«ليلة الأفكار» السابعة في بيروت من أجل «إعادة البناء معاً»

تتضمن طاولات مستديرة ومعارض ونشاطات شبابية

«ليلة الأفكار» السابعة في بيروت من أجل «إعادة البناء معاً»
TT

«ليلة الأفكار» السابعة في بيروت من أجل «إعادة البناء معاً»

«ليلة الأفكار» السابعة في بيروت من أجل «إعادة البناء معاً»

ينتظر اللبنانيون كعادتهم كل سنة موعد انطلاق «ليلة الأفكار» (La nuit des idees) التي ينظمها كعادته في كل عام المركز الثقافي الفرنسي. فهو بمثابة حدث عالمي ومهرجان فني ثقافي يتيح لهم الفرصة للاحتفال بالفكر من بابه الواسع.
هذا الحدث الذي تستضيفه بيروت في نسخته السابعة يقام في الوقت نفسه في أكثر من 100 دولة أخرى. وتحت عنوان «إعادة البناء معاً» تنطلق هذه الأمسية المميزة في 27 يناير (كانون الثاني) في حرم «المركز الثقافي الفرنسي» في بيروت. كما تتوزع نشاطاته على عدد من المناطق اللبنانية وبينها بعلبك وزحلة ودير القمر. وستؤمن ترجمة فورية للمناظرات والمناقشات من الفرنسية إلى العربية والعكس. وسيكون الدخول مجانياً إلى جميع النشاطات.
وفي المناسبة عقد مؤتمر صحافي في صالة سينما مونتاني في المركز الفرنسي في بيروت. وأعلنت خلاله مديرته ماري بوسكاي، البرنامج الذي تتألف منه نشاطات هذه الليلة. وأكدت أن الحدث أعطى اهتماماً كبيراً للشباب اللبناني للوقوف على تطلعاته المستقبلية وتمنياته. كما رأت أن شعار «إعادة البناء معاً» الذي يعنون نسخة بيروت كغيرها من العواصم التي تستضيفه، ينبع من مبدأ العودة إلى الحياة الطبيعية بعد شلل تام دام لنحو سنتين بسبب الجائحة. ومما جاء في كلمتها: «هذا البناء الذي نتطلع إلى تحقيقه من خلال هذه الحدث، ينبع من تحديات عديدة يواجهها العالم بأجمعه. فالمرونة في مواجهة الأزمات وبينها اقتصادية واجتماعية وتنموية وصحية وبيئية وغيرها، تشكل القاعدة الأساسية للتعافي».
وتتضمن «ليلة الأفكار» طاولات مستديرة ونقاشات ومعارض وورش عمل خاصة بالشباب. كما سيتم خلالها إعادة افتتاح «كافيه دي ليتر» المقهى الصغير الأيقوني التابع للمركز. وقد سلمت مهمة إعادة إطلاقه إلى الشيف اللبناني رمزي شويري، وسيبقى فاتحاً أبوابه طيلة «ليلة الأفكار» بشكل استثنائي.
ومن النشاطات اللافتة التي يتضمنها هذا المهرجان الثقافي الفني، هو استطلاع للأفكار حول لبنان بمشاركة أفراد من جميع فروع المركز في لبنان. فيقدمون أفكارهم حول رؤية جديدة تجلب الأمل، وتقرب وجهات النظر. وقد طلب من المشاركين الإجابة على سؤال واحد «لماذا تبقى في لبنان؟»، والإجابات عليه ستجمع وتعرض في صالة المركز ضمن سينوغرافيا خاصة بها، يشرف عليها إبراهيم نعمة. وهو صحافي وناشط وفنان يقيم في بيروت.
وفي حديث لـ«الشرق الأوسط»، يوضح نعمة الهدف من هذا المعرض، الذي يستمر فاتحاً أبوابه لعدة أسابيع بعد «ليلة الأفكار». ويقول: «الفكرة ترتكز على هذه الإجابات المأخوذة من أشخاص يتمسكون في بقائهم بلبنان، وإعادة تعميره من نواحٍ مختلفة. وهي بمثابة مساحة أمل نبحث من خلالها عن ركائز لبنان الجميل، بعيداً عن حالة الإحباط السائدة».
تفتتح ليلة الأفكار بهذا المعرض أولى نشاطاتها التي وصفها نعمة قائلاً: «وكأننا من خلال هذه الإجابات المكتوبة على الورق، نجمع بلدناً ضمن قصيدة شعرية».
ويواكب المعرض الذي يفتتح في الخامسة من مساء 27 الحالي، عرضاً موسيقياً، يستلهم أصحابه من إجابات اللبنانيين، الشعر والموسيقى، لتقديم وصلتهم الفنية هذه.
ومن الموضوعات التي تتطرق إليها النقاشات في «ليلة الأفكار» تلك الخاصة بالأوضاع الاقتصادية وأخرى تتعلق بالطاقة ولبنان الغد. ولأول مرة يخصص المركز الفرنسي في هذه المناسبة برنامجاً كاملاً للشباب. ويتخلل البرنامج ورش عمل ومؤتمرات للصغار في مكتبة المركز. وسيجري تسليط الضوء على مبادرات وأفكار شبابية تلاقي نجاحاً في لبنان. فهي تعمل على تحفيز الإبداع والمساعدة وإعادة البناء. وسيعرض 10 من قادة المشاريع والنشطاء وعلماء البيئة ومؤسسي المنظمات غير الحكومية والمبادرات، مشاريعهم بطريقة تخاطب مباشرة الجمهور الشبابي.
ويبدي الملحق لقسم الكتاب والميدياتيك في المركز الفرنسي ماتيو دييز، إعجابه بالمبادرات الصادرة عن أفراد أو مجموعات لبنانية. فهي برأيه أخذت على عاتقها الإسهام في إعادة بناء لبنان على طريقتها. ويقول لـ«الشرق الأوسط»، «لقد لفتتني عدة مبادرات، بينها واحدة في شارع الحمراء لمنصور عزيز. فهو افتتح مكتبة ومقهى تجري فيهما مناقشات وحوارات شبابية في هذا الوقت الصعب بالذات. فهو أحد اللبنانيين الشباب الذين يشكلون رمزاً للبنان المقاوم بعيداً عن الاستسلام والإحباط». ويرى دياز في سياق حديثه أنه معجب بهؤلاء الشباب المتمسكين بجذورهم ولا يريدون الهجرة، بل يفضلون الإسهام في نمو البلاد من نواحٍ عديدة.

‹‹ويتابع دييز: «هناك العديد من المبادرات التي انعكست إيجاباً على لبنان ككل، وبينها تلك التي اهتمت بالصحة النفسية لأطفال وأولاد تأذوا من انفجار بيروت. فأقاموا جلسات خاصة لهم مع اختصاصيين في حديقة متحف سرسق».
وفي الفقرة المخصصة لأفكار الشباب ومبادراتهم، يستضيف المركز عدداً من أصحاب المبادرات لتسليط الضوء على نشاطاتهم. ويتابع دييز: «الجمهور الذي سيحضر هذه الفقرة سيتلون بحضور الأولاد أيضاً. فنحن نرغب في توجيههم وإعطائهم مثالاً عن الصلابة التي يمكنهم أن يتمتعوا بها ليبنوا لبنان المستقبل بدورهم».
وهل من خلال مشاهداتك هذه تستطيع القول إن لبنان لا يزال بخير؟ يرد ماتيو دييز: «إن عدد اللبنانيين الذين يتمتعون بهذه الطاقة والفعالية هم كثر. وفي (ليلة الأفكار) نستقبل الشباب لنشير إلى هذا الرابط الأساسي بينهم وبين بلدهم، رغم أوضاع قاسية يعيشونها، فهم يشكلون الأمل ومستقبل لبنان الأفضل».



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».