العام 2022: الأمن الجماعي غير مضمون


عام 2022 لا نقف أمام نظام عالمي جديد، وإنما على العكس نواجه العودة إلى عالم 1941 - 1991. خلال تلك الفترة، قادت الولايات المتحدة نظاماً عالمياً للأمن الجماعي تمثّل هدفه الأساسي (بخلاف الكثير من الأهداف النقدية والتجارية وحقوق الإنسان وأهداف أخرى) في إلحاق الهزيمة بجهود كل من ألمانيا واليابان أولاً، ثم الاتحاد السوفياتي والصين، من أجل بسط الهيمنة على أهم مناطق العالم: أورآسيا. وبالفعل، فاز التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة مرتين، عامي 1945 و1991.
لكن تبقى هناك علامات استفهام حول ما إذا كان بإمكان هذا التحالف إنجاز ذلك للمرة الثالثة، نظراً إلى حالة التفكك التي أصابت «اللحظة أحادية القطب» الأميركية-الغربية خلال الفترة 1991 - 2021.
التحدي الذي تواجهه الولايات المتحدة وشركاؤها العالميون الآن يستدعي نفس مستوى الوحدة الذي شهدناه في الفترة من 1941 إلى 1991. ويبقى التساؤل العالمي الرئيسي اليوم ما إذا كانت هذه الوحدة قادرة على التسيد عالمياً.
يحمل التحدي الحالي بعضاً من جوانب النظام الذي كان قائماً خلال الفترة 1941 - 1945 (لم تتبنّ روسيا والصين آيديولوجية تبشيرية عالمية تتجاوز السعي العرقي للهيمنة الذي شاهدناه مع ألمانيا النازية وإمبراطورية اليابان)، وفي فترة 1946 - 1991 (الدول نفسها، روسيا والصين). ومع ذلك، تحظى الصين اليوم بقوة اقتصادية مكافئة للولايات المتحدة، والتي لم يسبق لدولة معادية واحدة امتلاكها خلال الفترة 1941 - 1991.
من ناحيتها، أوضحت الولايات المتحدة في عهد الرئيس جو بايدن عشرات المرات، بما في ذلك من خلال «إرشادات استراتيجية الأمن الوطني المؤقتة»، أنها ستستخدم في مواجهة تهديدات اليوم استراتيجيات الردع والاحتواء للأمن الجماعي والتي حققت نجاحاً كبيراً في مواجهة الشيوعية. وعلى الرغم من إثبات مثل هذه الاستراتيجيات نجاحها سابقاً (مع الحلفاء والشركاء) -تحظى الولايات المتحدة بضِعف الناتج المحلي الإجمالي لروسيا والصين– فإن نجاح استراتيجية احتواء جديدة ليس أمراً مضموناً سلفاً. إذ يمكن لعنصر الردع الذي يسهم في تحقيق الاستقرار، ومبدأ الدمار المتبادل المحقق من خلال الأسلحة النووية (والآن السيبرانية)، أن ينقلبا، عن طريق الصدفة أو نتيجة ضعف القيادة أو الخوف المتبادل، رأساً على عقب، مما يسرع وتيرة حدوث مواجهة قد تكون قاتلة.
إلا أنه تبقى هناك عوامل أخرى تدفع نحو توخي مزيد من الحذر، إن لم يكن التشاؤم. أحدها يتعلق بالقوة الاقتصادية الصينية المذكورة سلفاً، وإن كان من غير المحتمل أن تستمر في النمو بالمعدل نفسه. ومع ذلك، فإن المشكلات الداخلية التي تكابدها الولايات المتحدة، وكذلك حلفاؤنا وشركاؤنا، ونهجنا العام إزاء الشؤون الخارجية على مدى السنوات الثلاثين الماضية، يشكل عاملاً مثيراً للقلق هي الأخرى.

جدير بالذكر هنا أن الولايات المتحدة تشكل مجتمعاً منقسماً آيديولوجياً، مع سعي كل من الحزبين الرئيسيين وراء تنفيذ أجندات خطيرة، حيث يلجأ كل منهما إما إلى إنكار نتائج الانتخابات عندما يخسر، وإما إلى انتهاج برنامج ثقافي عدواني شبه ثوري يثير الفزع في قلوب نصف الأميركيين ويمقته الكثيرون في النصف الآخر. ومن أجل ضمان قيادة فاعلة في الأوقات الخطرة، يجب أن ينحّي الأميركيون خلافاتهم جانباً، ويتّحدون خلف رئيسهم. وقد سبق أن حدث ذلك من قبل، لكن لم يكن المجتمع حينها يعاني من انقسامات عميقة بالدرجة الموجودة حالياً.
وبالمثل، يواجه شركاء واشنطن وحلفاؤها الرئيسيون مشكلات خطيرة. على سبيل المثال، فقدت أوروبا الغربية واليابان الكثير من حيويتهما الاقتصادية وصحتهما الديموغرافية، على الرغم من أن اقتصاداتهما مجتمعة تفوق في حجمها الآن الاقتصاد الأميركي. ومع ذلك، لا يضخ أي منهما استثمارات كبيرة على نحو خاص تجاه الجانب العسكري، إضافةً إلى افتقارهما إلى روح المحارب (باستثناء بريطانيا وفرنسا). كما تعاني الهند، الشريك الرئيسي الأخير، من مشكلات اقتصادية وسياسية داخلية عميقة، ولا تُبدي تركيزاً استراتيجياً مدروساً بخلاف ما يخص باكستان.
وأخيراً، أصبح الرأي العام السائد في أوساط النخبة بالولايات المتحدة وقطاع كبير من الرأي العام داخل الدول الحلفاء في حلف شمال الأطلسي (الناتو) داخل الحكومة وخارجها على مدار الأعوام الـ30 الماضية، مدمناً على فكرة الانتصار الأخير في «نهاية التاريخ»، الأمر الذي دفعهم مرة بعد أخرى نحو المشاركات الدبلوماسية بحدها الأقصى، كان آخرها في أفغانستان. وفي حين أن هذه التجربة يمكن أن تدفع نحو التحلي بمزيد من الواقعيــــــة، لا يــــــزال الغرب يُبدي ميلاً للضغط من أجل تحقيق أهداف دبلوماسية متطرفة شبه ثورية تقوم على فكرة أن «قيمنا عالمية»، الأمر الذي يتعارض مباشرة مع نهج «القبول بالأزمات المتجمدة والتسويات» الذي يتطلبه التنفيذ الناجح لسياسة الاحتواء على المدى الطويل. ومرة أخرى، يشكّل الاحتواء والتسوية السبيل الوحيد الذي يمكننا من خلاله الحفاظ على نظام عالمي مستقر وسلمي.