«القاعدة في جزيرة العرب».. انكسارات عميقة

مقتل المنظّر إبراهيم الربيش ألقى حجرًا في بركة التنظيم المترهّل

«القاعدة في جزيرة العرب».. انكسارات عميقة
TT

«القاعدة في جزيرة العرب».. انكسارات عميقة

«القاعدة في جزيرة العرب».. انكسارات عميقة

ليس من قبيل المصادفة أن يُصاب «تنظيم القاعدة في جزيرة العرب» بانكسارات عميقة بعد تراجع سطوته في الداخل عقب قيام «أنصار الله» الحوثيين باجتياح مناطق جنوبية كانت تعبث بها «القاعدة»، وبعدما تخلّت الأطراف المنتفعة من بقاء التنظيم لصالح تقويض الدولة اليمنية.
إلا أن هذا الانهيار الوشيك لا يمكن تفسيره بعوامل خارجية فحسب، بل يمكن القول إن مزاحمة «داعش» لـ«القاعدة»، وانتصاراتها على الأرض وسحقها مقاتلي «القاعدة»، يرافقه الآن حملة تحوّلات هائلة لنقل «البيعة» من أيمن الظواهري إلى خليفة «داعش» المزعوم أبو بكر البغدادي.
في السياق ذاته تراجعت الحرب الأهلية بين الفريقين في مناطق التوتر على حدود العراق وسوريا بهزيمة ساحقة لتنظيم داعش. إلا أن الحرب الفكرية بدأت بين الدواعش وبقايا تنظيم القاعدة الذين فقدوا رموزهم الفكرية وانفرادهم بشرعية التنظيم السابقة، والتي ما عادت تغري الشبّان الجدد الطامحين إلى انتصارات - ولو معنوية - بعدما تحوّلت التنظيمات المسلحة من مرحلة «الحور العين» إلى «التمكين في الأرض» وبناء دولة الإسلام. ويمثل مقتل إبراهيم الربيش «المنظّر الشرعي» والقائد الميداني المقدّر عند المتعاطفين مع التنظيمات المسلحة، والقادم من خلفية شرعية أكاديمية حيث ذهب أول مرة في أفغانستان للعمل الإغاثي قبل أن ينتقل إلى فكر «القاعدة» بعد اعتقاله ونقله إلى غوانتانامو، مفصلاً مهمًا.
الربيش، ولد عام 1401هـ (أو 1399) / 1980 م (أو 1978 م)، في مدينة بريدة بالقصيم في المملكة العربية السعودية، وكان ملازمًا لبعض طلاب العلم. ولقد درس الشريعة في الجامعة قبل أن ينتقل إلى أفغانستان في مرحلة موجة «النصرة» الثانية التي جاءت عقب الضربات الأميركية لطالبان عقب أحداث 11 سبتمبر (أيلول) 2001. وهذه الموجة عادة أسست مجموعة من المرتكزات الفكرية والعسكرية والسياسية، كانت مختلفة عن إرث وثقافة «القاعديين» القدامى أبرزها الانفصال التام عن مرجعيات غير جهادية حتى على سبيل الفتوى والاستئناس، وهو ما يفسر ترقّي الربيش في التنظيم بناءً على ثقافته الشرعية.
مرحلة العودة من غوانتانامو مع 16 عائدا يوم 23 من ذي القعدة عام 1427 هـ (2006 م) كانت نقطة تحوّل عند الربيش، إذ خرج بعد إكمال «برنامج المناصحة» وقرّر إكمال الدراسات العليا في الشريعة. إلا أن ذلك الوضع لم يطل كثيرًا، إذ انتقل إلى اليمن في أبريل (نيسان) 2009م وانضم لصفوف ما يسمى بـ«تنظيم القاعدة في جزيرة العرب» في اليمن بقيادة المطلوب ناصر الوحيشي. ثم ظهر في تسجيل صوتي عبر شبكة الإنترنت يتحدث فيه عن جريمة محاولة الاغتيال الفاشلة التي تعرّض لها الأمير محمد بن نايف بن عبد العزيز، مساعد وزير الداخلية للشؤون الأمنية - حينذاك - يوم 27 أغسطس (آب) 2009 م.
«التنظير الشرعي لثقافة الاغتيال» كان الجسر الذي عبر به الربيش من ضفة «الكوادر المقاتلة» إلى مصاف «القيادات العليا» في التنظيم وبينهما فوارق كثيرة على مستوى القيمة والحماية والتأثير. ومن هنا لم يتردّد المتابعون لتحولات «تنظيم القاعدة في جزيرة العرب» في الجزم بأن الربيش هو «المنظّر» الجديد لـ«القاعدة» الجديدة على غرار فارس بن شويل، الذي يحاكيه من حيث الخطوط العريضة للتجربة، وإن كان الربيش أكثر التصاقًا بـ«القاعدة» بسبب المدة الزمنية التي مكثها في الميدان. وكانت الفكرة التي سوقها الربيش لنفسه في عهده الجديد كـ«منظّر» فكري لـ«القاعدة» هو تأسيس «ثقافة اغتيال أعداء الإسلام» بسبب تأثيراتها الدعائية البالغة، وارتدادها بفوائد كثيرة على التنظيم أهمها: خلخلة الأمن، واستهداف شخصيات ذات تأثير رسمي.
وعلى مستوى آخر أسهم الربيش في سابقة في نقد الإسلام السياسي في السعودية، بجناحيه «الإخوان» والسرورية، معتبرًا أن كل من ندّد بأحداث 11 سبتمبر من رموز «الصحوة» إنما هو جزء من «جريمة الحملة الصليبية على بلاد الإسلام». كذلك انتقد طوائف من القوميين والصحافيين ومحللي السياسة وصولاً إلى إيران. وحذر المجاهدين من «الوقوع في فخ الرافضة»، كما يقول في إشارة إلى الجدل الذي ولد في داخل أروقة التنظيم حول الاستفادة من ملاذات إيران الآمنة، التي كانت تقدمها سلطات طهران لـ«القاعديين» آنذاك.
الربيش، في الواقع، لم يختلف كثيرًا عن منظّري «القاعدة» من خلفيات شرعية وأبرزهم: عيسى بن سعد العوشان، الذي قتل على أيدي قوات الأمن السعودية في الرياض يوم 21 يوليو (تموز) 2004 م، وخلفه عبد الله الرشود «فقيه» تنظيم «القاعدة في بلاد العراق والشام» الذي كان يتمتع بصلات جيدة مع أبو مصعب الزرقاوي، إضافة إلى فارس بن شويل الزهراني، المكنَّى «أبو جندل الأزدي» المعتقل منذ أغسطس 2004.
«القاعدة» في اليمن الآن تعيش أزمة وجودية دفع بالكثير من خلاياها إلى الانتقال لمربع «داعش»، وهذا مع أن «تنظيم القاعدة في جزيرة العرب» كان أكثر نسخ «القاعدة» كفرًا بـ«داعش» وتشكيكًا في خليفتها المزعوم. وحتى عندما بدأ الخلاف بين البغدادي وأبو محمد الجولاني لم يصدر أي تعليق من «القاعدة» في اليمن، كما لم يصدر الوحيشي، «أمير» التنظيم، أمرًا للمقاتلين اليمنيين في سوريا بالانضمام إلى إحدى الجماعتين. لكن انهيار البناء الشرعي والتنظيمي لـ«القاعدة»، ورحيل أغلب الرموز المؤثرة، وتراجع سلطة الظواهري على التنظيم - التي كانت شكلية ودعائية لا أكثر - عوامل أسهمت في تخفيف حدة نقد «داعش»، وصولاً إلى انشقاقات بدأت منذ اندلاع الأوضاع في اليمن مع بداية 2014. عند هذه النقطة صدرت تسجيلات كثيرة لـ«قاعديين» محليين لنصرة دولة «داعش» كان من أبرزها تسجيل صوتي لمأمون حاتم، أحد قيادات «القاعدة» في بمحافظة أبين تحت عنوان «النصرة اليمانية للدولة الإسلامية». تضمنت دفاعا عن «دولة البغدادي» والهجوم على دول المنطقة، وبالأخص المملكة العربية السعودية. والملاحظ أن الهجوم على السعودية استحوذ على الجزء الأكبر من التسجيل في إشارة إلى إمكانية تمدّد «داعش» في الداخل اليمني عقب انهيار الأوضاع. وهذه الإمكانية وإن كانت مستبعدة تبقى واردة، خاصة إذا ما قرأنا خصوصية التجربة «القاعدية» في اليمن، واعتمادها على العناصر المحلية وبعض العناصر الخليجية، واستبعادها أي خلايا وافدة من الخارج حفاظًا على الطابع المحلي والقبلي الذي مكّن «القاعدة» من الاستمرار.
الصراع «القاعدي» – «الداعشي» في اليمن اشتد أواره في بدايات 2014 أيضا بعدما أصدر التنظيم بيانًا مكتوبًا وصوتيًا بعنوان «رسالة مفتوحة لمجاهدي الشام» قرّر فيها إحجام الجماعة عن الدخول على خط الخلاف بين الجماعات المقاتلة في سوريا، واستعداد «القاعدة» في اليمن للدخول كوسيط لكن بشروط كثيرة، أهمها:
> الحفاظ على بيعة «القاعدة» العامة، أي التنظيم الأم، الذي يقوده الظواهري، خلفًا لابن لادن.
> حماية كوادر التنظيم في الصراعات بين «النصرة» و«داعش»، وهو ما فسّر في ذلك الوقت بحرص «قاعدة اليمن» على الاستقلال والحفاظ على شرعية تاريخ «القاعدة» وإرثها، الذي لا يمكن تسليمه لجماعة مشبوهة في تأسيسها وأهدافها.
لم يكن أكثر حظًا هناك من إبراهيم الربيش وهو يؤسس المرحلة الجديدة لـ«قاعدة اليمن» عبر استقلالها عن بقية التنظيمات، حين أصدر فيديو معالج بشكل دعائي وفني عال بعنوان «مسؤولية الكلمة» حث فيه أتباع التنظيم على احترام العلماء وهيبة الشريعة، في إشارة إلى خلو قيادات «داعش» من أي رموز مقدرة علميًا. كما ركّز على أهمية حفظ فضل «القاعدة» وتاريخها أو ما سماه «أفضلية السبق»، في إشارة إلى رفض هجوم «داعش» على منظّرين ورموز «قاعديين» سابقين أبرزهم أيمن الظواهري وأبو محمد المقدسي، وأبو قتادة الفلسطيني، وآخرين من الجيل القديم الذي تحفّظ عن «داعش» في البداية وانفصل عنها لأسباب تتصل بانفراد «داعش» بالمشهد العنفي وليس للاختلاف في الآراء والمفاهيم.
الحفاظ على إرث «القاعدة» الذي قاده الربيش مكّن التنظيم من التقاط الأنفاس والعودة إلى العمل الميداني وتجنيد المزيد من الكوادر من خارج اليمن، وبالتالي، ضرورة تكثيف العمليات الإرهابية، واستهداف مواقع وأشخاص لهم تأثيرهم بهدف إعادة ترويج رمزية عنف «القاعدة» وتأثير ضرباتها ذات الطابع المعولم. وكان من آثار هذه العودة العملية الفاشلة لاقتحام نقطة «الوديعة» الحدودية السعودية والهجوم الإرهابي على مبنى المباحث في بلدة شرورة.
ومن طرائف تحولات «القاعدة» الجديدة، واضطرابها حول «داعش» وبقية الجماعات العنفية، أن أصدر واحدا من أهم منشدي «القاعدة» تسجيلاً إنشاديًا يمتدح فيه «دولة البغدادي» وخليفتها المزعوم وكانت قصيدة «دولتنا منصورة» لأبي هاجر الحضرمي واحدة من الأعمال الإنشادية الذائعة الصيت، قبل أن يتراجع أبو هاجر ويصدر نشيدًا آخر يمتدح فيه جبهة النصرة بعنوان «جبهتنا منصورة». وهو ما يعيد السؤال مجددًا: ما هي «القاعدة» حقًا نشأة وفكرًا وتحولاً ومآلا؟
سؤال كهذا لا يُطرح بغرض سفسطائي بقدر ما يلمح إلى أن ثمة الكثير من التحولات في سياق الإرهاب وعوالمه التحتية وبناه التنظيمية لا يمكن محوها بجرة قلم أو حتى بقنابل طائرات من دون طيار.



«حزب الله»... خلايا قائمة وقادمة

متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي  (أ.ب)
متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي (أ.ب)
TT

«حزب الله»... خلايا قائمة وقادمة

متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي  (أ.ب)
متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي (أ.ب)

قبل نحو شهر تقريباً أدرجت السلطات البريطانية جماعة «حزب الله» بمؤسساتها المختلفة السياسية والعسكرية كمنظمة إرهابية، ومن قبلها مضت ألمانيا في الطريق عينه، الأمر الذي دفع المراقبين لشأن الميليشيات اللبنانية الجنسية الإيرانية الولاء والانتماء للتساؤل: «ما الجديد الذي جعل الأوروبيين يتصرفون على هذا النحو؟»

الشاهد أن الأمر لا يقتصر فقط على الجانب الأوروبي، بل أيضاً تبدو الولايات المتحدة الأميركية في حالة تأهب غير مسبوقة، وسباق مع الزمن في طريق مواجهة الخلايا النائمة «لحزب الله» على أراضيها، ناهيك عن تلك المنتشرة في الفناء اللوجيستي الخلفي، لها أي في أميركا اللاتينية.
غير أن الجديد والذي دفع جانبي الأطلسي لإعلان مواجهة شاملة لميليشيات «حزب الله» هو ما توفر لأجهزة الاستخبارات الغربية، والشرقية الآسيوية أيضاً، لا سيما تلك التي ترتبط بعلاقات تبادل أمني مع بروكسل وواشنطن، من معلومات تفيد بأن «حزب الله» ينسج خيوطاً إرهابية جديدة في دول أوروبية وأميركية وآسيوية، من أجل الاستعداد للمواجهة القادمة حكماً في تقديره بين طهران والغرب.
ليس من الجديد القول إن ميليشيات «حزب الله» هي أحد أذرع الإيرانيين الإرهابية حول العالم، وقد أعدت منذ زمان وزمانين من أجل اللحظة المرتقبة، أي لتكون المقدمة الضاربة في إحداث القلاقل والاضطرابات، ومحاولة ممارسة أقصى وأقسى درجات الضغط النفسي والمعنوي على الأوروبيين والأميركيين، مع الاستعداد التام للقيام بعمليات عسكرية سواء ضد المدنيين أو العسكريين في الحواضن الغربية حين تصدر التعليمات من نظام الملالي.
مؤخراً أشارت عدة مصادر استخباراتية غربية لعدد من وسائل الإعلام الغربية إلى الخطة الجديدة لـ«حزب الله» لإنشاء شبكات موالية له في العديد من مدن العالم شرقاً وغرباً، الأمر الذي أماطت عنه اللثام صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية بنوع خاص والتي ذكرت في تقرير مطول لـ«نيكولا باروت»، أن فكر التقية الإيراني الشهير يمارس الآن على الأرض، بمعنى أن البحث يجري على قدم وساق من أجل تجنيد المزيد من العناصر لصالح ميليشيات «حزب الله»، لكن المختلف هو انتقاء عناصر نظيفة السجلات الأمنية كما يقال، أي من غير المعروفين للأجهزة الأمنية والاستخباراتية سواء الأوروبية أو الآسيوية أو الأميركية.
هل الحديث عن عناصر «حزب الله» في الغرب قضية حديثة أم محدثة؟
الواقع أنهما الأمران معا، بمعنى أن ميليشيات «حزب الله» كثفت حضورها الخارجي في الأعوام الأخيرة، لا سيما في أميركا اللاتينية، وهناك جرى إنشاء «كارتلات» تعمل على تهريب البشر والسلاح والمخدرات من جهة، وتتهيأ لمجابهة أميركا الشمالية من ناحية أخرى.
ولعل المثال الواضح على قصة هذا الاختراق لدول القارة اللاتينية يتمثل في قضية الإرهابي سلمان رؤوف سلمان، الذي شوهد مؤخراً في بوغوتا بكولومبيا، والذي ترصد الولايات المتحدة الأميركية عدة ملايين من الدولارات لاقتناصه، بوصفه صيداً ثميناً يحمل أسرار ميليشيات «حزب الله» في القارة الأميركية الجنوبية برمتها.
أما المثال الآخر على الخلايا النائمة في الولايات المتحدة الأميركية فيتمثل في شخص علي كوراني الذي تم القبض عليه في نيويورك بعد أن تم تجنيده لصالح «حزب الله» لتنفيذ هجمات إرهابية، حال تعرض إيران أو «حزب الله» في لبنان لهجمات من جانب الولايات المتحدة الأميركية، ولاحقاً أكدت التحقيقات التي جرت معه من قبل المباحث الاتحادية الأميركية أنه أحد أعضاء وحدة التخطيط للهجمات الخارجية في الحزب والمعروفة بـ«الوحدة 910».
كارثة كوراني تبين التخطيط الدقيق لإيران وأذرعها لإصابة الدول الغربية في مقتل، ذلك أنه كان دائم التنقل بين كندا والولايات المتحدة، حيث حاول تهريب متفجرات من كندا إلى الداخل الأميركي.
كان كوراني مثالاً على الخلايا النائمة التابعة «لحزب الله» في دول العالم، لا سيما أنه ينتمي لعائلة معروفة بصلاتها الوثيقة مع الحزب، وقد التحق بمعسكر تدريب تابع للحزب عندما كان في السادسة عشرة من عمره، وتعلم إطلاق النار، والقذائف الصاروخية قبل أن يجند كجزء من خطة للانتقام لمقتل عماد مغنية أحد قادة «حزب الله» رفيعي المستوى الذي قضى بسيارة مفخخة في دمشق عام 2008.
هل كان القبض على كوراني المدخل للخطط الجديدة لميليشيات «حزب الله» لنسج خيوط شبكات إرهابية جديدة غير معروفة لقوى الأمن والاستخبارات الدولية؟
يمكن أن يكون ذلك كذلك بالفعل، ولهذا تقضي الآلية الجديد تجنيد عناصر غير عربية، وغالباً ما يكون المعين المفضل من دول شرق وجنوب آسيا، والتي تكثر فيها الحواضن المشبعة بالإرهاب الأصولي، وقد كان آخر شخص تم الاشتباه فيه مهندس باكستاني لا يتجاوز الثلاثة عقود من عمره، وبدا أنه على اتصال «بحزب الله».
ويعزف القائمون على الميليشيات الخاصة «بحزب الله» على الأوتار الدوغمائية الشيعية تحديداً، ويستغلون الكراهية التقليدية تجاه الولايات المتحدة الأميركية والقارة الأوروبية، ويلعبون على أوتار القضايا الدينية، مظهرين الصراع بين إيران والغرب على أنه صراع ديني وليس آيديولوجياً، وفي الوسط من هذا يقومون بتجنيد من يقدرون على تعبئتهم، وفي هذا تكون الكارثة لا الحادثة، أي من خلال استخدام جوازات سفرهم الأجنبية أو تزويد بعضهم الآخر بجوازات سفر قد تكون حقيقية مسروقة، أو مزورة، ليمثلوا حصان طروادة في الجسد الأوروبي أو الأميركي.
لا تكتفي خطط ميليشيات «حزب الله» الخاصة بإعداد شبكات إرهابية جديدة في الغرب بالطرق التقليدية في تجنيد عناصر جديدة من الصعب متابعتها، بل يبدو أنها تمضي في طريق محاكاة تنظيم «داعش» في سعيه لضم عناصر إرهابية إضافية لصفوفه عبر استخدام وسائط التواصل الاجتماعي الحديثة من مخرجات الشبكة العنكبوتية الإنترنت، مثل «فيسبوك» و«تويتر» و«إنستغرام».
في هذا السياق تبدو الخطط الجديدة لـ«حزب الله» كمن ينسج شبكات إرهابية في العالم الرقمي، بمعنى أنها خطط لتجنيد المزيد من «الذئاب المنفردة»، تلك التي يمكن أن يتفتق ذهنها عن وسائل انتقام غير مدرجة من قبل على خارطة الأعمال الإرهابية، فكما كان استخدام الشاحنات للدهس في أوروبا أداة غير معروفة، فمن الجائز جداً أن نرى آليات جديدة تمارس بها الجماعة الإيرانية الخطى طريقها في إقلاق الحواضن الغربية.
يتساءل المراقبون أيضاً هل من دافع جديد يقودها في طريق شهوة الانتقام غير المسبوقة هذه؟
من الواضح جداً أن قيام الولايات المتحدة الأميركية باغتيال قاسم سليماني، والتهديدات التي أطلقها «إسماعيل قاآني»، قائد فيلق القدس الجديد، ضمن صفوف الحرس الثوري الإيراني، بأن تملأ جثث الأميركيين الشوارع، هي وراء تسريع إيران في طريق دفع ميليشيات «حزب الله» في تغيير طرق تجنيد واكتساب عملاء جدد يكونون بمثابة رؤوس حراب في المواجهة القادمة.
خلال صيف العام الماضي كشفت مصادر استخباراتية لصحيفة «ديلي تليغراف» البريطانية عن أن الأزمة مع إيران قد تتسبب في إيقاظ خلايا إرهابية نائمة، وتدفعها إلى شن هجمات إرهابية على بريطانيا، ولفتت المصادر عينها إلى الخلايا يديرها متشددون مرتبطون بـ«حزب الله» اللبناني.
ولم تكن هذه تصريحات جوفاء أو عشوائية، وإنما جاءت بعد أن كشفت شرطة محاربة الإرهاب في عام 2015 في بريطانيا عن خلية جمعت أطناناً من المتفجرات في متاجر بضواحي لندن، موضحة أن إيران وضعت عملاءها في «حزب الله» على استعداد لشن هجمات في حالة اندلاع نزاع مسلح، وهذا هو الخطر الذي تشكله إيران على الأمن الداخلي في بريطانيا.
والثابت أنه لا يمكن فصل مخططات ميليشيات «حزب الله» الخاصة بتجنيد عناصر ونسج شبكات جديدة عن الموقف الواضح لـ«حزب الله» من الصراع الدائر بين أميركا وإيران، فهي ترغب في القتال، وهو ما أشار إليه حسن نصر الله أمين عام الحزب في مقابلة تلفزيونية مع قناة المنار التابعة لجماعته عندما أجاب على سؤال حول ما ستفعله الجماعة في حال نشوب حرب بين إيران والولايات المتحدة، إذ أجاب بسؤال استفهامي أو استنكاري على الأصح في مواجهة المحاور: «هل تظن أننا سنقف مكتوفي الأيدي؟ إيران لن تحارب وحدها، هذا أمر واضح وضوح الشمس، هكذا أكد نصر الله».
هل قررت إيران إذن شكل المواجهة القادمة مع الولايات المتحدة الأميركية، طالما ظلت العقوبات الاقتصادية الأميركية قائمة وموجعة لهيكل إيران التكتوني البنيوي الرئيسي؟
فوفقا لرؤية «ماثيو ليفيت» مدير برنامج ستاين لمكافحة الإرهاب والاستخبارات في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، يبدو أن إيران و«حزب الله» لن يعتمدا المواجهة المباشرة مع الولايات المتحدة في حال نشوب حرب بين واشنطن طهران، إذ سيتم إيقاظ «الخلايا النائمة» من سباتها في الداخل الأميركي الشمالي والجنوبي أولاً، عطفاً على ذلك إعطاء الضوء الأخضر للعناصر والشبكات الجديدة بإحداث أكبر خسائر في صفوف الأوروبيين، وتجاه كل ما يشكل أهدافاً ومصالح أميركية من شمال الأرض إلى جنوبها، ومن شرقها إلى غربها دفعة واحدة.
الخلاصة... العالم أمام فصل جديد مقلق من تنامي مؤامرات «حزب الله» والتي ظهرت خلال السنوات القليلة الماضية خارج الشرق الأوسط، ربما بشكل لا يقل إقلاقاً عن الدور الذي يلعبه على التراب الوطني اللبناني في حاضرات أيامنا، ما يجعل التفكير في حصار هذا الشر أمراً واجب الوجود كما تقول جماعة الفلاسفة، من غير فصل مشهده عن حجر الزاوية الذي يستند إليه، أي إيران وملاليها في الحال والمستقبل.