إدلب وريف حماة: مزارعون يهجرون الزراعة

تعاني مساحات واسعة في محافظة إدلب وريف حماة، شمال غربي سوريا، من أسوأ موجة جفاف وعطش منذ عشرات السنين، نتيجة تراجع مستوى الأمطار وارتفاع درجات الحرارة، ما أدى إلى جفاف ثلاثة سدود، بينها سد رئيسي، وتراجع إنتاج المحاصيل الزراعية إلى مستوى خطير.
ففي محافظة إدلب، جفت مياه ثلاثة سدود (بينها سد الدويسات في منطقة دركوش، وسد حيلا)، بينما تضرر سد البالعة الواقع بمحاذاة سهل الروج بفعل القصف الروسي ما أدى إلى خروجه عن الخدمة، وباتت السدود أشبه بمستنقعات صغيرة تحيط بها مساحات زراعية واسعة ومزارع أشجار مثمرة، ظهرت عليها علامات العطش، وأشجار بدأت باليباس.
وقال زاهر الحسن، وهو مشرف زراعي في إدلب، إنه «بسبب قلة الأمطار والجفاف والعوامل المناخية، جفت مياه سد الدويسات بالقرب من منطقة دركوش على بعد 40 كم شمال غربي إدلب هذا العام، للمرة الأولى منذ إنشائه في عام 1994».
وأضاف، الحسن أن «سد الدويسات يعد من أهم السدود الواقعة في شمال غربي إدلب، ويعد المصدر الرئيسي في تلبية حاجة المزارعين بالمياه سنوياً، لسقاية مزارعهم، إضافة إلى سقاية الأشجار المثمرة (زيتون وخوخ)، فضلاً عن توفيره المياه للمواشي، ويعتمد في تجميع مياه بحيرته على الأودية والجبال المحيطة من أمطار فصل الشتاء. ونظراً لشح الأمطار خلال العام الماضي، لم يصل مستوى المياه في البحيرة إلى النصف، ومن المفترض أنه يتسع لـ3.6 مليون متر مكعب من المياه، ما تسبب بجفافه سريعاً، وبات مستنقعاً صغيراً، ولم يعد يكفي حاجة المزارعين في المساحات المحيطة به بضعة أشهر، الأمر الذي أدى إلى تلف المحاصيل قبل نضوجها، بينما بعض المزارعين اضطروا إلى ري أشجارهم المثمرة عن طريق الصهاريج بأجور وتكلفة مادية كبيرة، أدت إلى خسارة كبيرة في الإنتاج، وبالتالي تضرر أكثر من 1500 دونم من المزروعات والأشجار».
من جهته، قال أبو هيثم، وهو مزارع في منطقة الدويسات، إنه «يتخوف مع بداية العام المقبل أن يقدم على زراعة أرضه (12 دونماً)، القريبة من بحيرة السد، بالخضار والقمح، خشية مواجهته مصيراً مشابهاً لما حصل في العام الحالي، عندما تضرر موسمه بسبب تراجع مستوى مياه البحيرة وجفافها وعطش مزروعاته، ما أدى إلى خسارته موسماً لعام كامل». ويضيف أن «استمرار جفاف بحيرة سد الدويسات وعدم توفر المياه فيها لتمكين المزارعين من سقاية أراضيهم الزراعية وبساتينهم، سيدفع بأكثر من 400 عائلة في المنطقة إلى البحث عن سبل أخرى للعيش، وربما يهاجر بعضهم بعيداً سعياً وراء الرزق».
وقال حسام العلي، وهو مزارع في منطقة سهل الروج في القسم الغربي من محافظة إدلب، إن «موجة جفاف غير مسبوقة يشهدها سهل الروج الذي يضم نحو 50 بلدة وقرية على امتداد عشرات الكيلومترات، وأكبرها بلدات سيجر والكنيسة وعدوان ومحمبل، وتعتمد غالبية قرى وبلدات السهل على الزراعة وتربية المواشي في تأمين دخلها وسبل عيشها، نظراً لاعتمادها على مياه سد البالعة، عبر مجاري ضخ قادمة من عين الزرقاء بالقرب من منطقة دركوش، وأيضاً على مياه بحيرة سد حيلا الذي يعتمد في تجميع المياه على مياه الأمطار المتدفقة من جبل الزاوية بريف إدلب أثناء فصل الشتاء».
وأضاف أنه «مع تراجع نسبة الأمطار خلال العام الماضي، تراجعت نسبة مياه بحيرة سد حيلا في منطقة محمبل، وخلال فترة قصيرة بعد زراعة المواطنين أراضيهم وبدء سقايتها، بدأت مياه السد بالنفاذ سريعاً، وبقيت مساحات كبيرة خلال موسم العام الماضي دون ري، ما أدى إلى تلف مساحات كبيرة من المزروعات وتراجع نسبة إنتاج القمح لدى المزارعين بسبب العطش».
ولفت العلي إلى أنه في غضون ذلك، عملت الجهات المسؤولة في المنطقة على إصلاح مضخات المياه في سد البالعة لاستجرار المياه من عين الزرقاء، الأمر الذي دعا إلى تفاؤل المزارعين، إلا أنها فرحة لم تكتمل، إذ سرعان ما تبددت آمالهم عقب غارة جوية روسية استهدفت محطة الضخ الرئيسية في سد البالعة وأخرجتها عن الخدمة، وبقي المزارعون دون ماء ودمرت محاصيلهم.
من جهته تحدث أحمد العنيزان، وهو آخر مربي الجواميس في سهل الغاب، عن معاناته بسبب أزمة الجفاف وقلة المياه، قائلاً: «من كان يسمع بسهل الغاب في ريف حماة الغربي ويأتي إليه زائراً أو ماراً، كان يرى فيه الجنة لكثرة المياه والخيرات من مزروعات ومواش، وكانت المياه بالنسبة لأبناء سهل الغاب مصدراً أساسياً شجعهم على تربية حيوان الجاموس لعشرات السنين. ومع بدء النزاع بين المعارضة والنظام والعمليات العسكرية وتقدم قوات النظام في ريف حماة، بدأت معاناة المزارعين ومربي الجواميس، وأدى ذلك إلى تقلص مساحات الزراعة الذي ترافق مع انحسار مياه نهر العاصي الذي يمر وسط سهل الغاب، وصولاً إلى منطقة جسر الشغور، وجفاف بحيرة سد قسطون التي تعتمد بتجميع مياهها على الأمطار والسيول القادمة من عمق جبل الزاوية جنوب إدلب، ما أدى إلى تدهور الزراعة ومحاصيل القمح والشمندر السكري ومزروعات أخرى، كما تضررت تربية حيوان الجاموس في المنطقة ضمن مساحة بلغت نحو 20 ألف هكتار من الأراضي الزراعية».
وبحسب عاملين في المجال الزراعي والثروة المائية في شمال غربي سوريا، يتوقع أن تشهد مساحات كبيرة من ريفي إدلب وحماة جفافاً غير مسبوق خلال السنوات القادمة، نظرا لقلة الأمطار وجفاف عدد من الينابيع وعيون المياه.