(تحليل إقتصادي): «تسونامي» التضخم في ذروة ربع قرن

نقطة صينية مضيئة وسط ضباب عالمي

بلغت معدلات التضخم في أرجاء العالم مستويات قياسية  (أ.ف.ب)
بلغت معدلات التضخم في أرجاء العالم مستويات قياسية (أ.ف.ب)
TT

(تحليل إقتصادي): «تسونامي» التضخم في ذروة ربع قرن

بلغت معدلات التضخم في أرجاء العالم مستويات قياسية  (أ.ف.ب)
بلغت معدلات التضخم في أرجاء العالم مستويات قياسية (أ.ف.ب)

يمكن تشبيه التضخم العالمي في الوقت الحالي بموجات «تسونامي»، التي تضرب الكرة الأرضية بكاملها، وتمتد من دولة إلى أخرى دون رحمة، مهددة الاقتصاد العالمي بكامله بالعودة إلى مناطق الخطر الداهمة، مع مخاوف حادة من وصول نقطة اللاعودة المتمثلة في حدوث حالة «الركود التضخمي».
وحذر البنك الدولي يوم الثلاثاء من مخاطر محدقة بالاقتصاد العالمي، مع تخفيض معدلات النمو المتوقعة بشكل كبير خلال العامين الحالي والمقبل. والأربعاء، أفادت صحيفة «فاينانشيال تايمز» البريطانية بأن التضخم في الاقتصادات الغنية في العالم وصل إلى أعلى مستوى له في 25 عاماً، مما أثار مخاوف بشأن ارتفاع تكاليف المعيشة للأسر، وزيادة الضغط على البنوك المركزية لرفع أسعار الفائدة.
وكشفت الصحيفة أن الوتيرة السنوية لنمو أسعار المستهلكين في مجموعة الدول المتقدمة التابعة لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، بلغت ما نسبته 5.8 في المائة في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، ارتفاعا من 1.2 في المائة فقط في الشهر نفسه من العام السابق، لتصل إلى أعلى معدل لها منذ مايو (أيار) عام 1996. وكانت الزيادة في الوتيرة السنوية لنمو أسعار المستهلكين، مدفوعة بأسعار الطاقة، التي ارتفعت بنسبة 28 في المائة، بزيادة أكثر من 3 نقاط مئوية عن الشهر السابق لتسجل أعلى معدل منذ يونيو (حزيران) عام 1980... كما ارتفع التضخم في أسعار المواد الغذائية بقوة ليسجل ما نسبته 5.5 في المائة، من 4.6 في المائة في الشهر السابق.
وجاءت هذه البيانات في الوقت الذي حذر فيه يواكيم ناغل، محافظ البنك المركزي الألماني (بوندسبانك)، من أن التضخم قد يظل مرتفعا لفترة أطول مما يتوقعه الاقتصاديون. وقال: «المواطنون لديهم أموال أقل بكثير في محافظهم... وكثير من الناس قلقون بشأن فقدان القوة الشرائية». وأضاف أن هذه التطورات أثارت عدة أسئلة، من بينها: «هل السياسة النقدية المتساهلة للغاية ما زالت مناسبة؟ إذا كان الأمر كذلك فإلى متى؟!».
أما في الولايات المتحدة ومنطقة اليورو والمملكة المتحدة، فقد وصل التضخم فيها إلى أكثر من ضعف التوقعات البالغة 2 في المائة التي حددتها بنوكها المركزية. وأظهرت أرقام رسمية صدرت الأسبوع الماضي أن التضخم في منطقة اليورو بلغ 5 في المائة في الشهر الأخير من العام الماضي. وفي المملكة المتحدة، ارتفعت أسعار المستهلك بنسبة 5.1 في المائة في نوفمبر الماضي. ورفع بنك إنجلترا سعر الفائدة في سياسته للمرة الأولى منذ ثلاث سنوات في ديسمبر (كانون الأول) الماضي. كما حذر بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي من أنه قد يضطر إلى زيادة أسعار الفائدة بسرعة أكبر مما كان مخططاً له.

- أميركا تحت الضغط
وفي أميركا، قال جيروم باول رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي يوم الثلاثاء إن البنك المركزي الأميركي بحاجة للتركيز الآن على التضخم أكثر من التوظيف الكامل، حيث يتطلب الأول مزيدا من الاهتمام من صانعي السياسة النقدية. ولدى مجلس الاحتياطي تكليف من الكونغرس بمهمة مزدوجة، هي انتهاج سياسة نقدية تعزز استقرار الأسعار وتحقق في ذات الوقت أقصى قدر من التوظيف. ويبلغ معدل التضخم حاليا أكثر من ضعفي المستوى الذي يستهدفه مجلس الاحتياطي في حين أن البطالة تعود لتقترب من مستواها قبل الجائحة.
وأكدت بيانات الأربعاء أن أسعار المستهلكين ارتفعت في الولايات المتحدة بقوة في ديسمبر، وكانت الزيادة السنوية في التضخم هي الأكبر في حوالي أربع سنوات، وهو ما قد يعزز التوقعات بأن يبدأ مجلس الاحتياطي الفيدرالي زيادة أسعار الفائدة في وقت مبكر ربما في مارس (آذار).
وقالت وزارة العمل الأميركية الأربعاء إن مؤشر أسعار المستهلكين ارتفع 0.5 في المائة الشهر الماضي، بعد صعوده 0.8 في المائة في نوفمبر. وعلى مدار الاثني عشر شهرا حتى نهاية ديسمبر، قفز مؤشر أسعار المستهلكين 7.0 في المائة. وتلك هي أكبر زيادة على أساس سنوي منذ يونيو 1982، وجاءت عقب زيادة بلغت 6.8 في المائة في نوفمبر.

- معاناة «ناشئة» أيضا
ولم يقتصر الأمر على الاقتصادات الغنية، بل امتد إلى الناشئة أيضا. وربما كانت الذروة في تركيا، التي تجاوز فيها التضخم حاجز 36 في المائة للمرة الأولى في عقود.
كما سجل التضخم السنوي في البرازيل أعلى مستوى في ستة أعوام فوق 10 في المائة في 2021، وهو أعلى كثيرا من النطاق الذي استهدفه البنك المركزي، ويزيد الضغوط على صانعي السياسة النقدية لمزيد من الزيادات النشطة في أسعار الفائدة. وهو أعلى معدل منذ 2015، والرقم أعلى أيضا من متوسط توقعات خبراء اقتصاديين استطلعت «رويترز» آراءهم والبالغ 9.97 في المائة.
ودفعت الزيادة الحادة في التضخم البنك المركزي البرازيلي إلى واحدة من أكبر دورات زيادة الفائدة في العالم العام الماضي قفز فيها سعر الفائدة القياسي إلى 9.25 في المائة في ديسمبر، من اثنين في المائة في مارس.

- نقطة مضيئة في الصين
لكن على الجانب المشرق - نسبيا، أظهرت بيانات مكتب الإحصاء الوطني الصيني الصادرة يوم الأربعاء تراجع معدل التضخم خلال ديسمبر الماضي بشدة مقارنة بالشهر السابق.
وذكر مكتب الإحصاء أن مؤشر أسعار المستهلك، الذي يقيس معدل التضخم في الصين، ارتفع خلال الشهر الماضي بنسبة 1.5 في المائة فقط سنويا، وهو ما يقل عن معدل الزيادة المتوقعة وكان 1.8 في المائة، ويقل بشدة عن معدل الزيادة في نوفمبر السابق عليه وكان 2.3 في المائة. وارتفع المؤشر بنسبة 0.9 في المائة خلال عام 2021 ككل، وهو أقل بكثير من الهدف السنوي للبلاد البالغ 3 في المائة تقريبا. وارتفعت أسعار المستهلكين بنسبتي 2.5 في المائة و2.9 في المائة خلال عامي 2020 و2019 على التوالي.
وعلى أساس شهري، تراجعت أسعار المستهلك في الصين خلال الشهر الماضي 0.3 في المائة، وهو ما جاء أيضا أقل من التوقعات التي كانت تشير إلى ارتفاع الأسعار بنسبة 0.2 في المائة، بعد ارتفاعها خلال الشهر السابق بنسبة 0.4 في المائة. وفي بيان منفصل ذكر مكتب الإحصاء الوطني أن أسعار المنتجين (الجملة) ارتفعت في الصين خلال الشهر الماضي بنسبة 10.3 في المائة سنويا، وهو ما يقل عن التوقعات التي كانت 11.1 في المائة، وبعد ارتفاعها بنسبة 12.1 في المائة سنويا خلال نوفمبر الماضي.


مقالات ذات صلة

«كوب 29» في ساعاته الأخيرة... مقترح يظهر استمرار الفجوة الواسعة بشأن تمويل المناخ

الاقتصاد مفوض الاتحاد الأوروبي للعمل المناخي فوبكي هوكسترا في مؤتمر صحافي على هامش «كوب 29» (رويترز)

«كوب 29» في ساعاته الأخيرة... مقترح يظهر استمرار الفجوة الواسعة بشأن تمويل المناخ

تتواصل المفاوضات بشكل مكثّف في الكواليس للتوصل إلى تسوية نهائية بين الدول الغنية والنامية رغم تباعد المواقف في مؤتمر المناخ الخميس.

«الشرق الأوسط» (باكو)
الاقتصاد أشخاص يقومون بتعديل لافتة خارج مكان انعقاد قمة المناخ التابعة للأمم المتحدة (أ.ب)

أذربيجان تحذر: «كوب 29» لن ينجح دون دعم «مجموعة العشرين»

استؤنفت محادثات المناخ التابعة للأمم المتحدة (كوب 29)، يوم الاثنين، مع حث المفاوضين على إحراز تقدم بشأن الاتفاق المتعثر.

«الشرق الأوسط» (باكو)
الاقتصاد سفينة شحن في نهر ماين أمام أفق مدينة فرنكفورت الألمانية (رويترز)

«المركزي الألماني»: خطط ترمب الجمركية نقطة تحول في التجارة العالمية

أعرب رئيس البنك المركزي الألماني عن خشيته من حدوث اضطرابات في التجارة العالمية إذا نفّذ الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب خططه الخاصة بالتعريفات الجمركية.

«الشرق الأوسط» (برلين)
الاقتصاد لافتة للبنك المركزي الأوروبي في فرنكفورت (رويترز)

ناغل من «المركزي الأوروبي»: تفكك الاقتصاد العالمي يهدد بتحديات تضخمية جديدة

قال عضو مجلس إدارة البنك المركزي الأوروبي، يواخيم ناغل، إن هناك تهديداً متزايداً بتفكك الاقتصاد العالمي، وهو ما قد يضع البنوك المركزية أمام تحديات تضخمية جديدة.

«الشرق الأوسط» (فرنكفورت)
الاقتصاد يقف المشاركون وموظفو الأمن خارج مكان انعقاد مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ في باكو (إ.ب.أ)

الدول في «كوب 29» لا تزال بعيدة عن هدفها بشأن التمويل المناخي

كانت عوامل التشتيت أكبر من الصفقات في الأسبوع الأول من محادثات المناخ التابعة للأمم المتحدة (كوب 29)، الأمر الذي ترك الكثير مما يتعين القيام به.

«الشرق الأوسط» (باكو)

ألمانيا تحذر ترمب من تداعيات الرسوم الجمركية على الاقتصاد

سفينة تابعة لشركة شحن صينية في محطة حاويات بميناء هامبورغ الألماني (رويترز)
سفينة تابعة لشركة شحن صينية في محطة حاويات بميناء هامبورغ الألماني (رويترز)
TT

ألمانيا تحذر ترمب من تداعيات الرسوم الجمركية على الاقتصاد

سفينة تابعة لشركة شحن صينية في محطة حاويات بميناء هامبورغ الألماني (رويترز)
سفينة تابعة لشركة شحن صينية في محطة حاويات بميناء هامبورغ الألماني (رويترز)

أعرب وزير الاقتصاد الألماني روبرت هابيك، ومرشح حزب «الخضر» لمنصب المستشار، عن اعتقاده بأن ألمانيا والاتحاد الأوروبي على استعداد جيد للتعامل مع رئاسة دونالد ترمب الجديدة، لكنه حذر ترمب من أن الرسوم الجمركية سلاح ذو حدين، وسيضر الاقتصاد الكلي.

وقال هابيك، نائب المستشار الألماني، وفق «وكالة الأنباء الألمانية»: «أقول إنه يتعين علي وأريد أن أواصل العمل بشكل وثيق مع الولايات المتحدة. لكن إذا تصرفت الإدارة الأميركية الجديدة بطريقة قاسية، فسنرد بشكل جماعي وبثقة بوصفنا اتحاداً أوروبياً».

يذكر أن الاتحاد الأوروبي مسؤول عن السياسة التجارية للدول الأعضاء به والبالغ عددها 27 دولة.

وهدد الرئيس الأميركي المنتخب ترمب بفرض رسوم جمركية بنسبة 60 في المائة على جميع البضائع الصينية وما يتراوح بين 10 في المائة و20 في المائة على الواردات من دول أخرى، ومن بينها الاتحاد الأوروبي، والتي ستشمل السيارات الألمانية الصنع، وهي صناعة رئيسية.

وقال هابيك إنه سيتم التوضيح للولايات المتحدة، من خلال الحوار البناء مع الاتحاد الأوروبي، أن العلاقات التجارية الجيدة تعود بالنفع على الجانبين، إلا أن ألمانيا والاتحاد الأوروبي بحاجة إلى إظهار قوتهما.

وأضاف هابيك: «ردي على ترمب ليس بالخضوع، ولكن بالثقة بقوتنا. ألمانيا قوية وأوروبا قوية».

كانت دراسة أجرتها شركة «بي دبليو سي» لمراجعة الحسابات، قد أظهرت أن اختيار دونالد ترمب رئيساً للولايات المتحدة، يُشكل تحدياً لصناعة الشحن الألمانية.

وكشفت الدراسة عن أن 78 في المائة من ممثلي الصناعة يتوقعون تداعيات سلبية من رئاسة ترمب، بينما يتوقع 4 في المائة فقط نتائج إيجابية. واشتمل الاستطلاع على ردود من 124 من صنّاع القرارات في قطاع الشحن.

وتمحورت المخاوف حول احتمالية زيادة الحواجز التجارية، وتراجع حجم النقل تحت قيادة ترمب.

كما ألقت الدراسة الضوء على الأزمة الجارية في البحر الأحمر، حيث تهاجم جماعة الحوثي اليمنية المدعومة من إيران السفن التجارية بطائرات مسيّرة وصواريخ.

وبدأت هجمات الحوثيين في البحر الأحمر في 19 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، وتقول الجماعة إنها تستهدف السفن الإسرائيلية، والمرتبطة بإسرائيل، أو تلك المتوجهة إليها، وذلك نصرة للشعب الفلسطيني في غزة.

وتجنبت عدة شركات شحن قد شملها الاستطلاع، البحر الأحمر خلال فترة الاستطلاع الذي أجري من مايو (أيار) إلى يونيو (حزيران)، فيما لا تزال ثلاث شركات من أصل 72 شركة تبحر عبر المسار بشكل نموذجي، تعمل في المنطقة.

ووفقاً للدراسة، فإن 81 في المائة من الشركات لديها اعتقاد بأن الأسعار سوف تواجه ضغوطاً هبوطية في حال كانت مسارات النقل في البحر الأحمر تعمل بشكل سلس.