مؤلف «القوة السوداء» لـ {الشرق الأوسط}: ذهبت إلى سوريا 18 مرة.. والمحصلة مؤسس «داعش» ضابط مخابرات عراقي

قال إن حاجي بكر أهم استراتيجي في التنظيم اختار البغدادي لـ«الخلافة».. والوثائق السرية على أوراق وزارة الدفاع السورية

«داعش» من إصدار ولاية الرقة («الشرق الأوسط»)
«داعش» من إصدار ولاية الرقة («الشرق الأوسط»)
TT

مؤلف «القوة السوداء» لـ {الشرق الأوسط}: ذهبت إلى سوريا 18 مرة.. والمحصلة مؤسس «داعش» ضابط مخابرات عراقي

«داعش» من إصدار ولاية الرقة («الشرق الأوسط»)
«داعش» من إصدار ولاية الرقة («الشرق الأوسط»)

كشف الصحافي الألماني كريستوف رويتر الذي أكد عبر وثائق مكتوبة بخط اليد في مجلة «دير شبيغل» الألمانية أمس أن ضابطًا سابقًا في جيش صدام حسين كان أهم مخطط استراتيجي في تنظيم داعش، خطط لتعيين أبو بكر البغدادي خليفة لـ«داعش»، يدعى سمير عبد محمد الخلفاوي، وكنيته حجي أبو بكر وهو ضابط سابق في استخبارات البعث العراقي الجوية، عمل بعد سقوط نظام صدام حسين في العراق مع النظام السوري لزعزعة أمن واستقرار العراق. وقال رويتر عبر أسئلة وجهتها إليه «الشرق الأوسط» عبر البريد الإلكتروني ثم تحدثت إليه هاتفيًا إن كتابه «القوة السوداء» باللغة الألمانية الذي صدر أمس، يتعرض لنشأة تنظيم داعش في سوريا والعراق، جاء بعد زيارات متكررة إلى سوريا لنحو 18 مرة في ظروف مختلفة منذ انطلاق الثورة السورية، وجاري ترجمته حاليا إلى الإنجليزية، كما يجري البحث عن ناشر في أحد العواصم الغربية، وسيتم نشره في 350 صفحة. وقال إن «داعش» في بداية نشأته لم يكن له علاقة بالإسلام، بل إن مؤسسيه ضباط مخابرات من قلب البعث العراق، واختير أبو بكر البغدادي لزعامته بسبب توجهاته الدينية لجذب المتطرفين إليه المنطقة، وكذلك المقاتلين الأجانب من الخارج.
الصحافي كريستوف رويتر تدرب على خطوط النار وعمل في منطقة الشرق الأوسط لأكثر من 20 عاما، وأرسل تقارير إخبارية من أكثر من عاصمة تشهد حالة من الحرب في العراق ما بين 2003 و2004، وكذلك أرسل العشرات من التقارير من العاصمة الأفغانية كابل ما بين 2008 و2011 حسب حديثه لـ«الشرق الأوسط» أمس.
وقال رويتر إن إعداد الكتاب استغرق نحو أكثر من ثلاثة شهور من كتابة وتدقيق في الوثائق المهمة الذي حصل عليها، دون أن يكشف كيفية الحصول عليها، ويتعرض «القوة السوداء» عبر الوثائق المكتوبة بخط اليد على أوراق تابعة لوزارة الدفاع السورية، إلى ضابط هو سمير عبد محمد الخليفاوي المعروف باسم حاجي بكر، وهو عضو سابق في المجلس العسكري لتنظيم داعش والذي على ما يبدو قتله الجيش السوري الحر في تل رفعت بشمال سوريا في يناير (كانون الثاني) 2014
وكشف الصحافي كريستوف رويتر بكر قرر وقادة آخرون في التنظيم إعلان أبو بكر البغدادي خليفة له لأنه يتمتع بالكاريزما المطلوبة ويوحي لأفراد التنظيم بأنه صورة دينية ملتزمة مع أنه في الحقيقة غير ذلك».
وكان بكر عقيدًا سابقًا في مخابرات سلاح الجو العراقي في عهد صدام حسين، حسب المجلة التي قالت إنها استندت في معلوماتها على وثائق صاغها بكر وحصلت عليها بعد مفاوضات طويلة مع مقاتلي المعارضة السورية في حلب. وكتب كريستوف رويتر من قبل عدة تقارير عن مذبحة الحولة عام 2012، روى فيها الناجون من في محافظة حمص السورية لحظات الخوف والهلع التي عاشوها واتهموا قوات الأمن الحكومية باقتحام منازلهم وقتل أفراد عائلاتهم. وأوضح هؤلاء أن بعضهم اختبأ في أماكن بعيدة عن أنظار القوات السورية بينما تظاهر البعض الآخر بأنهم موتى.
وتبدأ قصة مجموعة الوثائق حينما كان تنظيم داعش في بداياته. عندما سافر المواطن العراقي حاجي بكر إلى سوريا كجزء من تقدم طفيف في عام 2012، كانت لديه خطة سخيفة على ما يبدو: احتلال «داعش» لأكبر مساحة يمكن احتلالها في سوريا. ثم، استخدام سوريا بمثابة رأس للجسر، نحو غزو العراق.
ونزل بكر في منزل غير معروف في تل رفعت، إلى الشمال من حلب. وكانت البلدة اختيارا جيدا. في الثمانينات، كان كثير من سكانها قد سافروا للعمل في دول الخليج، وتتحول البلدة إلى معقل لـ«داعش» في حلب، مع وجود المئات من المقاتلين هناك.
وكان هناك في تلك البلدة حجي بكر حيث عمد «سيد الظلال»، كما أطلقوا عليه لاحقا، إلى رسم هيكل تنظيم داعش، وصولا إلى المستويات المحلية، والقوائم المتجمعة ذات الصلة بالتدخلات التدريجية في القرى وتحديد من يشرف على من وباستخدام قلم من الحبر الجاف، رسم تسلسلات القيادة في الجهاز الأمني على الورق كما يبدو في الوثائق التي حصلت عليها «الشرق الأوسط» عبر «دي شبيغل». ورغم أنها يُفترض أن تكون من قبيل المصادفة، إلا أن تلك الورقة كانت من الأوراق التابعة لوزارة الدفاع السورية وحملت ترويسة الإدارة المسؤولة عن المساكن والأثاث.
وكان ما رسمه بكر على الورق وباتت اليوم صفحة بصفحة وثائق مهمة تبحث عنها أجهزة الإعلام وكذلك المعنيين بشؤون الاستخبارات، عبارة عن مربعات تحدد المسؤوليات الشخصية، ليست أكثر من مخطط للاستيلاء. لم تكن رسالة إيمانية، ولكن خطة دقيقة من الناحية الفنية لتنظيم داعش، أي الخلافة التي يشرف عليها تنظيم يشبه جهاز الاستخبارات الداخلية سيء السمعة بألمانيا الشرقية (شتاسي).
ودخل ذلك المخطط حيز التنفيذ بدقة بالغة في الشهور التالية. وكانت الخطة دائما ما تبدأ بنفس التفاصيل: تجند الجماعة التابعين تحت ذريعة افتتاح مكتب للدعوة، وهو مركز دعوة للدين الإسلامي. ومن بين أولئك الذين يأتون للاستماع للدروس حول الحياة الإسلامية، يجري اختيار رجل أو رجلين ويكلفان بالتجسس على قريتهما والحصول على مجموعة واسعة من المعلومات. وتحقيقا لذلك الهدف، كان حاجي بكر يجمع القوائم على غرار ما يلي:
* قائمة بالعائلات ذات النفوذ
* أسماء الشخصيات القوية داخل تلك العائلات
* معرفة مصادر دخولهم
* معرفة أسماء وأحجام الألوية المتمردة في القرية
* معرفة أسماء قادتها، ومن يسيطر على الألوية وتوجهاتهم السياسية
* معرفة أنشطتهم غير القانونية (وفقا للشريعة الإسلامية)، والتي يمكن استغلالها لابتزازهم إذا لزم الأمر
وضمن الوثائق، قال بكر: «سوف نعين أذكى الشخصيات في مناصب شيوخ الشريعة. سوف ندربهم لفترة من الوقت ثم نرسلهم للعمل»، وأضاف يقول إن الكثير من «الإخوة» سوف يجري اختيارهم في كل بلدة للزواج من بنات العائلات الأكثر نفوذا، حتى يمكن «ضمان اختراق تلك العائلات من دون معرفتهم».
وكان على الجواسيس معرفة كل ما يمكنهم عن البلدات المستهدفة: من يعيش هناك، من المسؤول، أي العائلات تتمتع بقدر من التدين، وإلى أي مذهب من المذاهب الإسلامية ينتمون، كم عدد المساجد هناك، ومن الأئمة فيها، وكم عدد زوجاته وأولاده، وكم تبلغ أعمارهم. وتضمنت تفاصيل أخرى حول فحوى خطب المساجد، وما إذا كانت أكثر انفتاحا على الفكر الصوفي، أو التفسير الباطني للإسلام، سواء اتخذت جانب المعارضة أو النظام، وما موقفه حيال الجهاد. كما أراد بكر إجابات حول أسئلة مثل: هل يتلقى الإمام راتبا؟ وإذا كان، فمن يدفع له راتبه؟ من يقف وراء تعيينه؟ وأخيرا: كم عدد الأشخاص في القرية ممن يؤيدون الديمقراطية.
وتظهر الوثائق أساليب دولة مخابراتية شديدة الذكاء تعتمد على عمليات التجسس والمراقبة والاغتيالات. وتتضمن التخفي بالعمل تحت مظلة مكتب للدعوة الإسلامية، يتم من خلاله إرسال جواسيس متنكرين في هيئة دعاة إسلاميين إلى البلدات والقرى في شمال سوريا. وكان على هؤلاء الجواسيس معرفة ميزان القوى، ونقاط الضعف في الأماكن المعنية. وفي الخطوة اللاحقة تأتي عمليات اغتيال للقيادات ذات الكاريزما، ولقادة الثورة، من خلال وحدات أُنشئت خصيصا للقتل والاختطاف، من أجل القضاء على المعارضة المحتملة مبكرا. ثم تأتي بعد ذلك عملية الهجمات العسكرية بالمحاربين والسلاح مدعومة من قبل «خلايا نائمة»، بحسب موقع مجلة «دير شبيغل أونلاين».
وتكشف الوثائق التي تنشر اليوم، أن القائد السابق ومالك الأوراق المكتوبة بخط اليد، حمل اسما حركيا هو «الحاج بكر»، وأنه رحل إلى سوريا عام 2012 وأصبح مسؤولا عن تولي السلطة في الأماكن التي سيطر عليها «داعش»، قبل أن يقتل خلال معارك في تل رفعت بريف حلب عام 2014. أما كيف وصلت هذه الوثائق إلى يد المعارضة السورية، فقد حدث أنه عندما انتصر لواء التوحيد «الجيش الحر» في معركة تل رفعت (ريف حلب)، دخل عناصره إلى منزل الخلفاوي، وعثروا فيه على الملف التأسيسي لـ«داعش». وقد تمكنت الصحيفة الألمانية من وضع يدها على 31 صفحة من الكتابات والرسوم والجداول، التي تشرح كيفية بناء «داعش» وطريقة العمل بين مؤسساتها، بعد أن تم تهريب واحدة من الصفحات أولا إلى تركيا، واطلعت عليها المجلة، واختبرتها، وتأكدت من خلال خبراء أنها مهمة جدا.
وأشارت الصحيفة إلى أن الكثير من المقاتلين الأجانب الذين تدفقوا إلى سوريا لمحاربة الأسد، فوجئوا بأن «داعش» يقاتل فقط الجيش الحر والمعارضين المعتدلين. وأن الكثير من هؤلاء الأجانب تمت تصفيتهم لدى محاولتهم الفرار أو الانقلاب على التنظيم بعد اكتشافهم حقيقته. وكانت الخطة تقضي باحتلال أراض عراقية بعد ترسيخ أقدام التنظيم في سوريا لإعطائه طابع الإرهاب العالمي، والسيطرة على بعض موارد النفط التي كان النظام السوري بحاجة إليها، ولم يكن يحصل عليها من أكراد العراق»..
وتقول الصحيفة الألمانية، إن «الحاج بكر وقادة آخرين في التنظيم، قرروا إعلان أبو بكر البغدادي خليفة للدولة، لأنه يتمتع بالكاريزما المطلوبة، ويوحي لأفراد التنظيم بأنه صورة دينية ملتزمة، مع أنه في الحقيقة غير ذلك».



تصعيد جديد بين مصر وإسرائيل «لن يصل إلى صدام»

الحدود المصرية - الإسرائيلية (رويترز)
الحدود المصرية - الإسرائيلية (رويترز)
TT

تصعيد جديد بين مصر وإسرائيل «لن يصل إلى صدام»

الحدود المصرية - الإسرائيلية (رويترز)
الحدود المصرية - الإسرائيلية (رويترز)

عدَّت مصر التصريحات الإسرائيلية الأخيرة عن فتح معبر رفح من الجانب الفلسطيني لخروج سكان قطاع غزة فقط، دون الدخول، عودة لمخطط التهجير المرفوض لديها.

ووسط صخب الانتقادات المصرية الحادة لإسرائيل، أفادت تقارير عبرية بحدوث تأهب إسرائيلي على الحدود مع سيناء، وهو ما يراه خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، «تصعيداً إسرائيلياً جديداً وفقاعة إعلامية بلا أي صدى».

وذكرت قناة «آي نيوز 24» الإسرائيلية، الخميس، أن خلافاً دبلوماسياً حاداً اندلع بين إسرائيل ومصر بعد إعلان الأولى نيتها فتح معبر رفح خلال الأيام المقبلة لإخراج الفلسطينيين من غزة باتجاه مصر.

وأضافت أن الموقف المصري الذي نفى ذلك أثار ردود فعل حادة في الأوساط الإسرائيلية، حيث علّق مصدر إسرائيلي بلهجة غير معتادة قائلاً: «إسرائيل ستفتح المعابر لخروج الغزيين. إذا لم يرغب المصريون باستقبالهم فهذه مشكلتهم». وقال مصدر أمني إسرائيلي: «رغم بيان المصريين، تستعد إسرائيل لفتح المعبر كما خطط له».

شاحنة بترول مصرية في طريقها إلى قطاع غزة (الهلال الأحمر المصري)

واندلعت شرارة التصعيد الجديد بعد أن قال مكتب منسق أنشطة الحكومة الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية، في بيان، الأربعاء: «بموجب اتفاق وقف إطلاق النار، وبتوجيه من المستوى السياسي، سيفتح معبر رفح خلال الأيام المقبلة حصرياً لخروج سكان قطاع غزة إلى مصر بالتنسيق مع القاهرة».

وعلى الفور، نقلت هيئة الاستعلامات المصرية عن مصدر مصري مسؤول نفيه ذلك، مؤكداً أنه «إذا تم التوافق على فتح معبر رفح، فسيكون العبور منه في الاتجاهين للدخول والخروج من القطاع، طبقاً لما ورد بخطة الرئيس الأميركي دونالد ترمب للسلام».

وقالت مصادر مصرية لقناة «القاهرة الإخبارية» إن مصر تؤكد التزامها بمقررات اتفاق وقف إطلاق النار، «بما فيها تشغيل معبر رفح في الاتجاهين، لاستقبال الجرحى والمصابين من غزة، وعودة الفلسطينيين إلى القطاع»، وحذرت من أن «فتح معبر رفح في اتجاه واحد يكرس عملية تهجير الفلسطينيين».

«خطة تهجير مرفوضة»

وقال ضياء رشوان، رئيس الهيئة العامة للاستعلامات، في تصريحات، مساء الأربعاء، إن «الجانب الإسرائيلي يحاول تحميل مصر الخطة الإسرائيلية بشأن التهجير المرفوضة والمدانة مبدئياً من مصر ودول العالم كله، إما بالضغط على الفلسطينيين للخروج قسراً، وإما بتدمير غزة لجعلها غير صالحة للحياة فيخرجون طوعاً»، مؤكداً أن «التهجير سواء كان قسرياً أو طوعياً خط أحمر بالنسبة لمصر».

وفي سبتمبر (أيلول) الماضي، أكد رشوان أن بلاده «لن تشارك في مؤامرات تهجير الفلسطينيين»، وذلك رداً على تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن استعداده لفتح معبر رفح من الجانب الفلسطيني الخاضع لسيطرة إسرائيل بهدف إخراج الفلسطينيين.

وكان من المقرر فتح معبر رفح في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، ضمن المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار الذي بدأ سريانه في العاشر من الشهر، غير أن إسرائيل أبقته مغلقاً في كلا الاتجاهين منذ دخول الاتفاق حيز التنفيذ، قائلة إن على «حماس» الالتزام بإعادة جميع الرهائن الذين لا يزالون في غزة، الأحياء منهم والأموات.

وأعادت «حماس» جميع الرهائن الأحياء، وعددهم 20، مقابل نحو ألفي معتقل فلسطيني وسجين مدان، لكن لا يزال هناك رفات رهينة واحدة في غزة.

جانب من الحدود المصرية - الإسرائيلية (رويترز)

ويرى رئيس المجلس المصري للشؤون الخارجية وزير الخارجية الأسبق محمد العرابي التصعيد الإسرائيلي «مجرد ضغوط وفرقعة إعلامية ومناوشات متكررة لا تحمل قيمة وليس لها مستقبل، في ضوء معرفتهم الجيدة بالموقف الصارم لمصر برفض تهجير الفلسطينيين خارج البلاد، وأن ذلك لن يحدث تحت أي ثمن»، مضيفاً: «ما تسعى له إسرائيل ضد خطة ترمب، ولن يؤدي لتغيير المواقف المصرية».

فيما يرى عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية مساعد وزير الخارجية الأسبق رخا أحمد حسن أن ما تثيره إسرائيل «دون داع» يعد أموراً «استفزازية»، يحاول نتنياهو من خلالها الهروب من أزماته الداخلية والتزاماته بشأن اتفاق غزة الذي يشترط فتح المعبر من الاتجاهين للدخول والخروج، مشيراً إلى وجود أعداد كبيرة من الفلسطينيين تريد العودة، «ولن يكون للإسرائيليين حجة لعدم تنفيذ الاتفاق بعد تسلم آخر جثة».

واستطرد: «موقف مصر حاسم ولا تراجع فيه، حفاظاً على الأمن القومي المصري، وحقوق القضية الفلسطينية».

تأهب على الحدود

بالتزامن مع ذلك، كشفت صحيفة «معاريف»، الخميس، عن أن الجيش الإسرائيلي يعزز استعداداته على حدود مصر والأردن تحسباً لأي تطورات أمنية، لافتة إلى أن الجيش يتعامل مع سيناريوهات قد تتحول فيها التهديدات التكتيكية إلى تحديات استراتيجية.

وأضافت الصحيفة الإسرائيلية أن رئيس الأركان إيال زامير قام، مساء الأربعاء، بزيارة ميدانية للواء 80 على الحدود مع مصر، مشيراً إلى «وجود تحديات في الحدود مع مصر والأردن».

وتوترت العلاقات المصرية - الإسرائيلية منذ اندلاع حرب غزة قبل أكثر من عامين، لا سيما مع رفض مصر احتلال إسرائيل محور فيلادليفيا والجانب الفلسطيني من معبر رفح الحدوديين، وإصرارها على عدم السماح بتهجير الفلسطينيين إليها، وكذلك مع تلويح إسرائيلي مستمر بتعطيل اتفاقية للغاز مع مصر.

وقال العرابي: «تلك الإجراءات الإسرائيلية هي والعدم سواء، وإسرائيل تعلم أنها لا تملك قوة التصعيد، ولا فتح جبهة جديدة؛ لأن الداخل الإسرائيلي سيكون بالأساس ضد أي تصعيد مع مصر، وبالتالي الصدام مستبعد».

وأشار إلى أن هذا النهج متكرر منذ بداية حرب غزة «لتشتيت الاهتمامات والأولويات، وبات لعبة معروفة ولا جدوى منها، وليس أمام إسرائيل سوى تنفيذ الاتفاق، ونسيان أي خطط لتنفيذ التهجير المرفوض مصرياً وعربياً وأوروبياً ودولياً».

واستبعد حسن حدوث أي صدام بين مصر وإسرائيل؛ «لاعتبارات عديدة متعلقة باستقرار المنطقة»، معتبراً التأهب الإسرائيلي على الحدود «مجرد مناوشات لا قيمة لها».


جناح «المؤتمر» في صنعاء يرضخ جزئياً لضغوط الحوثيين

الراعي يقلد رئيس مجلس حكم الحوثيين رتبة مشير (إعلام محلي)
الراعي يقلد رئيس مجلس حكم الحوثيين رتبة مشير (إعلام محلي)
TT

جناح «المؤتمر» في صنعاء يرضخ جزئياً لضغوط الحوثيين

الراعي يقلد رئيس مجلس حكم الحوثيين رتبة مشير (إعلام محلي)
الراعي يقلد رئيس مجلس حكم الحوثيين رتبة مشير (إعلام محلي)

في خطوة تعكس اشتداد القبضة الحوثية على الحليف الشكلي لها داخل صنعاء، بدأت الجماعة خلال الأيام الماضية الترويج لقيادي في جناح حزب «المؤتمر الشعبي العام» لترؤس حكومتها المقبلة، في وقت أبدت فيه قيادة ذلك الجناح رضوخاً جزئياً لشروط الحوثيين، وعلى رأسها إقالة أمينه العام غازي الأحول من منصبه، بعد اعتقاله واتهامه بالتواصل مع قيادة الحزب المقيمة خارج اليمن.

وكانت أجهزة الأمن الحوثية قد اعترضت في 20 من أغسطس (آب) الماضي سيارة الأمين العام لفرع «المؤتمر» في مناطق سيطرتها، واقتادته إلى المعتقل ومرافقيه مع عدد من القيادات الوسطية، متهمةً إياهم بالتواصل المباشر مع قيادة الحزب في الخارج والتخطيط لإثارة الفوضى داخل تلك المناطق.

وبعد أيام من الاحتجاز، اشترط الحوثيون لعقد أي تسوية عزل الأحول وتعيين القيادي الموالي لهم حسين حازب بديلاً عنه، وهو اسم يلقى معارضة واسعة داخل قواعد الحزب، ويتهمه الكثيرون بالتنكر لمبادئ الحزب ومؤسسه الرئيس الراحل علي عبد الله صالح، خصوصاً بعد مقتله برصاص الحوثيين نهاية عام 2017.

الحوثيون اشترطوا عزل الأحول من موقعه بصفته أميناً عاماً لجناح حزب «المؤتمر» (إعلام محلي)

وقد سمح الحوثيون لأسرة الأحول بزيارته لأول مرة قبل أيام، غير أنهم تجاهلوا تماماً مطالب الجناح المحسوب على «المؤتمر» بالإفراج عنه أو وقف ملاحقة قياداته. ويشارك هذا الجناح فيما يسمى «المجلس السياسي الأعلى» بثلاثة ممثلين، إلا أن دوره ظل شكلياً، بينما تحرص الجماعة على اختيار رؤساء الحكومات المتعاقبين من شخصيات تنتمي إلى هذا الجناح لكنها تدين لها بولاء كامل.

ومع استمرار ضغوط الحوثيين، أصدر رئيس فرع «المؤتمر» في صنعاء صادق أبو رأس قراراً بتكليف يحيى الراعي أميناً عاماً للحزب إلى جانب موقعه نائب رئيس الحزب، في خطوة عُدت استجابة جزئية لمطالب الجماعة. إلا أن الحوثيين ردوا على هذه الخطوة بفرض حصار محكم على منزل أبو رأس في صنعاء، ما زال مستمراً منذ خمسة أيام، وفق مصادر محلية تحدثت إلى «الشرق الأوسط».

وتشير مصادر سياسية في صنعاء إلى أن الجناح «المؤتمري» رضخ لهذه الخطوة أملاً في إطلاق سراح الأحول ومرافقيه، إلا أن الجماعة لم تُظهر أي تجاوب، بل صعّدت من قيودها على قيادة الحزب بهدف استكمال السيطرة على هذا الجناح الذي قدّم تنازلات كبيرة ومتتالية منذ مقتل صالح.

تصعيد وضغوط متواصلة

اللجنة العامة، وهي بمثابة المكتب السياسي للحزب في جناحه الخاضع للحوثيين، عقدت اجتماعاً برئاسة الراعي، خُصص لمناقشة الأوضاع الداخلية وتطورات المشهد السياسي. وخلاله جدد الراعي التزام الجناح بوحدة الجبهة الداخلية وتماسكها مع الحوثيين لمواجهة «المؤامرات التي تستهدف استقرار البلاد»، حسب ما أورده الموقع الرسمي للحزب.

وأيدت اللجنة العامة بالإجماع قرار تعيين الراعي أميناً عاماً، مؤكدة تمسكها بوحدة الحزب وضرورة الالتفاف خلف قيادته التنظيمية والسياسية. غير أن اللافت كان غياب رئيس الحزب أبو رأس عن الاجتماع، في ظل استمرار فرض طوق أمني حول منزله، ما يعكس حجم الضغط الذي تمارسه الجماعة لإجبار الجناح على قبول بقية شروطها.

وتشير المصادر إلى أن قيادة «المؤتمر» لا تزال تراهن على إقناع الحوثيين بالاكتفاء بإقالة الأحول، وعدم فرض تغيير كامل في تركيبة القيادة، رغم أن الجماعة لم تُبد أي مرونة حتى الآن، وتواصل استغلال الانقسام الداخلي للحزب لإعادة تشكيله وفق متطلبات مشروعها السياسي.

إعادة إبراز لبوزة

تزامنت هذه التطورات مع تحركات حوثية متسارعة لتسمية رئيس جديد لحكومتهم غير المعترف بها، بعد مقتل رئيس الحكومة السابق أحمد الرهوي وتسعة من وزرائه في غارة إسرائيلية استهدفت اجتماعاً لهم قبل أسابيع.

ولاحظ مراقبون قيام الجماعة بإعادة إظهار القيادي المؤتمري قاسم لبوزة، الذي يشغل موقع «نائب رئيس المجلس السياسي» بصفة رمزية، بعد تغييب إعلامي دام عاماً ونصف العام.

وخلال الأيام الماضية، كثّف لبوزة من زياراته للوزراء الناجين من الغارة، بينما نشطت حسابات حوثية في الإشادة بـ«قدراته ومواقفه»، في خطوة يرى فيها البعض تمهيداً لتسميته رئيساً للحكومة الجديدة.

الحوثيون أعادوا إظهار لبوزة وتغطية تحركاته بعد عام ونصف العام من التجاهل (إعلام محلي)

وتقول مصادر سياسية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» إن عودة ظهور لبوزة ليست مصادفة، بل هي مؤشر واضح على اختياره من قبل قيادة الجماعة لتولي رئاسة الحكومة، خصوصاً أنه كان أحد أبرز المرشحين للمنصب ذاته قبل تشكيل الحكومة السابقة.

كما أن الجماعة تحرص على استقطاب قيادات جنوبية ضمن جناح «المؤتمر» لتغطية طبيعة الحكومة المقبلة والظهور بمظهر التنوع المناطقي، رغم أن السلطة الفعلية تبقى في يد الجماعة حصراً.

ويرى المراقبون أن إعادة تدوير القيادات الموالية للجماعة داخل «المؤتمر»، ومنحها واجهات سياسية جديدة، يعكس أن الحوثيين ماضون في إحكام السيطرة على ما تبقى من الحزب، وتحويله إلى واجهة شكلية تبرر خياراتهم السياسية والعسكرية، خصوصاً مع ازدياد عزلة سلطة الجماعة داخلياً وخارجياً.


هوس قادة الحوثيين بالشهادات العليا يفاقم انهيار التعليم الجامعي

بوابة جامعة صنعاء كبرى الجامعات اليمنية (إعلام محلي)
بوابة جامعة صنعاء كبرى الجامعات اليمنية (إعلام محلي)
TT

هوس قادة الحوثيين بالشهادات العليا يفاقم انهيار التعليم الجامعي

بوابة جامعة صنعاء كبرى الجامعات اليمنية (إعلام محلي)
بوابة جامعة صنعاء كبرى الجامعات اليمنية (إعلام محلي)

لجأ عناصر وقادة حوثيون إلى ممارسة الابتزاز، والمساومة للحصول على شهادات الماجستير، والدكتوراه، في ظل تنافس أجنحة الجماعة على المناصب، والموارد، بينما يغرق التعليم الأكاديمي بالتمييز، والتطييف، واستغلال مؤسساته، وموارده لتقوية شبكات الولاء، والسيطرة على المجتمع.

ويساوم الحوثيون الملتحقون ببرامج الماجستير والدكتوراه طلاباً حاليين، وسابقين، لمساعدتهم في إعداد رسائلهم، من خلال إجراء البحوث، والدراسات، ويساهم القادة المعينون في مواقع قيادية في تلك الجامعات في عمليات الابتزاز من خلال اختيار الطلاب المتفوقين، والتنسيق بينهم، والقادة الساعين للحصول على المساعدة.

وكشف أحد الطلاب الملتحقين بدراسة برنامج للماجستير في كلية الآداب في جامعة صنعاء لـ«الشرق الأوسط» عن منعه من دخول الحرم الجامعي بعد رفضه الاستجابة لضغوط شديدة، وإغراءات للقبول بمساعدة اثنين من القادة الحوثيين في إعداد الدراسات والأبحاث الخاصة بهما، وتضمنت الإغراءات إعفاءه من بعض الرسوم المطلوبة، ووعود بتوظيفه عند الانتهاء من الدراسة.

وأضاف الطالب الذي طلب التحفظ على هويته، حفاظاً على سلامته، أن عدداً من زملائه وافقوا على إعداد رسائل الماجستير لقادة وعناصر حوثيين مقابل حصولهم على بعض الامتيازات، والمكافآت المالية، في ظل الظروف الصعبة التي يعاني منها السكان في مناطق سيطرة الجماعة.

طالبات في جامعة صنعاء خلال حفل تخرج (غيتي)

وأكّد أن إقبال عناصر الجماعة على الالتحاق بالجامعات للحصول على مختلف الشهادات الجامعية أصبح ظاهرة ملحوظة في جامعة صنعاء، واصفاً ذلك بالتهافت، والذي يرى أنه يأتي في سياق التنافس على المناصب في المؤسسات العمومية التي تسيطر عليها الجماعة.

اختراق المجتمع

تسعى الجماعة الحوثية، وفقاً لمصادر أكاديمية، إلى نفي تهمة العبث بالتعليم الأكاديمي، بإلزام عناصرها وقياداتها الملتحقين بالدراسة في مختلف الجامعات بالحصول على شهادات أكاديمية من خلال إعداد دراسات وأبحاث حقيقية وفقاً للمعايير العلمية، بعد أن تعرضت، خلال الفترة الماضية، للتهكم، بسبب حصول عدد من قادتها على شهادات عليا بسبب نفوذهم، وتحت عناوين تفتقر لتلك المعايير.

وأعلنت الجماعة الحوثية، في فبراير (شباط) الماضي، حصول مهدي المشاط، رئيس مجلس الحكم الحوثي الانقلابي، على درجة الماجستير، في واقعة أثارت استنكاراً واسعاً، وكثفت من الاتهامات لها بالعبث بالتعليم العالي، والإساءة للجامعات اليمنية.

الجماعة الحوثية منحت مهدي المشاط رئيس مجلس حكمها شهادة الماجستير (إعلام حوثي)

وتتنافس تيارات وأجنحة داخل الجماعة الحوثية للسيطرة على القطاعات الإيرادية بمختلف الوسائل، ويسعى قادة تلك الأجنحة إلى بسط نفوذهم من خلال تعيين الموالين لهم في مختلف إداراتها.

وتقول المصادر الأكاديمية لـ«الشرق الأوسط» إنه بسبب هذا التنافس بين هذه الأجنحة لجأ عدد من القادة الحوثيين إلى إطلاق معايير مختلفة للتعيينات، ولم يعد الولاء لزعيم الجماعة عبد الملك الحوثي حكراً على أحد داخلها، وتراجع معيار تقديم التضحيات من خلال القتال في الجبهات، أو إرسال الأبناء والأقارب إليها، بعد توقف المواجهات العسكرية مع الحكومة الشرعية.

ولجأ قادة الجماعة إلى المزايدة على بعضهم بالشهادات الجامعية التي حصلوا عليها، وتبرير استحقاقهم للمناصب بما يملكون من مؤهلات علمية، خصوصاً أن غالبيتهم لم يتلقوا تعليماً بسبب انتمائهم للجماعة، وانشغالهم بالقتال في صفوفها، إلى جانب أن العديد من العناصر التحقوا بها للحصول على النفوذ، وتعويض حرمانهم من التعليم.

وتطلب الجماعة من عناصرها الالتحاق بجامعة القرآن الكريم والعلوم الإسلامية المستحدثة، للحصول على شهادة البكالوريوس تحت مبررات مختلفة، منها تعزيز «الهوية الإيمانية» لهم، وتأهيلهم في مواجهة «الغزو الفكري».

احتفالية حوثية في جامعة صنعاء في الذكرى السنوية لقتلاها (إعلام حوثي)

ويرى أكاديميون يمنيون أن الغرض من إنشاء هذه الجامعة وإلحاق آلاف العناصر الحوثية بها هو تطييف التعليم، واستغلال مخرجاته في تمكين الجماعة من إغراق المؤسسات العامة بعناصر موالية لها لإدارة شؤون المجتمع بالمنهج الطائفي، وتبرير منحهم المناصب القيادية العليا في مختلف المؤسسات والهيئات الحكومية الخاضعة لسيطرتها.

تمييز وفساد

يتلقى الطلاب في جامعة القرآن الكريم والعلوم الإسلامية التابعة للجماعة الحوثية، بحسب مصادر مطلعة، تلقيناً حول إدارة المجتمع بمنهجية مستمدة مما يعرف بـ«ملازم حسين الحوثي»، وهي مجموعة من الخطب والمحاضرات التي ألقاها مؤسس الجماعة، وتعدّ مرجعاً لتوجيه الأتباع، وغرس أفكارها في المجتمع.

في غضون ذلك، أبدى عدد من طلاب جامعة صنعاء استياءهم من الفساد التعليمي، والتمييز الذي تمارسه الجماعة، بمنح المنتمين إليها درجات عالية في مختلف المواد والمقررات الدراسية رغم عدم حضورهم، أو تلقي الدروس، والاكتفاء بحضور الامتحانات.

أساتذة في جامعة صنعاء انتفضوا سابقاً ضد الممارسات الحوثية وتعرضوا للإقصاء (إعلام محلي)

وبَيَّن عدد من الطلاب لـ«الشرق الأوسط» أن الجماعة خصصت 10 درجات في كل مادة لكل طالب يشارك في فعالياتها التعبوية، وكلفت بعض الموالين لها من زملائهم بإعداد كشوفات لتسجيل حضور ومشاركة الطلاب في تلك الفعاليات.

وطبقاً لهؤلاء الطلاب، فإن المكلفين بمراقبة الحضور والمشاركة في الفعاليات لا يحضرون إلى قاعات الدراسة، ولا يشاركون في الدروس العملية، ولا يمكن مشاهدتهم إلا خلال فعاليات التعبئة.

وبسبب هذا التمييز والفساد يضطر عدد من الطلاب إلى الانضمام للجماعة للحصول على تلك الامتيازات، وضمان النجاح دون مجهود دراسي، والحصول مستقبلاً على وظيفة دون عناء.