فلسطينيو لبنان يختارون «كل الطرق» للهجرة

12 ألفاً غادروه في 2021

مدخل مخيم «عين الحلوة» للاجئين الفلسطينيين (الوكالة المركزية)
مدخل مخيم «عين الحلوة» للاجئين الفلسطينيين (الوكالة المركزية)
TT

فلسطينيو لبنان يختارون «كل الطرق» للهجرة

مدخل مخيم «عين الحلوة» للاجئين الفلسطينيين (الوكالة المركزية)
مدخل مخيم «عين الحلوة» للاجئين الفلسطينيين (الوكالة المركزية)

يلقي الوضع الاقتصادي المتأزم في لبنان بثقله على معظم ساكنيه؛ بمن فيهم اللاجئون الفلسطينيون، ويفاقم معاناتهم في المخيمات وخارجها، مما دفع بكثيرين منهم إلى الهجرة بطرق نظامية أو غير شرعية، هرباً إلى واقع أفضل.
ويشير مدير مكتب «لجنة الحوار اللبناني – الفلسطيني» عبد الناصر الأيي، لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن «موجة هجرة الفلسطينيين من لبنان في ارتفاع مستمر منذ 2005، لكن الأرقام تضاعفت في السنتين الأخيرتين 2020 و2021؛ سواء عبر الهجرة الشرعية وغير الشرعية، شأنهم شأن اللبنانيين، خصوصاً في ظل الأزمة الراهنة».
ويجري الاستناد إلى بيانات الأمن العام اللبناني، والأعداد التي تظهر أرقام الهجرة غير الشرعية للفلسطينيين من خلال الحوادث التي يتعرضون لها أو من خلال توقيفهم وإعادتهم.
ويقول الأيي: «في 2020 غادر بين 6 آلاف و8 آلاف فلسطيني لبنان من دون عودة، أما في 2021 ولغاية نهاية شهر أكتوبر (تشرين الأول)، فقد سُجل خروج 12 ألف مسافر فلسطيني لم يعودوا إلى لبنان، وهو رقم أعلى من معدل السنوات الماضية».
وعما إذا كان قرار وزير العمل اللبناني مصطفى بيرم الذي صدر الشهر الماضي وحدد بموجبه المهن التي يحق للبنانيين مزاولتها حصراً، وسمح للاجئين الفلسطينيين بالعمل في كل المهن الأخرى، قد يؤثر على التخفيف من هجرة الفلسطينيين من لبنان، يوضح الأيي أن «القرار الصادر يسمح بمزاولة المهن التي ينظمها قانون العمل وليس المهن الحرة، ولا يسمح للفلسطينيين بالانتساب إلى أي عمل نقابي، في وقت تكون فيه الهجرة من صفوف خريجي الجامعات والمتعلمين كالمهندسين والأطباء». ويضيف: «القرار الصادر عن وزير العمل لا يؤثر على النقابات التي يمنع الجزء الأكبر منها الفلسطيني من الانتساب إليها، وبالتالي تأثير هذا القرار ليس بكبير على هذه الفئة التي تسعى إلى الهجرة؛ بل تأثيره أكبر على الفئات الأقل والتي تمارس العمل في لبنان من دون حتى الحصول على إجازة من وزارة العمل».
ويشير إلى أن «نحو 60 ألف فرد يستفيدون من شبكة الأمان الاجتماعي التي تغطيها (الأونروا)، وهؤلاء مصنفون ضمن الفئة الأكثر فقراً، وحجم المساعدات التي يستحصلون عليها لا يتجاوز 40 دولاراً كل 3 أشهر»، ويوضح أن «هذا المبلغ قليل جداً، وبالتالي لا توجد مساعدات نقدية للفلسطينيين تسمح لهم بالعيش بالحد الأدنى وسط كل ما يمر به لبنان»، لافتاً إلى أنهم «كاللبنانيين؛ يعتمدون على شبكات المساعدات من أقربائهم في الخارج والتحويلات المصرفية، وهذا سبب إضافي دفع بالفلسطينيين إلى الهجرة؛ لأن أفق العمل في لبنان بات ضيقاً».
وتنشط شبكات منظمة داخل المخيمات الفلسطينية وخارجها لتسهيل هجرة الفلسطينيين غير الشرعية، مقابل مبالغ مالية تصل على الفرد إلى 10 آلاف دولار (280 مليون ليرة لبنانية على سعر صرف السوق السوداء).
ويقول الناشط الاجتماعي في المخيمات الفلسطينية، أحمد الحاج، لـ«الشرق الأوسط»، إن اللافت هو «حجم إقبال الناس على الهجرة غير الشرعية، علماً بأن المهربين يطلبون مبلغ 10 آلاف دولار على الفرد». ويضيف: «البعض يبيع ذهب زوجته أو منزله في المخيم أو يستدين من أهله وأقاربه بهدف الهجرة من لبنان، لكن رغم الأعداد الكبيرة التي تلجأ إلى هذه الوسيلة؛ فإن الأشخاص الذين ينجحون في الهجرة بالطرق غير الشرعية عددهم قليل»
ويشير الحاج إلى تراجع عمليات الهجرة غير الشرعية عن السنوات الثلاث الماضية، لافتاً إلى أن «أحد الأسباب هو ارتفاع سعر صرف الدولار؛ مما صعب تأمين المبالغ المطلوبة من قبل الفلسطينيين، فالرغبة زادت؛ لكن القدرة خفت»، أما السبب الثاني فهو «الضغط الأوروبي لإغلاق منافذ التهريب».
وتقول «لجنة الحوار اللبناني – الفلسطيني» إن عدد الفلسطينيين في لبنان يناهز 175 ألفاً، في حين أن القوى العاملة الفلسطينية تصل إلى نحو 70 ألف شخص.
وفي هذا الإطار، يلفت الباحث في شؤون الفلسطينيين في لبنان، زهير الهواري، لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن «الفلسطينيين في لبنان يواجهون أوضاعاً بالغة الصعوبة بالنظر إلى المشكلة الأصلية التي يعانون منها والمتمثلة في الفقر والتهميش في لبنان، فالفلسطينيون يشغلون مواقع وظيفية محدودة بسبب القوانين اللبنانية التي تمنعهم من ممارسة كثير من المهن التي يمكن أن تدر أجوراً أعلى وتحقق موقعاً اجتماعياً أكثر تقدماً».
ويوضح أن «الفلسطينيين تعرضوا لضغوط مضاعفة في ظل فقدان الحاضنة السياسية والفصائلية التي كانت تمثلها (منظمة التحرير) والفصائل الأخرى، فعمدت أعداد كبيرة منهم إلى مغادرة لبنان، وتعرضوا لدى محاولتهم العودة إلى تضييق مضاعف منعهم من ذلك، وبالتالي فقد تراجع العدد». ويقول: «إذا قارنا بين الأعداد التي ترد في إحصاءات (الأونروا) ووزارة الداخلية اللبنانية نجد أن هناك بعض المسجلين وغير المقيمين».
ويشير هواري إلى أن الأزمة الاقتصادية والمالية والسياسية المستحكمة في لبنان اليوم باتت تضغط على اللبنانيين والفلسطينيين اللاجئين، لافتاً إلى أن «البطالة التي تعاني منها المخيمات؛ خصوصاً لدى خريجي الجامعات، تتصاعد باستمرار، وتصل أحياناً إلى أكثر من 40 في المائة» بموازاة الانهيار في المستوى المعيشي. ولا ينفي أن هناك فلسطينيين «يتقاضون مساعدات عينية أو مالية بالدولار؛ لكن بالنظر إلى حدة الأزمة في لبنان، يعاني الفلسطينيون كغيرهم»، مؤكداً أن كل المقيمين في لبنان الذين يجدون أمامهم طرقاً مفتوحة للهجرة يعمدون إليها.



المحققون الأمميون يُحمّلون الحوثيين مسؤولية التدهور في اليمن

الحوثيون استغلوا أحداث غزة لتجنيد الآلاف من الأتباع الجدد (إ.ب.أ)
الحوثيون استغلوا أحداث غزة لتجنيد الآلاف من الأتباع الجدد (إ.ب.أ)
TT

المحققون الأمميون يُحمّلون الحوثيين مسؤولية التدهور في اليمن

الحوثيون استغلوا أحداث غزة لتجنيد الآلاف من الأتباع الجدد (إ.ب.أ)
الحوثيون استغلوا أحداث غزة لتجنيد الآلاف من الأتباع الجدد (إ.ب.أ)

حَمَّلَ التقرير الجديد لفريق خبراء مجلس الأمن الدولي المعني باليمن، الجماعة الحوثية المدعومة من إيران مسؤولية تدهور الأوضاع الاقتصادية والإنسانية في اليمن، وعرقلة جهود تحقيق السلام وإنهاء الحرب، واتهم الجماعة بتسخير الموارد الضخمة للأغراض العسكرية.

ووفقاً للتقرير الذي يغطي الفترة الممتدة من 1 سبتمبر (أيلول) 2023 إلى 31 يوليو (تموز) 2024، فإن التهديدات والهجمات المنتظمة التي يشنها الحوثيون على السفن المبحرة عبر البحر الأحمر، منذ منتصف نوفمبر (تشرين الثاني) 2023، تسببت في تعطيل التجارة الدولية والاقتصاد اليمني.

مزاعم الحوثيين بنصرة غزة أدت إلى عرقلة جهود السلام في اليمن (إ.ب.أ)

وأدت الهجمات -وفق التقرير- إلى زيادة تكاليف الشحن والتأمين وتأخير وصول البضائع إلى اليمن، وهو ما ترجم بدوره إلى زيادة في أسعار مختلف السلع، ولا سيما السلع الأساسية.

وأوضح الخبراء في تقريرهم المقدم إلى مجلس الأمن أن استمرار الحظر الذي يفرضه الحوثيون على تصدير النفط الخام تسبب في خسارة في الإيرادات بنسبة 43 في المائة؛ ما أدى إلى انخفاض قيمة الريال اليمني، وارتفاع حاد في معدلات التضخم، وأثر على قدرة الحكومة على تزويد الشعب بالخدمات الأساسية مثل دفع الرواتب وتوفير الكهرباء والمياه والتعليم.

وذكر التقرير، أن عبث الحوثيين بالاقتصاد طال المؤسسات الحكومية التي استغلوها لتمويل أغراضهم وأنشطتهم العسكرية، حيث اعتمدوا عدداً من التدابير غير القانونية لخلق موارد كبيرة لأغراضهم العسكرية، واستغلوا سيطرتهم على قطاع الاتصالات والمدارس في مناطق سيطرتهم؛ لطلب الأموال من السكان من أجل تعزيز قوتهم الجوية عبر الطائرات المسيّرة والدفاع الساحلي.

شبكات مختلفة

وتطرق التقرير الأممي إلى العمليات المالية الحوثية الخارجية، وأشار إلى أن تحقيقاً أجراه الفريق كشف عن أن الحوثيين يستخدمون شبكات مختلفة من الأفراد والكيانات التي تعمل في ولايات قضائية متعددة بما في ذلك إيران وتركيا وجيبوتي والعراق واليمن؛ لتمويل أنشطتهم من خلال الاستعانة بعدد من البنوك والشركات الوهمية وشركات الصرافة والشحن والميسرين الماليين، لافتاً إلى تورط قيادات حوثية بارزة وكيانات في تسهيل الدعم المالي للحوثيين وتوفير احتياجاتها من العملة الأجنبية لشراء الواردات.

وعرض التقرير، صوراً من أنشطة الحوثيين المشبوهة في ميناء الحديدة، وأساليب تجنب عمليات التفتيش التي تقوم بها آلية الأمم المتحدة من خلال المناقلة بين السفن أو إيقاف تشغيل النظام الآلي لتحديد هوية السفن للحد من كشف المواني التي تزورها والطرق التي تسلكها.

ملايين اليمنيين في مناطق سيطرة الحوثيين يعيشون تحت سطوة القمع (أ.ب)

وأكد فريق الخبراء أن ميناء الحديدة كان مركزاً لعمليات تهريب منظمة لمواد غير مشروعة؛ مثل الأسلحة، والمخدرات، ومعدات الاتصالات، والمبيدات، والعقاقير المحظورة، والقطع الأثرية، وقال الفريق إن الهجمات الحوثية على خطوط النقل الأساسية أدت إلى زيادة إعاقة وصول المساعدات الإنسانية إلى اليمن.

انتهاكات في كل اتجاه

وأشار المحققون الأمميون إلى تأثير الانتهاكات الحوثية وعمليات الاحتجاز التعسفي والإخفاء القسري التي نفذتها الجماعة بحق العاملين في المجال الإنساني في مناطق سيطرتها، التي أدت بمقدمي الخدمات الإنسانية إلى تجنب مناطق سيطرة الجماعة؛ بسبب مخاوف تتعلق بالسلامة.

واتهم التقرير الجماعة باستغلال الأحداث الإقليمية، وتحديداً أحداث غزة، لتعزيز استقرار نظامها واكتساب الشعبية، خصوصاً في ظل تردي الأوضاع الاقتصادية وانتشار السخط في مناطق سيطرتها، وأكد أن ادعاء الجماعة بأنها تستهدف السفن المرتبطة بإسرائيل غير صحيح، وأنها تستهدف بشكل عشوائي السفن المبحرة في البحر الأحمر وخليج عدن.

زعيم الجماعة الحوثية يحصر المناصب على المنتمين إلى سلالته (إ.ب.أ)

وتطرق التقرير إلى المساعي التي قام بها المبعوث الخاص لأمين عام الأمم المتحدة إلى اليمن لدفع عملية السلام قدماً من خلال الإعلان عن خريطة الطريق للسلام في اليمن في ديسمبر 2023، مؤكداً أن هذه المحاولة اصطدمت بهذه التطورات الإقليمية.

وأورد المحققون الأمميون أنه لا يمكن توقيع اتفاق خريطة الطريق إلا عند استقرار الوضع الإقليمي وتوقف الحوثيين عن مهاجمة السفن في البحر الأحمر.

وتناول التقرير انتهاكات الحوثيين للقانون الدولي الإنساني، والقانون الدولي لحقوق الإنسان، التي شملت الهجمات العشوائية على المدنيين، والاحتجازات التعسفية، وحالات الاختفاء القسري، والتعذيب والعنف الجنسي المرتبط بالنزاع والعنف الجنساني، وانتهاكات الحق في المحاكمة العادلة، وتجنيد الأطفال واستخدامهم في النزاع، واضطهاد الأقليات، وعرقلة وصول المساعدات الإنسانية.

وجاء في التقرير أن مصادر سرية أبلغت فريق التحقيق عن زيادة في تجنيد الفتيات من قِبَل ما يسمى «الزينبيات» (ذراع الحوثي النسوية) وإدماجهن في صفوف الجماعة عن طريق الاختطاف والتهديد، واستغلال بعض المختطفات في العمل المنزلي القسري، ووقوع أخريات ضحايا للعنف الجنسي.

المحققون الأمميون اتهموا الحوثيين بالتسبب في تدهور الاقتصاد اليمني (أ.ف.ب)

كما اتهم المحققون الأمميون الجماعة الحوثية باستهداف الكيانات التجارية والأفراد المعارضين من خلال تجميد أصولهم ومصادرتها والاستيلاء عليها بشكل منتظم تحت مسمى نظام «الحارس القضائي».

وأشار التقرير إلى قيام الحوثيين باستغلال منصات التواصل الاجتماعي وانتهاك الجزاءات المفروضة بموجب القرار 2140 لبيع الأسلحة والتماس الدعم المالي والآيديولوجي والدعوة إلى الكراهية القومية أو العرقية أو الدينية التي تشكل تحريضاً على التمييز والعداء والعنف، داعياً كيانات ووسائل التواصل الاجتماعي ذات الصلة إلى اتخاذ تدابير عاجلة ومناسبة لضمان منع هذا الانتهاك.