«كاوست» تتقصى آثار النشاط البشري على الحياة البرية عالمياً

«كاوست» تتقصى آثار النشاط البشري على الحياة البرية عالمياً
TT

«كاوست» تتقصى آثار النشاط البشري على الحياة البرية عالمياً

«كاوست» تتقصى آثار النشاط البشري على الحياة البرية عالمياً

حينما بلغت جائحة «كورونا» ذروتها في عام 2020 وحدث الإغلاق العام في معظم دول العالم للحد من انتشار مرض «كوفيد - 19»، أتاحت تلك الإجراءات فرصة فريدة لعلماء البيئة في جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية (كاوست)، لدراسة تأثير وجود البشر أو غيابهم في التنوع البيولوجي، عبر مشروع بحثي دولي يُسمى «PAN - Environment» الذي يربط بين الباحثين حول العالم الذين يدرسون الآثار البيئية لعمليات الإغلاق.

البشر والطبيعة

لقد أفرزت الجائحة ولا تزال تأثيرات سلبية شملت مناحي الحياة كافة، ومن ضمنها مجتمع البحث العلمي. فقد طالت تداعيات تلك الأزمة الباحثين والمنشآت البحثية وطلبة الدراسات العليا والتعاون العلمي العالمي والاستراتيجيات البحثية.
في الجانب الآخر كشفت هذه الأزمة عن أهمية البحث العلمي كوسيلة للتقدم ولمواجهة كافة الأزمات والكوارث في المستقبل، كما ساهمت بجعل المبدعين محليين بقدر ما هم عالميين، وأظهرت أهمية التشبيك العلمي.
نذكر أنه وقبل ظهور هذه الجائحة شكلت حرية السفر ونقل البضائع عن طريق البر أو الجو أو البحر أساساً للتقدم الاجتماعي والاقتصادي، لكن كان لها آثار وعواقب باهظة الثمن فيما يخص عالم الطبيعة، إذ أدت إلى تدمير الموائل وحدوث ظاهرة التغير المناخي. وفي شهر أبريل (نيسان) من عام 2020 تغير الوضع، إذ تمكنت الطبيعة من بسط نفوذها من جديد بسبب تعرض ما يقرب من 4.4 مليار شخص لإجراءات من الإغلاق الكامل أو الجزئي على المستوى الوطني، مما اضطر هؤلاء الأفراد إلى تقييد تحركاتهم بشدة.
مع بقاء الناس في منازلهم، أخذت الأحياء البرية تظهر في أماكن غير متوقعة، إذ شارك عديدٌ من الأشخاص في رصد مشاهد لحيوانات برية، على وسائل التواصل الاجتماعي.
عندما لاحظ البروفسور كارلوس دوارتي، الأستاذ المـتميز في علوم البحار بـ«كاوست»، التقارير المتزايدة عن السلوك الحيواني غير المعتاد، أطلق مشروع «PAN - Environment» للربط بين الباحثين الدوليين الذين يدرسون الآثار البيئية لعمليات الإغلاق.
«هدفنا استغلال تجربة انعزال البشر في منازلهم التي حدثت على المستوى العالمي بمحض المصادفة لتقييم آثار النشاط البشري في التنوع البيولوجي والنظم البيئية على نطاق عالمي»، حسبما يقول دوارتي، الذي قاد المشروع جنباً إلى جنب مع الدكتورة أماندا بيتس، وهي اختصاصية علم البيئة البحرية بجامعة ميموريال في نيوفاوندلاند بكندا، والبروفسور ريتشارد بريماك، اختصاصي علوم البيئة بجامعة بوسطن في الولايات المتحدة الأميركية.
تشير وفرة من الأدلة المتناقلة في أثناء عمليات الإغلاق إلى أن الحيوانات قد استغلت غياب البشر لتتمتع بحرية الحركة، كظهور مجموعة من حيوانات ابن آوي (نوع من الذئاب) تجوب المتنزهات في تل أبيب، وعصبة من القِرَدة تبسط سيطرتها على الطرق الخالية في الهند، وحيوانات القندس تتأمل واجهات المحلات في برلين. لكن ثمة إشارات تحذيرية أيضاً تُظهِر أن بعض الأنواع قد تكون مُعرضة للخطر مع هجوم مزيد من البشر على المساحات الخضراء أو شروعهم في الصيد والبحث عن الطعام. من ثم، أدرك فريق دوارتي مدى الحاجة إلى إجراء تحقيق علمي كمي.
ركزت معظم الجهود الساعية إلى قياس تأثير البشر في الحيوانات إما على التغيرات عبر المكان - على سبيل المثال، كيف يختلف التنوع البيولوجي فيما بين المناطق المحمية وغير المحمية - وإما عبر الزمان، مثلاً، كيف تستجيب الحياة البرية في منطقة ما للتغيرات في النشاط البشري، سواء كانت قصيرة أو طويلة الأمد. لقد تسببت جائحة «كوفيد - 19» في حدوث اضطرابات مماثلة في جميع أنحاء العالم، مع فرض عديد من البلدان تدابير وقائية صارمة متماثلة.

دروس مستفادة

يتولى مشروع «PAN - Environment» جمع بيانات عالمية من مصادر متنوعة حتى يتمكن علماء البيئة من مقارنة سلوك الحيوانات قبل فرض إجراءات الإغلاق وأثناءها وبعدها، وكذلك في المواقع التي تطبق مستويات مختلفة من القيود، ومقارنة ذلك بالنتائج الواردة من مواقع «رصد» نائية أو يتعذر الوصول إليها. من شأن هذه الجهود أن تكشف ما إذا كان تراجع النشاط البشري قد مكن الحيوانات بالفعل من توسيع نطاق وجودها وزيادة أعدادها، وما إذا كان انعدام جهود المحافظة قد أدى إلى تعريض مزيد من الأنواع المهددة بالانقراض للخطر.
تُمثل هذه الظروف أيضاً فرصة لتقييم نقاط القوة والضعف في أنظمة الرصد الحالية، واستخدام النتائج لتحسين عملية الحفاظ على التنوع البيولوجي.
وقد فرضت مسألة تنظيم الجهود البحثية على المستوى العالمي في خضم القيود الناتجة عن عمليات الإغلاق تحديات عديدة. يقول دوارتي: «من الصعب التنسيق بين فرق كبيرة الحجم حول العالم عندما لا يكون بوسعك الالتقاء بأفرادها. ولكن لحسن الحظ، تقع (كاوست) في منطقة زمنية مناسبة بين الشرق والغرب، وهو الأمر الذي يتيح لي القيام بعملية التنسيق تلك».
ومع ذلك، ففي ضوء خضوع معظم الباحثين للاحتجاز في منازلهم، لم يتمكن أعضاء الفريق من مواكبة الملاحظات، مما جعل من الصعب الحصول على مجموعات قوية من البيانات. وعن هذا يقول دوراتي، «تلك هي النقطة التي عندها يمكن أن تساعد نُهُج البيانات الضخمة على الحد من أوجه عدم اليقين».
دعا فريق دوارتي علماء البيئة والعلماء المواطنين، مثل الباحثين المشاركين في مبادرة «بيو - لوغينغ» Bio - Logging وزملائهم من علماء الأحياء وعلماء البيئة والجهات المالكة لبيانات التنقل الخاصة بالبشر، لتوفير إمكانية الوصول المفتوح والسريع إلى ملاحظاتهم. ويأمل الباحثون في جمع بيانات آنية كافية للاسترشاد بها في وضع إجراءات فورية لعملية حفظ الأنواع، وذلك من خلال دمج مصادر البيانات المتنوعة، بما في ذلك الدراسات الاستقصائية التقليدية للحياة البرية والقصص المتناقلة، وأجهزة تتبع الحيوانات، والاستشعار عن بُعد، ووسائل التواصل الاجتماعي والصور مُحددة المواقع الجغرافية.

جودة الهواء والماء

لقد كشفت الأدلة المتناقلة بالفعل عن بعض الإيجابيات. فمع توقف الأنشطة الصناعية، تحسنت جودة الهواء والماء. على سبيل المثال، انخفضت انبعاثات ثاني أكسيد الكربون اليومية على المستوى العالمي بنسبة 17 في المائة في بداية الإغلاق. كذلك انخفضت معدلات التلوث الضوضائي، وهو ما قد يفسر مشاهدة الحيوانات في الموانئ والمدن.
ومع ذلك، فإن غياب السياحة البيئية في المناطق المحمية يمكن أن يؤدي إلى خفض التمويل المخصص لحماية الحياة البرية وبرامج مكافحة الصيد الجائر، في حين أن إلغاء المؤتمرات الخاصة بالتنوع البيولوجي سوف يؤخر السياسات الرامية إلى مساعدة الدول على تحقيق أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة.
لقد أظهرت إجراءات الإغلاق أيضاً أن إحداث تغييرات هائلة في السلوك البشري لهو بالأمر الممكن، مما يدحض الفكرة القائلة بأنه من المستحيل تحقيق التغيرات المجتمعية واسعة النطاق اللازمة لمواجهة أزمات عالمية، مثل التغير المناخي.
يوصي فريق دوارتي بالعودة السريعة إلى البحث والتعليم في مجال حفظ البيئة (مع مراعاة تدابير السلامة المناسبة للجائحة) التي تعطي الأولوية لاستعادة الأنواع وحماية الموائل. يقول دوارتي: «يتأثر دور البشر بوصفهم أوصياء على الطبيعة عندما تتعطل قدرتنا على مواصلة نشاطنا». يعرب دوارتي عن تفاؤله بأن عمل فريقه سوف يعود بالفائدة على كلٍ من البشر والحيوانات. ويستطرد قائلاً: «بينما نتجاوز أزمة (كوفيد – 19) سوف تساعدنا الدروس المستفادة من مشروع (PAN – Environment) على إضفاء التوازن على دورنا في المحيط الحيوي. إذ إن تقييد الأنشطة التي تؤثر بالسلب في الحياة البرية، مع الترويج لتلك الأنشطة التي تفيد العالم الطبيعي، سوف يعود علينا في نهاية المطاف بحياة صحية أفضل».
في الوقت الحالي، هناك كميات هائلة من البيانات المطلوب معالجتها ونشرها والعمل وفقاً لها، يقول دوارتي: «إن الدروس التي نتعلمها من هذه التجربة بإمكانها أن تغير الطريقة التي يتعامل بها البشر مع الأنواع التي تتقاسم معنا الحياة على هذا الكوكب». وبفعل هذه الأزمة التي لا تُنسى، قد يعيد الناس اكتشاف فوائد الحياة في بيئة صحية، بل إنهم، كما يخلُص الفريق، «قد يستبدلون شعوراً بالانتماء محل شعورهم بالامتلاك».


مقالات ذات صلة

«بلاك هات» تعود إلى الرياض بنسختها الثالثة

عالم الاعمال «بلاك هات» تعود إلى الرياض بنسختها الثالثة

«بلاك هات» تعود إلى الرياض بنسختها الثالثة

تعود فعالية الأمن السيبراني الأبرز عالمياً «بلاك هات» في نسختها الثالثة إلى «مركز الرياض للمعارض والمؤتمرات» ببلدة ملهم شمال العاصمة السعودية الرياض.

تكنولوجيا «غوغل» تطلق النسخة الأولية من آندرويد 16 للمطورين مع ميزات جديدة لتعزيز الخصوصية ومشاركة البيانات الصحية (غوغل)

«غوغل» تطلق النسخة الأولية من آندرويد 16 للمطورين مع ميزات جديدة

أطلقت «غوغل» النسخة التجريبية الأولية من آندرويد 16 للمطورين، وهي خطوة تمهد الطريق للتحديثات الكبيرة المقبلة في هذا النظام.

عبد العزيز الرشيد (الرياض)
تكنولوجيا «أبل» تؤكد مشكلة اختفاء الملاحظات بسبب خلل بمزامنة (iCloud) وتوضح خطوات استعادتها مع توقع تحديث (iOS) قريب (أبل)

اختفاء الملاحظات في أجهزة آيفون... المشكلة والحلول

وفقاً لتقرير رسمي من «أبل»، فإن المشكلة تتعلق بإعدادات مزامنة الآيكلاود (iCloud).

عبد العزيز الرشيد (الرياض)
تكنولوجيا تمكنك «دورا» من تصميم مواقع ثلاثية الأبعاد مذهلة بسهولة تامة باستخدام الذكاء الاصطناعي دون الحاجة لأي معرفة برمجية (دورا)

صمم موقعك ثلاثي الأبعاد بخطوات بسيطة ودون «كود»

تتيح «دورا» للمستخدمين إنشاء مواقع مخصصة باستخدام الذكاء الاصطناعي عبر إدخال وصف نصي بسيط.

عبد العزيز الرشيد (الرياض)
خاص يحول الذكاء الاصطناعي الطابعات من مجرد خدمة بسيطة إلى أداة أكثر ذكاءً واستجابة لحاجات المستخدمين (أدوبي)

خاص كيف يجعل الذكاء الاصطناعي الطابعات أكثر ذكاءً؟

تلتقي «الشرق الأوسط» الرئيسة العامة ومديرة قسم الطباعة المنزلية في شركة «إتش بي» (HP) لفهم تأثير الذكاء الاصطناعي على عمل الطابعات ومستقبلها.

نسيم رمضان (بالو ألتو - كاليفورنيا)

«جي بي تي» أم «غوغل»: أيهما أكثر فائدة للإبداع؟

«جي بي تي» أم «غوغل»: أيهما أكثر فائدة للإبداع؟
TT

«جي بي تي» أم «غوغل»: أيهما أكثر فائدة للإبداع؟

«جي بي تي» أم «غوغل»: أيهما أكثر فائدة للإبداع؟

ربما تتذكر وقتاً كنت فيه بحاجة إلى إجابة سريعة، لوصفة طبق للطعام، أو مشروع لتحسين بيتك.

من محرك «غوغل» إلى «جي بي تي»

قبل بضع سنوات، كانت غريزة معظم الناس الأولى هي البحث عن المعلومات على محرك «غوغل» للبحث، ومع ذلك، اليوم، مما كتب غاي يون تشونغ (*)، أصبح كثير من الناس أكثر ميلاً إلى استخدام «تشات جي بي تي (ChatGPT)»، أداة الذكاء الاصطناعي والمحادثة من شركة «أوبن إيه آي»، التي تغير الطريقة التي يبحث بها الناس عن المعلومات.

بدلاً من مجرد توفير قوائم بمواقع الويب، يُقدِّم «تشات جي بي تي» إجابات محادثة أكثر مباشرة.

مسألة الإبداع

ولكن هل يمكن لـ«تشات جي بي تي» أن يفعل أكثر من مجرد الإجابة عن الأسئلة المباشرة؟ هل يمكنه بالفعل مساعدة الناس على أن يكونوا أكثر إبداعاً؟

إني أدرس التقنيات الجديدة وتفاعل المستهلكين مع وسائل التواصل الاجتماعي، وقد شرعت أنا وزميلي بيونغ لي في استكشاف هذا السؤال: هل يمكن لـ«تشات جي بي تي» مساعدة الناس حقاً على حل المشكلات بشكل إبداعي، وهل يؤدي هذا بشكل أفضل من محركات البحث التقليدية مثل «غوغل»؟

عبر سلسلة من التجارب في دراسة نُشرت في مجلة «نتشر-السلوك البشري (Nature Human Behaviour)»، وجدنا أن «تشات جي بي تي» يعزز الإبداع، خصوصاً في المهام العملية اليومية.

وإليك ما تعلمناه عن كيفية تغيير هذه التقنية للطريقة التي يحلُّ بها الناس المشكلات، ويتبادلون بها الأفكار ويفكرون بشكل إبداعي.

«جي بي تي» مبدع

«تشات جي بي تي» والمهام الإبداعية. تخيل أنك تبحث عن فكرة هدية إبداعية لابنة أخت في سِنِّ المراهقة. في السابق، ربما كنت تبحث على «غوغل» عن «هدايا إبداعية للمراهقين»، ثم تتصفح المقالات حتى تجد شيئاً يناسبك.

الآن، إذا سألت «تشات جي بي تي»، فإنه يولِّد استجابةً مباشرةً بناءً على تحليله للأنماط عبر الويب. قد يقترح مشروعاً مخصصاً أو تجربةً فريدةً من نوعها، وصياغة الفكرة في الوقت الفعلي.

لاستكشاف ما إذا كان «تشات جي بي تي» يتفوق على «غوغل» في مهام التفكير الإبداعي، أجرينا 5 تجارب، تعامل فيها المشاركون مع مهام إبداعية مختلفة.

توليد الأفكار

على سبيل المثال، قمنا بتعيين المشاركين بشكل عشوائي، إما لاستخدام «تشات جي بي تي» للمساعدة، أو استخدام بحث «غوغل»، أو توليد الأفكار بأنفسهم.

بمجرد جمع الأفكار، قام الحكام الخارجيون، الذين لا يدركون الشروط المخصصة للمشاركين، بتقييم كل فكرة من حيث الإبداع. قمنا بوضع متوسط ل​​درجات الحكام؛ بهدف توفير تصنيف إبداعي عام.

كانت إحدى المهام تتضمَّن تبادل الأفكار حول طرق إعادة استخدام العناصر اليومية، مثل تحويل مضرب تنس قديم وخراطيم الحديقة إلى شيء جديد. وطُلبت مهمة أخرى من المشاركين تصميم طاولة طعام مبتكرة. وكان الهدف هو اختبار ما إذا كان «تشات جي بي تي» يمكن أن يساعد الناس على التوصل إلى حلول أكثر إبداعاً، مقارنة باستخدام محرك بحث على الويب أو مجرد خيالهم.

نتائج لصالح الذكاء التوليدي

وكانت النتائج واضحة: صنف الحكام الأفكار التي تم إنشاؤها بمساعدة «تشات جي بي تي» على أنها أكثر إبداعاً من تلك التي تم إنشاؤها باستخدام عمليات البحث على «غوغل» أو دون أي مساعدة. ومن المثير للاهتمام أن الأفكار التي تم إنشاؤها باستخدام «تشات جي بي تي» - حتى دون أي تعديل بشري - سجَّلت درجات أعلى في الإبداع من تلك التي تم إنشاؤها باستخدام «غوغل».

وكانت إحدى النتائج البارزة هي قدرة «تشات جي بي تي» على توليد أفكار إبداعية تدريجياً: تلك التي تعمل على تحسين أو البناء على ما هو موجود بالفعل. وفي حين أن الأفكار الجذرية حقاً قد لا تزال تشكل تحدياً للذكاء الاصطناعي، فقد تفوَّق «تشات جي بي تي» في اقتراح نهج عملي ومبتكر. على سبيل المثال، في تجربة تصميم الألعاب، توصَّل المشاركون الذين يستخدمون «تشات جي بي تي» إلى تصميمات خيالية، مثل تحويل مروحة متبقية وكيس ورقي إلى مروحة تعمل بطاقة الرياح.

حدود الإبداع في الذكاء الاصطناعي

تكمن قوة «تشات جي بي تي» في قدرته على الجمع بين المفاهيم غير ذات الصلة في استجابة متماسكة.

وعلى عكس «غوغل»، الذي يتطلب من المستخدمين غربلة الروابط وتجميع المعلومات معاً. يقدم «تشات جي بي تي» إجابةً متكاملةً تساعد المستخدمين على التعبير عن الأفكار وصقلها بتنسيق مصقول. وهذا يجعل «تشات جي بي تي» واعداً بوصفه أداةً إبداعيةً، خصوصاً للمهام التي تربط بين الأفكار المتباينة أو تولد مفاهيم جديدة.

من المهم ملاحظة، مع ذلك، أن «تشات جي بي تي» لا يولِّد أفكاراً جديدة حقاً. إنه يتعرَّف على الأنماط اللغوية ويجمعها من بيانات التدريب الخاصة به، وبالتالي يولِّد مخرجات بتسلسلات أكثر احتمالية بناءً على تدريبه. إذا كنت تبحث عن طريقة لتحسين فكرة موجودة أو تكييفها بطريقة جديدة، فيمكن أن يكون «تشات جي بي تي» مورداً مفيداً. ومع ذلك، بالنسبة لشيء مبتكر، لا يزال الإبداع والخيال البشري ضروريَّين.

بالإضافة إلى ذلك، في حين يمكن لـ«تشات جي بي تي» توليد اقتراحات إبداعية، فإنها ليست عملية دائماً أو قابلة للتطوير دون مدخلات الخبراء. تتطلب خطوات مثل الفحص، وفحص الجدوى، والتحقق من الحقائق، والتحقق من السوق خبرة بشرية. ونظراً لأن استجابات «تشات جي بي تي» قد تعكس تحيزات في بيانات التدريب الخاصة بها، فيجب على الأشخاص توخي الحذر في السياقات الحساسة مثل تلك التي تنطوي على العرق أو الجنس.

كما اختبرنا ما إذا كان «تشات جي بي تي» يمكن أن يساعد في المهام التي غالباً ما يُنظر إليها على أنها تتطلب التعاطف، مثل إعادة استخدام العناصر العزيزة على أحد الأحباء. ومن المدهش أن «تشات جي بي تي» عزَّز الإبداع حتى في هذه السيناريوهات، حيث أدى إلى توليد أفكار وجدها المستخدمون ذات صلة، ومدروسة.

وتتحدى هذه النتيجة الاعتقاد بأن الذكاء الاصطناعي لا يمكنه المساعدة على المهام التي تحركها العواطف.

مستقبل الذكاء الاصطناعي والإبداع

مع ازدياد إمكانية الوصول إلى «تشات جي بي تي» وأدوات الذكاء الاصطناعي المماثلة، فإنها تفتح إمكانات جديدة للمهام الإبداعية. سواء في مكان العمل أو في المنزل، يمكن للذكاء الاصطناعي المساعدة في الشحذ الذهني وحل المشكلات وتعزيز المشروعات الإبداعية.

ومع ذلك، يشير بحثنا أيضاً إلى الحاجة إلى الحذر: في حين يمكن لـ«تشات جي بي تي» تعزيز الإبداع البشري، فإنه لا يحلُّ محلَّ القدرة البشرية الفريدة على التفكير الجذري حقاً خارج الإطار المألوف.

يمثل هذا التحول من البحث على «غوغل» إلى سؤال «تشات جي بي تي»، أكثرَ من مجرد طريقة جديدة للوصول إلى المعلومات. إنه يمثل تحولاً في كيفية تعاون الناس مع التكنولوجيا للتفكير والإبداع والابتكار.

* أستاذ مساعد في إدارة الأعمال بجامعة رايس الأميركية - مجلة «فاست كومباني» - خدمات «تريبيون ميديا».

اقرأ أيضاً