الرئيس العراقي يدعو إلى تشكيل حكومة «قادرة على مواجهة التحديات»

عراقيون ورجال أمن أمام مقر أقيم فيه احتفال بذكرى اغتيال قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس في بغداد أمس (أ.ب)
عراقيون ورجال أمن أمام مقر أقيم فيه احتفال بذكرى اغتيال قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس في بغداد أمس (أ.ب)
TT

الرئيس العراقي يدعو إلى تشكيل حكومة «قادرة على مواجهة التحديات»

عراقيون ورجال أمن أمام مقر أقيم فيه احتفال بذكرى اغتيال قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس في بغداد أمس (أ.ب)
عراقيون ورجال أمن أمام مقر أقيم فيه احتفال بذكرى اغتيال قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس في بغداد أمس (أ.ب)

دعا الرئيس العراقي برهم صالح إلى تشكيل حكومة جديدة «قادرة على مواجهة التحديات»، في وقت لم تتمكن فيه الكتل والأحزاب السياسية الفائزة في الانتخابات من حسم خلافاتها قبل 3 أيام من موعد انعقاد الجلسة الأولى للبرلمان الجديد يوم الأحد المقبل.
وقال صالح في كلمة له خلال حضوره احتفالية أقيمت في بغداد لمناسبة الذكرى الثانية لاغتيال الولايات المتحدة الجنرال الإيراني قاسم سليماني ونائب رئيس هيئة «الحشد الشعبي» أبو مهدي المهندس قرب مطار بغداد: «نحن اليوم أمام مسؤولية وطنية كبرى تتجسد بالانتصارات المتحققة وتعزيزها، والعمل على عدم تكرار المآسي الإرهابية، وقطع الطريق على خلايا التطرف والإرهاب التي تنشط بين الحين والآخر، في محاولة يائسة للعبث بأمننا واستقرارنا، ما يستوجب توحيد الصف الوطني، والتكاتف من أجل حماية السلم المجتمعي، ويتطلب أيضاً الإصلاح الجذري، لتأمين الحياة الحرة الكريمة للمواطنين وللشعب».
وأضاف الرئيس العراقي: «ينتظرنا اليوم استحقاق مهم بانعقاد البرلمان الجديد للشروع بتشكيل الحكومة الجديدة التي يجب أن تكون مقتدرة على النهوض بمهامها، والتصدي للتحديات التي تواجهها بلادنا والمنطقة»، مشدداً على أنه «لا بد من تحقيق الإصلاح الجذري والبنيوي، وتلبية تطلعات الشعب والمواطنين في كل أنحاء العراق، وذلك من خلال تثبيت الحكم الرشيد وترسيخ مرجعية الدولة، وأن تكون دولة مقتدرة محترمة بسيادة كاملة، وتسخر موارد البلد لخدمة الشعب»، داعياً إلى «ضرورة إنهاء الأزمات التي استحكمت بالمنطقة، لكونها حاجة ملحة ومصلحة مشتركة للجميع».
وجاء كلام صالح مع قرب نفاد الوقت المخصص للتفاهمات السياسية بين الأطراف العراقية الفائزة في الانتخابات التشريعية الأخيرة قبل انعقاد جلسة البرلمان يوم الأحد. ولم تتوصل هذه الأطراف حتى الآن إلى صيغة نهائية حول شكل الكتلة البرلمانية الأكبر عدداً التي يتحدد بموجبها تشكيل الحكومة العراقية المقبلة. وفي حين تواصل المكونات الشيعية والسنية والكردية مفاوضاتها البينية بشأن ما إذا ستكون الحكومة المقبلة توافقية أم أغلبية، فضلاً عن إمكان التجديد للرئاسات الثلاث (الجمهورية، والوزراء، والبرلمان)، فإن الجميع ينتظر موعد الجلسة الأولى للبرلمان الجديد يوم الأحد. وطبقاً لكل المؤشرات، فإن الجلسة ستقتصر على تأدية أعضاء البرلمان، وعددهم 329 نائباً، اليمين الدستورية. ويفترض، طبقاً للدستور، أن يجري خلال الجلسة الأولى انتخاب رئيس البرلمان ونائبيه والإعلان عن الكتلة الأكبر. لكن بسبب غياب التفاهم بين مختلف الأطراف على هذه المسائل الأساسية، فإن الجلسة ستبقى، كما يبدو، تداولية؛ وقد تستمر 15 يوماً أخرى. وبين أن تكون الجلسة شكلية في ساعتها الأولى يترأسها أكبر الأعضاء سناً؛ وبين البدء بالإجراءات الرسمية التي تلي الساعة الأولى وهي انتخاب رئيس البرلمان الجديد، لا تزال المواقف والآراء متباعدة بين أن يحسم كل شيء خلال الجلسة، وأن تبقى في حالة انعقاد دائم. ويقول الخبير القانوني فيصل ريكان لـ«الشرق الأوسط»، رداً على سؤال عن طبيعة الجلسة الأولى وآلية انعقادها، إنه «لا يجوز تأجيل انعقاد الجلسة الأولى لمجلس النواب الجديد؛ لأن انعقادها يتم بموجب الدستور الذي ألزم رئيس الجمهورية بدعوة مجلس النواب للانعقاد خلال 15 يوماً من تاريخ المصادقة على النتائج النهائية». وأضاف ريكان أن «الدستور لم يتضمن أي نص يمكن من خلاله تأجيل انعقاد الجلسة الأولى، وحيث إن الدستور هو القانون الأسمى الذي لا يمكن مخالفته، فإن المواقيت الواردة فيه ملزمة للجميع». وأوضح أن «هناك مهام أمام البرلمان خلال الجلسة الأولى عليه إنجازها، مثل انتخاب رئيس مجلس النواب، ونائبيه، وفتح باب الترشح لانتخاب رئيس الجمهورية، وكذلك تحديد الكتلة الأكثر عدداً تطبيقاً لتفسير المحكمة الاتحادية الذي قالت فيه إن الكتلة الأكثر عدداً تُحدد بالجلسة الأولى لمجلس النواب». وأضاف: «ولكون هذه الأمور لا بد من حسمها خلال الجلسة الأولى؛ فإنه لا بد من أن يبقى البرلمان في حالة انعقاد لحين إكمال المهام المنصوص عليها في الدستور، لكن دون أن تكون الجلسة مفتوحة؛ لأن ذلك مخالف لقرار سابق للمحكمة الاتحادية ألغت فيه بقاء الجلسة مفتوحة».
مع ذلك، تكثفت اللقاءات السياسية بين مختلف الأطراف مع بقاء الصراع مفتوحاً بين زعيم «التيار الصدري» مقتدى الصدر الباحث عن الأغلبية الوطنية، وبين «الإطار التنسيقي» الباحث عن التوافقية. وفيما لم يعلن «الصدريون» أي موقف بشأن موضوع الكتلة الأكبر، فإن قوى «الإطار التنسيقي» تكاد تعلن يومياً مواقف عدة بشأن إمكانية تشكيلها الكتلة الأكبر بعيداً عن الصدر أو بالتقارب معه بهدف بقاء البيت الشيعي موحداً حيال الشريكين السني والكردي.
أما على صعيد الشريكين السني والكردي الباحثين عن توافق شيعي ـ شيعي كي لا يتورطا في تحالف مع طرف دون آخر، فإنه في الوقت الذي بحث فيه وفد من الكتلة الصدرية في أربيل طبيعة التفاهمات المقبلة قبيل الأحد المقبل، فإن زعيم «حزب تقدم» محمد الحلبوسي التقى أمس مع زعيم «التيار الصدري» مقتدى الصدر في مقر الأخير بالحنانة بمدينة النجف. وحول المباحثات التي أجراها «الصدريون» مع «الحزب الديمقراطي الكردستاني» في أربيل، قال «التيار الصدري»، في بيان أول من أمس، إن «رئيس الوفد الصدري المفاوض حسن العذاري التقى الزعيم الكردي مسعود بارزاني خلال زيارة رسمية إلى إقليم كردستان». ولفت البيان إلى أن «اللقاء جرى وسط أجواء إيجابية متفائلة، فضلاً عن تأكيد الطرفين على أهمية وضع النقاط على الحروف والسعي الحثيث لإنقاذ الوطن».‏
من جهته، رهن «الحزب الديمقراطي الكردستاني» موقفه من تشكيل الحكومة الاتحادية الجديدة بمخرجات المباحثات بين القطبين السياسيين للقوى الشيعية في العراق؛ المتمثلة في «التيار الصدري» و«الإطار التنسيقي». وقال المتحدث باسم الحزب، محمود محمد، في مؤتمر صحافي عقده في أربيل عقب اجتماع مع وفد «التيار الصدري»: «نحن لغاية الآن لا ندعم أي طرف؛ سواء (التيار الصدري) و(الإطار التنسيقي)»، مستدركاً: «يتعين أن نكون شركاء وركناً أساسياً في الحكومة المقبلة». وأضاف أن «(التيار الصدري) يؤيد تشكيل حكومة أغلبية وطنية، و(الإطار) مع أغلبية سياسية، ونحن ننتظر خلال هذين اليومين إلى أين ستصل نتائج مباحثاتهما».



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.