قادة دول غرب أفريقيا يبحثون أزمة مالي

«إيكواس» تدرس فرض عقوبات جديدة على «السلطات الانتقالية»

صورة أرشيفية لدخول قوات الجيش إلى شوارع باماكو في 18 أغسطس 2020 (إ.ب.أ)
صورة أرشيفية لدخول قوات الجيش إلى شوارع باماكو في 18 أغسطس 2020 (إ.ب.أ)
TT

قادة دول غرب أفريقيا يبحثون أزمة مالي

صورة أرشيفية لدخول قوات الجيش إلى شوارع باماكو في 18 أغسطس 2020 (إ.ب.أ)
صورة أرشيفية لدخول قوات الجيش إلى شوارع باماكو في 18 أغسطس 2020 (إ.ب.أ)

عقد قادة دول غرب أفريقيا، أمس (الأحد)، اجتماعاً في أكرا لمناقشة الوضع في مالي، مع احتمال فرض عقوبات إضافية، بعدما اقترح المجلس العسكري في اللحظة الأخيرة جدولاً زمنياً جديداً لإعادة المدنيين إلى الحكم.
وقدم وزيران من الحكومة التي يسيطر على العسكريون، السبت، جدولاً زمنياً «انتقالياً» جديداً إلى المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) عشية القمة الاستثنائية في غانا حول مالي، التي شهدت انقلابين عسكريين منذ 2020 وتمر بأزمة أمنية كبيرة.
وقال مسؤول غاني كبير تتولى بلاده حالياً رئاسة «إيكواس»، وطلب عدم الكشف عن اسمه لعدم الإضرار بالمحادثات المقبلة، إن «الاقتراح المالي المضاد هو عملية انتقالية لأربع سنوات. إنها نكتة»، كما نقلت وكالة الصحافة الفرنسية.
وكان المجلس العسكري يطلب في بادئ الأمر مهلة تصل إلى خمس سنوات. وقال أحد الموفدَين الماليين، وزير الخارجية المالي عبد الله ديوب، للتلفزيون الوطني، السبت، إن الاقتراح الجديد قُدم بهدف «إبقاء الحوار والتعاون الجيد مع (إيكواس)»، بدون إعطاء تفاصيل عن مضمونه. ويبدو واضحاً أن هذه الخطوة تهدف إلى تهدئة غضب عدد من رؤساء الدول والحكومات المجتمعين في أكرا. ويبدو أن مدة الخمس سنوات تُنذر حتماً بعقوبات جديدة.
منذ الانقلاب الأول في أغسطس (آب) 2020، ثم الانقلاب الثاني في مايو (أيار) 2021 الذي كرس الكولونيل غويتا رئيساً للسلطات «الانتقالية»، تدفع «إيكواس» من أجل عودة المدنيين إلى الحكم في أقرب الآجال.
بالنسبة للمنظمة التي تُعد صدقيتها على المحك، إنها مسألة دفاع عن مبادئها الأساسية للحكم واحتواء انعدام الاستقرار الإقليمي. وحصلت بعد الانقلاب الأول على تعهد من جانب العسكريين بتنظيم انتخابات تشريعية ورئاسية في فبراير (شباط) 2022.
وخضع آنذاك المجلس العسكري الذي كان يطالب بفترة خمسة أعوام، للضغوط على مضض. ويقول اليوم إنه غير قادر على الالتزام بهذه المهلة، مشيراً إلى انعدام الاستقرار المستمر في البلاد التي تشهد أعمال عنف من كافة الأنواع، إضافة لضرورة تنفيذ إصلاحات على غرار إصلاح الدستور، كي لا تترافق الانتخابات مع احتجاجات كما حصل في الانتخابات السابقة.
وفي إشارة أخرى إلى أهمية التحديات بالنسبة لـ«إيكواس» ومالي أيضاً، كانت قمة أمس المرة الثامنة التي يجتمع فيها قادة دول غرب أفريقيا لمناقشة الوضع في مالي، وغينيا، بعد انقلاب آخر في سبتمبر (أيلول) الماضي، منذ أغسطس 2020، بدون احتساب الاجتماعات العادية.
وفي حدث استثنائي، سبق اجتماع أمس في العاصمة الغينية قمة استثنائية أخرى لقادة الاتحاد الاقتصادي والنقدي لغرب أفريقيا. والدول الثماني التي يتألف منها الاتحاد هي أعضاء في «إيكواس». ويُنذر انعقاد هذه القمة قبل قمة «إيكواس»، باحتمال القيام بخطوة منسقة وربما فرض عقوبات اقتصادية.
وصرح الرئيس الحالي للاتحاد، رئيس بوركينا فاسو، روش مارك كريستيان كابوري، في خطاب لدى افتتاح أعمال القمة، بأن «تمديد مدة العملية الانتقالية إلى خمس سنوات يقلق مجمل منطقة غرب أفريقيا». كما بدا متردداً في منح وقت أطول للعسكريين، مشيراً إلى أنه مقتنع بأن «كافة الإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تهدف إلى إعادة تأسيس مالي لا يمكن أن تُنفذ إلا من جانب سلطات منتخبة ديمقراطياً».
وسبق أن فرضت «إيكواس» تجميد الأصول المالية، وحظر سفر على 150 شخصية تعيق الانتخابات، حسب قولها. وسيكون على المنظمة حالياً اتخاذ قرار تشديد التدابير المفروضة، وهو خيار صعب.
خلال قمتهم السابقة في 12 ديسمبر (كانون الأول)، هدد قادة دول غرب أفريقيا بفرض عقوبات «اقتصادية ومالية» إضافية.
وفي أغسطس 2020، علقت «إيكواس» عضوية مالي في كافة هيئات القرار فيها، وهو تدبير لا يزال سارياً. وأغلقت أيضاً كل الحدود البرية والجوية معها، وفرضت حظراً على المبادلات المالية والتجارية معها، باستثناء المنتجات الأساسية.
في خضم فترة تفشي الوباء، كان وقع الحظر المفروض على بلد فقير، كبيراً. رُفعت هذه العقوبات بعد شهر ونصف الشهر. وقاطع جزء كبير من الطبقة السياسية المشاورات التي دعت إليها السلطات لطلب مهلة إضافية. بعد 18 شهراً من سيطرة العسكريين على الحكم، لا يزال الوضع الأمني متدهوراً جداً والأزمة الاقتصادية عميقة. لكن خطاب السيادة الوطنية للسلطات يلقى صدى لدى السكان، بحسب خبراء.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟