس على طاولة والإجابة عن أسئلة مثل: مَن هي والدتك؟ مَن هو والدك؟ مَن في عائلتك تم اعتقاله؟ عشرون ألف سؤال للحصول على الموافقة».

وأشار إلى إن الناس الذين كانوا مترددين يرغبون في العودة الآن، ومن بينهم ابنه الذي هرب إلى ألمانيا.

جاءت تغريد حلاوي مع امرأتين أخريين، يوم الخميس، للتحقق من منازلهن. وتحدثن بحسرة عن الأيام التي كانت فيها شوارع المخيم تعج بالحياة حتى الساعة الثالثة أو الرابعة صباحاً.

قالت تغريد: «أشعر بأن فلسطين هنا، حتى لو كنت بعيدة عنها»، مضيفة: «حتى مع كل هذا الدمار، أشعر وكأنها الجنة. آمل أن يعود الجميع، جميع الذين غادروا البلاد أو يعيشون في مناطق أخرى».

بني مخيم اليرموك في عام 1957 للاجئين الفلسطينيين، لكنه تطور ليصبح ضاحية نابضة بالحياة حيث استقر العديد من السوريين من الطبقة العاملة به. قبل الحرب، كان يعيش فيه نحو 1.2 مليون شخص، بما في ذلك 160 ألف فلسطيني، وفقاً لوكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (الأونروا). اليوم، يضم المخيم نحو 8 آلاف لاجئ فلسطيني ممن بقوا أو عادوا.

لا يحصل اللاجئون الفلسطينيون في سوريا على الجنسية، للحفاظ على حقهم في العودة إلى مدنهم وقراهم التي أُجبروا على مغادرتها في فلسطين عام 1948.

لكن، على عكس لبنان المجاورة، حيث يُمنع الفلسطينيون من التملك أو العمل في العديد من المهن، كان للفلسطينيين في سوريا تاريخياً جميع حقوق المواطنين باستثناء حق التصويت والترشح للمناصب.

في الوقت نفسه، كانت للفصائل الفلسطينية علاقة معقدة مع السلطات السورية. كان الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد وزعيم «منظمة التحرير الفلسطينية»، ياسر عرفات، خصمين. وسُجن العديد من الفلسطينيين بسبب انتمائهم لحركة «فتح» التابعة لعرفات.

قال محمود دخنوس، معلم متقاعد عاد إلى «اليرموك» للتحقق من منزله، إنه كان يُستدعى كثيراً للاستجواب من قبل أجهزة الاستخبارات السورية.

وأضاف متحدثاً عن عائلة الأسد: «على الرغم من ادعاءاتهم بأنهم مع (المقاومة) الفلسطينية، في الإعلام كانوا كذلك، لكن على الأرض كانت الحقيقة شيئاً آخر».

وبالنسبة لحكام البلاد الجدد، قال: «نحتاج إلى مزيد من الوقت للحكم على موقفهم تجاه الفلسطينيين في سوريا. لكن العلامات حتى الآن خلال هذا الأسبوع، المواقف والمقترحات التي يتم طرحها من قبل الحكومة الجديدة جيدة للشعب والمواطنين».

حاولت الفصائل الفلسطينية في اليرموك البقاء محايدة عندما اندلع الصراع في سوريا، ولكن بحلول أواخر 2012، انجر المخيم إلى الصراع ووقفت فصائل مختلفة على جوانب متعارضة.

عرفات في حديث مع حافظ الأسد خلال احتفالات ذكرى الثورة الليبية في طرابلس عام 1989 (أ.ف.ب)

منذ سقوط الأسد، كانت الفصائل تسعى لتوطيد علاقتها مع الحكومة الجديدة. قالت مجموعة من الفصائل الفلسطينية، في بيان يوم الأربعاء، إنها شكلت هيئة برئاسة السفير الفلسطيني لإدارة العلاقات مع السلطات الجديدة في سوريا.

ولم تعلق القيادة الجديدة، التي ترأسها «هيئة تحرير الشام»، رسمياً على وضع اللاجئين الفلسطينيين.

قدمت الحكومة السورية المؤقتة، الجمعة، شكوى إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تدين دخول القوات الإسرائيلية للأراضي السورية في مرتفعات الجولان وقصفها لعدة مناطق في سوريا.

لكن زعيم «هيئة تحرير الشام»، أحمد الشرع، المعروف سابقاً باسم «أبو محمد الجولاني»، قال إن الإدارة الجديدة لا تسعى إلى صراع مع إسرائيل.

وقال الرفاعي إن قوات الأمن الحكومية الجديدة دخلت مكاتب ثلاث فصائل فلسطينية وأزالت الأسلحة الموجودة هناك، لكن لم يتضح ما إذا كان هناك قرار رسمي لنزع سلاح الجماعات الفلسطينية.