«قصر أوروا» في روما... نزاع على الإرث تُتوّجه لوحة جدارية لكارافاجيو

الأميرة ريتا بونكومباني لودوفيزي خارج فيلا أوروا في روما (رويترز)
الأميرة ريتا بونكومباني لودوفيزي خارج فيلا أوروا في روما (رويترز)
TT

«قصر أوروا» في روما... نزاع على الإرث تُتوّجه لوحة جدارية لكارافاجيو

الأميرة ريتا بونكومباني لودوفيزي خارج فيلا أوروا في روما (رويترز)
الأميرة ريتا بونكومباني لودوفيزي خارج فيلا أوروا في روما (رويترز)

المزاد كان مهجوراً... هكذا علقت صحيفة «كوريير دو لا سييررا» الإيطالية أمس على المزاد الذي أقيم بروما لبيع فيلا أوروا، القصر الذي يعود للقرن السادس عشر وكان ملكاً للأمير نيكولو بونكامباني لوديفيزي الذي توفي تاركاً القصر موضع نزاع بين زوجته الأميركية الأصل وبين أولاده الثلاثة من زواج سابق. القصر أو «فيلا أوروا» أو «فيلا لوديفيزي» (كما يطلق عليه) له أهمية خاصة من الناحية التاريخية وأيضاً من الناحية الفنية، فهو يضم سقفاً يحمل رسومات لفنان عصر النهضة كارافاجيو، وهو الجدارية الوحيدة التي نفذها الفنان. ولكن تبعاً للنزاع على ثروة الأمير الراحل قررت المحكمة عرض القصر للمزاد بمبلغ أدنى يقترب من نصف مليار دولار، وهو مبلغ «فلكي»، كما وصفت الصحف العالمية، ولكن يبدو أن المبلغ يعود في المقام الأول لتلك الجدارية الرائعة لكارافاجيو. أقيم المزاد في مقر المحكمة بروما أول من أمس ولم يشارك فيه أحد، لم يظهر المزايدون وقررت المحكمة إعادة عرضه في مزاد قادم مع تخفيض قيمته بنسبة 20 في المائة.
يبقى السؤال لماذا لم تجذب الفيلا، والتي تقع بالقرب من أحد أشهر شوارع روما وهو «فيا فينيتو»، أي من أثرياء العالم؟ تردد أن مؤسس ميكروسوفت بيل غيتس راودته الرغبة في ابتياعها، ولكنه لم يكن حاضراً. قالت الصحف الإيطالية والعالمية بأن المبلغ المطلوب هو مبلغ خيالي، خاصة أن المشتري القادم سيكون عليه إجراء ترميمات أساسية في القصر تصل تكلفتها إلى 11 مليون دولار، وهو رقم مهول لن يقلل من وقعه احتواء القصر على جداريات رائعة أو تاريخ عريق. أشار البعض إلى أن القصر يعتبر ثروة قومية لإيطاليا وأن الحكومة هي الأولى بالشراء والاستفادة سياحياً، ولكن ذلك أيضاً لم يحدث ربما بسبب المصاعب المالية التي يمر بها العالم أجمع حالياً من تداعيات فترات الإغلاق وتحرزات وباء «كوفيد - 19».
الغريب في الأمر أن كارافاجيو من أشهر الفنانين العالميين ولوحاته إذا وجدت ستحصد الملايين، ولكن حقيقة أن رسمته الجدارية نفذت على سقف إحدى الغرف بالقصر، يعني أن المالك الجديد لن يمكنه بيعها أو عرضها منفصلة، وهو ما يمثل عقبة أمام استثمار تلك التحفة الفنية.
وقد أوردت المعلومات التي نشرتها محكمة روما على موقعها الإلكتروني جدارية كارافاجيو ضمن مميزات الفيلا، ولكنها أضافت فقرة عن أن الفيلا ستحتاج لترميمات تصل تكلفتها 11 مليون دولار لتوافق مستويات المباني في المدينة. وكان الأمير الراحل نيكولو لوديفيزي قد حاول إجراء بعض الترميمات بحسب ما ذكرت أرملته الأميرة ريتا لوكالة «أسوشييتد برس» حيث قالت إن الفيلا كانت في حالة متردية منذ زواجها في عام 2009 وأضافت أنهما حاولا تجديد الفيلا على قدر طاقتهما وفتحا أبوابها للزوار والطلاب لتوفير المال اللازم لذلك، وأضافت: «لقد أردت دوماً تحويل الفيلا إلى متحف ولكن ذلك لن يحدث الآن... وكل أملي أن يعامل المالك الجديد للفيلا بنفس الحب والرعاية التي منحناها لها أنا وزوجي».
تتمنى الأميرة ريتا أن تصحب المالك الجديد في جولة على أرجاء الفيلا وتطلعه على تاريخها العريق وتتمنى أن يستمر في فتح أبوابها للجمهور «العيش هنا كان امتيازاً خاصاً، مسؤولية ضخمة ولكنه امتياز... حتى عندما تتفجر مواسير المياه».
بنيت فيلا أوروا في عام 1570 وامتلكتها عائلة لوديفيزي من 1600. وتعود قصة الجدارية إلى عام 1597 عندما كلف مالكها آنذاك، كاردينال فرانشيسكو ديل مونتي، وهو دبلوماسي وراعٍ للفنون الفنان الشاب كارافاجيو لرسم سقف غرفة صغيرة خصصها لتكون معملاً للتجارب العلمية. الجدارية التي يصل عرضها لـ2.75 متر تصور كواكب المشتري وبلوتو ونبتون ورسمها الفنان بالزيت على غير المتبع في رسم الجداريات وقتها. «قد تكون الجدارية هي أول عمل للفنان كارفاجيو» علق كلوديو ستريناتي المؤرخ الفني وخبير في فن كارافاجيو لوكالة «أسوشييتد برس»، وأضاف: «إنه عمل جميل عن موضوع أسطوري وهو أمر نادر في لوحات كارافاجيو الذي تخصص في الغالب في المواضيع الدينية، ولهذا تعتبر الجدارية عملاً جميلاً له أهمية بالغة من الناحية الفنية والتاريخية».
إلى جانب كارافاجيو تحفل الفيلا بتماثيل ولوحات جدارية أخرية مميزة ومنها الجدارية التي منحت فيلا أوروا اسمها وهي للفنان غيرسينو والذي كلفه الملك الثاني للفيلا لودفيكو لودوفيزي برسم سقف أكبر غرف القصر في عام 1621. وجاءت رسمة «أوروا» التي تمثل مشهد بزوغ «الفجر» (وهو معنى كلمة أوروا) في شخصية آلهة الفجر تطارد بعربتها أذيال الليل، في رمز لبداية عهد جديد ساطع.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».