كتاب مصريون ينتقدون «جائزة ساويرس» ويصفونها بالشكلية

طالبوا بإدراج الشعر ضمن فروعها واختيار لجان تحكيم تتسم بـ«الحيادية»

كتاب مصريون ينتقدون «جائزة ساويرس» ويصفونها بالشكلية
TT

كتاب مصريون ينتقدون «جائزة ساويرس» ويصفونها بالشكلية

كتاب مصريون ينتقدون «جائزة ساويرس» ويصفونها بالشكلية

انتقد كتاب وروائيون مصريون جائزة «مؤسسة ساويرس الثقافية»، رغم تشديدهم على أهميتها، ولفتوا إلى أن جوائزها صارت شكلية، وأن هناك استئثاراً من جانب بعض دور النشر بها، كما أن لجان تحكيمها غالباً ما تفتقر إلى الحيادية، فضلاً عن تكرار الحاصلين عليها أكثر من مرة.
وحذَّر الكُتاب - ومنهم من فاز بها - من أن تفقد الجائزة جديتها وقيمتها.
هنا تحقيق حول الجائزة التي احتفلت قبل أيام بدورتها السابعة عشرة.

الروائي رشيد غمري: تدوير الفائزين ولجان التحكيم
عدد الجوائز الأدبية العربية على العموم ضئيل للغاية، إذا ما قورن مثلاً بعدد الجوائز التي تُمنح في فرنسا وحدها، وتصل لحوالي ألفي جائزة سنوياً، تمثل حافزاً كبيراً بالنسبة للأدباء. وتعد جائزة ساويرس من حيث المبدأ إضافة مهمة؛ لكن هذا بالطبع لا يمنع أن لي ملاحظات عليها. كنت أتمنى ألا تصاب بالداء الذي تعاني منه أغلب الجوائز العربية التي تقوم على حسابات خاصة بخلاف جودة العمل المرشح. وقد لاحظت مع آخرين أنه جرى خلال عمر الجائزة تدوير الفائزين ولجان التحكيم من ناحية، ومنح الجوائز لدور نشر بعينها فيما يشبه «الكوتة».
ويمكن ببساطة ملاحظة الدوائر الفاعلة في الجائزة، والمتحكمة فيها، والمستفيدة منها، بمجرد رصد الفائزين على مدى السنوات الثماني الأخيرة؛ حيث سنجد نصيب الأسد لكُتاب هم في الوقت نفسه صحافيون ثقافيون في أماكن بعينها، وعدد من دور النشر ضمن شبكة علاقات مهنية وشخصية، يجري توزيع الجوائز بينهم، بينما يتبادل بعضهم المواقع في لجان التحكيم، مما يلقي ظلالاً من الريبة، ويفقد الجائزة حضورها وقيمتها عاماً بعد عام.
ورغم ذلك فنحن لا نريد هدم الجائزة ولا تشويهها؛ بل نرغب فقط في أن تصلح مسارها، بتعيين إدارة مختلفة، واعتماد لجان تحكيم أكثر حيادية. وتطبيق معايير موضوعية دون التفات لحسابات العلاقات الشخصية، ومكاسب دور نشر بعينها، فالجائزة كان يمكن أن تكون فرصة لكتاب تنويريين، ولديهم أفكار جديدة، ورؤى فنية مغايرة.
صحيح أن بعض الفائزين بالجائزة كُتاب جيدون؛ لكن مجمل النتائج يكشف أن المعيار الأدبي ليس وحده ما يحكم لجان التحكيم.
أما فيما يتعلق بجوائز «المجلس الأعلى للثقافة» وجوائز الدولة على العموم، فلا أظن أن هناك أي تعارض، ونحن بحاجة إلى عشرات الجوائز؛ لأن لدينا أعداداً متزايدة من الكُتاب المبدعين.
أعتقد أن هناك استبعاداً متعمداً للشعر، بحجة أنه ليس زمنه، كما أن قصيدة النثر التي يُفترض أنها التعبير الملائم للعصر، لم تصل بعد إلى كثير من القراء. وأظن أن هذا أدعى لتخصيص مزيد من الجوائز للشعر.

الكاتب عبد الوهاب داود: لا دور ثقافياً لها
أظن أن جوائز عائلة ساويرس لم يعد لها أي دور ثقافي منذ دوراتها الأولى، لا سلبياً ولا إيجابياً، اللهم إلا منح بعض النقود لأشخاص يحترفون العمل الثقافي، سواء في لجان التحكيم، أو الكتابة، حتى أنه لم يعد ينتظرها أحد، ولا يعقد عليها أملاً سوى من يمرون بضائقة مالية، أو من يبحثون عن أي بارقة اعتراف بكتابتهم الباهتة.
وأذكر أنني حضرت جلسة كان يتصدرها الكاتب الراحل سعيد الكفراوي، في الدورات الأولى للجائزة، كان يتحدث عن دوره في لجنة تحكيم الرواية، وأذكر أنه قال ما معناه أن اللجنة استبعدت كل الروايات التي تقدم بها صحافيون، لا لشيء إلا لأنهم يكسبون جيداً، ولديهم مساحات للنشر، وما زلت أذكر عبارته جيداً: «ح نديها لكلاب السكك، ولا ياخودهاش صحفي»! ساعتها ضحكت، وتحسرت على بؤس الثقافة والمثقفين المصريين، وأدركت طرفاً من مأساة الجوائز في عالمنا العربي. فأغلب الظن أن أي جهة مانحة تتصدر أهدافها قيمة الجائزة المعنوية، فهي تبحث لنفسها عن مكانة ما لدى الكُتاب والقراء، ولدى المجتمع الذي تعمل فيه؛ لكن ما يحدث من لجان التحكيم في الغالب هو ما يفقد هذه الجوائز مكانتها ومصداقيتها.
ولك أن تتأمل أسماء من فازوا بهذه الجائزة على مدار سنواتها، ومنهم –مثلاً- كاتب فاز في إحدى الدورات بأفضل رواية للشباب، وبعدها بعامين فاز بأفضل سيناريو، ثم رواية كبار الكتاب، وآخر فاز بجائزة المسرح، وقبلها جائزة القصة القصيرة، وقبلهما جائزة الرواية!
عائلة ساويرس تعمل في مجال الإنتاج السينمائي، فبماذا –مثلاً- نفسر أنها لم تنتج أي سيناريو من السيناريوهات الفائزة بجوائزها طوال 16 عاماً؟ لماذا لم تحوِّل ولو رواية واحدة من روايات الفائزين إلى فيلم؟

الروائي والمترجم أشرف الصباغ: مجرد وسيلة مالية
موضوع الجوائز شائك جداً، وخصوصاً عندما يكون كل أعضاء لجان تحكيم هذه الجائزة أصدقاء. وفي الحقيقة هناك لغط كثير حول جائزة ساويرس. أنا أستشعر الحرج في الحديث. وأود ألا أسبب لهم أي إحراج. ولكنني ممتن جداً لأنهم يحصلون على مقابل مادي لجهودهم في التحكيم يعينهم على مواجهة أعباء الحياة. وهذا أمر جيد، ومن أهم فوائد هذه الجائزة.
الأمر الآخر، هو أن أجيالاً مختلفة تحصل على جوائز ساويرس. وهذا شيء مهم. وفي الواقع القيمة المالية هي أهم ما في هذه الجائزة، لتساعدهم قليلاً على مواجهة الفقر وتدني مستوى المعيشة. وعموماً: غالبية الجوائز المصرية والعربية تكمن قيمتها الحقيقية في القيمة المادية. وهذا ما يفرحني وما يجعلني أتحدث عن هذه الجوائز باهتمام شديد. لكن دعونا من مسألة الإبداع؛ لأن الإبداع وقيمته يكمنان في المادة المكتوبة وليس في الجوائز. يجب ألا نخلط الأمور حتى لا نفسد فرحة الحصول على أموال تساعدنا على مواجهة الفقر والبطالة.
جائزة ساويرس لا تنافس أي جائزة. ولا توجد جوائز في مصر ينافس بعضها البعض الآخر. إنها مجرد وسيلة للحصول على مكافأة مادية (أموال) لمواصلة الحياة، وربما الكتابة أيضاً، ومواصلة المشاركة في اللجان، وإحداث حالة حراك حتى وإن كانت شكلية.
وبالطبع، هذه الجوائز -سواء كانت خاصة مثل «ساويرس»، أو حكومية مثل جوائز «المجلس الأعلى للثقافة» وجوائز الدولة وغيرها- كلها تختلف في شيء واحد فقط؛ في قيمتها المادية لا أكثر ولا أقل.
وأنا في الحقيقة، أناشد منظمي هذه الجوائز والقائمين عليها زيادة قيمتها؛ لأن الكُتاب والشعراء يعانون، وليست لدى غالبيتهم مصادر للرزق.

الروائي حاتم رضوان: الجوائز ظاهرة صحية
تعدُّد المؤسسات المانحة للجوائز الأدبية ظاهرة صحية، فكلما زاد عددها أعطت فرصة أكبر لعدد من المبدعين للفوز بها، كما أن قيمتها المادية قد تعوِّض المبدع عما يعانيه من صعوبات كثيرة في النشر والانتشار.
وبالنسبة لجوائز ساويرس، لا أعلم الآلية المتبعة في التحكيم؛ خصوصاً في مراحل التصفيات الأولية، والتي أرى أنها قد تظلم بعض الأعمال التي تستحق الوصول للقوائم القصيرة، على حساب بعض الأعمال لقلة من المبدعين، وليس كلهم ممن أعتقد أنهم مفروضون عليها، أو تحوطهم شبهة مجاملة.
وبالتأكيد فإن لكل محكم ذائقته الخاصة التي قد تؤثر في الاختيارات النهائية. وكذلك لا توجد جائزة عادلة بنسبة مائة في المائة، ولكن في النهاية فإن معظم من فازوا بجوائز ساويرس يستحقونها، ولا أعتقد أن جائزة ما يمكن أن تسحب البساط من جائزة أخرى؛ لكن لي ملاحظة على جوائز الدولة التي أعتقد أنها في كثير من الأحيان تتبع سياسة «الدور»، وليس الأفضل.
وهناك علامة استفهام كبيرة في جائزة ساويرس، وهي عدم تخصيص جائزة للشعر، وهذا سؤال يوجه للهيئة المؤسسة للجائزة. ولا أعتقد أن السبب تدني مستوى الشعر؛ لأن مصر زاخرة بالشعراء المجيدين، وهناك جوائز مخصصة له.

الكاتبة وسام سليمان: أين السيناريوهات؟
رأيي أن الجائزة الأجدر للسيناريو أن يتم تحويله إلى فيلم، وبما أن هناك اعترافاً من جانب اللجنة -وهي تضم شخصيات سينمائية بارزة مثل الفنان بشير الديك، وكمال رمزي- بعدد من السيناريوهات الجيدة بالفعل، فمن الأَوْلى أن تكون الجائزة دعماً لتنفيذ الفيلم أو إنتاجه.
في البداية، كان صيت الجائزة يلفت نظر المنتجين، وهناك أفلام ظهرت بالفعل كانت فازت بجائزة ساويرس، مثل «واحد صفر»؛ لكن يبدو الآن أن المنتجين صاروا بعيدين جداً عن الاهتمام بها، وهو ما جعل الجوائز تأخذ طابعاً شكلياً.
لماذا نشكو من قلة السيناريوهات، أو من عدم وجود أعمال جيدة منها؟ فالجائزة ولجنة تحكيم السيناريو تشير إلى أن هناك كُتاباً جيدين يحصلون على جوائز، فأين تكمن المشكلة إذن؟ وما الموانع التي تعوق تحويل تلك السيناريوهات إلى أفلام يراها الناس، ويفرح بها كاتبها؟
الجوائز لا تأخذ قيمتها من العمل نفسه، وهو غالباً لا يُرى ولا تتم قراءته؛ لأنه سيناريو. وأنا لهذا أشعر ببعض الغضب، ولدي أمنيات أرجو أن تتحقق وتتحول جوائز السيناريو إلى نوع من الدعم لتنفيذ وإنتاج الفيلم، وليس مجرد جائزة محددة بمبلغ مادي. فرأيي أن الجائزة الحقيقية التي يحصل عليها السيناريست يجب أن تتحدد في شيء واحد فقط، هو أن يرى روايته على شاشة السينما.



الفن المعاصر من الجمالية إلى صناعة القيمة

المؤرخة أود دو كيروس
المؤرخة أود دو كيروس
TT

الفن المعاصر من الجمالية إلى صناعة القيمة

المؤرخة أود دو كيروس
المؤرخة أود دو كيروس

لعل من أهم سمات الكتابات النقدية المواكبة لتحولات الفن المعاصر عبر العالم، تلك التي تقرنه دوماً بمسعى الانزياح الجذري بدلالات كلمة «فن»، على نحو يجعله معاكساً في كثير من الأحيان لتقاليد التشكيل البصري الخاضع للقواعد، في الرسم والصباغة والنحت، ومناهضاً لثقافة التحفة المرتكزة على مفاهيم فلسفية، متصلة بأذواق نخب محدودة ذات تكوين فني متين. لتنتقل إلى كونها شاملة لـ«أغراض» تجارية متباينة، موجهة لطبقة جديدة من الأثرياء، منفصلة عن المعايير الجمالية والأكاديمية المستقرة، وخاضعة لنوازع استهلاك المنتج الفاخر، وما يتصل به من رغائب إبراز الرفاه. وهو الفهم الذي يبرز للنظر انتقال الفن من وضع «التعبير الثقافي» إلى كونه تمثيلاً «لانتماء طبقي».

في هذا السياق، يتموضع كتاب «الفن المعاصر، التلاعب والجغرافيا السياسية» (منشورات إيرول، باريس، 2025) - Art contemporain, manipulation et géopolitique- وهو الإصدار الأخير للناقدة ومؤرخة الفن الفرنسية أود دو كيروس Aude de Kirros، التي اكتسبت شهرتها عبر العقود الثلاثة الأخيرة بوصفها من أكبر الباحثات المرتابات في واقع الفن اليوم، ومن أشد المعترضين على اختراقات الفن المعاصر لقواعد التشكيل البصري، ومن أكثر النقاد تشدداً في تحليل معايير تصنيف الأعمال ومنحها معادلات مالية. هي القادمة إلى عوالم الأروقة والمتاحف ومزادات الأعمال الفنية من مسار تعليمي توزع بين معهد الدراسات السياسية، وكلية الحقوق، ومحترفات الحفر (الغرافيك) في باريس، لتنتج أعمالاً بنكهة فلسفية لا تخفي تولعها بالسياسة والاقتصاد والسوسيولوجيا، من قبيل: «الفن الخفي، المنشقّون عن الفن المعاصر»، و«السنوات السوداء للرسم: 1983 – 2013»، و«قداسة الفن المعاصر، الأساقفة والمفتشون والمفوّضون»، و«خديعة الفن المعاصر، طوباوية مالية». إصدارات جعلت إسهاماتها المكثّفة في الحياة الفنية تتجلى عبر إدراك ناضج لعمق التحوّلات التي شهدها الفن عبر أصقاع الكون.

يتناول الكتاب موضوع الفن المعاصر في صلاته بما يمكن وسمه بـ«صناعة القيمة»، عبر تحليل نقدي لسوق الفن المعاصر، يضع تحت مجهر الاختبار السياقات الجيوسياسية والاقتصادية العالمية، متجاوزاً التحليل المستند إلى قراءة وتأويل مرتكزات الخطاب الجمالي البحت؛ إذ تناقش أود دو كيروس تلك المرتكزات بوصفها عتبات لما بعدها، انطلاقاً من افتراض نقدي يرى أن الفن المعاصر، خاصة الأعمال التي تباع بأسعار خيالية، لا تعكس في وضعها ذاك «ذوقاً» أو «تعبيراً فنياً» فقط، عبر صور لا تخلو من تطرف، بل إنها غدت، على نحو ظاهر، تتخطى منطلقات الأسلوب «المفاهيمي»، الزاهد في أشكال اللوحة والمنحوتة المأثورتين، لتتحول إلى أداة نافذة شديدة التأثير في أيدي النخب والمؤسسات المالية والجهات الحكومية، توظفها بحرص ووفق شروط معقدة لخدمة مصالحها الخاصة. وبتعبير الباحثة في إحدى فقرات الكتاب: «لقد توقّف الفن المعاصر عن أن يكون مجرد مفهوم صرف، محصور تداوله في دائرة صغيرة من (السعداء المعدودين) الذين يتغذّون على غموضه. وأصبح فنّاً (جامعاً لكل شيء)، يضمّ كل المفاهيم: الفن، والموضة، والتصميم، وما سوى ذلك» (ص 16).

يمتد الكتاب على 4 فصول، ومقدمة، وخلاصات، وفهارس، في أزيد من 350 صفحة، تتخذ العناوين الفرعية التالية: «فنون في زمن الحرب» وهو الفصل الأول المشتمل على مبحثين، تدرس في الأول «البدايات الطوباوية للفن العالمي ما بين 1917 - 1991»، وتعالج في الثاني «التحوّل ذو الطابع الهيمني للفن ما بين 1990 - 2000 »، وتخصص الفصل الثاني: لـ«الحقبة العالمية في عقدي 2000- 2020» وتتناول فيه عبر مبحثين قضايا: «أوج النموذج الهيمني»، ثم «بزوغ العصر متعدد الأقطاب»، وتتناول في فصل ثالث: «خرائطية الفن المعاصر: من الهيمنة إلى التنافس»، وفي الفصل الرابع والأخير الموسوم بـ«قوى جديدة وتقنيات جديدة: ثورة الفن عالمياً»، تخوض في تحولات العقود الفنية الأخيرة عبر مبحثين، أولهما عن: «آخر حروب الفن، سنوات 2010–2020»، والثاني عن «التحولات النسقية للفن المعاصر ما بين 2020–2024».

والحق أن التحليل النقدي في هذا الكتاب، الذي لا يخلو من نبرة سجالية ملحوظة، يذهب في مجمله إلى تبني نظرة تاريخية محكومة ببنية الصراع السياسي - الاقتصادي، حيث يوَظَّف الفن المعاصر، من جهة، من حيث هو نتاج لقضايا العنصرية والعولمة وتغير المناخ والتحول الجنسي... ومن جهة ثانية، بوصفه حصيلة للتحكم المؤسساتي، وهو ما يبرر الانتشار السريع لتيارات الفن المعاصر المتفاقمة عبر العالم، وسعيها لإخضاع ما سواها. ولا غرابة بعد ذلك أن لا تالو الباحثة جهداً في إبراز أن عالماً يفيض بالصور والعروض والاحتفالات الفنية، التي روّجت لها إقامات فنية وأروقة ومتاحف شهيرة عبر العالم من نيويورك إلى سيدني، ومن لندن إلى باريس ومن داكار إلى دبي،... أصبح معها الفن المعاصر المدعوم مؤسساتياً والمسنود مالياً، عبر سياسات حكومية شتى، الأكثر حضوراً، على نحو يغمر المشهد بشكل شبه كلي، حيث بات يشكل واجهة براقة تحجب خلفها ما تبقى من تجارب فنية أخرى.

وغير عصي عن البيان أن هذا الوهج المتصل لا يكشف حقيقة الفن، بل يخلق واجهة مكتفية بذاتها، بحيث يبدو كل ما يقع خارج دائرة الضوء كأنه غير موجود أصلاً. وشيئاً فشيئاً تنزلق أعمال استثنائية كثيرة من داخل هذا المشهد المزدحم إلى منطقة العتمة، لا لأنها تعجز عن التأثير، بل لكونها تفتقد لمجال يسمح لها بالتجلي. ومع مرور الوقت، لا تتوارى هذا التجارب إلى الخلفية فحسب، بل تُدفَع إلى حالة من الانمحاء تجعل وجودها نفسه موضوعاً للشك، ويحتاج من يشتغل عليها إلى إثبات أنها ما تزال حية.

ولا ينفصل الدور التحكمي للمؤسسات الفنية الكبرى من إقامات وأروقة ومتاحف، التي تسلط أود دو كيروس عليها الضوء، عن وظائف المُموِّلين الخواص، وبعض الحكومات في تشكيل الذوق العام، والتلاعب بقيمة الأعمال الفنية، ما يُرسخ هيمنة المركز الغربي على المشهد الفني العالمي من جهة، ولا يترك لمفاهيم من قبيل «الجمهور الفني» و«جامعي الأعمال الفنية» و«تلقي المعارض»، دلالات واضحة، خارج ما تكسبها إياه تلك المؤسسات والسياسيات المتصلة بها، بحيث يتجلى الأمر كما تبرزه الباحثة في أكثر من موضع في الكتاب، من حيث هو «صناعة» لاعبين كبار، لهم قدم في الواجهة البراقة لأعمال «التركيب الفني» و«الهوت كوتير» و«تصاميم المجوهرات» و«أعمال الديكور»... وقدم في الخلفية المعتمة للمال ورهاناته ومضارباته ومآزقه.

ولا جرم بعد ذلك أن تكون «صناعة القيمة» تعريفاً مهذباً لما يمكن أن يكون عليه «التلاعب بسوق التحف»، وسرعان ما تكشف الباحثة الفرنسة، التي تعلن عن نفسها كأحد أصوات مقاومة هذا الدور التحكمي، عن آليات التلاعب التي تُمارس في هذا القطاع، من خلال وسطاء يجعلون القيمة تبدو غير طبيعية، بل «مُؤمَّنة» من خلال شبكة مغلقة، يتم فيها تحديد الأسعار وتضخيمها، عبر تكتلات من جامعي التحف والمستشارين وصالات المزادات الكبرى، ما يخلق نوعاً من التداول من الداخل (délit d’initiés)؛ إنها شبكة الوسطاء نفسها التي تنتهي إلى قولبة «العمل الفني» وأصحابه، باعتبارهم «منتجات» يتم الترويج لهم، وفقاً لمنطق السوق، بدلاً من الجدارة الفنية. ما دامت أعمال الفن المعاصر لم تعد تقيَّم، بناء على معايير جمالية أو فنية، بل أصبحت تدار باعتبارها منتجاً مالياً مشتقاً، داخل سوق يمكن وسمها حسب الباحثة بـ«يوتوبيا مالية» (Utopie financière) تُنتج قيمة لأشياء قد لا تمتلكها في الأصل.

يتبنى الكتاب في مجمله نظرة تاريخية محكومة ببنية الصراع السياسي ــ الاقتصادي

وتدريجياً تخلص أود دو كيروس، عبر مباحث الكتاب وفصوله، إلى محصلة، تتولى فيها تلك المؤسسات المتحكمة في القيم الفنية وما يوازيها من أنصبة مالية، تشريع سوق لا يعكس حقيقة المنجز، بل حقيقة افتراضية متواضع عليها من قبل سلسلة الوسطاء، الأمر الذي سيسهل معه أن تتحول الأعمال الفنية التي باتت لها تلك القدرة التجريدية الكبرى للقيم المنقولة، إلى جعل سوق الفن ملاذاً مالياً، يعتبر مرتادوه من رجال أعمال، ومنتهزي فرص، ومغامرين، الأعمال الفنية بمنزلة أصول آمنة مربحة، خاصة بعد الأزمات الاقتصادية الكبرى، مثل أزمة 2008، التي لاحظت الكاتبة بصددها أن سوق الفن (على عكس الأسواق الأخرى) استمر في تسجيل مبيعات قياسية، ما دلّ على انفصاله عن الاقتصاد الحقيقي وتحوله إلى مكان آمن لاستثمار الأرصدة الجامدة، بالقدر نفسه الذي مثّل فيه فضاءً تبادلياً استثنائياً لغسيل الأموال، والتهرب الضريبي. وبتعبير الباحثة، فـ«جيل جامعي التحف الفنية الذي كان يحدّد الذوق في نهاية القرن العشرين لم يعد موجوداً. كان هذا الجيل أنغلوساكسونياً وأوروبياً، غنياً ومثقفاً أو راغباً في أن يكون كذلك. أما الموجة الجديدة فهي تتجاوزه في الثراء، ولم تعد لكلمة (فن) في عرفها المعنى نفسه... لهذا من الطبيعي أن تتكيّف دور المزادات لتقدم لهذا الجيل الجديد مزيجاً بارعاً، وغير متجانس، مما قد يرغب في استهلاكه؛ من العمل الفني إلى حقيبة اليد، ومن غرض التصميم إلى الموضة» (ص 15- 16).

ولعل تحول دلالة «الفن»، واختلال توازن القيمة الإبداعية والمالية، وخضوع أثمان التحف لتحكم مؤسسات كبرى، مع اتساع سوق الفن ليشمل صناعات فاخرة شتى تغري بالاستثمار، كلها عوامل أسهمت بحسب كتاب «الفن المعاصر: التلاعب والجغرافيا السياسية» في الرهان على القوة الناعمة للفن، ليس داخل الاقتصاد فقط، بل ضمن سياقات جيوسياسية متعددة، حيث أضحى سوق الفن ساحة معركة غير مباشرة بين القوى التقليدية (أوروبا والولايات المتحدة) والقوى الصاعدة (الصين ودول الخليج)، هذه الأخيرة التي دخلت مضمار المنافسة بخطط مستقبلية لتَبْيِئَةِ منتجات الفن المعاصر ضمن محيطها، ليس بهدف اكتساب شرعية ثقافية مضافة فقط، بل بقصد تحدي الهيمنة الغربية القديمة. إنه التنافس ذاته الذي ضاعف من أسعار الأعمال الفنية، وحوّلها إلى «سلاح» في أيدي النخب المالية والسياسة المتصارعة. وبتعبير موجز، فقد مثّلت الجغرافيا السياسية للفن، بحسب أود دي كيروس، السبيل إلى الكشف عن «تحوّل العمل الفني من كونه قيمة جمالية إلى رمز للقوة»، ونقطة ارتكاز في شبكات النفوذ العالمية التي تربط بين الإبداع والمال، والسلطة، والعلاقات الدولية في عالمنا المعاصر.


«فلسفة الضحك» عبر التاريخ كما يرويها العقاد

عباس محمود العقاد
عباس محمود العقاد
TT

«فلسفة الضحك» عبر التاريخ كما يرويها العقاد

عباس محمود العقاد
عباس محمود العقاد

رغم أن الطبعة الجديدة التي صدرت عن الهيئة المصرية العامة لقصور الثقافة من كتاب «جحا الضاحك المضحك»، توحي بعمل مخصص لأشهر شخصية ساخرة في التراث العربي، فإن عباس محمود العقاد (1889 – 1964) اختار كمفكر من طراز خاص أن يكرس المساحة الكبرى من كتابه لمناقشة «فلسفة الضحك» عبر حقب زمنية مختلفة.

البداية كانت من عند أفلاطون؛ إذ ذكر المضحكين والمضحكات وهو يبحث عن مكانهم في «مدينته الفاضلة» أو جمهوريته المثالية التي أراد أن يقصرها على الأفاضل والمأمونين، وأن يجنبها عوارض النقص والرذيلة، فبدا له أن الشعر موكل بالجانب الضعيف من الإنسان، بغير تفرقة بين شعر المأساة وشعر الملهاة.

ويرى الفيلسوف اليوناني الأشهر أن الإنسان الكريم يأبى أن يستسلم للبكاء إذا أصيب في عزيز عليه بشكل شخصي، لكنه لا يبالي أن يبكي أو يحزن إذا رأى هذا المنظر معروضاً عليه في مسرحية مفجعة؛ لأن البكاء يخدعه في هذه الحالة ويوقع في روعه أنه يبكي لغير مصابه فيتغلب على نفسه في سبيل غيره. والإنسان الكريم يأبى أن يتفوه بالعبارات الكوميدية أو التراجيديات المضحكة، ولكنه يستسلم للضحك إذا سمعها محكية في رواية هزلية يمثلها المسرحيون أمامه.

وليس بالشيء الجيد، وفقاً له، أن يكون في «الجمهورية الفاضلة» إنسان يغلب على وقاره الضحك أو البكاء على نحو يحطّ من منزلة البشر في صورتهم المثالية. إن نزلاء جمهوريته «يجب أن يتساموا على مشاهد الهزل التي لا تليق إلا بالعبيد والأجراء». ومن هنا أثنى على المصريين؛ لأنهم يعلمون الأبناء الموسيقى والرقص قياماً بالشعائر والطقوس في المعابد، ولكنهم لا يسمحون للشعراء بخلط الألحان بالأغاني المبتذلة، أو تركيب القصائد الموزونة على رقص الخلاعة والمجون.

وكانت خلاصة رأيه في كتاب «الجمهورية» وكتاب «القوانين» أن الشعراء يحسنون صناعة القصائد ويستحقون من أجل ذلك أكاليل الغار «ولكن ليلبسوها ويخرجون من المدينة الفاضلة إلى حيث يشاءون».

ولم يذكر أفلاطون سبب الضحك إلا في كلمات قليلة خلال هذه المباحث الأخلاقية، وهو يرى في تلك الكلمات أن الضحك مرتبط بالجهل الذي لا يبلغ مبلغ الإيذاء، وأن الشعراء يضحكوننا حتى يحاكوا أولئك الجهلاء، ولكنهم «إذا طرقوا موضوع الملحمة أو المأساة عظموا الطغيان وجعلوا رواياتهم حكاية لأعمالهم، فلا أمان لهم في محاكاة الجهل ولا في محاكاة الطغيان».

وكان أرسطو أدق من أستاذه في تعبيراته وتصنيفاته لأقسام الشعر؛ لأنه وضع فيها مبحثاً خاصاً بـ«المسرحيات المضحكة» التي تتبع تطورها منذ أن كانت نوعاً من الهجاء والأغاني الشهوانية إلى أن أصبحت موضوعاً للإضحاك والتسلية. وهو يرى أن الضحك نوع من أنواع الدمامة أو التشوّه، لكن بدرجة لا تبلغ حد الإيلام. وفي نبذة منسوبة إليه من رسالة مقطوعته، طُبعت في برلين سنة 1899، يؤكد على الدور التطهري للضحك قائلاً:

«إن الملهاة تطهر النفس كما تطهرها المأساة؛ لأن النفس المطبوعة على الرحمة أو على حسن الذوق تجد في المأساة والملهاة منصرفاً لما تنطوي عليه من العطف والشوق إلى الكمال واجتنابه التشويه».

ويرى العقاد أن كلا الفيلسوفين قد أخطأ في فهم المأساة والملهاة على أنها نوع من التقليد والمحاكاة؛ لأن «الشعر المسرحي يعرض الفواجع بتمثيل أناس يحاكون المصابين بها في حركاتهم وأقوالهم، وكذلك يفعل بالمضحكات والملهيات. ويندر بين فلاسفة القرون الوسطى من نظر إلى الضحك نظرة جدية ورآه يتضمن حكمة تجعله جديراً بالبحث عنه وعن أسبابه، لانصرافهم إلى البحث في الأصول الدينية وأسرار ما وراء الطبيعة. ولعل فلاسفة اليونان الأقدمين كانوا على هذا الرأي، ولم يبحثوا ولو بعض البحث في الضحك وأسبابه إلا في طريق بحثهم عن التراجيديا والكوميديا مع رجوع هذه في أساسها إلى سير الأرباب وطقوس المعابد».

ويرى العقاد أنه «إذا كنا نعيب على الثقافة القديمة قلة البحث في الضحك وأسبابه، فإن الثقافة الحديثة كانت على النقيض، حيث اهتمت به على نحو يكاد يكون مبالغاً فيه باعتباره مؤشراً على مزاج هذه الأمة أو تلك، ويكشف عن طبيعتها باعتباره مكوناً أصيلاً من مكونات الثقافة العامة، ولا يقل أهمية في ذلك عن الأدب والتراث الشعبي. ومن أبرز الأمثلة لذلك كتاب (الضحك) الذي صدر للفيلسوف الفرنسي هنري برغسون عام 1911، والذي تجاوز عدد مراجعه الأربعين مرجعاً».

ويعود هذا الإفراط في الكتابة عن الضحك، كما يرى العقاد، إلى سبب مهم يتمثل في نشأة علم الذوق أو علم الجمال الذي ينظر في الفروق بين الجميل والجليل والمضحك كما تعرضها الفنون الجميلة، لا سيما الأدب المسرحي؛ إذ أصبح البحث عن المضحك والمبكي والحسن والقبيح مقروناً بالبحث فلسفياً عن المقدس والقداسة في شعور الإنسان وممارساته.

ويرى برغسون، كما يضيف العقاد، أننا «لا نضحك إذا رأينا إنساناً يتصرف تصرف الآلة ويقيس الأمور قياساً آلياً لا محل فيه للتميز المنطقي، ولكننا نضحك في الجماعة عامة ولا نضحك منفردين؛ لأن الضحك تنبيه اجتماعي أو عقوبة اجتماعية لمن يغفل عن العرف المتبع في المجلس أو في المحفل أو في الهيئة الاجتماعية بأسرها. والضحك عنده إنساني بمعاني الكلمة، فلا يُشاهَد في غير الإنسان، ولا يستثيرنا في غير عمل إنساني أو عمل نربطه بالإنسان».

كما أننا لا نضحك من منظر طبيعي أو من جماد كائناً ما كان، إلا إذا ربطناه بصورة إنسانية وجعلناه شبيهاً بإنسان نعرفه أو منسوباً إلى عمل من أعمال الناس، وقد نضحك من قبعة نراها، فلا يكون الضحك منها نفسها، بل من الإنسان الذي يلبسها ونتصور هيئته فيها، كما يقول.

ومن شروط الأمر المضحك عند الفيلسوف برغسون أن يحصل في جماعة أو يرتبط بالتصرف الجماعي، فقلما يضحك الإنسان على انفراد إلا إذا استحضر العلاقة الاجتماعية في ذهنه. وقلما ننظر إلى أحد يضحك على انفراد إلا خامرنا الشك في عقله، ما لم يكن له عذر نعلمه!


تاريخ العرب في الأندلس من منظور إنساني

تاريخ العرب في الأندلس من منظور إنساني
TT

تاريخ العرب في الأندلس من منظور إنساني

تاريخ العرب في الأندلس من منظور إنساني

في روايته الجديدة «ولا غالب» الصادرة أخيراً عن دار «الشروق» بالقاهرة، يقدم الكاتب الكويتي عبد الوهاب الحمادي معالجة فنية ودرامية جديدة لتاريخ العرب في الأندلس من منظور إنساني يعلي من قيمة التسامح وقبول الآخر ويستنكر منطق الإقصاء بين الشرق والغرب.

على تلال غرناطة تلتقي أربع شخصيات معاصرة تطاردها أزماتها الشخصية في زماننا الحالي وقد دلفت عبر «بوابة الزمن» لتستيقظ في عام 1492 عشية سقوط المدينة حيث وجدوا أنفسهم أمام مهمة إنقاذ غرناطة من مصيرها المحتوم كآخر قلاع العرب في بلاد الأندلس. تمنح الرواية الشخصيات أحد خيارين: تغيير مجرى التاريخ أو أن يصبحوا ضحاياه الجدد، لكن كيف لأربعة غرباء يحمل كل منهم ندوب صدمته الخاصة أن يغيروا مصير الأمة الأندلسية؟

وسبق أن صدر للمؤلف عدة أعمال منها «سنة القطط السمان» التي وصلت إلى القائمة القصيرة لجائزة كتارا للرواية العربية، كما صدر له كتاب «دروب أندلسية» في أدب الرحلات.

من أجواء الرواية نقرأ:

على تل أخضر أمامي، استوى قصر الحمراء مثل شيخ شاحب ممدد على سرير مستشفى، لم يقتص المرض من وسامة تالدة. لطخت الشمس الآفلة غيوماً، تلتحف سماء غرناطة بلون النارنج. نظرت إلى الساعة في معصمي، قاربت السابعة أعدت لف الشال المغمور بعطرها حول رقبتي أحميها من صقيع نهايات ديسمبر فغمرتني رائحة الليمون. أغمدت كفي في جيبي، ضحكة شبان ورائي ونغمات عازف غيتار يصدح بغناء إسباني مكلوم. جميع الأعين وفرقعات آلات التصوير تحاول أن تقتنص جمال الشيخ على سريره الأخضر، لولا الحمراء لما أمسى لهذا المكان معنى لهم ولولاك ياصاحبة العطر، لما كان للحمراء معنى لي.

فهمت الآن لماذا كنت ياغادة تحبين هذه المدينة الواقعة خارج خريطة السياحة العربية غرناطة، ولماذا كنت تقرئين قبل النوم كتباً مصورة عن الأندلس أو تنصتين لبرامج إذاعية تاريخية وتتنهدين في أواخر أبيات الشعر، أو ترهفين لوديع الصافي وفيروز يتناجيان موشحاً، غصة في قلبي لن تزول لفتوري عن تحقيق رغبتك في زيارة هذا المعلم.

تغافلت أن القدر قد يسلب منا من نحب وقد يسلبنا أنفسنا. كنت أؤجل وكنت ترضين بأعذار انشغالي: عيادة مكتظة، سعال مرضي، حالات طارئة تنزف، خفارات ليلية مرهقة، نحيب أطفال، إعداد أوراق مؤتمرات طبية، بل وتجدين أعذاراً تقنعك أو هكذا كنت تتظاهرين لأنك تدركين أن التاريخ لا محل له في تلافيف دماغي.أحب تنفس عطر الليمون عندما تدنين مني وتلقبيني هامسة بصانع المعجزات، صانع المعجزات الذي رحلت يا غادة بين يديه، أغمضت عينيك إلى الأبد دون أن يقدر على فعل أي شيء».