رحيل عبد الرحمن الأبنودي.. «شاعر الغلابة»

كتاب وشعراء عدوا غيابه «خسارة فادحة»

عبد الرحمن الأبنودي
عبد الرحمن الأبنودي
TT

رحيل عبد الرحمن الأبنودي.. «شاعر الغلابة»

عبد الرحمن الأبنودي
عبد الرحمن الأبنودي

«ياللي سهرتي الليالي يونسك صوتي.. متونسة بحس مين يا مصر في غيابي؟!».. هذا السؤال الذي طرحه الشاعر الكبير عبد الرحمن الأبنودي قبل سنوات، بات أمس سؤاله الخاص، بعد أن غيبه الموت عن عمر يناهز 76 عاما. وبعد رحلة خصبة مع الحياة والشعر طوى دفترها أمس بمحبة طفل عاشق لتراب الوطن والشعر. رحلة استطاع خلالها أن يكون أحد فرسان الشعر الكبار، في مصر والعالم العربي، بعد أن جعله يمشي على لسان البسطاء، ويجسد أحلامهم وأشواقهم في الحياة.
ونعت الرئاسة المصرية رحيل الشاعر الكبير وقالت في بيان أمس إن «مصر والعالم العربي فقدا شاعرا عظيما وقلما أمينا ومواطنا غيورا على وطنه وأمته العربية».
وبأسى بالغ ودع الكتاب والشعراء والمثقفون المصريون شاعرهم الفقيد إلى مثواه الأخير بمدينة الإسماعيلية (شرق القاهر)، والتي انتقل للعيش بها منذ سنوات، نظرا لجوها المعتدل وبناء على نصيحة الأطباء، بعد أن داهمته أمراض الرئة وضيق التنفس.
ولد الأبنودي في11 أبريل (نيسان) عام 1939، بقرية أبنود بمحافظة قنا بصعيد مصر، وكان أبوه يعمل مأذون القرية، وأحب الشعر منذ نعومة أظفاره، وفي سنوات الصبا بالقرية نظم عددا من القصائد الوطنية، ومع انغماسه في الشعر انقطع عن الدراسة ولم يتم تعليمه بعد المرحلة الثانوية، لكنه بعد سنوات طويلة وبعد أن ذاع صيته كشاعر التحق بكلية الآداب جامعة القاهرة، وتخرج فيها حاصلا على ليسانس اللغة العربية.
شكل الأبنودي ضلعا قويا في مثلث أدبي متوهج من الجنوب، اقتحم العاصمة القاهرة في ستينات القرن الماضي، وأثار ما يشبه العاصفة الفنية في أوساط الحياة الأدبية في مصر آنذاك، مع صديقيه الراحلين الشاعر الراحل أمل دنقل، والقاص يحيى الطاهر عبد الله.
يروي الأبنودي عن تلك الفترة في مذكرات عنه قائلا «قبل الانتقال النهائي للقاهرة والإقامة بها مع أحد بلدياتنا أنا والشاعر الراحل أمل دنقل.. وفي بلدتنا قنا وبعد أن ذاع صيتنا في البلاد التي حولنا كشعراء جدد.. جاءنا شاب اسمر من الأقصر وهو الروائي الراحل يحيي الطاهر عبد الله. والذي عرفنا منه أنه ترك قريته هناك لكي يعيش معي هنا في قنا.. وقد فوجئت به أمي حين أخبرها أنه يريد أن يعيش معنا في بيتنا. وقد سمحت له بذلك إلى أن اصطحبنا حين انتقلنا إلى القاهرة. وقد سلك طريق كتابة الرواية واشتهر في مجالها وتمسكت أنا وأمل بكتابة الأشعار.. وفي هذه الفترة أو في هذه المرحلة كنت قد بدأت أراسل الصحف بالقاهرة وكذلك مجموعة من الشعراء هناك.. وقد لعب الحظ دوره الكبير حين نشر لي الشاعر الراحل الكبير صلاح چاهين أول قصائدي في مجلة (صباح الخير) وفي باب كان يحرره تحت عنوان: شاعر أعجبني».
يضيف الأبنودي عن هذه الواقعة المحورية في حياته قائلا: «طبعا.. كنا في أيامها نعيش خطرا داهما.. في مجال زراعة القطن.. حين انتشرت الدودة وأصبحت تهدد هذا المحصول. وقتها كتبت قصيدة عن القطن وكيف نقاوم هذا الخطر وفوجئت في عدد (صباح الخير).. أن صلاح چاهين نشر هذه القصيدة مصحوبة برسم لأكبر رسامي المجلة.. ومنذ أن نشرت هذه القصيدة العامية أحسست أنني قد وضعت قدمي فوق مشوار الشعر. كما أنها فتحت لي أبوابا كثيرة، حيث عرف الناس في المحيط الذي كنت أعيش فيه هناك أنني أصبحت شاعرا. والحقيقة أن أهمية هذه القصيدة أو هذه الأغنية لم تتوقف عند هذا الحد.. بل جعلتني ارتبط بالشاعر الكبير صلاح چاهين وساهمت كذلك في دخولي عالم الطرب من أوسع أبوابه. حين فوجئت بأن كلمات هذه القصيدة تغنى في الإذاعة. ولما سألت الأستاذ صلاح جاهين أكد لي صحة هذا الخبر. بل وطلب مني أن أذهب إلى الأستاذ (محمد حسن) الشجاعي (رئيس) الإذاعة وكان وقتها مسؤولا عن الغناء والموسيقي ولما سألته عن السبب.. طلب مني فقط أن أذهب إليه لأعرف السبب».
وفي بداياته الشعرية انعكست حياة البيئة الصعيدية الخصبة وإرثها الحضاري والثقافي، بل ولهجتها الخاصة في أعماله الشعرية، وعلى نحو خاص (الأرض والعيال) 1964، والذي صدر بدراسة ضافية للشاعر عبد الرحمن الخميسي، ثم (الزحمة) 1967، و(عماليات) 1968، و(جوابات حراجي القط) 1969، والذي جسد فيه ملمحا من ملامح البطولة والوطنية المصرية خاصة في أثناء بناء السد العالي. ولم يفارق شعره حيوية الفضاء الصعيدي، بل ظل يومض في قصائده فيما بعد، على شكل حنين دائم للطفولة، ووجه الأب والأم والأسرة، ورائحة الأرض والأجداد.
ورغم أن الساحة الشعرية المصرية آنذاك كانت حاشدة بشعراء كبار ورواد سواء في شعر العامية أو الفصحى، ومنهم فؤاد حداد وصلاح جاهين، فإن الأبنودي وعلى المستوى الفني استطاع أن يحقق انتقالة مهمة في مسيرة شعر العامية المصري، حيث اكتسب للقصيدة العامية أرضا شاسعة، وجعلها لصيقة بالوجدان العام، بعد أن تغنى بها كبار المطربين والمطربات، على المستوى العاطفي والوطني، كما نجحت في فرض وجودها على الساحة الشعرية والثقافية وكسر الحصار المضروب حولها في جوائز الدولة للفنون والآداب، فكان أول شاعر عامية مصري يفوز بجائزة الدولة التقديرية عام 2001. «الأبنودي» عضو لجنة الشعر في المجلس الأعلى للثقافة في مصر. كما حصل على جائزة الشاعر محمود درويش للإبداع الفني 2014، لكن التتويج الأبرز كان مع حصوله على جائزة النيل أرفع جوائز الدولة للآداب في مصر وذلك في عام 2010.
عاصر الشاعر عبد الرحمن الأبنودي جيل الحداثة في مصر، وشهد تحولات سياسية واجتماعية مختلفة في عهد عبد الناصر وأنور السادات، وعلى الرغم من انتقاده لكلا النظامين من خلال قصائده، فإنه كان يضمر حماسا خاصا للرئيس الراحل جمال عبد الناصر، رغم أنه سجن في عصره، عام 1966، بتهمة الانتماء لتنظيم شيوعي واعتقل لمدة أربعة أشهر في سجن القلعة حتى تم الإفراج عنه، وكتب عنه لاحقا أكثر من قصيدة لتخلد ذكراه.
وقال في قصيدة حديثة له عن الزعيم الراحل: «مش ناصري ولا كنت في يوم بالذات في زمنه وفى حينه، لكن العفن وفساد القوم نساني حتى زنازينه.. إزاي ينسينا الحاضر طعم الأصالة اللي في صوته.. يعيش جمال عبد الناصر يعيش جمال حتى في موته».
ومن أبرز إسهاماته في مجال التراث الشعري الشعبي جمع وتحقيق السيرة الهلالية التي ظل سنوات يجمعها من شعراء الصعيد، وسافر من أجلها إلى بلدان أخرى خاصة إلى تونس.
ولم يخل تاريخ الراحل الكبير من دراسات وكتب ضمت مقالاته في الصحف المصرية وله كتاب بعنوان «أيامي الحلوة» نشر على حلقات منفصلة بملحق أيامنا الحلوة في جريدة «الأهرام»، ثم تم جمعها في كتاب واحد يحكي قصصًا وأحداثًا مختلفة من حياته في صعيد مصر. كما أن له عددا من الدراسات الأدبية التي تبحث في التراث الشفاهي والموسيقي لمصر، ومن أهمها كتاب بعنوان «غنا الغلابة»، وهو دراسة عن الأغنية ومحاولة تأصيل جذورها المتشعبة في التراث المصري.
وكان الأبنودي من أوائل الشعراء الذين قدموا برامج في الإذاعة والتلفزيون الرسمي، ومن أبرز تلك البرامج تقديمه لشاعر السيرة الهلالية جابر أبو حسين. كما قدم ديوان وجوه على الشط للإذاعة.
نقلة موازية أخرى تتقاطع مع أعماله الشعرية أنجزها الأبنودي في فضاء الأغنية، خلصها من المجاز العاطفي العالي، واكتسبت مجاز الأرض والواقع، الشارع والحارة والقرية، وجسدت كتاباته مراهقة الحياة والأحلام ومفارقات العاطفة المشبوبة بالأمل في الحب والمستقبل. ورغم أنه كتب الكثير من الأغاني لعدد من المطربين الكبار منهم (عبد الحليم حافظ - محمد رشدي - فايزة أحمد - نجاة الصغيرة – شادية - صباح – ماجدة الرومي – وردة)، فإن أغانيه الوطنية والعاطفية مع الفنان عبد الحليم حافظ، كانت بمثابة رحلة خاصة في مسار الأغنية في مصر، امتزجت في إيقاعها دلالات النضال والكفاح الوطني حيث خلق حالة من الوحدة التي جمعت بين قلوب المصريين والعرب. وقدم معه باقة من الأغاني الوطنية حفرت في وجدان الناس حتى أصبحت سلاحا للمقاومة والتحدي خاصة بعد هزيمة 67 من أجل الخلاص من نكسة يونيو (حزيران).
وأنجز الأبنودي في تلك الفترة مجموعة كبيرة من هذه الأغنيات من أبرزها «اضرب»، و«ابنك يقولك يا بطل هات لي النهار»، و«احلف بسماها وبترابها» التي لم يبدأ عبد الحليم أيا من حفلاته إلا بها حتى انتصار الجيش المصري في 1973.
لكن أغنية «موال النهار» التي كتبت عقب النكسة تنفرد بحضور خاص في تاريخ الأبنودي، حيث شكلت إحدى علامات الشجن العميق في الذاكرة المصرية وجسدت روحا جديدة من التحدي خلال تلك المرحلة.
وامتدت مغامرة الأبنودي الشعرية إلى عالم السينما فكتب الحوار والأغاني للفيلم الشهير «شيء من الخوف»، كما كتب أغاني وحوار فيلم «الطوق والإسورة» المأخوذ عن رواية صديقه يحيى الطاهر عبد الله. كما كتب عشرات الأغاني لأعمال درامية من أبرزها أغاني مسلسل «النديم» و«ذئاب الجبل» وفيلم «البريء».
عن دور الأبنودي ورحيله قال الشاعر زين العابدين فؤاد إنه لا يشارك في رثاء شاعر كبير في حجم وقيمة عبد الرحمن الأبنودي، لأن الشعراء والمبدعين لا يموتون، ولكن احتفل بالأثر العظيم الذي تركوه في حياتنا، لافتا إلى أن أعمال الأبنودي ستبقى بين الأجيال لسنوات بعيدة قادمة.
وكأن شعر العامية يرحل في أبريل الذي واكب مولد ورحيل الأبنودي، واكب أيضا ذكرى رحيل أستاذه وأستاذ أجيال العامية اللاحقين الكبير صلاح جاهين.
وتابع قائلا: «تعرفت على الأبنودي عام 1962 وعرفته بصحبة الشاعر الكبير سيد حجاب، وكنا لفترة طويلة نلتقي يوميا، وأنه شاهد الشاعر الراحل أحمد فؤاد نجم في منزله بمنطقة بولاق الدكرور وكان برفقته الأديب الراحل يحيى الطاهر عبد الله».
وأكد الشاعر زين العابدين فؤاد أنه كان يوجد بشكل يومي هو والأبنودي بصحبة الشاعر الراحل أمل دنقل أثناء وجوده في المستشفى، وأن دنقل قبل وفاته حدد 5 أسماء يسافرون مع جثمانه إلى الأقصر وهم: الناقد الكبير دكتور عبد المحسن طه بدر، ودكتور جابر عصفور وزير الثقافة السابق، والشاعر الراحل عبد الرحمن الأبنودي والسيدة منى أنيس وأنا، للسفر مع زوجته عبلة الروينى إلى بلدته.
وأشار إلى أن الاحتفاء الحقيقي بعبد الرحمن الأبنودي أن تتم دراسة أعماله بشكل جيد، وأن النقد الأدبي غائب عن شعر العامية، وهو أمر لا يجب أن يستمر وهناك أعمال لشعراء كبار لم يتم تناولها إلى الآن.
وقال الأديب يوسف القعيد إن وفاة الشاعر الكبير عبد الرحمن الأبنودي خسارة كبيرة ليس لمصر فقط، وإنما للعالم العربي كله، وإن المبدعين من أمثال الشاعر الكبير لا يموتون وإنما يبقون وسط الناس بإبداعهم وأعمالهم.
وأضاف القعيد أن الشاعر الراحل طالب بأن يدفن في محافظة الإسماعيلية حيث عاش سنواته الأخيرة، مطالبا الهيئة العامة للكتاب بأن تطبع الأعمال الشعرية الكاملة على «سي دي» حتى يعرفها كل الأجيال إلى جانب طباعة الدواوين التي قدمها طوال تاريخه الإبداعي.
وأشار إلى أن أعمال المبدع الكبير الراحل عبد الرحمن الأبنودي تعد بمثابة توثيق وتأريخ لكل الأحداث التي مرت بمصر على مدى العقود التي واكبها من خلال تناوله لكافة هذه الأحداث برؤية وطنية لا ينساها أبناء الشعب المصري.
وأكد ضرورة أن تقوم وزارة الثقافة بإقامة متحف كبير في بلدته «أبنود» على أن يضم كافة متعلقاته والوثائق التي يمتلكها وجمعها خلال رحلته الإبداعية.
كما وصف الشاعر فاروق جويدة رحيل الأبنودي بالخسارة للشعر المصري والعربي. وقال إن الأبنودي «صاحب مدرسة خاصة في أسلوبه ولغته وهو من أكثر الشعراء تواصلا مع الجماهير، واستطاع لفترة طويلة أن يكون صوت الشعب».
وأضاف جويدة أن «الأبنودي امتاز برقة شديدة في كلمات أغانيه العاطفية، ولا يستطيع أحد أن يتجاهل طريقة أدائه لشعره، خاصة وأنه من جنوب مصر، وكان يعبر بصدق عن قضايا البسطاء، وعرفته لفترات طويلة وكان إنسانا مهذبا وساخرا من كل الأشياء وتمتع ببساطة الإنسان المصري».
وأشار إلى أن وفاة الأبنودي خسارة كبيرة على كل المستويات، وهو من الشعراء الذين احتضنوا قضايا بلدهم وأمتهم، وكان أيضا يمتلك قدرة كبيرة على التواصل مع الآخرين بسبب المعايشة الجيدة لهموم وطنه، وأن أهم ما ميزه هو صدقه الشديد وإيمانه بقضايا بلاده.
وقدم الدكتور محمد عفيفي الأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة، تعازيه للشعب المصري والعربي وأسرة الأبنودي، معتبرا أن رحيله خسارة كبيرة لشعر العامية، والشعر المصري عموما.
عاش الأبنودي حياة مغامرة مليئة بالصدف والمفارقات، والعداءات والنجاحات والمواقف، لكنه كان يستقبلها بروح الشاعر المطمئن لقصيدته، وفلسفته البسيطة عن الفن والحياة، فكان غامضا إلى حد الوضوح، كما امتزجت في شخصيته، حكمة الفلاح وترويضه الماكر المحب للأرض، وشهامة الصعيدي، الذي ينهض لمساندة البسطاء والضعفاء بعفوية وتلقائية، وقد انعكس كل هذا على شعره. وأغانيه كانت خيطا رفيعا وشيقا يتموج بين السهل الممتنع في الوقت نفسه.



صبحي موسى: هجرت الشعر إلى الرواية حتى لا «أُسْتَبعد من المشهد»

صبحي موسى
صبحي موسى
TT

صبحي موسى: هجرت الشعر إلى الرواية حتى لا «أُسْتَبعد من المشهد»

صبحي موسى
صبحي موسى

بعد خمسة دواوين شعرية لاقت احتفاءً نقدياً، هجر صبحي موسى الشعر إلى الرواية ولم يعد إليه منذ ما يربو على العشر سنوات. من هذه الدواوين «يرفرف بجانبها وحده» و«قصائد الغرف المغلقة» و«في وداع المحبة». وفي الرواية صدرت له أعمال مهمة منها «حمامة بيضاء» و«أساطير رجل الثلاثاء» و«الموريسكي الأخير» و«صمت الكهنة».

هنا حوار معه حول أحدث أعماله «تحولات الثقافة في مصر»، وأسباب هجره الشعر إلى الرواية، ورؤيته للمشهد الأدبي.

* في كتابك الأحدث تستعرض مسيرة الثقافة المصرية منذ عهد محمد على وحتى ثورة 25 يناير... ما السبب الذي دعاك إلى الإبحار في هذا التاريخ الذي يمتد لنحو قرنين ولماذا لم تسع للتعبير عنه روائياً، بخاصة أن رواياتك تميل إلى الاستقصاء التاريخي؟

- من الصعب التعبير روائياً عن كثير من الأمور، في مقدمتها الأفكار والمقارنات والاستدلال والوصول إلى نتائج، والمطالبة بوضع خطط ورصد لملامح هذه الخطط، وهو ما سعيت إلى عمله في «تحولات الثقافة»، وذلك على نقيض ما قدمته في رواياتي ذات الطبيعة التاريخية مثل «صمت الكهنة، أساطير رجل الثلاثاء، الموريسكي الأخير، صلاة خاصة». الأعمال الإبداعية التاريخية تسمح باتخاذ موقف وتسريب بعض المعلومات، ووضع القارئ أمام حقيقة مخلوطة بحياة إنسانية حقيقية، مما يخلق في وجدانه نوعاً من التأثير، لكنها لا تستطيع أن تخاطب العقل بشكل واضح وصريح، فهذه مهمة الأعمال ذات الطبيعة الفكرية. وفي كتابي الأخير، لجأت لوضع رؤيتي عن الثقافة وما شهدته من تحولات في مصر الحديثة، وهي تحولات كانت وما زالت مرتبطة بخطط الدولة نفسها، نظراً لامتلاك الدولة المؤسسات الثقافية الكبرى القادرة على التغيير، لكن أزمة تلك الخطط أنها ارتبطت بالسلطة في بعض الفترات الزمنية، مما خلق لدينا ثقافة مشوهة أو منقوصة أو عرجاء.

* تؤكد في الكتاب أن تجربة فاروق حسنى الذي شغل منصب وزير الثقافة بالبلاد لفترة قياسية من 1988 حتى 2011 ركزت على الحجر دون البشر، من حيث بناء قصور ومتاحف لم يدخلها أحد سوى العاملين بها. لكن البعض قد يرى في هذا التوصيف اختزالاً مخلاً وشيئاً من التحامل وعدم الإنصاف؟

- بالتأكيد سيرى كل من استفادوا من تلك الفترة عكس ما أرى، فقد أنشأ هذا الوزير عشرات القصور والمتاحف، وأقام عشرات المؤتمرات والجوائز، إلا أن الأمور لا تقاس بالعدد، ولكن بوصول الخدمة إلى مستحقيها، وكانت النتيجة النهائية أن الثقافة حُبست داخل القصور والمتاحف، وتُرك الشارع للجماعات المتطرفة، مما يدلنا على أن الهدف الأساس لهذا الإنفاق لم يكن توصيل الثقافة إلى النجوع والقرى، أو ربط المثقف بالشارع، وخلق مثقف مستقل يمكن اعتباره مرجعية يعود إليها الناس حين تختلط عليهم الأمور، ولكن لتدجين المثقف، وجعله قطعة «أنتيكات» في أروقة هذه القصور والمتاحف.

* في المقابل، ترى أن مشروع د. ثروت عكاشة، مؤسس وزارة الثقافة في مصر، ارتكز على الذهاب إلى القرى والأطراف النائية بهدف تنوير وتثقيف الجماهير... لكن ماذا عن مطاردة واعتقال المثقفين في حقبة الستينات؟

- هذا جزء من خطيئة ارتباط خطة الثقافة بتوجهات ورغبات النظام وليس بما يفيد الدولة ومواطنيها بشكل عام، بغض النظر عمن يحكم وعن توجهاته ورغباته. كان النظام في هذا التوقيت على خلاف، إن لم يكن عداءً مع الشيوعيين، وكان كثير من المثقفين ينتمون إلى الفكر الشيوعي، ومن ثم دخل أغلبهم السجون، لكن بعيداً عن الدفاع عن نظام بعينه، من الإنصاف القول إن من دخلوا السجن لم تُقطع أرزاقهم، وبعضهم كان يدخل السجن ويخرج منه إلى رئاسة تحرير مؤسسة قومية مثل «الأخبار». وفي ذلك العصر، انتقلت الثقافة بقوة من العاصمة إلى النجوع والقرى، وتم البحث عن الموهوبين وتقديمهم، عشرات الفرق الفنية ظهرت وأتت من هذه القرى، ومئات المثقفين ذهبوا وخالطوا أبناء النجوع والأرياف لتعليمهم وتثقيفهم وتنويرهم.

* تستنكر تهميش المثقفين حتى يتركوا الساحة خاوية أمام جماعات التشدد الديني في حقب سابقة من التاريخ المصري، ما السبب في ذلك وما المطلوب حتى لا يتكرر؟

- المطلوب أن نتعامل مع الثقافة بمعناها العام كما يراها علماء الاجتماع، فالثقافة ليست رعاية الآداب والفنون، فهذا دور يمكن أن تقوم به مؤسسة مثل «المجلس الأعلى للثقافة»، وكان يقوم به في بداية الخمسينات بالفعل، قبيل إنشاء وزارة الثقافة والإرشاد القومي. فعلماء الاجتماع يرون الثقافة الكل الجامع، أي أنها كل شيء في المجتمع، وبالتحديد كل شيء يخص الفكر والوعي والسلوك، وهذه الجوانب يصعب أن تنهض بها وزارة الثقافة وحدها، ولابد من وجود ما سمّيته بـ«المجموعة الثقافية»، والمكونة من وزارات الثقافة والتعليم والإعلام والجامعات والأوقاف والأزهر والكنيسة، أي كل المؤسسات التي تسهم في بناء وعي وفكر المواطن.

* روايتك الأخيرة «نادي المحبين» تنطوى على تجربة سردية وجمالية شديدة الخصوصية، لكنها لم تأخذ حقها نقدياً أو إعلامياً... ما السبب؟

- يمكن ربط ذلك بما حاولت الحديث عنه أو مواجهته في «تحولات الثقافة»، فواحد من التحولات التي نعيشها الآن هو أننا نعيش في عصر الجماهير الغفيرة، أي أن الجمهور هو الذي يقود وليس النخب، وهذا يعني انتشار الشعبوية وربما الغوغائية في كل مناحي الحياة ومختلف الفنون، نظراً لأن الجمهور هو الذي يحدد ما يُكتب وما لا يُكتب. ومن ثم سادت اختيارات مثل أغاني المهرجانات المبتذلة وروايات «البيست سيلر» أو الأكثر مبيعاً التي اجتاحت كل شيء.

* هل تسبب طبيعة موضوعات رواياتك بجرأتها وعدم تقليديتها أزمات أو خلافات بينك وبين الناشرين؟

- أكاد أكون بلا ناشر محدد، نظراً لأن كل عمل لدي لا أعرف من الذي سيقبل بنشره، وبات من الطبيعي أن يرفضني الناشرون، وصرت أراهن على دور النشر الصغيرة التي يمكنها أن تقبل بي أكثر من دور النشر الكبيرة التي تبحث عن الأكثر مبيعاً بصرف النظر عن مضمون العمل وجديته.

* للتاريخ حضور طاغ في أعمالك... هل هو مجرد خلفية لفكرة راهنة أم أنك تطمح فعلاً لإعادة تفسير الماضي؟

- أنا خريج علم اجتماع، ولدى محبة شديدة لعلم التاريخ والأنثربولوجيا، وربما هذا الثالوث هو ما يسيطر على مخيلتي طيلة الوقت، فالقضايا المجتمعية الراهنة هي ما يثير الفكرة لدي، ما يستدعي محاولة رؤية جذورها تاريخياً، لمعرفة كيف نشأت وكيف وصلت لما هي عليه الآن. ومن ثم فالتاريخ لدي بمثابة العقل الباطن للجماعة البشرية، ولمعرفة حقيقة أي أزمة فلابد من التفتيش في العقل الباطن. وقد ساعدتني الأنثربولوجيا على نسج أساطيري الخاصة في مجمل أعمالي.

* حين يُسأل الشعراء عن سبب تحولهم لكتابة الرواية يقدمون عادة إجابات مراوغة لكنك تمتلك شجاعة الاعتراف بأنك فعلت ذلك «حتى لا تُستبعد من المشهد»، كيف ترى إذن موقف الشعراء الذين رفضوا غواية الرواية بأضوائها وجوائزها وصخبها؟

- لا أرى أن هناك شرفاً كبيراً في الالتزام بالشعر أو بفن محدد، هذا من قبيل الأفكار البدائية، وضد ما بعد الحداثة ورؤيتها عن التعدد، كما أنه لا يوجد عقد بين أي كاتب أو شاعر وبين الناس على أن يكتب فناً محدداً. وفي حقيقة الأمر أن الشعر فن صعب، ولكل شاعر طرحه الخاص، وهذا الطرح غالباً ما يقدمه في عمل أو اثنين، يكونان فارقين ويخصان فكرته الجديدة، وما يتلوهما ليس أكثر من تنويعات أو اجترار، وربما يكون مجرد تمهيد لمجيء فكرته. الذين يعون هذه الحقيقة يدركون أنهم قدموا طرحهم ورؤيتهم من خلال هذين العملين، وعليهم، إذا كان لديهم ما يشغلهم، أن يطرقوا أبواباً وفنوناً أخرى، أو أن يتوقفوا في هدوء، فكتابة الشعر ليست وظيفة، ولا شرف يستدعي ضرورة الكتابة فيها إذا قدم الشاعر طرحه.

الجوائز همشت دور الناقد وعممت الشعبوية والأدب الجاهز وخلقت صائدي جوائز أكثر مما خلقت من مبدعين

*ألهذا السبب هجرت الشعر نهائياً ولم تعد إليه طوال ما يربو على 10 سنوات؟

- هجرت الشعر لأنني تعبت من الاستبعاد، فالشعراء كانوا يستبعدونني من قوائمهم ويعدونني روائياً، والروائيون يستبعدونني من قوائمهم ويعدونني شاعراً، وكان لابد أن أثبّت قدمي بشكل راسخ في مكان محدد كي أعلن عن نفسي بشكل لا لبس فيه، والآن أقول لكِ إنه لا يوجد عقد بيني وبين أحد على كتابة نوع محدد من الفن، فضلاً عن شعوري بأنني قدمت طرحي الخاص بكتابة الشعر، وأن أي كتابة جديدة كانت ستكون تنويعاً على ما سبق.

* كيف انعكست خلفيتك كشاعر على ما تنجزه من تجارب روائية؟

- ساعدني الشعر على نعومة اللغة وإطلاق الخيال، فأنا لا أفكر وأنا أكتب، ولكنني أترك نفسي على الورق، وهذه فضيلة شعرية وليست روائية.

* أخيراً، كيف ترى المشهد الأدبي عربياً بشكل عام؟

- أراه مشهداً ثرياً للغاية، لكن المشكلة أن الانتخاب لا يكون لصالح الأقوى أو الأفضل، ولكن لصالح الشعبوي والأضعف، أو ما يشابه أفكار الجماهير ولا يثيرها للتفكير. المشكلة أيضاً أن الجوائز الأدبية لم تزد المشهد الإبداعي في العالم العربي إلا إحباطاً وصراعاً وربما قتلاً، فالكل أصبح يفكر في الشهرة والمال، وليس في القيمة الأدبية. للأسف الجوائز همشت دور الناقد، وعممت الشعبوية والأدب الجاهز، وخلقت صائدي جوائز أكثر مما خلقت من مبدعين.


سلفادور أليندي... هل اغتيل؟ هل مات وهو يقاتل أم اختار الموت؟

غلاف الرواية
غلاف الرواية
TT

سلفادور أليندي... هل اغتيل؟ هل مات وهو يقاتل أم اختار الموت؟

غلاف الرواية
غلاف الرواية

في 11 سبتمبر (أيلول) 1973، توفي رئيس تشيلي سلفادور أليندي داخل القصر الوطني في سانتياغو خلال انقلاب عسكري مدعوم من الولايات المتحدة بقيادة الجنرال أوغوستو بينوشيه. بعد ذلك، أعلن الجيش التشيلي أن الانتحار هو السبب الرسمي للوفاة، وهو ما لم يثق به العديد من التشيليين، إن لم يكن رفضوه رفضاً باتاً. لكن في عام 1990، وبعد 17 عاماً من الحكم الاستبدادي، الذي كان فيه أي تحدٍ لسلطة المجلس العسكري أمراً خطيراً، فقد بينوشيه السلطة، وسرعان ما أصبحت طبيعة وفاة أليندي مسألة عامة.

هل اغتيل؟ هل مات وهو يقاتل، أو اختار الموت بدلاً من القبض عليه؟ هذا هو اللغز الذي يغذي رواية «مُتحف الانتحار»، وهي رواية جديدة للمؤلف والكاتب المسرحي والناشط التشيلي الأميركي آرييل دورفمان. تدور الأحداث بصفة رئيسية عام 1990، خلال الأشهر المثيرة والمضطربة التي تلت رحيل بينوشيه، عندما شرعت تشيلي في إعادة بناء ديمقراطيتها في حين لا تزال «تزخر بالمجرمين والمتواطئين والمتعاونين». يعود آرييل دورفمان إلى سانتياغو بعد سنوات من حياته «رجلاً بلا وطن»، حالماً باستئناف حياته القديمة قبل الانقلاب. لكنه لديه أيضاً مهمة سرية.

في عام 1983، أثناء عمله ضد بينوشيه من الولايات المتحدة، التقى آرييل بملياردير غريب الأطوار اسمه جوزيف هورتا. (ولتبسيط الأمر، سوف أشير إلى المؤلف باسم دورفمان، والشخصية باسم آرييل). ويُفتن هورتا، الناجي من الهولوكوست الهولندي ورائد صناعة البلاستيك، بشخصية أليندي وما كان يمثله: الطريق التشيلي إلى الاشتراكية، أو «الاشتراكية عبر الوسائل الانتخابية السلمية». ويقول لآرييل إنه بعد انتحار زوجته في أواخر الستينات، لم يمنعه من الموت بالطريقة نفسها سوى النصر الرئاسي الملهم الذي حققه أليندي. يعرض هورتا أن يدفع لآرييل مبلغاً كبيراً من المال ليعود إلى تشيلي ويكتشف «بكل تأكيد ما إذا كان سلفادور أليندي قد قتل نفسه من عدمه. وسواء كانت حياته مأساوية أو ملحمية».

بالنسبة لآرييل، فإن مجرد التفكير في احتمال وفاة أليندي منتحراً ليس بالأمر الهين. وكان مثل مبدعه، عضواً في حكومة أليندي؛ وهو يوقر الرئيس السابق بقدر ما يوقره هورتا. وهو مرتبط بسرد ملحمي سقط فيه أليندي أثناء القتال؛ وأي نظرية بديلة تعد «تدنيساً لموضع مقدس خارج حدود التصور».

لكن آرييل يدرك أيضاً أن الحقيقة لها قيمة متأصلة - وإلى جانب ذلك، فهو كاتب مفلس، ويحتاج للمال. وغالباً ما يزاوج دورفمان بين العميق والزهيد بهذه الطريقة، حيث يمزج على سبيل المثال بين ذكريات آرييل المؤلمة وآماله بمستقبل تشيلي وبين مظالمه إزاء عدم حصوله على ترحيب كافٍ من النخبة اليسارية في الوطن. وكثيراً ما يجمع المؤلف أيضاً بين الحدة العاطفية والعبث، لا سيما في شخص هورتا.

فصاحب الإحسان على آرييل، على عكس العديد من أصحاب المليارات في الخيال الأدبي (ناهيكم عن الحياة الواقعية)، ليس خبيثاً. ولكنه ارتكب أخطاء جسيمة: فقد صار ثريّاَ من تطوير البلاستيك الذي يلوث الأرض الآن. وهو يشعر بالذنب الشديد إزاء ذلك، ويحلم بالتعويض عن هذا الأمر عبر بناء مُتحف للانتحار يضم بطله أليندي، وهو أمر مقنع بالدرجة الكافية لوقف الوفيات الفردية و«الانتحار الجماعي» الناتج عن أزمة المناخ المطلقة.

يعتقد آرييل أنها فكرة سخيفة - هي سخيفة فعلاً - لكنه معجب بهورتا. حقاً، إنه يرى نفسه فيه. كلا الرجلين يهوديان، صارا بلا جنسية أغلب حياتهما بسبب عنف الدولة، وكلاهما يتطلع إلى أليندي، وكلاهما يحمل أعباء مروعة من الذنب. كان من المفترض أن ينام آرييل، مثل مبدعه مرة أخرى، في القصر في الليلة السابقة على الانقلاب؛ وقد أصبح الوضع السياسي هشاً بدرجة كافية بحيث نظّم مستشارو أليندي مناوبة في حالات الطوارئ. لكنه تبادل المناوبات مع صديق قديم، كلاوديو جيمينو، الذي قاتل إلى جانب أليندي في يوم الانقلاب، واحتُجز سجيناً وعُذب ثم اختفى. لم يُعثر على جثته بعد، وفي «مُتحف الانتحار»، يثقل ذلك الأمر كاهل آرييل بشدة، لدرجة أنه لا يستطيع أن ينطق باسم جيمينو.

هورتا وآرييل ليسا الوحيدين من أنصار أليندي في الرواية. فالشخصيات تظهر باستمرار للتكلم لثلاث أو أربع صفحات عن كونهم «مدينين لأليندي بكل شيء»، من بيوتهم إلى صحتهم إلى أولادهم، الذين نشأوا أقوياء «بسبب نصف لتر الحليب الذي كان يوزعه أليندي على كل تلميذ كل يوم في المدرسة». في أحد المشاهد، زار آرييل وابنه خواكين قبر الرئيس السابق، حيث ترك عدد لا يحصى من التشيليين رسائل حب وامتنان ودعاء، وكأن القبر تحول إلى حائط المبكى.

لكن دورفمان لا يهتم بمجرد امتداح ذكرى أليندي. في مبتدأ الرواية، يقول آرييل لهورتا إنه لن يكتب عن الرئيس السابق خوفاً من أن الإعجاب به يجعله يكتب «كتاباً كسولاً، مليئاً بالأساطير وإنما من دون تجاوزات». ورواية «مُتحف الانتحار» لا تنتهك ذكرى أليندي، متجاوزة سطراً أو اثنين حول ميله لخيانة زوجته - لكن ذلك بسبب أنه في الواقع ليس كتاباً عن أليندي. لا يعبأ دورفمان بالكتابة عن بطله أكثر من إنشاء صورة لعبادة البطل، التي تستحيل تدريجياً إلى سبر مُعقد للذنب والحزن.

يقول لآرييل إنه بعد انتحار زوجته في أواخر الستينات لم يمنعه من الموت بالطريقة نفسها سوى النصر الرئاسي الملهم الذي حققه أليندي

في الولايات المتحدة، تُقرأ أعمال دورفمان بشكل عام جنباً إلى جنب مع كُتاب آخرين باللغة الإسبانية (يكتب باللغتين الإنجليزية والإسبانية ويترجم أعماله الخاصة بينهما). ولكن رواية «مُتحف الانتحار» تبدو أكثر استفزازاً لفيليب روث. فنثرها القصصي يتسم بالبراعة والثقة، ويبني الزخم من كثافة أفكارها. النقاشات طويلة؛ وأحاديث آرييل أطول. وكما يحدث في كثير من الأحيان في عمل روث، فإن الحياة الفكرية للراوي تُزاحم الحبكة الروائية على نحو فعال، برغم من أنها مُعقدة وبالغة في حدتها العاطفية.

تُنذر رواية «مُتحف الانتحار» بوقوع المزيد من الأحداث أكثر مما تضمه دفتاها؛ فأزمة المناخ التي تمر عبرها متخلفة وسهلة الانحلال. ومع ذلك، فإن وجودها يتواءم بشكل جيد مع أمل آرييل العنيد. وهو يحاول جاهداً الوصول إلى الحقيقة - برغم أن الأمر سوف يستغرق عقوداً قبل أن يستنتج خبراء الطب الشرعي، في عام 2011، أن أليندي أطلق النار على نفسه ببندقية هجومية. بحث آرييل المتواصل ينقله إلى جميع أنحاء العالم، ومن خلال جهوده، يواجه حزنه على آليندي، وعلى جيمينو، وعلى تشيلي التي خسرها. والواقع أن مشاهدته وهو يفعل ذلك تعكس تأثيراً عميقاً، وهو يذكرنا بأن الشجاعة، إن لم تكن البطولة، من الممكن أن تحدث على أي مستوى.


«الشارقة الثقافية»: قصر إشبيلية والتفاعل الثقافي

«الشارقة الثقافية»: قصر إشبيلية والتفاعل الثقافي
TT

«الشارقة الثقافية»: قصر إشبيلية والتفاعل الثقافي

«الشارقة الثقافية»: قصر إشبيلية والتفاعل الثقافي

صدر أخيراً العدد 84 لشهر أكتوبر (تشرين الأول) من مجلة «الشارقة الثقافية»، التي تصدر عن دائرة الثقافة بالشارقة. تناولت الافتتاحية اهتمام المستشرقين بثقافة الشرق العربي، مسلطة الضوء على منجزات ومكتسبات الثقافة العربية. وكتب مدير التحرير نواف يونس مقالاً بعنوان «غورنيكا... مرة أخرى» متحدثاً فيه عن أحداث ومأساة قرية الغورنيكا الإسبانية، التي رسمها بيكاسو في لوحته الشهيرة وانعكاسها على الواقع المعيش، ويضيف: «مزجت الألوان ببعضها بعضاً، وانتظرت اللحظة الأخيرة لأضع الفرشاة في المكان المناسب».

وفي تفاصيل العدد، يتابع يقظان مصطفى استعراض إسهامات العرب العلمية، مشيراً إلى أنّ ابن ملكا البغدادي سبق غاليليو ونيوتن باكتشافاته، ويكتب وليد رمضان عن كبير الاستشراق الألماني تيودور نولدكه، الذي أسهم في الكتابة عن العرب وتاريخهم، ويبيّن خوسيه ميغيل بويرتا دور قصر إشبيلية في التعبير عن الفن المدجن والتفاعل الثقافي العربي الإسباني، فيما يسلط هشام عدرة الضوء على تاريخ مدينة سلمية السورية، التي تعدّ منتجعاً سياحياً تراثياً وتتميز بالشعر والثقافة.

في باب «أدب وأدباء»، تتناول د. مها بنسعيد كتاب «عتبات السرديات ومناصاتها»، وهو عمل نقدي متكامل للناقد والباحث سعيد يقطين، ويتوقف حاتم عبد الهادي عند رحيل الشاعر كريم العراقي، وتكتب غيثاء رفعت عن عزيز نيسين الذي يعدّ أحد أعلام الأدب الساخر عالمياً قي القرن العشرين، ويقدم مصطفى أحمد قنبر مداخلة حول ديوان «ليالي الملاح التائه» للشاعر علي محمود طه حيث «الإبحار في غواية المكان»، ويحاور ممدوح عبد الستار الروائي هيثم حسين، ويتناول محمد حسين طلبي المجموعة القصصية الأخيرة «شمس الضفاف البعيدة»، للأديب ناصر جبران، وتجري سريعة سليم حديد مقابلة مع الأديبة سناء شعلان، التي وثقت البعد الثقافي والفكري عند الهنود المسلمين.

ومن الموضوعات الأخرى، يكتب صابر خليل عن الدكتور محمد طه الحاجري، ويتناول هيثم الخواجة القيم الجمالية في «قصص وحكايات» لجمال قاسم السلومي وفضاءات أدب الطفل، بينما تحاور د. أماني محمد ناصر الكاتبة عائشة سلطان، ويقرأ حاتم السروي سيرة الأسرة التيمورية، التي «تضم قامات أدبية رائدة، وتتميز بمنظومة أخلاقية إنسانية مبدعة»، وتتوقف رويدا محمد عند تجربة الشاعر التونسي جعفر ماجد أمان، وغيرها من الموضوعات.

ونقرأ في باب «فن. وتر. ريشة» الموضوعات الآتية: «هدى العمر تمزج بين الكلمة واللون» لمحمد ياسر منصور، و«أحمد عبدالعال... أحد أبرز فناني السودان» لأديب مخزوم، ورواية «الشيخ الأبيض» على خشبة المسرح قدمتها فرقة صلالة للفنون في عُمان لعبد العليم حريص، و«عزيز خيون اتخذ المسرح خياراً حياتياً» للدكتور عزيز بعزي، و«سكورسيزي... يستمر في التألق سينمائياً» لأسامة عسل، و«فيلم (المدرّسة) للمخرج جان هريبجيك» لمحمود الغيطاني، وحواراً مع فاطمة الجبيع، أجراه عبد الرحيم الشافعي.

ويحتوي العدد على مجموعة من القصص القصيرة، والترجمات لمجموعة من الأدباء العرب، وهي: خالد ماضي (نسخة أخيرة) قصة، (نسخة أخيرة – سعادة الإصدار الأول) نقد بقلم د. سمر روحي الفيصل، وليد الزيادي (لحظات حرجة) قصة قصيرة، مجدي محفوظ (أوراق صفراء) قصة قصيرة، عواطف بركات (يوماً ما كان العالم مثالياً) قصيدة مترجمة، إضافة إلى تراثيات عبد الرزاق إسماعيل، و(أدبيات) فواز الشعار، التي تضمنت جماليات اللغة وفقه اللغة.


الموت يغيّب الروائي كمال رحيم «مُنصف» يهود مصر

رحيم (حسابه على فيسبوك)
رحيم (حسابه على فيسبوك)
TT

الموت يغيّب الروائي كمال رحيم «مُنصف» يهود مصر

رحيم (حسابه على فيسبوك)
رحيم (حسابه على فيسبوك)

غيّب الموت الأديب المصري كمال رحيم عن عمر ناهز 76 عاماً بعد صراع مع المرض، وقبل أن يتسلم النسخ الأولى من أحدث إصداراته الروائية التي حملت عنوان «وكسة الشاويش» وطرحت «دار الشروق» غلافها قبل أيام. وتعد «ثلاثية اليهود» أشهر مؤلفات الكاتب الراحل، وتتكون من «المسلم اليهودي»، و«أيام الشتات» و«أحلام العودة»، وهي ترصد بعض ملامح حياة اليهود المصريين اجتماعياً ونفسياً ووطنياً في القرن العشرين، كما تلقي الضوء على ثراء وتعدد النسيج الاجتماعي للبلاد في حقب تاريخية سابقة.

ونعت الناشرة د. فاطمة البودي، مدير عام دار «العين»، الراحل الذي وصفته بـ«الرجل الفاضل والأب الحنون والمبدع الكبير والصديق القيم»، مضيفة على صفحتها بموقع «فيسبوك»: «أعزي نفسه وأسرته وقراءه على امتداد خريطة الوطن العربي».

وحصل رحيم على العديد من الجوائز مثل جائزة «نادي القصة» أربع مرات؛ عن مجمل تجربته في القصة القصيرة، وجائزة الدولة «التشجيعية» في الأدب عام 2005، وجائزة «اتحاد الكُتاب» في الرواية سنة 2021، ثم جائزة الدولة «التقديرية» في الآداب 2022 عن مُجمل أعماله.

الأديب المصري الراحل كمال رحيم (حسابه على فيسبوك)

ومن بين الألقاب التي اشتهر بها الراحل «صوت القرية»، و«أديب بدرجة لواء شرطة»، حيث عمل بسلك الشرطة منذ تخرجه وتدرج في مناصبه حتى بلغ رتبة لواء وعمل مديراً لـ«الإنتربول» المصري بباريس.

وقال الناقد الأدبي سيد محمود لـ«الشرق الأوسط»، إن «خصوصية تجربة كمال رحيم تكمن في تركيزه على الكتابة المنتظمة في سن متأخرة نسبياً، وبعد تقاعده، حيث امتلك شجاعة نادرة في تناول شأن بالغ الحساسية، وهو الملابسات التي رافقت خروج اليهود من مصر بعد حرب 1956 وقيام دولة إسرائيل والمد القومي الذي رافق وصول الضباط الأحرار إلى سدة الحكم».

وأضاف: «أعماله تميزت بأنها أنصفت يهود مصر، ورفضت التشكيك المجاني في دوافعهم الوطنية، ونقلت القضية إلى فضاء إنساني بالغ الرهافة وبلغة بسيطة خالية من أي ادعاءات فنية وعبر سردية ناعمة».

غلاف «أيام الشتات» (حساب الراحل على فيسبوك)

ويؤكد الناقد الأدبي د. محمد سليم شوشة، أن أعمال كمال رحيم «تعبر عن صوت المهمشين والبسطاء، وتتميز بتركيزها على الدراما الإنسانية في حياة البشر، كما في روايتيّ (قهوة حبشي) و(دكاكين تغلق أبوابها)»، مشيراً في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أن الراحل «واحد من أهم الروائيين المصريين وصاحب مشروع إبداعي ضخم وكان غزير الإنتاج وله مساحته الخاصة في السرد، ونقّب في حقب تاريخية ثرية وطبقات اجتماعية كان هو الوحيد القادر على كشف أبعادها».


رحيل إبراهيم غلوم... الناقد والأكاديمي «النزيه»

الناقد والأكاديمي البحريني الراحل الدكتور إبراهيم غلوم
الناقد والأكاديمي البحريني الراحل الدكتور إبراهيم غلوم
TT

رحيل إبراهيم غلوم... الناقد والأكاديمي «النزيه»

الناقد والأكاديمي البحريني الراحل الدكتور إبراهيم غلوم
الناقد والأكاديمي البحريني الراحل الدكتور إبراهيم غلوم

فقدت الساحة الثقافية في البحرين، والخليج عموماً، الناقد والكاتب والأديب والأكاديمي البحريني الدكتور إبراهيم غلوم، الذي رحل بعد معاناة طويلة مع المرض، عن عمرٍ يناهز 71 سنة.

اشتغل إبراهيم غلوم بالكتابة منذ مرحلة مبكرة من حياته، ونشر منذ سبعينات القرن الماضي عدداً من الدراسات في نقد القصة القصيرة والمسرح والرواية والتراث والدراسات الثقافية والفكرية. وهو حاصل على دكتوراه دولية من كلية الآداب والعلوم الإنسانية في الجامعة التونسية سنة 1983، وكان عميداً لكلية الآداب بجامعة البحرين سابقاً، ورئيس ومؤسس قسم اللغة العربية بالجامعة، وعمل أستاذ النقد الحديث في جامعة البحرين، وأستاذاً زائراً لأدب الخليج والجزيرة العربية، بجامعة الكويت، 1986، وهو عضو أسرة الأدباء والكُتاب، ورأَس مجلس إدارتها لعدة دورات، وعضو «المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب»، بالبحرين، وعضو مجلس أمناء مجلس «جائزة عبد العزيز سعود البابطين للإبداع الشعري».

وأسّس الفقيد عدداً من المسارح وجمعيات ثقافية واتحادات محلية وعربية، ورأس تحرير عدد من المجلات الفكرية والثقافية، وحصل على وسام الكفاءة من الدرجة الأولى 2012 من ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة، وعلى قلادة تكريم المبدعين في دول «مجلس التعاون» في العام نفسه، كما حصل على «جائزة البحرين للكتاب» في النقد الحديث.

ونعت «هيئة البحرين للثقافة والآثار»، في البحرين، الفقيد الدكتور إبراهيم غلوم، حيث أكدت أن الحراك الأدبي في البحرين «فقَد برحيل الدكتور غلوم قامة أدبية»، مؤكدة أن الدكتور إبراهيم غلوم «ترك إسهامات ونتاجات أغْنت المكتبة العربية بكثير من الدراسات والقصص والكتابات التي ستبقى مرجعاً لكل الباحثين والكُتّاب والأدباء».

وقد نعاه الوسط الثقافي الخليجي، فكتب الدكتور طالب الرفاعي، عبر منصة «إكس»: «عظّم الله أجر البحرين بوفاة ولدها البارّ الدكتور إبراهيم غلوم... (وهو) مفكر خليجي اتخذ من الأدب طريقاً لحياته، وكان من أوائل من كتب عن فن القصة القصيرة والقصاصين في منطقة الخليج».

كذلك نعاه الدكتور عبد الله الغذامي، عبر «إكس»، قائلاً: «تغمّد الله الصديق الدكتور إبراهيم غلوم، والتعازي لزوجته العزيزة وعائلته الكريمة وللثقافة والمثقفين في البحرين، وللثقافة العربية والمؤسسة الأكاديمية، ولأجيال من تلاميذه والناهلين من علمه، عانى من المرض وصبر وصابر، جعله (الله) في كنف رضاه ورضوانه».

كما وصفه الشاعر العماني سيف الرحبي قائلاً: «الدكتور إبراهيم غلوم كان من الأصدقاء الطليعيين الأكثر نزاهةً وبُعداً عن الطائفية والشللية، كما كان يتّسم بعمقه الثقافي والفكري الشاسع والبعيد النظر».

وكتب الروائي والأكاديمي القطري، الدكتور أحمد عبد الملك: «فقدَت الساحةُ الثقافيةُ والفنيةُ العربيةُ والخليجية قامةً سامقةً برحيل الأستاذ الدكتور إبراهيم عبد الله غلوم... رائد من رواد الثقافة والمسرح والتعليم الجامعي بالبحرين».


أمين معلوف أديب «بين بلدَين» كرّس مسيرته لمد الجسور بين الحضارات

 أمين معلوف في 14 يونيو 2012 عندما أصبح عضواً جديداً في الأكاديمية الفرنسية (أ.ف.ب)
أمين معلوف في 14 يونيو 2012 عندما أصبح عضواً جديداً في الأكاديمية الفرنسية (أ.ف.ب)
TT

أمين معلوف أديب «بين بلدَين» كرّس مسيرته لمد الجسور بين الحضارات

 أمين معلوف في 14 يونيو 2012 عندما أصبح عضواً جديداً في الأكاديمية الفرنسية (أ.ف.ب)
أمين معلوف في 14 يونيو 2012 عندما أصبح عضواً جديداً في الأكاديمية الفرنسية (أ.ف.ب)

يُعدّ الكاتب الفرنسي اللبناني أمين معلوف، الذي انتخب الخميس أميناً دائماً جديداً للأكاديمية الفرنسية، أحد رموز الرواية التاريخية المستلهمة من الشرق، وقد كرّس إنتاجه الأدبي طوال عقود للتقارب بين الحضارات.

وإثر انضمامه إلى الأكاديمية عام 2012، نقش معلوف على سيفه الخاص بأعضاء المؤسسة العريقة رمز «ماريان» (شعار الجمهورية الفرنسية) وأرزة لبنان.

ووفق وكالة الصحافة الفرنسية، توجه جان كريستوف روفان، صديق معلوف وزميله في الأكاديمية ومنافسه في انتخابات الخميس على رئاسة المؤسسة العريقة، إلى معلوف تحت قبة الأكاديمية قائلاً: «كل أعمالك، كل أفكارك، كل شخصيتك، هي جسر بين عالمين... يحمل كل منهما نصيبه من الجرائم، ولكن أيضاً من القيم. هذه القيم هي التي تريد توحيدها».

وزيرة الثقافة الفرنسية ريما عبد الملك تحيي الكاتب أمين معلوف بانتخابه أميناً دائماً للأكاديمية الفرنسية في باريس (إ.ب.أ)

وكان أمين معلوف، الصحافي السابق المقيم في فرنسا منذ عام 1976، قد فاز بجائزة غونكور الأدبية المرموقة عام 1993 عن رواية «Le Rocher de Tanios» (صخرة طانيوس) التي تدور أحداثها في الجبال اللبنانية خلال طفولته.

ويزخر سجل الروائي المتميز بكتب حصدت نجاحاً كبيراً، بينها «Leon l'Africain» (ليون الأفريقي) عام 1986، و«Samarcande» (سمرقند) عام 1988، و«رحلة بالداسار» عام 2000، و«Nos freres inattendus» (إخوتنا الغرباء) سنة 2020.

أمين معلوف (74 عاماً) يعقد مؤتمراً صحافياً بعد انتخابه سكرتيراً دائماً للأكاديمية الفرنسية في باريس (إ.ب.أ)

ومن مؤلفات معلوف «Les Croisades vues par les Arabes» (الحروب الصليبية كما رآها العرب) عام 1983، و«Les Echelles du Levant» (موانئ المشرق) سنة 1996، و«Les Identités meurtrières» (الهويات القاتلة) سنة 1998، و«Le Dérèglement du monde» (اختلال العالم) عام 2009، و«Un fauteuil sur la Seine» (مقعد على ضفاف السين) عام 2016، حيث يروي حياة الأكاديميين الـ18 الذين سبقوه إلى الكرسي التاسع والعشرين (رقم مقعده في الأكاديمية الفرنسية) منذ عام 1635.

أمين معلوف في 14 يونيو 2012 عندما أصبح عضواً جديداً في الأكاديمية الفرنسية (أ.ف.ب)

كما كتب معلوف نصوصاً للأوبرا، خصوصاً للمؤلفة الفنلندية كايا سارياهو. وقد أُنجزت إحدى هذه القصص الأوبرالية، بعنوان «L'Amour de loin» (الحب عن بعد) في مهرجان سالزبورغ سنة 2000.

وتحتل موضوعات المنفى والترحال والاختلاط الثقافي والهوية، موقعاً مركزياً في منشوراته المكتوبة بالفرنسية بلغة عميقة لا تخلو من المتعة السردية.

ففي كتاب «Origines» (بدايات) سنة 2004، تحدّث معلوف عن شعوره بالالتزام تجاه أسلافه. وكتب أن المرء في بلده الأم يولد محباً للترحال ومتعدد اللغات. والعائلة هي التي تؤسس «الهوية الشتاتية» لأبناء جلدته الذين يتركون مثله لبنان ليشقوا طريقهم حول العالم.

الكاتب الفرنسي اللبناني وعضو الأكاديمية الفرنسية أمين معلوف في منزله في بورت جوانفيل غرب فرنسا في 1 أكتوبر 2021 (أ.ف.ب)

الحنين إلى «المشرق»

ولد أمين معلوف في بيروت في 25 فبراير (شباط) 1949، وهو ابن رشدي المعلوف، الصحافي والكاتب والمعلم والرسام والشاعر والشخصية اللامعة في العاصمة اللبنانية بين أربعينات القرن العشرين وثمانيناته.

وعلى خطى والده، خاض أمين معلوف غمار الصحافة بعد دراسات في الاقتصاد وعلم الاجتماع. ولمدة اثني عشر عاماً، عمل مراسلاً رئيسياً، وغطّى سقوط النظام الملكي في إثيوبيا ومعركة سايغون الأخيرة (في حرب فيتنام)، وتولى بعدها إدارة «النهار العربي والدولي».

وفي عام 1975، شهد الاشتباكات الأولى إثر اندلاع الحرب اللبنانية، قبل أن يقرر هذا المثقف الإنساني السفر إلى فرنسا.وقال أمين معلوف: «لقد غادرتُ لبنان بعد عام من الحرب، لكنني لا أشعر بالذنب لأنه، في مرحلة معينة، كان علي اتخاذ قرار المغادرة من أجلي ومن أجل عائلتي».

وفي باريس، انضم إلى مجلة «Jeune Afrique» («جون أفريك» أي «أفريقيا الشابة») الأسبوعية التي أصبح رئيس تحريرها.

أمين معلوف في 14 يونيو 2012 عندما أصبح عضواً جديداً في الأكاديمية الفرنسية (أ.ف.ب)

على خطى أدباء لبنانيين ناطقين بالفرنسية من أمثال شارل قرم وناديا تويني وصلاح ستيتية، يكتب أمين معلوف بأسلوب يمزج بين القوة والسلاسة بنفحة شرقية. لكنه يقول: «إذا وجدوني في الغرب شرقياً، فإنهم في الشرق سيجدونني غربياً جداً!».

انتظر هذا الرجل المتحفظ المبتسم حتى عام 1993 ليستحضر لبنان في كتاب «صخرة طانيوس»، موضحاً: «لم أبتعد يوماً عن لبنان، بل بلدي هو الذي ابتعد عني».

وقال عند عودته إلى بلده الأم عام 1993 بعد غياب استمر عشر سنوات: «لا أحاول أن أعرف إلى أي بلد أنتمي، فأنا أعيش هذه الجنسية المزدوجة، اللبنانية والفرنسية، بطريقة متناغمة».

في كتاب «Les Désorientés» (التائهون) سنة 2012، استرجع معلوف بحنين سنوات دراسته الجامعية، مستذكراً مناخ التعايش في أرضه الأمّ «المشرق» قبل الحرب.

وبحسب قوله، فقد «اختفت نوعية التعايش التي كانت موجودة بين المجتمعات المختلفة وما كان ينبغي أن تختفي أبداً، بل كان يجب أن تكون نذيراً للمستقبل، وهي اليوم تنتمي إلى الماضي».

ويوزع أمين معلوف، وهو أب لثلاثة أبناء، إقامته بين باريس وجزيرة يو في منطقة فانديه الفرنسية. وهو عمّ عازف الترومبيت إبراهيم معلوف.


الكاتب والروائي من أصل لبناني أمين معلوف سكرتيراً دائماً للأكاديمية الفرنسية

الكاتب الفرنسي - اللبناني وعضو الأكاديمية الفرنسية أمين معلوف بمنزله في بورت جوانفيل بغرب فرنسا عام 2021 (أ.ف.ب)
الكاتب الفرنسي - اللبناني وعضو الأكاديمية الفرنسية أمين معلوف بمنزله في بورت جوانفيل بغرب فرنسا عام 2021 (أ.ف.ب)
TT

الكاتب والروائي من أصل لبناني أمين معلوف سكرتيراً دائماً للأكاديمية الفرنسية

الكاتب الفرنسي - اللبناني وعضو الأكاديمية الفرنسية أمين معلوف بمنزله في بورت جوانفيل بغرب فرنسا عام 2021 (أ.ف.ب)
الكاتب الفرنسي - اللبناني وعضو الأكاديمية الفرنسية أمين معلوف بمنزله في بورت جوانفيل بغرب فرنسا عام 2021 (أ.ف.ب)

انتُخب الكاتب الفرنسي من أصل لبناني أمين معلوف سكرتيراً دائماً للأكاديمية الفرنسية، الخميس 28 سبتمبر (أيلول)، ليخلف هيلين كارير دانكوس التي توفيت في 5 أغسطس (آب)، وذلك في اقتراع جرى بعد ظهر الخميس، حسبما أفادت صحيفة «لوموند» الفرنسية.

وأمين معلوف (74 عاماً) كاتب فرنسي من أصل لبناني، حائز جائزة غونكور عام 1993 عن روايته «Le Rocher de Tanios» (صخرة طانيوس)، وكان مرشحاً معلناً منذ فترة. وهو أحد وجوه الروايات التاريخية المُستلهمة من الشرق، وركز في أعماله على مسألة تقارب الحضارات، وفق قناة «فرنس 24».

وكان معلوف الوحيد في السباق لتولي المنصب حتى أعلن «صديقه» جان كريستوف روفين، ترشحه يوم الاثنين 25 سبتمبر. ومع ذلك، ظل هو الأوفر حظاً في التصويت، إذ فاز به بأغلبية 24 صوتاً مقابل 8.

الكاتب الفرنسي - اللبناني أمين معلوف عندما انتُخب عضواً جديداً في الأكاديمية الفرنسية في 14 يونيو 2012 بـ«معهد فرنسا» (أ.ف.ب)

وكتبت «لوموند» أن قصة أمين معلوف، مثل أعماله، تجعل منه رجلاً عابراً للحدود. مصمِّم على «تقويض» و«هدم» ما سمّاه، في خطاب الاستقبال الذي ألقاه في الأكاديمية الفرنسية عام 2011، «جدار الكراهية: بين الأوروبيين والأفارقة... بين الغرب والإسلام... بين اليهود والعرب». أول لبناني في هذا المنصب، أسَّس نفسه منذ نشر مقالته الأولى «الحروب الصليبية التي يراها العرب» عام 1983 حيث ظهر كاتباً قادراً على بناء الجسور بين الثقافات والانتماءات. وهو لا يكره شيئاً بقدر ما يكره «توترات الهوية» والنزعة الطائفية.

وُلد معلوف في لبنان عام 1949 لأم كاثوليكية من الأقلية الملكية اليونانية وأب بروتستانتي، حفيد تركي متزوج من مصرية مارونية، نشأ باللغة العربية، وتحدث الإنجليزية في المنزل، وتلقى تعليمه في المدرسة اليسوعية الفرنسية. وفي سن الثانية والعشرين، أصبح صحافياً مثل والده، وقام بتغطية الأيام الأخيرة من حرب فيتنام، وسقوط النظام الملكي الإثيوبي، والثورة الإيرانية. شغوف بـ«الطريقة التي يسير بها العالم»، ولم يكن يرغب في العيش في بلد في حالة حرب أو المشاركة بنشاط في الدفاع عن طرف في النزاع، فانتقل إلى فرنسا عام 1976 بعد اندلاع الحرب الأهلية في بيروت عام 1975.


الثقافة والتراث و«الحلوى» العمانية في معرض الرياض للكتاب

سعيد بن سلطان بن يعرب البوسعيدي وكيل وزارة الثقافة في الجناح العماني يتفقد جناح السلطنة (الشرق الأوسط)
سعيد بن سلطان بن يعرب البوسعيدي وكيل وزارة الثقافة في الجناح العماني يتفقد جناح السلطنة (الشرق الأوسط)
TT

الثقافة والتراث و«الحلوى» العمانية في معرض الرياض للكتاب

سعيد بن سلطان بن يعرب البوسعيدي وكيل وزارة الثقافة في الجناح العماني يتفقد جناح السلطنة (الشرق الأوسط)
سعيد بن سلطان بن يعرب البوسعيدي وكيل وزارة الثقافة في الجناح العماني يتفقد جناح السلطنة (الشرق الأوسط)

تحلّ سلطنة عُمان ضيف شرف معرض الرياض الدولي للكتاب، حيث يحتفي المعرض بالفكر والثقافة والأدب والفنّ والتراث العماني، عبر مجموعة كبيرة من الفعاليات والندوات الفكرية والثقافية والأمسيات الشعرية والفنية، يشارك فيها عدد كبير من الأدباء والمثقفين العمانيين.

ويشتمل الجناح العُماني على معرض للمخطوطات العُمانية النادرة، ومعرض الفنون التشكيلية، والعروض الفنية والموسيقية. إلى جانب شاشة عرض لبث أفلام ترويجية وسياحية قصيرة عن سلطنة عُمان، ومجلس لتقديم الضيافة العُمانية، التي تقدم أصناف الحلوى، مع عرض لصناعة الحلوى العمانية في الساحات الخارجية للمعرض.

ويضم البرنامج الثقافي الذي يمتد طيلة أيام انعقاد معرض الرياض للكتاب، عدداً من الفعاليات الثقافية؛ بينها محاضرات فكرية وتاريخية، وأمسيات شعرية وموسيقية وفنون شعبية، وندوات وحلقات عمل وجلسات حوارية ونقاشات في مواضيع اجتماعية وأدبية مثل: الرواية وأدب الطفل وفنون المعمار وغيرها.

سعيد بن سلطان بن يعرب البوسعيدي وكيل وزارة الثقافة في الجناح العماني (الشرق الأوسط)

وأكد سعيد بن سلطان بن يعرب البوسعيدي، وكيل وزارة الثقافة والرياضة والشباب للثقافة، أن مشاركة سلطنة عُمان ضيفَ شرف في معرض الرياض الدولي للكتاب هذا العام «تكتسب أهمية بالغة، نظراً لأهمية معرض الرياض بين المعارض الإقليمية والعربية، ولكونها تأتي في ظل الحراك المتنامي والتقارب الوطيد بين البلدين الشقيقين على مختلف الأصعدة».

وأشار البوسعيدي إلى أن «لدى البلدين الكثير مما يمكن استثماره في سياق تفعيل العمل المشترك، نظراً لِما يتميّز به البلدان من عمق تاريخي وتراث حضاري وفنون عريقة وطاقات إبداعية كبيرة وتجارب ريادية في الفكر والثقافة والأدب، أثبتت حضورها على المستويات الإقليمية والعربية والعالمية».

وأوضح أن وزارة الثقافة العمانية حرصت على نجاح هذه التجربة في تقديم الصورة المثلى للثقافة العُمانية في مختلف مجالاتها وتجلياتها.

وأشار إلى أن هناك عدة جهات حكومية وأهلية عمانية تشارك في هذه الفعاليات، وهي: وزارة الإعلام، ووزارة التراث والسياحة، وجامعة السلطان قابوس، والنادي الثقافي، والجمعية العُمانية للكتّاب والأدباء، ومركز ذاكرة عُمان.

مبيّناً أن الجناح العُماني الموحد سيشتمل على عدة مفردات تتمثل في معرض المخطوطات العُمانية النادرة، ومعرض الفنون التشكيلية، والعروض الفنية والموسيقية. إلى جانب شاشة عرض لبث أفلام ترويجية وسياحية قصيرة عن سلطنة عُمان، ومجلس لتقديم الضيافة العُمانية.

الثقافة العمانية

ويشمل البرنامج الثقافي العماني في معرض الرياض الدولي للكتاب، عدة جلسات حوارية، منها جلسة مشتركة تسلّط الضوء على «مجلس التنسيق السعودي - العُماني وتفعيل التعاون الثقافي»، يتحدث فيها كل من السفير الشيخ أحمد بن هاشل المسكري، والدكتور عبد الله بن رفود السفياني.

وجلسة مشتركة عن «الرواية الخليجية وسؤال ما بعد العالمية»، يشارك فيها كل من: الروائي والشاعر زهران القاسمي، والروائية بشرى خلفان، والباحثة الدكتورة عزيزة بنت عبد الله الطائية، والروائي عبده خال، وتدير الجلسة الدكتورة منى بنت حبراس السليمية.

كما يشتمل البرنامج على جلسة تناقش «واقع المرأة العمانية: المنجز والمكانة»، بمشاركة الدكتورة ريا المنذرية، والدكتورة عائشة الدرمكية، وتديرها الدكتورة أحلام الجهورية. وجلسة «في رحاب التاريخ العُماني منذ قبل الإسلام إلى النهضة الحديثة»، ترصد أبرز التحولات والملامح، ويتحدث فيها الدكتور سعيد الهاشمي، إلى جانب الدكتور إبراهيم البوسعيدي، وتديرها الدكتورة هدى الزدجالية.

ويشمل البرنامج كذلك جلسة عن الشخصيات العمانية المدرجة في قائمة «اليونيسكو»، وهم: العلّامة الخليل بن أحمد الفراهيدي، والملاح أحمد بن ماجد السعدي، والطبيب ابن عميرة، والفيزيائي ابن الذهبي، والشاعر أبو مسلم البهلاني، والشيخ نور الدين السالمي.

يشتمل الجناح العُماني على معرض للمخطوطات العُمانية النادرة (الشرق الأوسط)

كما يتضمن البرنامج أمسيتين شعريتين مشتركتين، إحداهما للشعر الفصيح ويشارك فيها الشعراء: عبد الله العريمي، وبدرية البدري، ويوسف الكمالي، ومحمد قراطاس، ومحمد إبراهيم يعقوب، وحوراء الهميلي، ويديرها الشاعر خميس بن قلم الهاني.

والأمسية الأخرى للشعر الشعبي، ويشارك فيها: فهد السعدي، وصقر المزروعي، والدكتور ناصر الشادي، وسليمان المانع، وتديرها الشاعرة نورة البادية.

ويحفل البرنامج بعدد من المحاضرات الفكرية يقدمها نخبة من المتخصصين، من بينها محاضرة تسلط الضوء على «تجربة التعايش المجتمعي في عُمان»، وترصد أسسها وضماناتها، يقدمها الشيخ أحمد بن سعود السيابي، ويديرها الباحث خميس بن راشد العدوي. ومحاضرة تتناول «عُمان في مدونة التراث العربي»، يتحدث فيها الدكتور هلال بن سعيد الحجري، ويديرها الدكتور يونس بن جميل النعماني.

ومحاضرة عن «فنون المعمار العماني: القلاع والحصون أنموذجاً»، يقدمها المهندس سعيد بن محمد الصقلاوي، ويديرها الباحث فهد الرحبي.

كما يتضمن البرنامج محاضرة أخرى عن «التراث المخطوط المشترك بين سلطنة عُمان والمملكة العربية السعودية»، يقدمها الباحث محمد العيسري.

وفي مجال أدب الطفل، تقدم الدكتورة وفاء الشامسية «ورشة متخصصة في الكتابة الإبداعية للأطفال».

وفي الجانب الفني، يشتمل البرنامج على مشاركة فرقتين عمانيتين هما: فرقة «البلد» الموسيقية التي ستقدم عدة حفلات غنائية للجمهور السعودي، وفرقة «التراث» للفنون الشعبية.


رحيل الممثل البريطاني المخضرم مايكل جامبون عن 82 عاماً

الممثل البريطاني مايكل جامبون (أرشيفية - أ.ب)
الممثل البريطاني مايكل جامبون (أرشيفية - أ.ب)
TT

رحيل الممثل البريطاني المخضرم مايكل جامبون عن 82 عاماً

الممثل البريطاني مايكل جامبون (أرشيفية - أ.ب)
الممثل البريطاني مايكل جامبون (أرشيفية - أ.ب)

توفي اليوم (الخميس)، الممثل البريطاني - الآيرلندي المخضرم مايكل جامبون، الذي اشتهر حول العالم بدور البروفسور الحكيم ألباس دمبلدور في سلسلة أفلام «هاري بوتر».

وجامبون، الذي رحل عن عمر ناهز 82 عاماً، بدأ مسيرته المهنية على يد معلمه لورانس أوليفييه. وذكرت وكالة «بي إيه»، نقلاً عن بيان صادر عن عائلته، أنه توفي في المستشفى.

وحسب «رويترز»، بدأ جامبون التمثيل على المسرح في أوائل الستينات، وانتقل بعد ذلك إلى التلفزيون والسينما. لكن دوره الأكثر شهرةً كان دور «دمبلدور» في سلسلة أفلام «هاري بوتر»، وهو الدور الذي بدأه من الجزء الثالث من السلسلة المكونة من 8 أفلام بعد أن حلّ محل الراحل ريتشارد هاريس في عام 2004.

وعلق جامبون على الثناء الذي تلقاه على أداء الدور بالقول إنه ببساطة كان يظهر بشخصيته الحقيقية لكن «بلحية ملتصقة ورداء طويل».

وُلد مايكل جون جامبون في 19 أكتوبر (تشرين الأول) 1940 في دبلن. انتقلت العائلة إلى لندن عندما كان في السادسة من عمره، حيث كان والده يبحث عن عمل في إعادة بناء المدينة بعد الحرب.

ترك جامبون المدرسة عندما بلغ 15 عاماً، ليبدأ التدريب المهني الهندسي. لكنه قال لصحيفة «هيرالد» في 2004 إنه كان عضواً في مجموعة مسرحية للهواة، وكان يعلم دائماً أنه سيمثل.

وقد تأثر كثيراً بالممثلَين الأميركيَين مارلون براندو وجيمس دين، اللذين كان يعتقد بأنهما يعكسان هموم الشباب في تلك الفترة.


انطلاق معرض الرياض الدولي للكتاب: صناع الأدب والنشر والترجمة يصافحون القراء

معرض الرياض الدولي للكتاب يبدأ باستقبال زواره / تصوير عبد العزيز العريفي
معرض الرياض الدولي للكتاب يبدأ باستقبال زواره / تصوير عبد العزيز العريفي
TT

انطلاق معرض الرياض الدولي للكتاب: صناع الأدب والنشر والترجمة يصافحون القراء

معرض الرياض الدولي للكتاب يبدأ باستقبال زواره / تصوير عبد العزيز العريفي
معرض الرياض الدولي للكتاب يبدأ باستقبال زواره / تصوير عبد العزيز العريفي

انطلق، اليوم (الخميس)، «معرض الرياض الدولي للكتاب 2023»، الذي تحتضنه هذا العام جامعة الملك سعود، ويُقام تحت شعار «وجهة ملهمة»، ويستمر حتى السابع من أكتوبر (تشرين الأول) المقبل.

 

ويجمع المعرض أحدث الإصدارات والعناوين في مختلف صنوف الآداب والفنون والمعارف، بمشاركة أكثر من 1800 دار نشر على امتداد 800 جناح، إضافة إلى دور بالوكالة، كما يشارك أيضاً ما يزيد على 70 دار نشر فرنسية عبر مبادرة «الرياض تقرأ الفرنسية». وعرض خاص لمخطوطات ومقتنيات نادرة يفوق عددها 25 قطعة، ولوحات فنية.

 

ويشكل المعرض الحدث الثقافي الأبرز في المملكة وخارجها، بوصفه أحد أهم معارض الكتب العربية، كما يُعدّ نافذة ثقافية تجمع صُنّاع الأدب والنشر والترجمة من المؤسسات والشركات المحلية والدولية مع القراء والمهتمين، إضافة إلى برنامجه المتضمن عدداً من الفعاليات الثقافية النوعية، والمنصات الحوارية، والمحاضرات التفاعلية، والأمسيات الشعرية، والندوات الثقافية والفنية، وورش العمل التي تغطي مجالات الفن، والقراءة، والكتابة والنشر، وصناعة الكتاب، والترجمة، والأنشطة المخصصة للأطفال، والبرامج الأخرى المصاحبة.

 

وتحل سلطنة عُمان ضيف شرف في الدورة الحالية في إطار الروابط التاريخية والعلاقات الأخوية المتينة التي تجمع الشعبين، وتعكس التبادل والتعاون الثقافي بين المملكة وسلطنة عُمان، حيث تتضمن مشاركتها بجناح في قلب المعرض يحتضن كُتباً ومخطوطات، وتمثيلاً لمكنونات ثقافتها الوطنية، إضافة إلى حضور عدد من رموز الثقافة العمانية، ومشاركة المواهب والمبدعين العُمانيين، وحضور دُوْرِ نشرٍ عُمانية تستعرض آخر نتاجها أمام أكثر من مليون زائر للمعرض.

 

 

 

مؤتمر الناشرين

 

 

 

ويُعقد على هامش المعرض «مؤتمر الناشرين الدولي»، يوم 4 أكتوبر المقبل، حيث تبحث هذه الدورة مستقبل نمو صناعة الكتاب، والتحديات التي تواجه سوق النشر، وحددت «جمعية النشر السعودية»، برعاية هيئة الأدب والنشر والترجمة، ومشاركة نخبة من المتحدثين المحليين والدوليين من قادة صناعة النشر، والناشرين الأفراد، والمؤلفين، وصنّاع المحتوى، والمتخصصين.

 

ويمثل مؤتمر الناشرين الدولي في نسخته الجديدة، فرصة دولية مهمة للناشرين تضمها مدينة الرياض كل عام على هامش معرض الكتاب، بمشاركة دُوْر نشر لناشرين سعوديين وعرب وعالميين، فيما ستُخصَص المنصة للقاءات الفردية بين الحضور والمتحدثين والمهتمين، لإقامة الأعمال والتواصل بينهم وتداول الحقوق بصناعة النشر.

 

 

 

200 فعالية ثقافية

 

 

 

ويحفل البرنامج الثقافي لمعرض الكتاب هذا العام بعشرات الفعاليات المتنوعة التي تستمر على مدى 10 أيام، ويضم البرنامج الثقافي أكثر من 200 فعالية، منها: ندوات حوارية، وأمسيات شعرية يُحييها نخبة من شُعراء الفصحى والنبطي، وورش عمل في شتى ميادين المعرفة، إلى جانب الرواة، ومسرحيات سعودية وعالمية، وحفلات موسيقية وغنائية، وورش عمل في شتى ميادين المعرفة.

 

إضافة لعروضٍ مسرحية سعودية ودولية، وحفلات موسيقية وغنائية، إلى جانب فعالية «حديث الكتاب» التي تستضيف نخبة من المفكرين والمؤلفين المؤثرين، في فعاليات تعكس جميع عناصر الثقافة ومكوناتها.

 

كما يشهد المعرض مشاركة واسعة من هيئاتٍ ومؤسساتٍ ثقافية، ودُورٍ عالمية تعرض المقتنيات النادرة والثمينة من الكُتب والمخطوطات النفيسة واللوحات الفنية، ويخصّص في جنباته منصّاتٍ لتوقيع الكُتب، وركناً مخصصاً للمؤلف السعودي من خيار النشر الذاتي، كما يواصل المعرض تقديم جائزته السنوية لدُور النشر المتميزة، من خلال 5 فئات.

 

كما تحتضن أروقة المعرض منصات لتوقيع الكتب، باستضافة مجموعة من الكُتّاب لتوقيع أحدث إصدارتهم، ومنطقة واسعة للطفل، وعدداً من الأجنحة الداعمة، بالإضافة إلى تخصيص ركن للمؤلف السعودي للنشر الذاتي، متيحاً بذلك الفرصة لعرض أكثر من 400 عنوان للمؤلفين السعوديين، حيث يتولى المعرض إدارة الركن، وتسلم الكتب، وبيعها، والتحصيل والمخالصات المالية وغيرها.

 

إلى جانب استمرار جائزة المعرض التي تنظمها هيئة الأدب والنشر والترجمة المخصصة لدور النشر، وتغطي 5 فئاتٍ للتميز في النشر، وهي: الأطفال، والترجمة، والمنصات الرقمية، والمحتوى السعودي، وفئة عامة؛ لتأصيل دَوْرِ الناشرين في إثراء المحتوى الثقافي، حيث يُمنح الفائزون منحة ترجمة يقدمها شريك المعرض المجتمعي، شركة «روشن» للتطوير العقاري، التابعة لصندوق الاستثمارات العامة.

 

وينظم معرض الرياض الدولي للكتاب لأول مرة هذا العام مسابقة للإلقاء الشعري مخصصة للأطفال تمكّن الطفل من خلالها من تجربة تعلم مهارات الكتابة الشعرية، وتقنيات الإلقاء، مما يعزز المهارات اللغوية والشخصية للطفل، مع توفير منطقة مخصصة للطفل، لزيادة الوعي بالقراءة وتعزيز مهاراته، وفعاليات متنوعة لتثقيف الطفل، وإثراء قدراته، وصقل مهاراته المعرفية.

 

 

 

ندوات ثقافية وأمسيات فنية

 

 

 

ويشهد اليوم الأول من المعرض عدداً من الفعاليات الثقافية والفنية المتنوعة، بينها ندوة حوارية عن الأديب الراحل محمد علوان تقديراً لمسيرته الثقافية والعملية، وندوة حوارية أخرى بعنوان: «حكاية اقرأ - تجربة تُعاش لتروى»، وورشة عمل عن «برمجة الأفلام والمهرجانات السينمائية»، وندوة حوارية بعنوان «حول العالم... عبر الثقافات»، وندوة حوارية بعنوان: «علامات في الجسر الثقافي العربي الصيني» يشارك فيها باحثان صينيان، هما: الدكتور شوي تينغ قوه (بسام) وهو أكاديمي صيني، ورئيس تحرير «الصين اليوم» العربية، والناشرة والمترجمة الصينية شية يانغ. وكذلك ندوة حوارية بعنوان «حياة في الدبلوماسية» يتحدث فيها السفير عبد الله بن يحيى المعلمي، ويحاوره هادي الفقيه.

 

وضمن فعاليات «معرض الرياض الدولي للكتاب»، تقام مساء الخميس أمسية وحفل غنائي تجمع الفنانة أصالة، والفنانين راشد الفارس وفؤاد عبد الواحد وعايض وناصر نايف.