الجيش الليبي.. من الدفاع إلى الهجوم

تشتت الميليشيات على ساحات القتال.. والمتطرفون ينفذون عمليات انتقامية

الجيش الليبي.. من الدفاع إلى الهجوم
TT

الجيش الليبي.. من الدفاع إلى الهجوم

الجيش الليبي.. من الدفاع إلى الهجوم

رغم نقص السلاح والذخيرة فإن الجيش الليبي تمكن من أخذ زمام المبادرة في حربه ضد المتطرفين، وتحول من الدفاع إلى الهجوم، مما أدى إلى تشتت الميليشيات، وقيام المتطرفين بتنفيذ عمليات انتقامية. وبعيدا عن طاولة الحوار الذي تشرف عليه الأمم المتحدة، وما يكتنفه من غموض وعراقيل، يكثف الجيش الذي يقوده الفريق أول خليفة حفتر من عملياته على الأرض في سباق مع الزمن، وذلك في محاولة لإنقاذ البلاد من شبح التقسيم والانهيار.
وفي المقابل، بدا أن قوات المتطرفين، المنتشرة في عدة مدن، بدأت تفقد التحكم في زمام الأمور وتتجه إلى الضرب العشوائي، بعد أن تمكن الجيش من دخول مناطق كانت تسيطر عليها الميليشيات المسلحة، والسيطرة على خطوط إمداد وعدة طرق، والدخول إلى «ضواح ملغمة» في بنغازي وطرابلس.

حتى وقت قريب، كانت قوات المتطرفين تعمل تحت قيادة موحدة، ممثلة في شخصيات متشددة من جماعة الإخوان المسلمين التي يعود أصول أغلبها إلى مدينة مصراتة، الواقعة على بعد نحو 200 كيلومتر إلى الشرق من العاصمة طرابلس. وفي هذا الصدد يقول مصدر عسكري ليبي إن «الوضع تغير بشكل لافت بعد حملات الجيش التي بدأت ضد الميليشيات منذ الصيف الماضي حتى الآن.. وبشكل متزايد ومنضبط ومدروس. وهذا أدى إلى ظهور خلافات وانقسامات بين قادة المتشددين.. وهذه نقاط إيجابية لصالح القوات المسلحة».
ويسود اعتقاد بين عدد من القادة العسكريين الليبيين بأن تقدم الجيش على عدة جبهات أسفر عن إرباك المتطرفين، وذلك وفقا لأحد المستشارين المقربين من حفتر، والذي أضاف موضحا «التفجيرات والذبح وتسهيل الهجرة غير الشرعية، أعمال يقف وراءها المتطرفون لكي يبعثوا برسالة للعالم من أجل مساندتهم ضد قوات الجيش. إنهم يقدمون أنفسهم تحت مزاعم تقول إنهم قادرون على محاربة تنظيم داعش، ووقف الهجرة غير الشرعية. ونحن نعلم أن بعض هؤلاء القادة تحدثوا مع ممثلين للأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، وقالوا لهم أوقفوا عمليات الجيش ضدنا وساندونا لكي نحارب (داعش) ونؤمِّن السواحل».
ويبدو أنه كلما أحرزت القوات المسلحة تقدما على الأرض في حربها ضد المتشددين، ظهرت مشكلة كبرى مثيرة للاهتمام المحلي والدولي في هذا البلد الغارق في الفوضى. فبعد أيام من اقتراب الجيش من محاور مهمة في العاصمة طرابلس التي تسيطر عليها قوات ما يعرف باسم «فجر ليبيا»، والتي يقودها الإخوان، استيقظ العالم على حدثين مفجعين.. الأول إعلان «داعش ليبيا» عن ذبح 28 إثيوبيا مسيحيا، والثاني غرق نحو 800 مهاجر غير شرعي في البحر المتوسط بعد انطلاقهم من الساحل الليبي.
وفي هذا الصدد قال ضابط سابق في الجيش، يقدم في الوقت الراهن استشارات عسكرية للسلطات الجديدة، إن «من يقف وراء التفجير الذي وقع قبل يوم أمام مقر السفارة الإسبانية في طرابلس، هي تلك الجماعات التي تشعر بالخسارة، وهي قوات المتطرفين المدعومة من (فجر ليبيا)، والإخوان في الأساس. ومثل هذا الأمر حدث عدة مرات من قبل. وكلما سددت القوات المسلحة ضربات لمعاقل المتشددين، ردوا بذبح الناس وتفجير السيارات المفخخة، كما جرى في مدن القبة والبيضاء وبنغازي في الشهور الماضية. والآن بدأ العنف في طرابلس، وأيضا في الجنوب لأن الجيش يتقدم بقوة على هذين المحورين.. وهذه جرائم يتحمل مسؤوليتها قادة فجر ليبيا، وفقا للمستشار العسكري».
ومنذ أن بدأت الأمم المتحدة، عن طريق ممثلها في ليبيا برناردينو ليون، الحوار بين الليبيين أواخر العام الماضي، والجيش ينظر بتشكك لجدوى هذه اللقاءات التي جرت في جنيف والجزائر والصخيرات بالمغرب. ولذلك توجد علامات استفهام كبيرة بشأن إصرار ليون على ضم قيادات يعرف بأن لها تاريخا من الإرهاب والعنف، إلى طاولة الحوار.
ويشكو القادة العسكريون من تعسف المجتمع الدولي ضد الجيش بسبب الاستمرار في فرض الحظر المطبق من الأمم المتحدة على تسليحه، بينما المطلوب منه، من جانب، بناء قدراته التي تضررت بشدة أثناء الحرب ضد قوات معمر القذافي في 2011، ومن جانب آخر، العمل على بسط الأمن والاستقرار في عموم البلاد. وبهذا الخصوص يقول المستشار العسكري ذاته «يمر الجيش بمنعطف خطير يتعلق بنقص في الأسلحة والذخيرة. وأنا لا أقول إن هذا الأمر قد يؤدي إلى انتكاسة في العمليات العسكرية لكنه يقيد الجيش، ويؤخر الحسم ضد قوات الميليشيات، بينما نحن نستعد لمعركة طرابلس من أجل طرد المتطرفين منها».
وفيما يتعلق بتطور العمليات في بنغازي، تشير المصادر إلى أن مجموعات من المتطرفين ممن يسمون «مجلس شورى ثوار بنغازي» ما زالوا يتحصنون في بعض جيوب المدينة بمنطقتي الليثي والصابري، وأن الجيش مصمم على طردهم خارجها، ولهذا خاض خلال اليومين الماضيين معارك ضارية رغم نقص الذخيرة، أسفرت عن تصفية 5 من قادة الإرهابيين، بينما خسر الجيش 7 من جنوده.
ولم يسلم سكان العاصمة الليبية نفسها من هجمات المتطرفين، حيث أطلقوا الرصاص الحي على المتظاهرين المؤيدين للسلطات الشرعية في عدة مواجهات، جرت في ضواحي طرابلس خلال الأيام الماضية. وفي يوم الاثنين الماضي أعلنت مجموعات من الشبان في ضاحية فشلوم، وسط العاصمة، رفضها لحكم الميليشيات، وأعلنت تأييدها للجيش الوطني والبرلمان الشرعي الذي يدير جلساته من بلدة طبرق في شرق البلاد، فما كان من الميليشيات إلا أن أطلقت النار على هؤلاء المتظاهرين، مما أدى إلى مقتل أكثر من 20 شخصا وإصابة عشرات آخرين، واعتقال أعداد غير معروفة في ضواح مجاورة.
ويسيطر المتطرفون المدعومون من قوات «فجر ليبيا» على عدة مناطق في طرابلس، منها سوق الجمعة، وحي أبو سليم. وقد تكونت «فجر ليبيا» في بداية الأمر من مجموعات من المسلحين خلال النصف الأول من العام الماضي، بإيعاز من «ثوار مصراتة» الذين احتفظوا بأسلحتهم الخفيفة والثقيلة عقب مقتل القذافي، وقاموا منذ ذلك الوقت بالتمركز في المناطق الشرقية من العاصمة. وقد كان الهدف من تشكيل «فجر ليبيا» طرد منافسين لمقاتلي مصراتة وشركاء سابقين لهم في الثورة ضد القذافي من العاصمة، وهم «ثوار الزنتان»، الذين كانوا يحرسون الجانب الغربي من العاصمة. وقد بدأ القتال الشهير بين الجانبين، وجرى خلاله تدمير مطار طرابلس الدولي في مشهد مأساوي الصيف الماضي. لكن في ذلك الوقت لم تكن قوات الجيش قد دخلت على خط المعارك في المناطق الغربية بعد. وهنا استغل القادة المتطرفون من جماعة الإخوان و«الجماعة الليبية المقاتلة» ومتشددون آخرون هذا الانتصار، وبدأوا في تشكيل حكومة موازية في العاصمة، والإعلان عن رفض البرلمان الشرعي والحكومة المنبثقة عنه، والجيش الذي يقوده الفريق حفتر.
وهكذا تحولت «فجر ليبيا» من قوة تريد إعادة التوازن بين الميليشيات في العاصمة، إلى قوة تسعى للسيطرة على حكم ليبيا. وفي هذا الصدد يقول أحد نواب البرلمان الليبي إنه في هذا التوقيت، أي في شهري سبتمبر (أيلول) وأكتوبر (تشرين الأول) الماضيين، بدأ مبعوث الأمم المتحدة الدعوة للحوار بين الليبيين، بينما كان ينبغي عليه الضغط من أجل رفع الحظر عن تسليح الجيش. وهذا الطريق ثبت أنه يصب في صالح خطط المتطرفين. ويمكن القول إن هؤلاء القادة المسؤولين عن الفوضى يحتمون بالأمم المتحدة، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر.
ومن المقرر أن تستأنف اللقاءات بين أطراف الأزمة الليبية في الصخيرات برعاية السيد ليون خلال الأيام المقبلة، وفي هذا الشأن قال أحد القادة العسكريين إن «الحوار الذي كان يتجاهل مكونات رئيسة في ليبيا، وعلى رأسها الجيش والقبائل الكبرى، أصبح يتحدث في الفترة الأخيرة عن ضرورة إشراك هذه المكونات في الحوار، والتشاور معها عن مستقبل إدارة البلاد. وهذا تحول مهم يرجع الفضل فيه إلى تحالف أبناء القبائل مع الجيش، وهو تحالف بدا أنه يؤدي إلى إضعاف موقف المتطرفين التفاوضي».
ومعلوم أن البرلمان الشرعي يشارك في المفاوضات الأممية بشأن ليبيا، منذ البداية، عن طريق بعض النواب، وتمكن من إحراز تقدم أحرج الطرف الآخر الذي يمثل قوات الميليشيات. وقد رفض البرلمان التنازل عن صلاحياته كما كان يريد المتطرفون، وأصر على أن أي حكومة توافقية لا بد أن تحظى بمباركته أولا. وبينما يتمسك بشرعيته، باعتباره برلمانا منتخبا في انتخابات نزيهة من الشعب الليبي، ومعترف به دوليا، يقوم أيضا بالضغط من أجل حصول الجيش على السلاح.
لكن على الطرف الآخر، أي على جبهة ميليشيات المتطرفين، فإن الأمور أصبحت تسير بطريقة يشوبها الارتباك واختلاط الأوراق، و«الترنح» وفقا لما قاله لـ«الشرق الأوسط»: «مستشار للجيش الليبي خلال زيارته للقاهرة أخيرا. فقد كان تحالف المتطرفين يضم كل أنواع المتشددين، بمن فيهم من أصبحوا فيما بعد قادة في تنظيم (داعش ليبيا) في مدن درنة وصبراتة وسرت. وقد أشرفت فجر ليبيا والميليشيات التابعة لها طوال الشهور الأخيرة من عام 2014 على تدريب عناصر خطرة، شكلت منها ما أصبح يعرف باسم مجالس شورى ثوار المدن».
وعلى سبيل المثال يواجه الجيش في مدينة بنغازي خليطا من المتطرفين، ممن يعملون تحت مظلة مجلس شورى ثوار المدينة، ومن بين هؤلاء قادة من يوالون تنظيم داعش، ويتلقون في نفس الوقت الدعم من «فجر ليبيا». وكذلك «مجلس ثوار درنة» معقل تنظيم داعش، ويحظى هو الآخر بدعم من قادة طرابلس. إلى جانب ما يعرف بـ«القوة الثالثة»، التي تتمركز في سبها جنوب البلاد، وتحظى برعاية وحماية من قادة «فجر ليبيا» أيضا، وينخرط فيها أحمد الأنصاري، زعيم جماعة «أنصار الحق» المتطرفة، التي كانت تقاتل في شمال مالي. وكذا القيادي في تنظيم القاعدة مختار بلمختار وغيرهم.
ومع هذا تعلن «فجر ليبيا» والحكومة التي تساندها في طرابلس عن إدانتها لأعمال العنف، وفي الوقت نفسه تتعامل مع الجيش الوطني، باعتباره «عدوا» و«انقلابيا»، و«يسعى للسيطرة على الدولة لتكرار تجربة حكم القذافي».
وفي هذا السياق يكشف أحد أعضاء البرلمان، له صلة بالحوار الليبي الذي ترعاه الأمم المتحدة، على أن قادة من «فجر ليبيا» يقومون، رغم ذلك، باتصالات مع أطراف غربية، وبث مزاعم عن أنها تقف ضد تنظيم داعش في ليبيا، وهذا أمر مضحك.. كلما حقق الجيش انتصارات ظهرت عملية لـ«داعش». مضيفا أنه «حينما وجه الجيش ضربات قوية لفجر ليبيا وأنصارها في بنغازي ودرنة مطلع العام الحالي، فوجئنا بعملية ذبح المصريين الـ21 في سرت.. وحين اقترب الجيش من طرابلس، وبعد أن ضيق الخناق على المتطرفين في الجنوب قبل أيام، فوجئنا بعملية أخرى، وهي ذبح الإثيوبيين الـ28». وقد أدت هذه الواقعة لإدانات واسعة، خاصة من الدول المعنية بالملف الليبي، ومنها الولايات المتحدة الأميركية ومصر. وتساند القاهرة السلطات الشرعية الليبية والجيش الوطني الليبي، وقد سبق أن وجهت ضربة عسكرية لقواعد تنظيم داعش قرب مدينة درنة، لكنها لم تتمكن حتى الآن من إقناع المجتمع الدولي برفع حظر السلاح عن الجيش الليبي، إلا أنه توجد ضغوط في اتجاه تشكيل حلف مساند لليبيا حتى لو كان يعمل بشكل غير ظاهر على السطح.
وتتعامل مصر مع ليبيا باعتبارها امتدادا لأمنها القومي، لكنها تنظر بتشكك إلى قادة الميليشيات في طرابلس، والحكومة الإخوانية المنبثقة عنها. وفي هذا الشأن قال مسؤول مصري بخصوص محاولات إشراك المتطرفين في حكومة توافق وطني ليبية، إن بلاده لن تضع يدها في أيدي «الإرهابيين». لكن مندوبين مصريين يراقبون الحوار الجاري في الصخيرات عن قرب.
وتؤكد الرئاسة المصرية على دعم القاهرة للجهود السياسية التي يقوم بها ليون، لكنها تقول إنه يتعين استكمال هذه الجهود بالتوازي مع تحقيق هدف استراتيجي واضح، يتمثل في عودة الدولة الليبية، ودعم الحكومة والجيش الوطني، وهو الأمر الذي سيساعد على عودة الاستقرار سريعًا لهذا البلد، جنبًا إلى جنب مع المضي قدمًا على المسار السياسي.
ويعتقد مسؤولون مصريون أن شبكة الإرهابيين في ليبيا تتعاون مع بعضها من «فجر ليبيا» إلى «داعش». وفي هذا الإطار كشف أحد المصادر الأمنية الليبية عن عملية تصفية لـ9 جنود ليبيين، كانوا يرابطون في بوابة قرب بلدة أوباري في الجنوب، وأن عملية القتل رميا بالرصاص، مشابهة لما يقوم به تنظيم داعش ليبيا، رغم عدم تبنيه لهذه العملية. وقد جرت هذه الواقعة البشعة قبل شهرين على بعد خطوات من تمركز لما يعرف بـ«القوة الثالثة» المدعومة من «فجر ليبيا». ورغم أنه لم يتم الكشف عمن يقف وراء تلك المذبحة، فإن السكان المحليين من أبناء القبائل يتهمون المتطرفين. كما جرى قتل الإثيوبيين قبل يومين في منطقة مجاورة.
وتقول معلومات أخرى إنه تم رصد رسائل متبادلة بين أمير درنة، المدعو سفيان بن جومة، وأحمد الأنصاري، قائد جماعة أنصار الحق الذي يعمل ضمن القوة الثالثة التابعة لـ«فجر ليبيا». ويوضح يوسف غالي، الناشط الليبي في إقليم فزان، أن هذه الرسالة دليل قاطع من الإرهابيين أنفسهم، ولأول مرة، على وجود تنظيم أنصار الحق في مدينة أوباري، مشيرا إلى أن هذا التنظيم يحاول السيطرة على المدينة لما لها من أهمية، وموقع استراتيجي في الجنوب الليبي، وهو يعد اليوم من أكبر التنظيمات الإرهابية المدعومة من قبل قوات «فجر ليبيا» ماديا وعسكريا، وتحديدا من قبل القوة المتمركزة في قواعد تمنهنت وسبها، ومنطقة جرمة، وحقل الشرارة.
كما يعتقد غالي أن محاولة المتطرفين السيطرة على مدينة أوباري تأتي بسبب وجود مطار مدني في المدينة، وقال إن «السيطرة عليه تسهل للمتطرفين تعزيز نفوذهم أمام ضربات الجيش المتلاحقة.. فهم يسعون لإنشاء جسر جوي مع قوات فجر ليبيا وفي حقل الشرارة النفطي، الذي يبعد نحو 60 كيلومترا غرب أوباري».
وبالتزامن مع أعمال المتطرفين في الجنوب، تنشط العمليات الإرهابية في الشمال أيضا. لكن الأمر لا يقتصر على الذبح الذي يتبناه «داعش ليبيا»، بل يمتد إلى استهداف السفارات الأجنبية. ويقول أحد المستشارين العسكريين إن «هذه رسائل فجر ليبيا، وهي موجهة إلى الغرب. وهي تريد من المجتمع الدولي الضغط على الجيش.. وفي نفس الوقت تصدر البيانات المنددة بعمليات تنظيم داعش، وتقول إنها مستعدة للدخول في تحالف دولي لتوجيه ضربات ضد هذا التنظيم. إنها هي من صنعته، والآن تسعى لجلب قوات دولية لليبيا لتعقيد الموقف، وتحقيق مكاسب للخروج من أزمتها».
واستهدفت التفجيرات التي وقعت في طرابلس خلال الفترة الأخيرة، وتبناها تنظيم داعش، مقار عدة سفارات، منها إسبانيا وكوريا الجنوبية والمغرب وغيرها. وقد تسبب الرعب من تفجير السفارات، واستهداف البعثات الأجنبية في إغلاق الكثير من مقار هذه البعثات، بل خروجها من ليبيا. ورغم كل هذه التطورات يقول المبعوث ليون إنه سيواصل الحوار الليبي حتى نجاحه. لكن لغة هذا الرجل لا تبدو مرضية للكثير من الأطراف المنحازة للشرعية؛ لأنه في كثير من الأحيان يساوي في حديثه بين الميليشيات والجيش الوطني. فالميليشيات مجموعات إرهابية، بينما الجيش يحظى بتأييد البرلمان ويلتف حوله غالبية الليبيين، وليست له أهداف سياسية، ويسعى فقط لفرض الأمن في ليبيا، وهو أمر يفترض أن يكون على رأس أولويات المجتمع الدولي. ونجاح الجيش يعني حماية الدولة الليبية من السقوط وحماية المنطقة من الإرهاب.
وقد أثار ليون الكثير من اللغط في الأوساط الليبية حين وصف أطرافا بأنها «تعادي السلام.. وتمقت الحل السياسي»، وذلك في إشارة فسرها البعض على أنها معادية لعمليات الجيش، رغم أنه سبق وأدان هجوم الميليشيات في طرابلس على المتظاهرين الداعمين للبرلمان الشرعي في طبرق.
ويقول قائد عسكري ليبي إن «الجيش قادر على حسم المعارك في بنغازي وطرابلس لو حصل على الأسلحة والذخيرة المطلوبة»، مشيرا إلى أن اتفاقات التعاون ومذكرات التفاهم، التي جرى توقيعها مع مصر في الشهور الأخيرة لدعم وتدريب الجيش الليبي مفيدة، لكنها وحدها لا تكفي.. فنحن نضغط من أجل رفع الحظر الدولي عن شراء السلاح، لكن في نفس الوقت نعمل أيضا للحصول على الأسلحة من مصادرنا الخاصة. لن نقف مكتوفي الأيدي.



كريستيان ليندنر... الزعيم الليبرالي الذي أسقط عزله الحكومة الألمانية

ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين
ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين
TT

كريستيان ليندنر... الزعيم الليبرالي الذي أسقط عزله الحكومة الألمانية

ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين
ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين

رجل واحد حمله المستشار الألماني أولاف شولتس مسؤولية انهيار حكومته، وما نتج عن ذلك من فوضى سياسية دخلت فيها ألمانيا بينما هي بأمس الحاجة للاستقرار وتهدئة اقتصادها المتدهور. رجل وصفه المستشار بأنه «أناني»، وشن عليه هجوماً شخصياً نادراً ما يصدر عن شولتس المعروف بتحفظه وهدوئه. ذلك الرجل كان وزير ماليته كريستيان ليندنر، زعيم «الحزب الديمقراطي الحر» الذي كان شريكاً في الحكومة الائتلافية الثلاثية منذ عام 2021، برئاسة «الحزب الديمقراطي الاجتماعي» (الاشتراكي)، ومشاركة حزب «الخضر». ولقد طرده شولتس من الحكومة بعد خلافات حول ميزانية سنة 2025، ما تسبب بخروج الوزراء المتبقين من «الحزب الديمقراطي الحر»، ليبقى المستشار يقود حكومة أقلية حتى إجراء الانتخابات المبكرة في 23 فبراير المقبل. ثم إن شولتس تعرض لانتقادات كثيرة لهجومه الشخصي على ليندنر، خاصة من المستشارة السابقة أنجيلا ميركل التي وصفته بأنه كان «خارجاً عن السيطرة». لكن مع ذلك، فإن الصورة التي رسمها المستشار عن وزيره قد تحمل شيئاً من الواقع؛ إذ خرجت انتقادات من أوساط الديمقراطيين الأحرار لليندنر و«تصرفه بشكل أحادي» في دفع المستشار لإقالته. وقبل ذلك طالته انتقادات بعدما أصبح «الوجه الأوحد» لـ«الحزب الديمقراطي الحر» إبان الانتخابات الماضية عام 2021 وقبلها عام 2017. ولعل الحزب تسامح مع تصرفات ليندنر «الأنانية» تلك لنجاحه بإعادة الحزب إلى الخارطة السياسية بعد انهياره تقريباً عام 2013 وفشله بدخول البرلمان للمرة الأولى في تاريخه. إلا أن مستقبل الرجل الذي أعاد حزبه إلى الحياة... هو نفسه في خطر. فهل يستمر ليندنر بالبناء على تاريخه حتى اليوم للنهوض مجدداً؟

قد يكون كريستيان ليندنر أصغر زعيم انتُخب ليرأس حزبه «الديمقراطي الحر»، عن عمر 34 سنة فقط عام 2013، بيد أنه لم يكن ناجحاً على الدوام. وبعكس حياته السياسية وصعوده السريع إلى القمة، فشل ليندنر في مشاريع أعمال أطلقها عندما كانت السياسة ما زالت هواية بالنسبة إليه. واعترف لاحقاً بإخفاقاته تلك، مستعيناً بعبارة «المشاكل هي مجرد فرص شائكة» لكي يدفع نفسه إلى الأمام.

وبين عامَي 1997 و2001 أسس شركات خاصة مع أصدقاء له، انتهت بالفشل آخرها شركة «موماكس» التي انهارت وأفلست بعد أقل من سنة على إطلاقها.

هذه «الإخفاقات» التي طبعت مغامراته التجارية وهو في مطلع العشرينات قد تكون دفعته للتوجه إلى السياسة بجدية أكبر. وبالفعل، نجح عام 2001 بدخول البرلمان المحلي في ولايته شمال الراين-وستفاليا وهو ابن 21 سنة ليغدو أصغر نائب يدخل برلمان الولاية. ولصغر سنه وقسمات وجهه الخجولة كسب ليندنر آنذاك لقب «بامبي» بين أعضاء الحزب نسبة للغزال الصغير عند «ديزني».

«بامبي» في «البوندستاغ»

في عام 2009، فاز ليندنر بمقعد في البرلمان الفيدرالي (البوندستاغ) ليعود عام 2012 إلى ولايته أميناً عاماً للحزب في الولاية ونائباً محلياً مرة أخرى.

وبعدها ساعدت إخفاقات الديمقراطيين الأحرار في الانتخابات العامة عام 2013 بتسليط الضوء على ليندنر، الشاب الكاريزماتي الطموح الذي وجد فرصة سانحة أمامه للصعود داخل الحزب. ويومذاك فشل الحزب بتخطي عتبة الـ5 في المائة من أصوات الناخبين التي يحددها القانون شرطاً لدخول «البوندتساغ». وعقد أعضاؤه اجتماعاً خاصاً لمناقشة النتائج الكارثية التي لم يسبق للحزب أن سجلها في تاريخه، وانتخب ليندنر، وهو في سن الـ34، زعيماً للحزب مكلفاً بتأهيله وإعادته للحياة... وبذلك بات أصغر زعيم ينتخب لـ«الحزب الديمقراطي الحر».

شاب أنيق وجذّاب

شكّل سن ليندنر وأناقته وشخصيته عاملاً جاذباً للناخبين الشباب خاصة. وقاد حملة مبنية على أساس جذب الشباب ونفض صورة الحزب القديم التقليدي عنه، كما ساعده حضوره على وسائل التواصل الاجتماعي في التواصل مع مستخدميها من الشباب وتقريبهم إلى الحزب.

وغالباً ما نُشرت له صور من حياته الشخصية على «إنستغرام»، منها صورة لإجازة مع فرانكا ليهفيلدت، زوجته الصحافية التي كانت تعمل في قناة «دي فيلت»، ولقد عقدا قرانهما وهو في الحكومة عام 2022 في حفل ضخم وباذخ بجزيرة سيلت حضره عدد كبير من السياسيين. وينتظر الزوجان مولودهما الأول في الربيع المقبل.

للعلم، كان ليندر متزوجاً قبل ذلك من صحافية أخرى كانت نائبة رئيس تحرير «دي فيلت» أيضاً، هي داغمار روزنفلت، التي تكبره سناً ولم ينجبا أطفالاً معاً. لكنهما ظلا متزوجين من 2011 وحتى 2018 عندما أعلن طلاقهما وكشف عن علاقته مع ليهفيلدت.

أيضاً، لا يخفي ليندنر حبه للسيارات السريعة، وكان قال غير مرة قبل دخوله الحكومة مع حزب «الخضر» بأنه يهوى السيارات القديمة ويملك سيارة بورشه قديمة ومعها يملك رخصة للسباقات. وبجانب هذه الهواية يحب اليخوت ويملك رخصة للإبحار الرياضي وأخرى للصيد.

صورة شبابية عصرية

هذه الصورة التي رسمها ليندنر لنفسه، صورة الرجل الأنيق الذي يهتم بمظهره (لدرجة أنه خضع لزرع شعر) ويمارس هوايات عصرية، ساعدته على اجتذاب ناخبين من الشباب خاصة، وجعلته ينجح بإعادة حزبه إلى البرلمان عام 2017 بحصوله على نسبة أصوات قاربت 11 في المائة.

في حينه دخل في مفاوضات لتشكيل حكومة ائتلافية مع المستشارة أنجيلا ميركل التي فاز حزبها بالانتخابات، وكانت تبحث عن شركاء للحكم إثر حصولها على 33 في المائة من الأصوات. وفعلاً، بدأت ميركل مفاوضات مع الديمقراطيين الأحرار و«الخضر»، لكن ليندنر انسحب فجأة من المفاوضات بعد 4 أسابيع، ليعلن: «أفضل عدم الحكم من الحكم بشكل خاطئ».

ليندنر كان يختلف آنذاك مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين قبل سنتين. ويومها واجه الانتقاد لتفويته على حزبه فرصة الحكم، وهي فرصة خشي بعض الحزبيين ألا تُتاح مُجدداً.

ائتلاف مع اليسار

غير أن الفرصة أتيحت مرة أخرى في الانتخابات التالية عام 2021 عندما حقق «الحزب الديمقراطي الحر» نتائج أفضل من الانتخابات السابقة، حاصلاً على نسبة 11.5 في المائة من الأصوات. ومع أن «الحزب الديمقراطي الحر» حزب وسطي ليبرالي يؤيد الحريات الاقتصادية، ويعدّ شريكاً طبيعياً لحزب «الاتحاد الديمقراطي المسيحي» (يمين معتدل)، قرر ليندنر عام 2021 الدخول في ائتلاف حاكم مع الاشتراكيين و«الخضر»؛ ذلك أن الأخير يعتبر نقيضاً فكرياً للديمقراطيين الأحرار الذين يرون سياساته البيئية مكلفة وكابحة للتقدم الاقتصادي.

وهكذا تسلم ليندنر إحدى أهم الوزرات؛ إذ عُيّن وزيراً للمالية وثاني نائب للمستشار. وحقق بذلك حلمه الذي غالباً ما كرره خلال الحملات الانتخابية بأنه يريد أن يصبح وزيراً للمالية، وحتى إنه عرّف نفسه في إحدى الحملات ممازحاً: «تعرّفوا على وزير ماليتكم المقبل!».

خلفيته العلمية والفكرية

اهتمام ليندنر بالسياسة الاقتصادية ينبع من اهتماماته منذ تخرّجه من الجامعة؛ حيث درس العلوم السياسية ثم القانون والفلسفة في جامعة بون المرموقة (واسمها الرسمي جامعة راينيشه فريدريش - فيلهامز).

ثم إنه لم ينضم فور مغادرته المدرسة للخدمة العسكرية التي كانت إجبارية آنذاك، وأجّلها للدراسة وإكمال مغامراته التجارية، لكنه عاد لاحقاً وانضم إلى جنود الاحتياط ووصل لرتبة رائد. ورغم فشل مغامراته التجارية، بقيت اهتماماته السياسية منصبّة على الجانب المالي، ومن هنا جاء طموحه بأن يصبح وزيراً للمالية في الحكومة الفيدرالية.

وفكرياً، يؤمن ليندنر وحزبه بتقليص الإنفاق العام وخفض الضرائب وفتح الأسواق أمام الشركات الخاصة. ودائماً عارض خططاً عدّها متطرفة يدعمها «الخضر» لاستثمارات أكبر في الطاقة النظيفة بحجة تكلفتها العالية وتأثيرها على الشركات والأعمال. وكانت المفارقة أنه تسلّم حكومة كانت مسؤولة عن تطبيق سياسات تروّج للطاقة البديلة وتزيد من النفقات الاجتماعية وترفع من الضرائب.

هذا الأمر كان صعباً عليه تقبّله. ورغم وجود اتفاق حكومي حدّدت الأحزاب الثلاثة على أساسه العمل خلال السنوات الأربع من عمرها، عانى عمل الحكومات من الخلافات منذ اليوم الأول. وطبعاً لم تساعد الحكومة الأزمات المتتالية التي اضطرت لمواجهتها وكانت لها تأثيرات مباشرة على الاقتصاد، بدءاً بجائحة كوفيد-19 إلى الحرب الأوكرانية.

ولذا كان شولتس غالباً ما يعقد خلوات مع ليندنر وزعيم «الخضر»، روبرت هابيك، ويطول النقاش لساعات بأمل التوصل لحلول وسط يمكن للحكومة أن تكمل فيها عملها. وفي النهاية، كان من أبرز نقاط الخلاف التي رفض ليندنر المساومة فيها هي ما يُعرف في ألمانيا بـ«مكابح الدَّين العام»؛ إذ يرفض الدستور الألماني الاستدانة إلا في حالات الطوارئ، ولقد استخدمت الحكومة كوفيد-19 كطارئ للتخلي عن «مكابح الدَّين العام»، وبالتالي، الاستدانة والإنفاق للمساعدة عجلة الاقتصاد.

وأراد شولتس تمديد العمل بحالة الطوارئ كي تتمكن حكومته من الاستدانة وتمويل الحرب في أوكرانيا من دون الاقتطاع من الخدمات العامة، لكن ليندنر رفض مقترحاً تخفيض الإنفاق العام في المقابل، الأمر الذي اعتبره شولتس «خطاً أحمر».

تهم وشكوك

وحقاً، اتُّهم ليندنر بعد طرده بأنه كان يخطط للانسحاب من الحكومة منذ فترة، وبأنه وضع خطة لذلك بعدما وجد أن حزبه منهار في استطلاعات الرأي وأن نسبة تأييده عادت لتنخفض إلى ما دون عتبة الـ5 في المائة.

أيضاً، كُشف بعد انهيار الحكومة عن «وثيقة داخلية» أعدّها ليندنر وتداولها مع نفر من المقرّبين منه داخل الحزب، تحضّر للانسحاب من الحكومة بانتظار الفرصة المناسبة. وقيل إنه بدأ يخشى البقاء في حكومة فقدت الكثير من شعبيتها بسبب المشاكل الاقتصادية وارتفاع التضخّم خلال السنوات الثلاث الماضية، ما أثر على القدرة الشرائية للألمان. وبناءً عليه، خطّط ليندنر للخروج منها قبل موعد الانتخابات واستخدام ذلك انتخابياً لإعادة رفع حظوظ حزبه الذي يبدو الأكثر تأثراً من الأحزاب المشاركة في الحكومة، بخسارة الأصوات. وطرحت «الوثيقة» التي كُشف عنها مشكلة أخرى بالنسبة لليندنر - داخل حزبه هذه المرة - فواجه اتهامات بالتفرّد بالقرارات وحتى دعوات لإقالته.

طامح لمواصلة القيادة

حتى الآن، يبدو كريستيان ليندنر مصراً على قيادة حزبه في انتخابات فبراير (شباط)، وما زال لم يفقد الأمل العودة حتى إلى الحكومة المقبلة وزيراً للمالية في حكومة يقودها زعيم الديمقراطيين المسيحيين، فريدريش ميرتز، الذي يتقدّم حزبه في استطلاعات الرأي ومن المرجح أن يتولى المستشارية. وللعلم، ميرتز نفسه أبدى انفتاحاً على ضم ليندنر إلى حكومته المحتملة، وشوهد الرجلان بعد أيام من إقالة ليندنر يتهامسان بتفاهم ظاهر داخل «البوندستاغ».

ولكن عودة ليندنر للحكومة ستتطلب منه بدايةً تخطي عقبتين: الأولى أن يبقى على رأس حزبه لقيادته للانتخابات. والثانية أن ينجح بإقناع الناخبين بمنح الحزب أصواتاً كافية لتخطي عتبة الـ5 في المائة الضرورية لدخول البرلمان.