تنحى الخبير الاقتصادي عبد الله حمدوك أمس (الأحد) عن منصبه رئيساً لوزراء السودان بعدما فشل في رهان التوافق والشراكة مع العسكريين من أجل قيادة البلاد إلى الديمقراطية.
سُمّي حمدوك رئيساً للحكومة في أغسطس (آب) 2019 إثر اتفاق على تقاسم السلطة بين الجيش وائتلاف قوى الحرية والتغيير الذي قاد الاحتجاجات الشعبية التي أدت إلى سقوط عمر البشير بعد ثلاثين عاماً من حكم السودان بقبضة من حديد.
وجسد يومها الأمل بنقل السلطة إلى المدنيين، بحسب تقرير لوكالة الصحافة الفرنسية.
وعمل حمدوك الذي يبلغ الخامسة والستين في منظمات دولية وإقليمية، لا سيما كمساعد الأمين العام التنفيذي للجنة الاقتصادية لأفريقيا التابعة للأمم المتحدة في أديس أبابا.
إلا أن حمدوك عرف نكسة أولى في 25 أكتوبر (تشرين الأول) مع الانقلاب الذي شهده السودان، عندما حضر جنود إلى منزله واقتادوه إلى الفريق أول عبد الفتاح البرهان.
ووضع حمدوك يومها قيد الإقامة الجبرية، وهو قرار شمل السواد الأعظم من المسؤولين المدنيين في السلطة الانتقالية التي كان من المفترض أن تتولى الحكم حتى تنظيم انتخابات عام 2023.
وكان عشية ذلك ظهر إلى جانب المبعوث الأميركي إلى القرن الأفريقي جيفري فيلتمان في الخرطوم، مشدداً على ضرورة استكمال العملية الانتقالية نحو حكم مدني في البلاد التي حكمها عسكريون بشكل شبه متواصل منذ استقلالها في 1956.
*حمدوك يستقبل جيفري فيلتمان بمقر اقامته أكتوبر الماضي
بعد شهر على ذلك في 21 نوفمبر (تشرين الثاني)، خرج رئيس الوزراء الذي وصل إلى الحكم بفضل دعم مؤيدي تسليم الحكم إلى المدنيين، من الإقامة الجبرية واستعاد منصبه بموجب اتفاق أبرمه مع عبد الفتاح البرهان.
واستحال بالنسبة للمتظاهرين في الشوارع الذين كانوا يعتبرونه «رهينة»، بعد هذا الاتفاق «خائناً» لأنه بتحالفه مع الجيش يسهل «عودة النظام السابق»، وفق التقرير.
في المقابل، أكد حمدوك أنه أراد «حقن دماء السودانيين» بسبب القمع الذي أودى بحياة 56 شخصاً منذ الانقلاب، وعدم تبديد مكتسبات الثورة.
لكن في 19 ديسمبر (كانون الأول) في الذكرى الأولى لانطلاق «الثورة» أكد حمدوك: «نواجه اليوم تراجعاً كبيراً في مسيرة ثورتنا يهدد أمن البلاد ووحدتها واستقرارها وينذر ببداية الانزلاق نحو هاوية لا تبقي لنا وطنا ولا ثورة»، مندداً بالعنف والتعطيل السياسي.
وأمس (الأحد) أعلن حمدوك في خطاب إلى الأمة نقله التلفزيون تنحيه عن منصبه مشدداً على أن بلاده تشهد «منعطفاً خطيراً قد يهدد بقاءها».
https://www.youtube.com/watch?v=nrILd-sFjqo
ودرس حمدوك الاقتصاد الزراعي في الخرطوم، ثم حصل على ماجستير من جامعة مانشستر في بريطانيا.
ويتحدّر حمدوك من إقليم جنوب كردفان الواقع في جنوب السودان والذي شهد، كما النيل الأزرق ودارفور، نزاعاً مسلحاً بين القوات الحكومية في عهد البشير ومتمردين استمر سنوات.
وصل إلى الخرطوم في أغسطس 2019 آتياً من أديس أبابا، بعد ثورة لم يشارك فيها على الأرض، لكنه تبنى أهدافها. وتسلّم حكومة مكلفة بإقامة مؤسسات ديمقراطية في البلاد، بينها برلمان لم يرَ النور، واقتراح حل اقتصادي قادر على وقف التضخم المتسارع والفقر المزمن.
ونجح الاقتصادي المتمرس في المؤسسات الدولية في الحصول من صندوق النقد الدولي على محو لديون السودان الضخمة في مقابل تطبيق سياسة تقشف كلفته خسارة جزء كبير من شعبيته.
ولم يساعد هذه الشعبية واقع أن السلطات الانتقالية لم تحاكم بعد المسؤولين في عهد البشير وأولئك الذين قمعوا انتفاضة 2019.
ونجحت حكومته في توقيع اتفاق سلام مع مجموعات متمردة كانت لا تزال تحمل السلاح في مواجهة القوات الحكومية في أكتوبر 2020. بينما وافقت واشنطن على شطب اسم السودان من لائحة الدول الداعمة للإرهاب قبل أن توافق الخرطوم على تطبيع علاقاتها مع إسرائيل.
وشارك حمدوك في الماضي في مبادرات سلام أفريقية للتوسط في نزاعات في دارفور وكردفان والنيل الأزرق.
وعمل في البنك الأفريقي للتنمية، وهو معروف بوضع سياسات تحفز النمو الاقتصادي في إثيوبيا في ظل حكومة ميليس زيناوي.
لدى تسلمه الحكم، وعد السودانيين البالغ عددهم 45 مليوناً، بالعمل على إيجاد «سياسات جيدة لمواجهة الأزمة الاقتصادية».
وكان حمدوك يتمتع بصورة رجل يلتزم بالشفافية وحسن الإدارة، لا سيما منذ رفض في 2018 منصب وزير المال الذي عرضه عليه البشير.
لكن سياسة التقشف في بلد يفتقر إلى بنى تحتية أساسية، زادت الغضب الشعبي وفاقمت الفقر مع تضخم نسبته 300 في المائة.