حكومة ميقاتي تدرس موازنة «واقعية» تعالج زيادة العجز وانخفاض المداخيل

غياب خطّة الإصلاح والتعافي المالي يقوّض مفاوضاتها مع «النقد الدولي»

التسوق في المخازن الكبرى في لبنان صار هماً للمواطنين مع التغير اليومي للأسعار بسبب الارتفاع المستمر لسعر الدولار (رويترز)
التسوق في المخازن الكبرى في لبنان صار هماً للمواطنين مع التغير اليومي للأسعار بسبب الارتفاع المستمر لسعر الدولار (رويترز)
TT

حكومة ميقاتي تدرس موازنة «واقعية» تعالج زيادة العجز وانخفاض المداخيل

التسوق في المخازن الكبرى في لبنان صار هماً للمواطنين مع التغير اليومي للأسعار بسبب الارتفاع المستمر لسعر الدولار (رويترز)
التسوق في المخازن الكبرى في لبنان صار هماً للمواطنين مع التغير اليومي للأسعار بسبب الارتفاع المستمر لسعر الدولار (رويترز)

انتعشت آمال اللبنانيين بإمكانية عودة الحكومة اللبنانية إلى العمل، عبر إعلان رئيسها نجيب ميقاتي عزمه على دعوة مجلس الوزراء للانعقاد كترجمة لـ«تسوية» سياسية مصغّرة ومؤقتة بين أركان الحكم، هدفها الأساسي إقرار الموازنة العامة عشيّة انطلاق جولة التفاوض مع صندوق النقد الدولي المقررة في النصف الثاني من الشهر الحالي، مع إبقاء الحكومة معطّلة ومكفوفة اليد عن معالجة قضايا النّاس الملحّة، بانتظار «صفقة» تطيح بالمحقق العدلي بملف انفجار مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار كما يرغب ثنائي «أمل» و«حزب الله».
ورغم الإجماع السياسي على أهمية إقرار الموازنة، بقيت موجة التفاؤل منخفضة حيال قدرة الحكومة على معالجة الملفّات المالية الاجتماعية والخدماتية، وتلبية شروط صندوق النقد، حتى إن فريق ميقاتي غير مفرط بالتفاؤل، وهو يصف الموازنة العتيدة بالـ«واقعية» التي تحاكي المتغيّرات التي طرأت في السنتين الأخيرتين، فيما ذهب البعض إلى وضعها بسياق موازنة «رفع العتب» لإرضاء صندوق النقد.
ويبدو أن الأجواء الإيجابية التي خلص إليها اجتماع ميقاتي برئيس الجمهورية ميشال عون يوم الأربعاء الماضي ما زالت قائمة حتى الآن، إذ اعتبر النائب علي درويش، عضو كتلة «لبنان الوسط» التي يرأسها ميقاتي، أن «المؤشرات إيجابية، وهي بدأت مع الاتفاق بين الرؤساء (ميشال عون ونبيه برّي ونجيب ميقاتي) على فتح دورة استثنائية للمجلس النيابي، لإقرار مجموعة من القوانين التي تواكب عمل الحكومة ومنها قانون الموازنة العامة». وأكد لـ«الشرق الأوسط»، أن ميقاتي «يتجه إلى دعوة مجلس الوزراء إلى الانعقاد في الساعات المقبلة لمناقشة مشروع الموازنة وغيرها من الملفات الملحّة، وهذا عامل مساعد على تخفيف التوتّر في البلد»، مشدداً على أن «الموازنة ستكون واقعية وتبدأ بتوصيف المرحلة على مستوى الأرقام، وتحاكي سعر الصرف وكيفية احتسابه». وقال: «ستلحظ الموازنة الانخفاض الهائل في مداخيل الدولة وكيفية تمويل الإنفاق العام، بالإضافة إلى البنود الإصلاحية».
المسافة الزمنية الضيّقة التي تفصل بين إقرار مشروع الموازنة في مجلس الوزراء، وموعد استئناف التفاوض مع صندوق النقد الدولي، تضغط على القوى السياسية، وهذا ما يثير المخاوف من إقرار موازنة غير موضوعية، ولا تلبّي شروط المجتمع الدولي.
ورأى عضو لجنة المال والموازنة النيابية النائب محمد الحجّار، أن الموازنة «لا يمكن أن تكون جديّة إلا إذا رسمت خطة ثلاثية أو خماسية للتعافي المالي والاقتصادي، وحددت أطر معالجة العجز». وقال في تصريح لـ«الشرق الأوسط»: «لا يمكن التعاطي بخفّة مع صندوق النقد عبر موازنة (رفع العتب)، وغياب الإصلاحات الجديّة التي تعالج مكامن الخلل التي أوصلت البلاد إلى الانهيار»، مضيفاً: «نحن بحاجة إلى موازنة تحدد المشكلة وترسم طريق الحلّ وآلية التنفيذ، وفي غياب الخطة الواضحة تكون الموازنة بلا معنى». وذكّر الحجار بأن «فريق صندوق النقد سيركّز على العناوين الإصلاحية ويناقشها بالعمق، وفي حال لم يلمس جديّة سيوقف التفاوض ويكرّس غياب الثقة بلبنان».
ولا تقف الأمور عند أرقام الموازنة ومدى مطابقتها مع خطّة التعافي، باعتبار أن معادلتها معقّدة جدّاً في هذه المرحلة، بسبب افتقاد الحكومة للقرار السياسي، وعجزها عن مقاربة الملفّات الإصلاحية التي تعترض عليها أطراف سياسية وحزبية عشيّة الانتخابات النيابية، ويعتبر الخبير المالي والاقتصادي البروفسور جاسم عجّاقة، أن «العنوان الأساسي لأي موازنة يبدأ بحلّ أزمة الدين العام وكيفية التعامل مع المقرضين». ويؤكد لـ«الشرق الأوسط»، أن «الحكومة أمام خيارين، الأول: وضع موازنة شكليّة تكون شبيهة بالموازنات السابقة، وهذا يعمّق الأزمة ويزيد من فقدان الثقة بالدولة والحكومة، والثاني: الذهاب نحو موازنة «ثورية»، تبدأ بوقف دعم الكهرباء الذي يكلّف الخزينة أكثر من ملياري دولار سنوياً، وتحرير سعر صرف الدولار، وخفض الإنفاق عبر إلغاء عدد كبير من المؤسسات التي لا جدوى منها، مثل الصناديق وبعض الوزارات والإدارات التابعة لها، وتقليص الوظائف في إدارات الدولة».
وتشكّل الموازنة أولوية لرئيس الحكومة نجيب ميقاتي، إذ تشدد مصادر سياسية على أن «التنسيق بينه وبين صندوق النقد الدولي، بدأ منذ تكليفه بتشكيل الحكومة، وثمّة اتفاق ضمني على العناوين الإصلاحية، لكنّ النتائج تبقى غير مضمونة، من هنا يعبّر عجّاقة عن اعتقاده بأن «التفاهم السياسي على العناوين الإصلاحية مفقود، خصوصاً أن هناك من يبدي اعتراضاً شديداً على بنود إصلاحية جوهرية، مثل رفع الدعم عن الكهرباء وخفض الفائض في وظائف الدولة وتحرير سعر الصرف وغيرها». ويلفت إلى أن «لجنة المال والموازنة أوصت بإلغاء 92 مؤسسة رسمية غير مجدية، وهذا لن يكون موضع إجماع في أي خطة للتعافي».



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».