«كنا واحد»... لحظات الخوف والأمل خلال جائحة «كورونا»

عُرضت في «منتدى شباب العالم» بمصر بمشاركة ممثلين من 14 دولة

العرض المسرحي الجديد «كنا واحد» (الشرق الأوسط)
العرض المسرحي الجديد «كنا واحد» (الشرق الأوسط)
TT

«كنا واحد»... لحظات الخوف والأمل خلال جائحة «كورونا»

العرض المسرحي الجديد «كنا واحد» (الشرق الأوسط)
العرض المسرحي الجديد «كنا واحد» (الشرق الأوسط)

خطف العرض المسرحي الجديد «كنا واحد» الأنظار في «منتدى شباب العالم»، الذي تنظمه مصر حالياً، في مدينة شرم الشيخ بجنوب سيناء، ويروي العرض الذي أخرجه المخرج المصري خالد جلال، ضمن عروض «مسرح شباب العالم»، لحظات الخوف والأمل في أثناء جائحة «كورونا»، خصوصاً في الشهور الأولى من عام 2020.
ويشارك في العرض طلاب وخريجو مركز «الإبداع الفني» إلى جانب ممثلين من 13 دولة أخرى هي: الولايات المتحدة الأميركية، والسويد، وروسيا، والبرازيل، وتونس، والمغرب، ومالاوي، وطاجيكستان، والبرتغال، وصربيا، وبيرو، وإندونيسيا، واليمن. كان العرض سلساً ويتميز بالتناغم، إذ لم تقف اللغة حاجزاً بين المشاركين في تقديمه، واستطاع المشاهد العادي فهم جميع الحوارات داخل المسرحية.
وتبدأ المسرحية التي تبلغ مدتها نحو 45 دقيقة، بمشهد بانورامي، تظهر ممثلة خلاله، ممهدة لموضوع العرض: «أنا هنا النهارده عشان أحكي لكم الحكاية من أولها،»، كما يبدأ عرض أغنية «كنا واحد» وتشير الأغنية إلى أن الحياة على الأرض كانت جميلة في بداياتها قبل رسم الحدود بين الدول، والدمار، والحروب والتطرف، ومحاربة البعض باسم الدين.
بشكل تدريجي، يحاول العرض إدخال المشاهدين في أجواء قصة «كورونا»، معتمداً في ذلك على أزياء الممثلين الموحدة، والديكورات، والإضاءة والموسيقى والأغاني، ثم تظهر علامات ضيق التنفس والكحة الشديدة على إحدى الممثلات، وفي خلفية خشبة المسرح تظهر صورة توثّق توقف حركة الطائرات، وتتحدث فتاة عن معاناتها جراء الإغلاق، واغترابها وابتعادها عن أسرتها.
وتنتقل المسرحية إلى مناقشة بعض ظواهر «كورونا» التي انتشرت في الكثير من دول العالم خصوصاً الدول النامية والفقيرة، ومن بينها جشع التجار والاحتكار، حتى زاد الخناق بعد التزام الجميع منازلهم: «قلنا ملناش غيرك يا رب»، وبدأ جميع الممثلين في التضرع والمناجاة بأصوات عذبة، ممتزجة بأناشيد صوفية، وابتهالات مفعمة بالشجن.
ورغم جدية القضية التي يتناولها العرض فإنه لم يخلُ من بعض اللمحات الكوميدية التي خفّفت قتامة المشهد ومآسي «كورونا»، إذ تم استعرض نصائح الأمهات بالحرص على الاحتراز، وآراء الخبراء في كيفية ارتداء الكمامات بطريقة صحيحة، في قالب كوميدي خفيف. قبل أن تستعرض المسرحية ظاهرة الإشاعات وتداول المعلومات الخاطئة حول طبيعة الفيروس، وكيفية مقاومته، «يقول البعض سنقاومه بالثوم والبصل والشلولو»، وآخرون يقولون «سنواجهه بالعسل».
وبعد مناقشة ظاهرة الإشاعات والمعلومات الخاطئة، يواصل العرض مناقشة، جشع بعض التجار، الذين يتعاملون بمبدأ «مصائب قوم عند قوم فوائد»، ويمثلهم أحد محترفي البورصة الذي أعلن عن تجرده من المشاعر الإنسانية، فالمهم هو المكسب.
ثم تأخذ الأحداث منحنى آخر عندما يظهر عامل نظافة ويتحدث عن ضرورة وجوده في الشارع، ويتبادل الحديث مع طبيب كان في طريقه إلى المستشفى، إذ ينصحه الطبيب بعدم إمساك الكمامات الملقاة في الشارع بيده، بينما يردّ عليه عامل النظافة بعفوية: «خليها على الله يا دكتور».
وتنكسر حدة الأحزان والشجن مؤقتاً، مع معالجة تكيف المواطنين مع الجائحة وتطلعهم للأمل، إذ يظهر إطار بانورامي فيه الكثير من المنازل والشرفات، يتبادل المواطنون داخلها الأغنيات المبهجة، على غرار أغنية الفنان التونسي صابر الرباعي «سيدي منصور يا بابا»، ثم «نجومه وسهره»، و«يا مهوّن هوّن يا مهون»، ثم أغنية الجزائري الشاب خالد «سيلافي»، وتنتهي الوصلة بأغنية فيروز «يا سهر الليالي»، في مزجٍ سلس بين الأغنيات، التي عبّرت عن التضامن والحب والأمل في التغلب على الجائحة، في محاكاة لما كان يحدث في إيطاليا وقت اشتداد أزمة «كورونا» في مطلع عام 2020، وغناء مواطنيها من الشرفات.
ويظهر عامل النظافة مجدداً، ويتحدث عن دوره المهم خلال الجائحة، مثله في ذلك مثل الأطباء ومعاونيهم، يقول بلهجة مصرية حزينة: «أمسك الكمامات كأنها قنابل موقوتة، لكن لازم أشيلها، لو مشلتهاش مين غيرنا هيشيلها».
ويمهد حديث عامل النظافة لشرح معاناة الأطباء والعلماء والباحثين خلال التصدي للجائحة، تظهر طبيبة وتقول بنبرة مرتفعة: «أمي قالتلي ماتنزليش، وأنا قلتلها انتي ربيتيني على أن مساعدة الناس أهم من مساعدتنا»، ثم يظهر مجند بالجيش ليتحدث عن مواجهة عدو داخل الحدود لكنه يَرى ولا يُرى.
تزيد الموسيقى من التوتر والقلق، في المقابل يعمل آخرون على الأمل والتجارب والأبحاث حتى يتم اكتشاف اللقاح، وقبيل ختام العرض، يظهر طبيب يتحدث عن زميله «علي» الذي كان يشجعه على الصمود، لكنه يموت إثر إصابته بالفيروس، ولا يستطيع حمله، ليردد الممثلون من بعده أسماء أصدقائهم الذين فقدوهم خلال الجائحة، بلغات متنوعة، في إشارة إلى تضحيات الأطقم الطبية حول العالم.
رغم المعاناة، والخوف من الموت على غرار زميله، فإن الطبيب يؤكد أنه يحترم قَسَم ممارسة مهنة الطب، وينتهي العرض بأغنية مؤثرة عن قَسَم الأطباء، بلغات عدة، وتعود البطلة الذي افتتحت الحكاية في بداية العرض، مجدداً لتقول: «ولما خلصت الحكاية، أول مكان هزوره، هو دا»، بينما تجمد العشرات خلفها في إشارة إلى موتهم جراء الوباء، ووضعت باقة ورد أمامهم، كأنها تحدّثهم وتنقل رسالة مفادها «لن ننساكم أبداً»، لينتهي العرض بأغنية قَسَم الأطباء وسط تصفيق من الجميع.
من جهتها، أشادت الدكتورة سامية حبيب أستاذ النقد بالمعهد العالي للنقد الفني، بالعرض الجديد، وقالت إن أهميته تكمن في أنه يتماسّ مع ظاهرة عانى منها كل سكان العالم. وأضافت في تصريحات خاصة لـ«الشرق الأوسط»: «تمكن المخرج خالد جلال من تنفيذ قصة مميزة عن الجائحة باستخدام تقنيات حديثة مبهرة، مبتعداً عن القتامة ومأساوية الوضع بلمحات كوميدية سريعة خففت من وطأة القصة، كما تألق الممثلون الشباب الواعدون ومن بينهم صلاح الدالي».
وتؤكد حبيب أن «الصورة الجمالية على المسرح كانت ثرية بفضل الإضاءة والديكور»، لافتة إلى أن «مشاركة ممثلين من جنسيات مختلفة زاد من جمالية العرض، وأكسبه ميزة إضافية، كما استطاع الممثلون بأدائهم الصادق خطف الأنظار ودموع المشاهدين».



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».