«يوتيوب»... بين نشر المعلومات «الزائفة» ومحاربتها

عقب عودة مطالب بضرورة التحقق من الأخبار

«يوتيوب»... بين نشر المعلومات «الزائفة» ومحاربتها
TT

«يوتيوب»... بين نشر المعلومات «الزائفة» ومحاربتها

«يوتيوب»... بين نشر المعلومات «الزائفة» ومحاربتها

في خطوة تثير الكثير من التساؤلات حول قدرة منصة «يوتيوب» على مكافحة «المعلومات الزائفة» خصوصاً حول فيروس «كوفيد - 19»، عدّ تحالف عالمي من «مجموعات متخصصة في التحقق من المعلومات» منصة «يوتيوب» بمثابة «قناة رئيسية لـ(المعلومات غير اللائقة) عبر الإنترنت». واتهم «هذا التحالف العالمي» منصة الفيديوهات الشهيرة التابعة لـ«غوغل» بـ«عدم اتخاذ إجراءات كافية للحد من انتشار (المعلومات) الخاطئة على (الإنترنت)».
اتهامات «التحالف العالمي» دفعت خبراء الإعلام والمتخصصين إلى الإشارة إلى أن «جائحة (كوفيد - 19) أبرزت دور منصة (يوتيوب) في حالة (الاضطراب المعلوماتي) حول وباء (كوفيد - 19)، ومدى فاعلية اللقاحات». وشدد بعضهم على «أهمية التعاون الإيجابي بين المنصات العاملة على التحقق من المعلومات على مستوى العالم، لرصد أي (معلومات مظللة)». في المقابل قالت «يوتيوب» إنها «استثمرت بكثافة في سياسات الحد من انتشار (المعلومات الخاطئة)، في جميع دول العالم، لربط المستخدمين بمصادر موثوقة، وحذف مقاطع الفيديو المخالفة».
ووفق رسالة وجهها «التحالف العالمي» الذي يضم 80 مجموعة دولية متخصصة في التحقق من المعلومات، بينها «فول فاكت» في بريطانيا، و«فاكت تشيكر» بالولايات المتحدة الأميركية، إلى «يوتيوب»، فإن «المنصة تنشر محتوى (زائفاً) لأطباء حول (كوفيد - 19)، وبعض الفيديوهات التي تدعم (نظرية المؤامرة) فيما يتعلق بانتخابات الرئاسة الأميركية».
الرسالة التي نشرت محتواها صحيفة «الغارديان» البريطانية، الأسبوع الماضي، أشارت إلى أن «(يوتيوب) يعد سلاحاً للترويج لـ(المعلومات الزائفة)، والتلاعب، واستغلال الآخرين، حيث يعد منصة رئيسية لنشر (الأكاذيب)، دون إجراءات فاعلة للحد منها». الرسالة طالبت المنصة التابعة لـ«غوغل» بـ«تمويل إجراء بحث مستقل حول عمليات التضليل على المنصة، وتوفير وسائل للإبلاغ عن أي محتوى (زائف) داخل الفيديوهات، وإيقاف الترويج لمقاطع الفيديو التي تروّج لـ(المعلومات الزائفة)، واتخاذ كل الإجراءات للحد من انتشار (الأكاذيب) في مقاطع فيديو بلغات أخرى غير الإنجليزية».
محمود غزيّل، الصحافي اللبناني، والمدرّب في مجال التحقق من المعلومات، قال إن «منصة (يوتيوب) وفقاً لعدد الزوار والمدة الزمنية التي يشاهد عبرها مقاطع الفيديو للحصول على معلومات، تحتل المركز الثاني كأبرز محرك بحث عن معلومات، بعد محرك البحث (غوغل)، وبذلك فهي تتحمل المسؤولية عن المحتوى الذي تتم مشاركته من الجمهور، وليس فقط من المنصات المعروفة أو الموثقة أو المدفوعة». وأضاف غزيل في تصريحاته لـ«الشرق الأوسط» أن «جائحة (كوفيد - 19) أبرزت دور منصة (يوتيوب) في حالة (الاضطراب المعلوماتي) حول الوباء من ناحية طبيعة الفيروس، والوقاية منه، ومدى فاعلية اللقاحات». ويتابع أن «(المعلومات المضللة) التي يمكن العثور عليها عبر (يوتيوب) ليست من ذلك النوع سهل التمييز؛ بل توجد فيديوهات مدعومة من أطراف، وربما دول تروّج لـ(معلومات زائفة) حول وباء (كوفيد - 19)».
من جانبه، قال فادي رمزي، الخبير المصري المتخصص في الإعلام الرقمي، إن «(يوتيوب) يروّج لـ(معلومات زائفة) حول الجائحة بشكل واضح وكثيف، وهو آخر منصة تبذل جهوداً لمكافحة (الخلل المعلوماتي) حول الوباء، متأخراً عن منصات أخرى مثل (فيسبوك) و(تويتر)، اللتين نفّذتا تحالفات مع منظمات للتحقق من المعلومات، بهدف الحد من هذا (الخلل المعلوماتي)». وأضاف رمزي في تصريحاته لـ«الشرق الأوسط» أن «(معهد رويترز لدراسات الصحافة) تبنى أخيراً مشروعاً بحثياً لدراسة معدل الثقة في الأخبار... وفي تقريره قبل الأخير، وجد أن (يوتيوب) أقل منصة يثق بها الجمهور بالولايات المتحدة، ويحتل المستوى الثالث في بريطانيا».
و«منصة (يوتيوب) تحتل المركز السادس في معدل الثقة لدى الجمهور المستهلك في الولايات المتحدة الأميركية، بعد (غوغل)، و(إنستغرام)، و(فيسبوك)، و(واتساب)، و(تويتر) على التوالي، بينما تحتل منصة (يوتيوب) المركز الثالث بعد (غوغل) و(إنستغرام) في بريطانيا»، وذلك حسب تقرير «معهد رويترز لدراسات الصحافة» الصادر في سبتمبر (أيلول) 2020.
ووفق رسالة «التحالف العالمي»، وهو عبارة عن تحالف من مدققي المعلومات يمثل 40 دولة، بينها الهند ونيجيريا والفلبين وكولومبيا وإسبانيا، فإن «(يوتيوب) فشل في الحد من انتشار (المعلومات الزائفة) في مختلف دول العالم، خصوصاً في دول الجنوب والتي تشمل أميركا اللاتينية وآسيا وأفريقيا، مما يشير إلى مشكلة فيما يتعلق بمواجهة المحتوى المنشور بلغات أخرى غير الإنجليزية».
وهنا يرى غزيل أن «(يوتيوب) ما زال يرى أن العالم برمّته يتكلم اللغة الإنجليزية، وبالتالي يرى أن المشكلة الأبرز في (المعلومات المضللة والكاذبة) بشكل عام تتعلق بالمواد الناطقة باللغة الإنجليزية، بينما على أرض الواقع هناك قرابة 6500 لغة محكية حول العالم، والناطقون باللغة الإنجليزية لا يتجاوز عددهم 1.5 مليار شخص حول العالم من أصل 7.7 مليار إنسان على الكرة الأرضية، وبالتالي هناك شعوب بأعداد كبيرة لا تزال خارج رادار مكافحة (التضليل المعلوماتي) على الإنترنت وبخاصة على (يوتيوب)».
من جهة أخرى، تعليقاً على رسالة التحالف الدولي لمدققي المعلومات. تقول إيلينا هيرنانديز، متحدثة باسم «يوتيوب»، في تصريحات نشرتها صحيفة «الغارديان» البريطانية، إن «(يوتيوب) استثمرت بكثافة في سياسات الحد من انتشار (المعلومات الخاطئة)، في جميع دول العالم، لربط المستخدمين بمصادر موثوقة وحذف مقاطع الفيديو المخالفة، وحققنا تقدماً في ذلك».
لكن رمزي أكد أن «إجراءات (يوتيوب) للحد من (الأخبار والمعلومات الزائفة) غير فعّالة، ودائماً متأخرة»، وهو ما أشارت إليه مؤسسة «فيرست درافت» في تقريرها رداً على إجراءات «يوتيوب» التي ادّعى فيها حذف كل «المعلومات الخاطئة حول لقاحات (كوفيد - 19)».
من جهته، قال غزيل إنه «على مدار السنوات الماضية، حاولت (ألفابت) الشركة الأم لـ(غوغل) اتخاذ بعض الإجراءات؛ إلا أنها لا تزال دون المستوى، فالمقاطع التي تستعرض (معلومات مزيفة) حول (كوفيد - 19) تبقى وتنتشر ولا يزال منها سوى قلة قليلة جداً بعد أن تكون هناك حملة وحديث ما حولها، وبالتالي فإن العدد الأكبر من (المواد المضللة) يعاد نشرها بأكثر من طريقة».
وحقاً نشرت مؤسسة «فيرست درافت» تقريراً في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي حللت فيه نتائج إعلان منصة «يوتيوب» في سبتمبر الماضي، عزمها حذف جميع الفيديوهات التي تتضمن محتوى خاطئاً حول اللقاحات، قالت فيه إنه «بالبحث عن كلمة لقاح باللغة الإنجليزية، تم العثور على فيديوهات تنتقد اللقاحات بين أكثر من خمسين فيديو متداولاً».
وحول مكافحة انتشار «المعلومات المضللة والزائفة» على «يوتيوب»، أكد غزيل أن «خطوات كالتي اتخذها تحالف مدققي المعلومات في رسالته إلى (يوتيوب) ترسم الطريق وتضع أسساً لمواجهة (الخلل المعلوماتي)، حتى طريق وضع الحقائق أمام المستخدم». وشدد على «أهمية التعاون الوثيق والإيجابي بين المنصات العاملة على التحقق من المعلومات على مستوى العالم، وبخاصة في المنطقة العربية لرصد هذا النوع من المعلومات».
ويتفق معه رمزي في «أهمية تحالف مجموعات مدققي المعلومات على مستوى العالم للضغط على منصات التواصل الاجتماعي لاتخاذ إجراءات أكثر فاعلية للحد من انتشار (المعلومات الزائفة)، إضافةً إلى أهمية دور الإعلام في التحقق مع المعلومات وعدم نشرها؛ إلا بعد التأكد من صحتها، حتى لو كانت المعلومات عبارة عن فيديو، فمع وجود تقنية (الديب فيك) أصبح تزوير الفيديو ممكناً».


مقالات ذات صلة

السجن 8 سنوات في روسيا لصحافي نشر «معلومات كاذبة» عن الجيش في أوكرانيا

أوروبا جنود مسلحون ينتظرون بالقرب من مركبات للجيش الروسي خارج نقطة حرس الحدود الأوكرانية في مدينة بالاكلافا في شبه جزيرة القرم يوم 1 مارس 2014 (رويترز)

السجن 8 سنوات في روسيا لصحافي نشر «معلومات كاذبة» عن الجيش في أوكرانيا

حكمت محكمة في مدينة غورنو ألتايسك الروسية في ألتاي، اليوم (الجمعة)، على الصحافي المحلي سيرغي ميخائيلوف بالسجن ثماني سنوات لانتقاده الجيش الروسي.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
المشرق العربي صورة تُظهر بكر القاسم الصحافي والمصوّر المتعاون مع وسائل إعلام عدة بينها «وكالة الصحافة الفرنسية» (متداولة)

فصائل موالية لأنقرة تُوقِف صحافياً بشمال سوريا

أوقفت الشرطة المحلية التابعة لفصائل موالية لأنقرة بشمال سوريا، الصحافي والمصوّر المتعاون مع وسائل إعلام عدة، بكر القاسم، في مدينة الباب.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
يوميات الشرق أكاديمية «SRMG» تطلق دورة تدريبية في صحافة التكنولوجيا بدعم من «تيك توك»

أكاديمية «SRMG» تطلق دورة تدريبية في صحافة التكنولوجيا بدعم من «تيك توك»

أعلنت أكاديمية «SRMG» عن نيّتها إطلاق دورة تدريبية في صحافة التكنولوجيا، بدعم من منصّة «تيك توك»، وذلك في الرياض بين 15 و19 سبتمبر 2024.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
يوميات الشرق أمّهاتٌ قاتلات وأزواجٌ مجرمون... «راوية الجريمة» تعرض أفظع الجرائم الواقعيّة

أمّهاتٌ قاتلات وأزواجٌ مجرمون... «راوية الجريمة» تعرض أفظع الجرائم الواقعيّة

يشهد عالم التلفزيون والإعلام مؤخراً اهتماماً مطّرداً من قبل الجمهور بالجريمة الواقعية. يأتي بودكاست «راوية الجريمة» عبر «الشرق» ليروي هذا العطش المستجدّ.

كريستين حبيب (بيروت)
الولايات المتحدة​ أوبرا وينفري تتحدث في اليوم الثالث من المؤتمر الوطني الديمقراطي (أ.ف.ب)

بعد دعمها هاريس... ماذا نعرف عن تاريخ أوبرا وينفري السياسي وتأييداتها؟

تحدّثت الإعلامية الشهيرة أوبرا وينفري، أمس (الأربعاء)، في المؤتمر الوطني الديمقراطي، حيث أعلنت تأييدها لكامالا هاريس، واستمرّت في دعمها للمرشحين الديمقراطيين.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

قنوات إخبارية عربية جديدة تتنافس على حصص الخبر والرأي

دكتور سعد بن طفلة العجمي (إندبندنت عربي)
دكتور سعد بن طفلة العجمي (إندبندنت عربي)
TT

قنوات إخبارية عربية جديدة تتنافس على حصص الخبر والرأي

دكتور سعد بن طفلة العجمي (إندبندنت عربي)
دكتور سعد بن طفلة العجمي (إندبندنت عربي)

خلال أقل من سنتين من إطلاق «القاهرة الإخبارية»، كفضائية تبحث عن حصة من الحضور في مخاطبة العالم والرأي العام العربي والدولي، أطلقت الكويت قناتها الإخبارية الخاصة، فبدأت هي الأخرى بحجز موقعها من فضاء عربي يمتلأ بالمحطات الإخبارية، رغم ما يشاع من هجرة محتملة عن التلفزيون لصالح منصات التواصل التي أزاحت ما يوصف بالأشكال التقليدية للإعلام والتواصل.إنه فضاء يزدحم بالقنوات الإخبارية، في ظل تطورات سياسية وتحوّلات اتصالية لا تهدأ، تشهدها المنطقة. ومن ثم، السؤال مطروح عن دلالات هذا الإقبال على إطلاق قنوات إخبارية جديدة، وما إذا كان ذلك يعكس حاجة وتنوّعاً مثرياً أم اختلافاً في توجهات المنطقة ومنصات التعبير عنها؟

وماذا عن مسألة الموضوعية؟ وهل تواجه تحدياً خاصاً، في ظل هذا النمط من الإطلاقات والفضائيات التي تخاطب الرأي العام العربي والعالمي؟

«الشرق الأوسط» استطلعت آراء متخصصين في قطاع الإعلام والدعاية السياسية، عن تطورات المشهد الإعلامي العربي، وهو يستضيف محطات جديدة، تتناول الأخبار والأحداث السياسية، وتضخ برامج إخبارية وثقافية وحوارية جادة.

شعار «آر تي» (رويترز)

إنه تحدٍ كبير

الدكتور سعد بن طفلة، وزير الإعلام الكويتي السابق، قال إن «انتشار الفضائيات الإخبارية في هذا العالم الذي يشهد ثورة منفعلة جداً، وثورة رقمية بركانية في الاتصالات وعالم المعلومات بشكل عام، تحدٍ كبير... والجميع يحاول أن يوجد مكانة له في نشر الخبر. وبالتالي، التأثير على صياغة الأحداث وتوجيه الرأي العام المحلي والعالمي».

وأشار بن طفلة إلى أن «التأثير في المجتمعات المحلية أصبح مستحيلاً، لأن العالم اليوم يشهد قدرة الإنسان العادي على فتح نوافذ يطل منها إلى الأحداث والعالم، ويتابعها حيّة على الهواء»، لافتاً إلى أن «فكرة الفضائيات الإخبارية بشكل عام ستواجه التحدّي نفسه الذي تعرّضت له الصحافة، وكذلك الإعلام الورقي، في ظل ما يتمتع به إنسان اليوم من تقنيات حوّلته من مستهلك صامت، إلى وسيلة إعلام متنقلة، بوزارة إعلام متكاملة يحملها في جيبه، ويقوم من خلال هاتفه بنشر الأخبار وتسجيلها عبر البثّ الحي أو النشر اللاحق، بكل أشكال الوسائط المتاحة».

وزير الإعلام الكويتي السابق رأى أن هذا الواقع سيضطر القائمين على هذه الفضائيات إلى «التركيز على صيغة جديدة من المحتوى، تتجاوز الاعتماد على الخبر إلى الخبر المطوّر، بمعنى أن يركزوا على تقديم برامج تضيف إلى المشاهد الجديد، وتلبي احتياجات وذائقة مختلفة لدى الجمهور المتشبع بالأخبار».

واستبعد الدكتور سعد أن يستقر شكل المشهد الإعلامي العربي والعالمي قريباً، موضحاً: «كثيرة هي التحديات التي لا نستطيع أن نحكم عليها اليوم، لأننا في بدايات هذه الثورة الرقمية، ويتطلب الأمر التمهل حتى يكتمل نمو الجيل الرقمي الحالي... أبناء هذا الجيل هم من يستطيع الإجابة عن تساؤلات راهنة بشأن المشهد الإعلامي وتحولاته، وقد لا نعثر على إجابة إلا بعد عقد أو عقدين من الآن».

شعار قناة «القاهرة الإخبارية» (قناة القاهرة الإخبارية)

التلفزيون يتطوّر والمحتوى يتمدّد

من جهته، يستبعد الدكتور غازي العمري، الباحث في الإعلام السياسي ومؤلف كتاب «الدعاية السياسية»، أن يهجر الجمهور التلفزيون، ويشرح: «التلفزيون اختراع قديم يتطور، وصحيح أنه لم يعد ذلك المنتَج الحصري الذي يملي علينا خيارات الوقت والمادة المعروضة، لكن كل من يملك شاشة أياً كان حجمها، ولو كان بحجم بوصة واحدة في ساعة اليد الذكية، سيصله محتوى القناة الجديدة، ما دامت تتمدد في وسائل التواصل كناشر... وكل هذا على صعيد الأحداث الساخنة والتنوع والإثراء، ولا يمكن أن يهجر الجمهور وسائل الإعلام الناطقة باسم أرضه وسمائه، فالجمهور يستبدل الأجهزة فقط».

وعمّا إذا كانت هذه الفضائيات تعكس تنوّعاً أم هي تعبير عن اختلاف التوجهات السياسية التي تشكل المنطقة، يقول الدكتور العمري: «ثمة اختلاف جليّ للتوجهات في المنطقة، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً، ومحاولات الهيمنة باتت أكثر وضوحاً، فالكل يقفز وينوّع التحالفات، والسياسة تجلّت كمسألة متغيرة بلا مواربة».

ويضيف أن الإعلام المموّل حكومياً «يثبت يوماً بعد آخر أنه المغذّي الرئيس للجمهور المتابع للأخبار والإثراء المعرفي والآيديولوجي والترفيهي واتجاهات العالم وساكنيه في التسلية والرياضة والطبخ، عبر تغذية منصات وسائل التواصل». ويتابع: «لو أغلقنا هذه القنوات كلها، لما بقي في وسائل التواصل إلا تناحر فئوي وجماعاتي وردّي، وبعض فيديوهات متناثرة هنا وهناك، وتبعاً لذلك فالقنوات الفضائية الجديدة تأتي في توقيت مناسب جداً، ما دام الحال كذلك».

الدعاية السياسية... وتضرر الموضوعية

أما ماجد الجريوي، الأكاديمي المتخصص في الإعلام، فيرى أن الاستمرار في إطلاق قنوات إخبارية جديدة «يؤكد، بل يجدد أهمية الإعلام ودوره المؤثر كقوة ناعمة في تكوين وتشكيل الاتجاهات والآراء، والحرص على السيطرة على منابع الأخبار وطرح الدعايات السياسية لكل كيان، ولا سيما أن معظم الكيانات الإخبارية ممولة من حكومات، والبعض الآخر تؤول ملكيته إلى القطاع الخاص، إلا أن ملّاكها لا تنقصهم الأهداف السياسية التي يسعون إلى تحقيقها».

ووفق الجريوي: «الاختلاف في التوجهات وتباين الدعايات السياسية من أهم الدوافع إلى تكوين أذرع إعلامية لكل مشروع أو توجه، يبني له منافذ إعلامية تضمن وصول أهدافه»، مستشهداً بحالة التباين في التغطية التي تبثها محطتا «سي إن إن» و«روسيا اليوم» للأحداث الشرق أوسطية، والاختلاف الذي يظهر بينهما، ليس على مستوى الرأي فحسب، بل في إيراد المعلومة والتعاطي معها. ومن ثم، يعتقد الجريوي أن «الموضوعية تشهد تناقصاً ملحوظاً... وخصوصاً بعدما أصبح معظم تلك القنوات ليست أكثر من كيانات ومشاريع وأذرع دعاية، الأمر الذي يجعل مساحة الحيادية والموضوعية تتناقص في فضاء الإعلام». ويستطرد: «تضرر الموضوعية يعجّل من هجرة الجمهور عن التلفزيون، ومحاولة البحث عن مصادر تلقٍ مختلفة ومنفصلة عن تأثير ملّاك المؤسسات... لكن هذا لا يعني أن التلفزيون بمحطاته الإخبارية الجديدة خسر الرهان في المنافسة الإعلامية». ويختتم موضحاً: «حتى مع ضعف الإقبال على التلفزيون، فإن حجم الشبكات الاجتماعية التابعة لتلك القنوات، والأعداد المليونية التابعة لها، علاوة على كثافة الآراء المطروحة والمعلومات التي تمرر فيها، كل هذا يوفّر لأي جهة تمتلك مشروعاً دعائياً الفرصة لأن تجد في القنوات الإخبارية أهم أدواته».