اتهامات لحكومة الدبيبة بالتغاضي عن ميليشيا «تهريب البشر»

تحالفت مع «البيدجا» وأسندت إليه منصباً حكومياً

إعادة 140 مهاجراً من البحر كانوا متجهين إلى الشواطئ الأوروبية (جهاز مكافحة الهجرة غير المشروعة بطرابلس)
إعادة 140 مهاجراً من البحر كانوا متجهين إلى الشواطئ الأوروبية (جهاز مكافحة الهجرة غير المشروعة بطرابلس)
TT

اتهامات لحكومة الدبيبة بالتغاضي عن ميليشيا «تهريب البشر»

إعادة 140 مهاجراً من البحر كانوا متجهين إلى الشواطئ الأوروبية (جهاز مكافحة الهجرة غير المشروعة بطرابلس)
إعادة 140 مهاجراً من البحر كانوا متجهين إلى الشواطئ الأوروبية (جهاز مكافحة الهجرة غير المشروعة بطرابلس)

تعمل الأجهزة الأمنية والعسكرية في ليبيا على مداهمة مقار العصابات المتاجرة في البشر، لوقف عمليات تهريبهم عبر البحر إلى الشواطئ الأوروبية؛ لكنها تواجه اتهامات بالتغافل عن قادة ميليشيا متورطة منذ سنوات في تسهيل هذه التجارة.
وتأكيداً لتحالف عناصر الميليشيات المسلحة مع السلطات المتعاقبة على الحكم في ليبيا، يرى البعض أنه بإمكان المرء أن «ينتقل بسهولة من خانة الميليشياوي المطلوب دولياً، والمتهم محلياً بارتكاب «جرائم حرب وانتهاكات لحقوق الإنسان، وأن ينال منصباً حكومياً رغم اتهامه بالضلوع في تهريب البشر والمتاجرة فيهم».
الحديث هنا عن عبد الرحمن ميلاد، المعروف بـ«البيدجا»، الذي تصدر مشهد إعادة افتتاح أكاديمية الدراسات البحرية، المتوقفة منذ سقوط نظام الرئيس الراحل معمر القذافي عام 2011، عوضاً أن يكون مطارداً من العدالة، فبعد عشرة أعوام على سقوط النظام والدولة في ليبيا، ترأس «البيدجا» مؤخراً احتفالية بمقر الأكاديمية غربي العاصمة طرابلس، فيما تشير أصابع الاتهام للسلطة الحالية عن أسباب هذا التصعيد؟
لكن المفارقة هنا أن «البيدجا» كان خلال شهر أكتوبر (تشرين الأول) من العام الماضي معتقلاً لدى وزارة الداخلية بحكومة «الوفاق» السابقة، برئاسة فائز السراج. ووقتها قال بيان للوزارة إن اعتقال ميلاد تم على خلفية اتهامه بالاتجار بالبشر وتهريب المهاجرين، واستناداً إلى طلب من مجلس الأمن الدولي. وكالعادة أحيلت القضية إلى النائب العام لاتخاذ الإجراءات القانونية بحقه، لكن «البيدجا» سرعان ما خرج في ظروف مثيرة للجدل.
وفيما وصفت بأنها «صفقة سرية مشبوهة»، بين رئيس الحكومة عبد الحميد الدبيبة، وميليشيات الزاوية، تم إطلاق سراح «البيدجا» بعد تهديدات موالين له «ضد قوة الردع الخاصة»، التابعة للحكومة في العاصمة طرابلس، وأفرج عنه بدعوى عدم كفاية الأدلة ضده، وتمت ترقيته إلى رتبة رائد.
وهكذا وعقب أسابيع فقط من الإفراج عنه بات لـ«البيدجا» أصدقاء في المجلس الرئاسي، مع وصول السلطة الانتقالية إلى الحكم، حيث ظهر مستقبلاً عضو المجلس عبد الله اللافي، أثناء زيارته للأكاديمية البحرية بجنزور. ولاحقاً زف «البيدجا»، المتهم بتهريب البشر والمحروقات والمسيطر على ميناء ومصفاة الزاوية، لليبيين مباشرته صيانة الأكاديمية البحرية بجهد خاص، مع من وصفها بالأيادي الوطنية، وكتب على «فيسبوك»: «لم نقف متفرجين لدعم المؤسسات الدولة والحكومة، وباشرنا صيانة الأكاديمية وإعادة إعمارها، بعد تعرضها للتدمير والتخريب والسرقة من قبل اللاجئين».
وعمليات تهريب البشر إلى أوروبا ليست حكراً على «البيدجا»، وفقاً لمتابعين لهذه التجارة، لكنهم أكدوا أنها تضم ميليشيات أخرى كانت ذائعة الصيت في السنوات العشر الماضية، من بينها ميليشيا أحمد الدباشي، ومصعب أبو قرين، وإبراهيم الحنيش.
وتشتكي المنظمات الدولية من سوء معاملة المهاجرين في مراكز الإيواء في ليبيا، ما دفع اللواء بشير لامين وكيل وزارة الداخلية بحكومة «الوحدة الوطنية» إلى مطالبة جهاز مكافحة الهجرة غير المشروعة بضرورة احترام معاملة المهاجرين المحتجزين بمراكز الإيواء وتوفير الظروف الملائمة لهم من رعاية صحية وغذائية.
وكان لامين اجتمع منتصف الأسبوع برئيس جهاز مكافحة الهجرة الرائد محمد الخوجة ومديري الإدارات ورؤساء المكاتب التابعين للجهاز، وأوضحت وزارة الداخلية في بيانها، أن الاجتماع تناول مناقشة الصعوبات والعراقيل التي تواجه سير العمل بجهاز مكافحة الهجرة غير المشروعة في ظل تدفق أعداد كبيرة من المهاجرين على البلاد. ولم يأت اتهام «البيدجا»، ووصفه بـ«إمبراطور» تهريب البشر والاتجار فيهم مصادفة، فهو ربيب محمد كشلاف، الشهير بـ«القصب»، الذي يعد هو الآخر من أكبر مهربي الوقود والهجرة غير المشروعة في البلاد. لكنه سرعان ما تخلى عن لعب الذراع اليمنى لكشلاف، وغادر موقعه كرجل ثان في ميليشياته، ليحصل على دعم حكومي لرئاسة جهاز خفر السواحل في المنطقة الغربية. وفي عام 2017 اتهمت لجنة خبراء الأمم المتحدة «البيدجا» بإقامة مركز لاحتجاز المهاجرين في الزاوية، وإساءة معاملتهم، والتورط في تهريب الوقود، وارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان.
وبشكل أو بآخر، فقد تغاضى الاتحاد الأوروبي عن جرائم التهريب والاتجار بالبشر، التي تمارسها قوات «البيدجا»، حيث تم استدعاؤه بطريقة رسمية ضمن وفد ليبي إلى إيطاليا عام 2017 لإبرام اتفاق بشأن دعم، وتدريب وتمويل خفر السواحل الليبي، رغم إدراجه في القائمة السوداء. وفي يونيو (حزيران) عام 2018 كان اسم «البيدجا» مدرجاً على قائمة تضم ستة أشخاص، فرض عليها مجلس الأمن الدولي عقوبات لضلوعهم في عمليات التهريب الواسعة النطاق، بعد ذيوع فيديو لمزاد لبيع المهاجرين الأفارقة كعبيد في ليبيا.
وفى سياق الغضب الدولي المؤقت، طلبت هولندا آنذاك، بدعم غربي - أميركي، من لجنة عقوبات مجلس الأمن فرض تجميد عالمي على الحسابات المصرفية للأشخاص الستة، ومنعهم من السفر دولياً. ومع ذلك يقدم ميلاد نفسه كأحد قادة قوات خفر السواحل الليبية، باعتباره قائداً لوحدة لخفر السواحل في مدينة الزاوية غرب طرابلس. وقد اعترف في مقابلة نادرة مع وسائل إعلام غربية بأنه يضرب المهاجرين، لكنه قال إنه يفعل ذلك من أجل سلامتهم حتى لا تنقلب مراكبهم.
وزعم في المقابل أن عمله يستهدف منع عمليات الصيد غير القانوني، والتصدي لتهريب الوقود والمعادن الخردة، لكنه مع ذلك متورط في شبكات التهريب، التي ترسل مئات الآلاف من المهاجرين في رحلة محفوفة بالمخاطر عبر البحر المتوسط.
وبالنسبة للجنة خبراء الأمم المتحدة التابعة لمجلس الأمن الدولي، فإن القوات التي يترأسها «البيدجا» «ارتبطت باستمرار بالعنف ضد المهاجرين ومهربي البشر الآخرين»، كما أنه لعب دوراً مباشراً في إغراق مراكبهم باستخدام أسلحة نارية.
ويحقق المهربون أرباحاً طائلة من عمليات التهريب، مستغلين بذلك حالة الفراغ الأمني، التي تمر بها البلاد التي تخضع لهيمنة الميليشيات المسلحة، وباتت نقطة انطلاق رئيسة لرحلات التهريب عبر البحر المتوسط إلى أوروبا.



الحوثيون يعدون بسداد ديون صغار المودعين خلال 17 عاماً

الحوثيون سيطروا على البنك المركزي وصادروا الدين العام الداخلي والخارجي وأرباحه (أ.ف.ب)
الحوثيون سيطروا على البنك المركزي وصادروا الدين العام الداخلي والخارجي وأرباحه (أ.ف.ب)
TT

الحوثيون يعدون بسداد ديون صغار المودعين خلال 17 عاماً

الحوثيون سيطروا على البنك المركزي وصادروا الدين العام الداخلي والخارجي وأرباحه (أ.ف.ب)
الحوثيون سيطروا على البنك المركزي وصادروا الدين العام الداخلي والخارجي وأرباحه (أ.ف.ب)

أطلقت الجماعة الحوثية التي تختطف العاصمة اليمنية صنعاء ومحافظات أخرى في شمال البلاد، وعداً بسداد جزء من الدين الداخلي لصغار المودعين على أن يتم دفع هذه المبالغ خلال مدة زمنية قد تصل إلى نحو 17 عاماً، وذلك بعد أن صادرت الأرباح التي تكونت خلال 20 عاماً، وقامت بتحويل تلك الودائع إلى حسابات جارية.

وتضمنت رسالة موجهة من فواز قاسم البناء، وكيل قطاع الرقابة والإشراف على المؤسسات المالية في فرع البنك المركزي بصنعاء الخاضع لسيطرة الجماعة، ما أسماه آلية تسديد الدين العام المحلي لصغار المودعين فقط.

وحددت الرسالة المستحقين لذلك بأنهم من استثمروا أموالهم في أذون الخزانة، ولا تتجاوز ودائع أو استثمارات أي منهم ما يعادل مبلغ عشرين مليون ريال يمني (40 ألف دولار)، بحسب أرصدتهم الظاهرة بتاريخ 30 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

عاملة في البنك المركزي اليمني في صنعاء الخاضع لسيطرة الجماعة الحوثية (أ.ف.ب)

وسيتم الصرف - بحسب الرسالة - لمن تقدم من صغار المودعين بطلب استعادة أمواله بالعملة المحلية، وبما لا يتجاوز مبلغ نحو 200 دولار شهرياً للمودع الواحد، وهو ما يعني أن السداد سوف يستغرق 16 عاماً وثمانية أشهر، مع أن الجماعة سبق أن اتخذت قراراً بتصفير أرباح أذون الخزانة قبل أن تعود وتصدر قراراً بتحويل تلك الودائع إلى حسابات جارية، ما يعني حرمان المودعين من الأرباح.

جملة شروط

حدد الحوثيون في رسالتهم التي اطلعت عليها «الشرق الأوسط» موعد تقديم طلب الاستعاضة بدءاً من شهر فبراير (شباط) المقبل، وبشرط الالتزام بالتعليمات، وإرفاق المودع البيانات والتقارير المطلوبة، وضرورة أن يتضمن الطلب التزام البنوك الكامل بتنفيذ التعليمات الصادرة من إدارة فرع البنك المركزي.

وهددت الجماعة بإيقاف الاستعاضة في حال المخالفة، وحمّلوا أي بنك يخالف تعليماتهم كامل المسؤولية والنتائج والآثار المترتبة على عدم الالتزام.

صورة ضوئية لتوجيهات الحوثيين بشأن تعويض صغار المودعين

ووفق الشروط التي وضعتها الجماعة، سيتم فتح حساب خاص للخزينة في الإدارة العامة للبنك لتقييد المبالغ المستلمة من الحساب، ويكون حساب الخزينة منفصلاً عن حسابات الخزينة العامة الأخرى، كما سيتم فتح حسابات خزائن فرعية مماثلة لها في الفروع، على أن تتم تغذيتها من الحساب الخاص للخزينة في الإدارة العامة.

ومنعت الجماعة الحوثية قيد أي عملية دائنة بأرصدة غير نقدية إلى حسابات العملاء بعد تاريخ 30 نوفمبر، إلا بموافقة خطية مسبقة من قبل فرع البنك المركزي بصنعاء.

ويشترط البنك الخاضع للحوثيين تسليمه التقارير والبيانات اللازمة شهرياً أو عند الطلب، بما في ذلك التغيرات في أرصدة العملاء والمركز المالي، وأي بيانات أخرى يطلبها قطاع الرقابة، خلال فترة لا تتجاوز خمسة أيام عمل من بداية كل شهر أو من تاريخ الطلب، مع استمرار الفصل الكامل بين أرصدة العملاء غير النقدية والأرصدة النقدية، وعدم صرف الإيداعات النقدية للعملاء لسداد أرصدة غير نقدية.

ومع ذلك، استثنى قرار التعويض صغار المودعين المدينين للبنك أو الذين عليهم أي التزامات أخرى له.

1.2 مليون مودع

وفق مصادر اقتصادية، يبلغ إجمالي المودعين مليوناً ومئتي ألف مودع لدى البنوك في المناطق الخاضعة لسيطرة الجماعة الحوثية، في حين تقدر عائداتهم بثلاثة مليارات دولار، وهي فوائد الدين الداخلي، لكن الجماعة الحوثية تصر على مصادرة هذه الأرباح بحجة منع الربا في المعاملات التجارية والقروض.

الحوثيون حولوا مقر البنك المركزي في صنعاء إلى موقع للفعاليات الطائفية (إعلام حوثي)

وبحسب المصادر، فإن هذه الخطوة تأتي محاولةً من الجماعة الحوثية للتخفيف من آثار قرارهم بمصادرة أرباح المودعين بحجة محاربة الربا، حيث يعيش القطاع المصرفي في مناطق سيطرة الحوثيين حالة شلل تام بسبب التنفيذ القسري لقانون منع التعاملات الربوية، والذي قضى على مصداقية وثقة البنوك تجاه المودعين والمقترضين، كما ألغى العوائد المتراكمة لودائع المدخرين لدى البنوك، وعلى الفوائد المتراكمة لدى المقترضين من البنوك.

وأدى قرار الحوثيين بشطب الفوائد المتراكمة على أذون الخزانة والسندات الحكومية إلى تفاقم مشكلة ندرة السيولة في القطاع المصرفي؛ إذ تقدر قيمة أذون الخزانة والسندات الحكومية والفوائد المتراكمة عليها لأكثر من 20 سنة بأكثر من 5 تريليونات ريال يمني، وهو ما يعادل نحو 9 مليارات دولار، حيث تفرض الجماعة سعراً للدولار في مناطق سيطرتها يساوي 535 ريالاً.

كما جعل ذلك القرار البنوك في تلك المناطق غير قادرة على استرداد قروضها لدى المستثمرين، والتي تقدر بنحو تريليوني ريال يمني، والتي كانت تحصل على عوائد منها بما يقارب مليار دولار، والتي تبخرت بسبب قانون منع التعاملات الربوية.