المعارضة التونسية تتظاهر متمسكةً بـ«ثورة 14 يناير»

حكم بإعدام 9 متهمين بقتل رقيب في الجيش

مظاهرات في العاصمة التونسية في ذكرى ثورة 14 يناير (إ.ب.أ)
مظاهرات في العاصمة التونسية في ذكرى ثورة 14 يناير (إ.ب.أ)
TT

المعارضة التونسية تتظاهر متمسكةً بـ«ثورة 14 يناير»

مظاهرات في العاصمة التونسية في ذكرى ثورة 14 يناير (إ.ب.أ)
مظاهرات في العاصمة التونسية في ذكرى ثورة 14 يناير (إ.ب.أ)

أغلقت تشكيلات متعددة من الأمن التونسي، أمس، كل المنافذ المؤدية إلى شارع الحبيب بورقيبة بعد إصرار عدد من الأحزاب الرافضة لخيارات الرئيس التونسي على الاحتفال بذكرى إسقاط النظام السابق يوم 14 يناير (كانون الثاني) 2011 رغم قرار الحكومة منع كل أشكال التظاهر والتجمع لمدة أسبوعين على خلفية تردي الأوضاع الصحية.
واستبقت وزارة الداخلية هذه الوقفات الاحتجاجية بإعلان المتحدث باسم الإدارة العامة للحرس الوطني حسام الدين الجبابلي أن الوضع الوبائي في تونس يشهد تطوراً في عدد الإصابات، وهو السبب الذي على إثره تم اتخاذ قرار بمنع التجمعات والمظاهرات، مؤكداً أن «الوحدات الأمنية ستتعامل مع التظاهر وفق ما يمليه القانون التونسي» وذلك بالتنسيق مع النيابة العامة وبحسب تعليمات القيادات الأمنية.
ورغم هذا الإعلان التحذيري، تمسكت أحزاب «العمال» و«الجمهوري» و«التكتل» و«النهضة» و«التيار الديمقراطي» وحراك «مواطنون ضد الانقلاب» بالتظاهر في شارع الثورة، رافعة شعار الاحتفال بانتصار الثورة التونسية، فيما كانت الاحتجاجات موجهة في باطنها نحو إحراج النظام القائم، وفي تحدٍ لقرار الحكومة منع كل أشكال التجمع والتظاهر تحت غطاء تردي الأوضاع الصحية.
وانتقد المتحدث باسم الاتحاد العام التونسي للشغل (نقابة العمال) سامي الطاهري إلغاء الرئيس قيس سعيد تاريخ 14 يناير كإحياء للذكرى السنوية للثورة وتعويضه بتاريخ 17 ديسمبر (كانون الأول) بمقتضى مرسوم، مؤكداً أن تاريخ 14 يناير 2011 لا يمكن أن يُمحى بجرة قلم.
وبشأن التظاهر في شارع بورقيبة، وسط العاصمة التونسية، قال رئيس الحزب الجمهوري عصام الشابي إن شارع الثورة تحول إلى ثكنة أمنية مغلقة في ذكرى انتصار الثورة تونس، وإن هذه الكثافة الأمنية لم يتم تسجيلها حتى في 14 يناير 2011، وأكد وجود عشرات الضباط وعناصر الشرطة والسيارات الأمنية التي أغلقت الشارع، وهو ما يقيم الدليل على «مدى تردي أوضاع الحريات في تونس تحت غطاء كورونا».
وانتقد الشابي خوف «دولة 25 يوليو (تموز) 2021» من صوت الشارع رغم ادعائها التحدث باسم صوت التونسيين، معتبراً أن «عسكرة» الشارع وغلقه أمام المعارضة السلمية يؤكدان فرض الرئيس سعيد توجهاته وحكمه الفردي. ودعا وزير الداخلية التونسية إلى عدم إقحام المؤسسة الأمنية في التجاذبات السياسية وعدم استعمالها فقط لقمع المعارضة السلمية.
«الشرق الأوسط» قامت بجولة على الأرض، فلاحظت وجود تعزيزات أمنية مكثفة بأزيائها النظامية والمدنية منذ الساعات الأولى، خصوصاً بعد دعوة وزارة الداخلية إلى «تأجيل أو إلغاء كافة المظاهرات للعموم بالفضاءات المفتوحة والمغلقة، وذلك لمدة أسبوعين قابلة للتجديد» امتثالاً لإجراءات التوقي من انتشار فيروس «كورونا». وفي السياق ذاته، أغلقت قوات الأمن جميع المنافذ المؤدية إلى شارع الحبيب بورقيبة، وتم تركيز نقاط تفتيش فيها. ومن خلال الحواجز الحديدية التي انتشرت على الأنهج المؤدية إلى الشارع الرئيسي، جرت عملية تفتيش حقائب اليد وحقائب الظهر للمارة، بطريقة سلسة، من دون حصول أي تجاوزات أو مناوشات بين الأمنيين والمواطنين وذلك حتى منتصف النهار. وبسبب الإجراءات الأمنية المشددة ووضع الحواجز الحديدية، أغلق عدد من المتاجر والمقاهي والمطاعم المتواجدة في كامل محيط الشارع الرئيسي أبوابها. وتحدثت مصادر مقربة من «حركة النهضة» عن انقسام بين أنصار الحركة بشأن المشاركة في المسيرات التي دعا إليها أكثر من طرف سياسي من بينها قيادات الحركة، إذ اعتبرت بعض القيادات المتوسطة أن هذه الوقفة لن تستفيد منها «النهضة» بل سيكون المستفيد منها قيادات أخرى معارضة للرئيس.
يذكر أن تونس تشهد منذ الصيف الماضي أجواءً سياسية مشحونة ودخول العديد من الأحزاب في صراع مع الرئيس سعيد، بعد إعلانه يوم 25 يوليو 2021، تجميد أعمال البرلمان واتخاذ تدابير استثنائية يوم 22 سبتمبر (أيلول) 2021 بتعليق جزء من دستور يناير 2014 وضبط خريطة طريق سياسية جديدة بإجراء استشارة إلكترونية وإجراء انتخابات تشريعية سابقة لأوانها يوم 17 ديسمبر 2022.
على صعيد متصل، أعلن حراك «مواطنون ضد الانقلاب» تعليق إضراب الجوع الذي شرع 8 من أفرادها في تنفيذه منذ 23 ديسمبر الماضي، احتجاجاً على ما وصفوه بالانقلاب. وقال المتحدث باسم هذا الحراك عز الدين الحزقي، إن تعليق الإضراب يأتي استجابة لمطلب الأطباء وشخصيات وطنية نظراً لتدهور الحالة الصحية لبعض المضربين، معتبراً أن الإضراب حقق أهدافه.
في غضون ذلك، أعلنت الداخلية التونسية إخضاع شخصين للإقامة الإجبارية إثر توافر معلومات مؤكدة حول شبهة تورط أشخاص في تهديد خطير للأمن العام، وأكدت أن أحدهما مشمول بالبحث في ملف ذي صبغة إرهابية منشور لدى القضاء. وأفادت تقارير إعلامية محلية بأن أحد العنصرين المشمولين بقراري الوضع تحت الإقامة الإجبارية يدعى بلحسن النقاش، وقد ارتبط اسمه بالقضية المتهم فيها فتحي دمق والتي تعلقت سنة 2013 بالكشف عن مخطط لتنفيذ سلسلة من الاغتيالات تستهدف قاضياً وإعلاميين وسياسيين والتي أعيد تكييفها من قبل محكمة التعقيب ضمن القضايا الإرهابية وأصدرت بشأنها بطاقة إيداع بالسجن في حق المتهم فتحي دمق.



الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)

ضمن مخاوف الجماعة الحوثية من ارتدادات تطورات الأوضاع في سوريا على قوتها وتراجع نفوذ محور إيران في منطقة الشرق الأوسط؛ صعّدت الجماعة من ممارساتها بغرض تطييف المجتمع واستقطاب أتباع جدد ومنع اليمنيين من الاحتفال بسقوط نظام بشار الأسد.

واستهدفت الجماعة، حديثاً، موظفي مؤسسات عمومية وأخرى خاصة وأولياء أمور الطلاب بالأنشطة والفعاليات ضمن حملات التعبئة التي تنفذها لاستقطاب أتباع جدد، واختبار ولاء منتسبي مختلف القطاعات الخاضعة لها، كما أجبرت أعياناً قبليين على الالتزام برفد جبهاتها بالمقاتلين، ولجأت إلى تصعيد عسكري في محافظة تعز.

وكانت قوات الحكومة اليمنية أكدت، الخميس، إحباطها ثلاث محاولات تسلل لمقاتلي الجماعة الحوثية في جبهات محافظة تعز (جنوب غربي)، قتل خلالها اثنان من مسلحي الجماعة، وتزامنت مع قصف مواقع للجيش ومناطق سكنية بالطيران المسير، ورد الجيش على تلك الهجمات باستهداف مواقع مدفعية الجماعة في مختلف الجبهات، وفق ما نقله الإعلام الرسمي.

الجيش اليمني في تعز يتصدى لأعمال تصعيد حوثية متكررة خلال الأسابيع الماضية (الجيش اليمني)

وخلال الأيام الماضية اختطفت الجماعة الحوثية في عدد من المحافظات الخاضعة لسيطرتها ناشطين وشباناً على خلفية احتفالهم بسقوط نظام الأسد في سوريا، وبلغ عدد المختطفين في صنعاء 17 شخصاً، قالت شبكة حقوقية يمنية إنهم اقتيدوا إلى سجون سرية، في حين تم اختطاف آخرين في محافظتي إب وتعز للأسباب نفسها.

وأدانت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات حملة الاختطافات التي رصدتها في العاصمة المختطفة صنعاء، مشيرة إلى أنها تعكس قلق الجماعة الحوثية من انعكاسات الوضع في سوريا على سيطرتها في صنعاء، وخوفها من اندلاع انتفاضة شعبية مماثلة تنهي وجودها، ما اضطرها إلى تكثيف انتشار عناصرها الأمنية والعسكرية في شوارع وأحياء المدينة خلال الأيام الماضية.

وطالبت الشبكة في بيان لها المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية بإدانة هذه الممارسات بشكل واضح، بوصفها خطوة أساسية نحو محاسبة مرتكبيها، والضغط على الجماعة الحوثية للإفراج عن جميع المختطفين والمخفيين قسراً في معتقلاتها، والتحرك الفوري لتصنيفها منظمة إرهابية بسبب تهديدها للأمن والسلم الإقليميين والدوليين.

تطييف القطاع الطبي

في محافظة تعز، كشفت مصادر محلية لـ«الشرق الأوسط» عن أن الجماعة الحوثية اختطفت عدداً من الشبان في منطقة الحوبان على خلفية إبداء آرائهم بسقوط نظام الأسد، ولم يعرف عدد من جرى اختطافهم.

تكدس في نقطة تفتيش حوثية في تعز حيث اختطفت الجماعة ناشطين بتهمة الاحتفال بسقوط الأسد (إكس)

وأوقفت الجماعة، بحسب المصادر، عدداً كبيراً من الشبان والناشطين القادمين من مناطق سيطرة الحكومة اليمنية، وأخضعتهم للاستجواب وتفتيش متعلقاتهم الشخصية وجوالاتهم بحثاً عمّا يدل على احتفالهم بتطورات الأحداث في سوريا، أو ربط ما يجري هناك بالوضع في اليمن.

وشهدت محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) اختطاف عدد من السكان للأسباب نفسها في عدد من المديريات، مترافقاً مع إجراءات أمنية مشددة في مركز المحافظة ومدنها الأخرى، وتكثيف أعمال التحري في الطرقات ونقاط التفتيش.

إلى ذلك، أجبرت الجماعة عاملين في القطاع الطبي، بشقيه العام والخاص، على حضور فعاليات تعبوية تتضمن محاضرات واستماع لخطابات زعيمها عبد الملك الحوثي، وشروحات لملازم المؤسس حسين الحوثي، وأتبعت ذلك بإجبارهم على المشاركة في تدريبات عسكرية على استخدام مختلف الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والقنابل اليدوية وزراعة الألغام والتعامل مع المتفجرات.

وذكرت مصادر طبية في صنعاء أن هذه الإجراءات استهدفت العاملين في المستشفيات الخاصعة لسيطرة الجماعة بشكل مباشر، سواء العمومية منها، أو المستشفيات الخاصة التي استولت عليها الجماعة بواسطة ما يعرف بالحارس القضائي المكلف بالاستحواذ على أموال وممتلكات معارضيها ومناهضي نفوذها من الأحزاب والأفراد.

زيارات إجبارية للموظفين العموميين إلى معارض صور قتلى الجماعة الحوثية ومقابرهم (إعلام حوثي)

وتتزامن هذه الأنشطة مع أنشطة أخرى شبيهة تستهدف منتسبي الجامعات الخاصة من المدرسين والأكاديميين والموظفين، يضاف إليها إجبارهم على زيارة مقابر قتلى الجماعة في الحرب، وأضرحة عدد من قادتها، بما فيها ضريح حسين الحوثي في محافظة صعدة (233 كيلومتراً شمال صنعاء)، وفق ما كانت أوردته «الشرق الأوسط» في وقت سابق.

وكانت الجماعة أخضعت أكثر من 250 من العاملين في الهيئة العليا للأدوية خلال سبتمبر (أيلول) الماضي، وأخضعت قبلهم مدرسي وأكاديميي جامعة صنعاء (أغلبهم تجاوزوا الستين من العمر) في مايو (أيار) الماضي، لتدريبات عسكرية مكثفة، ضمن ما تعلن الجماعة أنه استعداد لمواجهة الغرب وإسرائيل.

استهداف أولياء الأمور

في ضوء المخاوف الحوثية، ألزمت الجماعة المدعومة من إيران أعياناً قبليين في محافظة الضالع (243 كيلومتراً جنوب صنعاء) بتوقيع اتفاقية لجمع الأموال وحشد المقاتلين إلى الجبهات.

موظفون في القطاع الطبي يخضعون لدورات قتالية إجبارية في صنعاء (إعلام حوثي)

وبينما أعلنت الجماعة ما وصفته بالنفير العام في المناطق الخاضعة لسيطرتها من المحافظة، برعاية أسماء «السلطة المحلية» و«جهاز التعبئة العامة» و«مكتب هيئة شؤون القبائل» التابعة لها، أبدت أوساط اجتماعية استياءها من إجبار الأعيان والمشايخ في تلك المناطق على التوقيع على وثيقة لإلزام السكان بدفع إتاوات مالية لصالح المجهود الحربي وتجنيد أبنائهم للقتال خلال الأشهر المقبلة.

في السياق نفسه، أقدمت الجماعة الانقلابية على خصم 10 درجات من طلاب المرحلة الأساسية في عدد من مدارس صنعاء، بحة عدم حضور أولياء الأمور محاضرات زعيمها المسجلة داخل المدارس.

ونقلت المصادر عن عدد من الطلاب وأولياء أمورهم أن المشرفين الحوثيين على تلك المدارس هددوا الطلاب بعواقب مضاعفة في حال استمرار تغيب آبائهم عن حضور تلك المحاضرات، ومن ذلك طردهم من المدارس أو إسقاطهم في عدد من المواد الدراسية.

وأوضح مصدر تربوي في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن تعميماً صدر من قيادات عليا في الجماعة إلى القادة الحوثيين المشرفين على قطاع التربية والتعليم باتباع جميع الوسائل للتعبئة العامة في أوساط أولياء الأمور.

مقاتلون حوثيون جدد جرى تدريبهم وإعدادهم أخيراً بمزاعم مناصرة قطاع غزة (إعلام حوثي)

ونبه المصدر إلى أن طلب أولياء الأمور للحضور إلى المدارس بشكل أسبوعي للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة هو أول إجراء لتنفيذ هذه التعبئة، متوقعاً إجراءات أخرى قد تصل إلى إلزامهم بحضور فعاليات تعبوية أخرى تستمر لأيام، وزيارة المقابر والأضرحة والمشاركة في تدريبات قتالية.

وبحسب المصدر؛ فإن الجماعة لا تقبل أي أعذار لتغيب أولياء الأمور، كالسفر أو الانشغال بالعمل، بل إنها تأمر كل طالب يتحجج بعدم قدرة والده على حضور المحاضرات بإقناع أي فرد آخر في العائلة بالحضور نيابة عن ولي الأمر المتغيب.