مكان تصوير «لورانس العرب» في إسبانيا يتحول إلى فندق للأشباح

هيكل فندق ألغاروبيكو بالقرب من ألميريا في إسبانيا (نيويورك تايمز)
هيكل فندق ألغاروبيكو بالقرب من ألميريا في إسبانيا (نيويورك تايمز)
TT

مكان تصوير «لورانس العرب» في إسبانيا يتحول إلى فندق للأشباح

هيكل فندق ألغاروبيكو بالقرب من ألميريا في إسبانيا (نيويورك تايمز)
هيكل فندق ألغاروبيكو بالقرب من ألميريا في إسبانيا (نيويورك تايمز)

سافر ديفيد لين إلى مقاطعة ألميريا الجنوبية النائية في إسبانيا لتصوير فيلمه الحائز على جائزة الأوسكار «لورانس العرب».
عن ذلك الأمر، قال بيتر بيل، الذي كان عدّاءً شاباً شارك في موقع التصوير: «جرى اختيار هذا الموقع لأنّه في الحقيقة كان مجرد صحراء جرداء تطل على بحر رائع». وشيد طاقم الفيلم نسخة طبق الأصل باستخدام الخشب الرقائقي لمدينة العقبة الساحلية المطلَّة على البحر الأحمر، في قاع نهر جاف يؤدي إلى شاطئ ألغاروبيكو، الذي كان مكاناً مؤقتاً للورانس وقواته، حيث رابطوا على ظهور الخيل.
على امتداد العقود التالية، تبدل شكل كثير من الأجزاء الأخرى من الساحل الإسباني، وأصبح من الصعب التعرف عليها، في ظل أعمال بناء وتشييد ضخمة بهدف جذب السياح ودولاراتهم. وبذلك، تكاثرت مدن المنتجعات، وتغلبت مراسي اليخوت على موانئ الصيد، وأصبحت ملاعب الغولف المساحات الخضراء المفضلة لجذب الزوار الأجانب، بمن في ذلك كثير من المتقاعدين من شمال أوروبا.
إلا أنّه حتى في ظل تحولات طرأت على ألميريا نفسها بسبب نمط الزراعة المعروف باسم الزراعة المحمية، فإنّ كثيراً من أراضيها ظلَّت نقية ووعرة وجافة ومليئة بالرياح، واستضافت القليل من أطقم الأفلام التي يحتل أدوار البطولة فيها نجوم أمثال كلينت إيستوود، وأورسون ويلز، ويول برينر، وجاك نيكلسون، لما تحويه من تضاريس خلابة جديرة بمغامراتهم السينمائية. ورغم ذلك، حتى يومنا هذا، لا يزال الوصول إلى ألمريا ينطوي على صعوبة نسبية، وغير متصلة بشبكة السكك الحديدية عالية السرعة التي تتقاطع مع بقية أرجاء إسبانيا.
وأيضاً لم تختفِ السياحة الجماعية من ألمريا تماماً، ويهيمن الآن على الشاطئ الذي شيدت فيه منذ سنوات مدينة العقبة السينمائية مشروع متناقض بنفس القدر، لكنه أكثر استدامة على نحو لافت، وأقل نجاحاً: فندق مكون من 21 طابقاً جرى التخلي عنه في وقت لاحق في لحظة كان المشروع على وشك الانتهاء منذ ما يقرب من عقدين. مع وجود ثلاث رافعات إنشائية لا تزال تحوم في الأعلى، يقف الفندق المهجور غير مستخدم وغير قابل للاستخدام في وسط واحدة من أكبر المحميات الطبيعية في جنوب أوروبا، محمية كابو دي غاتا نيجار الطبيعية.
وتدور التساؤلات التي تفرض نفسها على المكان اليوم، حول كيف يمكن إنجاز بناء الفندق أو ما يجب فعله مع جثته الخرسانية العملاقة الذي ظل محور معركة قضائية استمرت 15 عاماً. معركة تحولت بمرور الوقت إلى اختبار أساسي لمعرفة ما إذا كان باستطاعة إسبانيا تشجيع تنمية أكثر استدامة بقطاع السياحة الذي لطالما شكل قاطرة قوية يقوم عليه الاقتصاد الإسباني. وتؤكد ملحمة ألغاروبيكو على مشكلة خطيرة أخرى في إسبانيا، وفي أي مكان آخر، حيث تعمل العقارات كمحرك اقتصادي، تدور حول فكرة أنه عندما يتعلق الأمر بجهود تيسير السياحة، تتعرض الطبيعة لأضرار تفوق ما تشهده من إصلاحات.
في هذا الصدد، قالت بيلار ماركوس، عالمة الأحياء المعنية بإدارة مشروعات التنوع البيولوجي الإسبانية لدى منظمة «غرينبيس»، منظمة بيئية غير حكومية: «يمثل استمرار وجود فندق ألغاروبيكو في حد ذاته لغزاً، لكن للأسف الحقيقة أنّ هذه ليست حالة منعزلة، وإنما هناك كثير من مثل هذه الحالات على امتداد الساحل الإسباني. لقد جرى تجاهل القوانين مراراً وتكراراً بحثاً عن المكسب المادي».
من ناحية أخرى، يتسم تاريخ الفندق بالتعقيد، إلا أنّ فهم الجدول الزمني يمكن أن يساعد في شرح كيف يمكن أن يحدث خطأ في مشروع سياحي عندما يغيب التوافق بين المصالح السياسية والمالية والبيئية.
عام 1987، أُعلنت غابو دي غاتا متنزهاً طبيعياً. وتغطي الحديقة ما يقرب من 150 ميلاً مربعاً من أراضٍ بركانية، تتضمن سهولاً مفتوحة وتلالاً شجرية وخلجاناً. كما تتضمن المنطقة عدداً قليلاً من قرى الصيد الموجودة ومستوطنات سابقة مرتبطة بمجال التعدين. وعندما شُيّد المتنزه، أعادت بلدية كاربونيس المحلية تسمية جزء من المنطقة المحمية باعتبارها أرضاً صالحة للبناء عليها. وفي نهاية الأمر، اشترتها شركة «أزاتا للتطوير العقاري» في إسبانيا، التي حصلت بعد ذلك على تصريح لبناء فندق على شاطئ البحر عام 2003، بينما المباني الأخرى الوحيدة المجاورة، فهي منازل خاصة بُنيت قبل إنشاء المتنزه.
وبحجة بناء الفندق، انتُهك وضع الحماية الذي يتمتع به المتنزه، الأمر الذي دفع النشطاء المعنيين بالبيئة للجوء إلى القضاء، وحصلوا على حكم قضائي يقضي بتجميد المشروع عام 2006، في وقت كان بناء الفندق بمراحله الأخيرة.
وأعقب ذلك معركة قضائية استمرت عشر سنوات، إلى أن قضت المحكمة العليا الإسبانية، بعد عدة استئنافات، بأنّ الفندق ينتهك قوانين حماية المتنزه.
بعد ذلك، بدأت معركة قضائية جديدة حول مَن يتعين أن يتحمل مسؤولية هدم الفندق، ومن يجب أن يدفع تكاليف إعادة تأهيل المناظر الطبيعية المحيطة به.
وعلى امتداد نظر القضية أمام المحاكم، صدر بشأنها أكثر من 20 حكماً منفصلاً، في الوقت الذي ظلت حالة الفندق في تردٍّ. اليوم، تقف الواجهة البيضاء للفندق مشوهة بكتابات على الجدران، وواحدة من النوافذ المطلة على الخليج عليها كلمة «هدم» باللغة الإسبانية مرسومة بأحرف زرقاء كبيرة.
وعلى عكس ما جرى تشييده من هياكل مؤقتة من أجل الأفلام فيما مضى، التي فُككت بسرعة بمساعدة القرويين المحليين، لا تبدو في الأفق نهاية واضحة للفندق الكارثي. وفي أحدث تطور على هذا الصعيد، قضت أعلى محكمة إقليمية في الأندلس، يوليو (تموز)، بأنه ليس من الضروري تدمير الفندق، لأن «أزاتا»، شركة التطوير العقاري، لديها رخصة بناء سارية. أما الشركة من جانبها، فلم تردَّ على طلب تقدمنا به إليها للحصول على تعليق.

* خدمة «نيويورك تايمز»



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».