مخاوف أوروبية من «تساهل» تفاوضي أميركي في محادثات فيينا

صورة وزعها مكتب المنسق الأوروبي لانطلاق الجولة 8 من محادثات إحياء الاتفاق النووي الإيراني في فيينا الاثنين (الشرق الأوسط)
صورة وزعها مكتب المنسق الأوروبي لانطلاق الجولة 8 من محادثات إحياء الاتفاق النووي الإيراني في فيينا الاثنين (الشرق الأوسط)
TT

مخاوف أوروبية من «تساهل» تفاوضي أميركي في محادثات فيينا

صورة وزعها مكتب المنسق الأوروبي لانطلاق الجولة 8 من محادثات إحياء الاتفاق النووي الإيراني في فيينا الاثنين (الشرق الأوسط)
صورة وزعها مكتب المنسق الأوروبي لانطلاق الجولة 8 من محادثات إحياء الاتفاق النووي الإيراني في فيينا الاثنين (الشرق الأوسط)

باستثناء الطرفين الإيراني والروسي اللذين يتحدثان عن حصول تقدم «لا يمكن إنكاره» وفق الجانب الروسي، أو أن المفاوضات «يمكن أن تفضي سريعاً إلى اتفاق» وفق الطرف الإيراني، فإن الغربيين يبدون أكثر حذراً. فالثلاثي الأوروبي اكتفى بالإشارة إلى حدوث «تقدم تقني» في معالجة المطالب الإضافية التي تقدمت بها طهران، فيما وصفت الخارجية الأميركية هذا التقدم بـ«المتواضع». وبالنظر إلى هذا الواقع، فإنه من المستبعد جداً، وفق مصادر أوروبية، أن يتم التوصل سريعاً إلى اتفاق بشأن المواضيع الخلافية التي تمهد للعودة إلى اتفاق صيف العام 2015.
ثمة 5 ملفات تشكل العقبات الرئيسية التي تحول، حتى اليوم، دون إحراز تقدم «جوهري» في فيينا، بل من شأنها إجهاض المفاوضات. ويمثل موضوع «الضمانات» التي تريدها طهران لجهة امتناع واشنطن عن التخلي لاحقاً عن أي اتفاق جديد يتم التوصل إليه المشكلة الرئيسية، إذ إن حجة إيران أن أصواتاً من بين صفوف الجمهوريين تهدد منذ اليوم بأن عودتهم إلى البيت الأبيض ستعني الخروج مجدداً من الاتفاق، وإعادة فرض عقوبات على طهران، بشكل تلقائي، على غرار ما فعل الرئيس السابق دونالد ترمب، وربما أقسى منها. وأصبح اليوم معلوماً أن حصول الجانب الإيراني على ضمانات مكتوبة من إدارة الرئيس بايدن يواجه صعوبات قانونية، وسياسية، وبالتالي فإن البحث عن مخارج، يشكل اليوم أحد الاهتمامات الرئيسية للمتفاوضين. وبهذا الخصوص، تفيد مصادر أوروبية أن ثمة اقتراحين، طُرحا للبحث؛ الأول، جعل الخروج من الاتفاق مرهوناً بمجلس الأمن، وليس من صلاحيات أي من الأطراف الموقعة على الاتفاق. وهذا الطرح يكبل يدي الإدارة الأميركية التي ستكون عاجزة عن الترويج له داخلياً، أو لدى حلفائها وشركائها، الأوروبيين أو الشرق أوسطيين. والحلّ الآخر وهو ما يدفع إليه الجانب الإيراني، عنوانه الحصول على ضمانات أوروبية برفض الإذعان لأي عقوبات لاحقة تفرضها واشنطن رغم التهديد بمعاقبة الشركات الأوروبية التي تصر على الاستمرار في التعامل مع إيران. والحال أن التجربة السابقة بيّنت أن الأوروبيين غير قادرين على الوقوف بوجه العقوبات الأميركية عابرة الحدود، والدليل على ذلك أن آلية «آينستكس» التي أوجدوها بشقّ النفس، بقيت على الهامش بسبب إذعان الشركات الأوروبية للقرار الأميركي. وحتى اليوم، وبحسب ما هو متداول داخل قاعة الاجتماعات في فيينا، لم يتوصل المفاوضون إلى تصور «واقعي وعملي» للتعامل مع هذه المسألة التي تربط بها السلطات الإيرانية الوصول إلى اتفاق.
وتردف هذه العقبة مسألة أخرى ليست أقل أهمية، وتتناول رفض إيران العمل بمبدأ «التماثلية» بسبب تمسكها بقيام واشنطن برفع كامل العقوبات عنها أولاً وتمكينها زمنياً من التأكد من حصولها فعلاً. والحال أن الإقدام على خطوة كهذه، إن لم تترافق مع وقف أنشطة تخصيب اليورانيوم بمستويات مرتفعة والامتناع عن نشر مزيد من أجهزة الطرد المركزي المتقدمة، سيوفر لطهران مزيداً من الوقت لمراكمة المواد الانشطارية والاقتراب أكثر فأكثر من «الحافة النووية». كذلك، سينزع من واشنطن ورقة الضغط الرئيسية التي بحوزتها «أي العقوبات»، خصوصاً أنها ما زالت متمسكة بالمسار الدبلوماسي للعودة إلى الاتفاق، وهذا ما كشفته الزيارة التي قام بها مستشار الأمن القومي جيك سوليفان إلى إسرائيل مؤخراً.
رغم التنسيق الحاصل بين الجانبين الأميركي والأوروبي بشأن مسار المفاوضات وشروط التوصل إلى اتفاق، ثمة مصادر أوروبية تشير إلى وجود «تخوفات» أوروبية من رغبة أميركية في التوصل سريعاً إلى اتفاق قد لا يوفر الضمانات كافة التي غابت عن الاتفاق السابق. وتشير هذه المصادر إلى المواقف التي دافعت عنها فرنسا في الأشهر التي سبقت التوصل إلى اتفاق العام 2015، والتي أجهضت ضغوطاً أميركية للإسراع في إبرام اتفاق. الأمر الذي يتحدث عنه بإسهاب وتفصيل، لوران فابيوس، وزير الخارجية الفرنسي، وقتها في كتابه المسمى «كي دورسيه». ويبدو الطرف الأوروبي «حساساً» إزاء مخاوف الدول الخليجية، وأيضاً إسرائيل. وقال مسؤول التخطيط الاستراتيجي في وزارة الخارجية الإسرائيلية، في مقابلة نشرتها بداية الأسبوع الحالي صحيفة «لوموند»، صراحة، إن إسرائيل تخشى أن يسعى الرئيس بايدن إلى اتفاق سريع وبأي ثمن مع إيران. مضيفاً أنه تمت إثارة هذه المسألة مع الأطراف التي تتفاوض مع إيران، وأن التوصل إلى اتفاق سيئ أو إلى اتفاق مرحلي «سيعني تكرار أخطاء الماضي». وفي السياق نفسه، تتخوف المصادر الأوروبية من امتناع واشنطن عن الإصرار على إدراج الملفين الصاروخي - الباليستي وسياسة إيران الإقليمية في سياق المفاوضات. ومن هذا المنظور، يبدو الجانب الأوروبي أكثر تشدداً. إلا أن الصعوبة بالنسبة إليه أنه إذا قررت واشنطن السير باتفاق كهذا فسيكون عندها عاجزاً عن وقفها. من هنا، يمكن فهم المواقف المتشددة التي يعبر عنها دورياً الثلاثي الأوروبي المفاوض «فرنسا وبريطانيا وألمانيا» وتنبيهه من التقدم المتسارع للبرنامج النووي الإيراني، واعتباره أن «زيادة مخزونات اليورانيوم إلى 60 في المائة تقرب إيران بشكل كبير من الحصول على المواد الانشطارية التي يمكن استخدامها في صنع سلاح نووي»، وأن تحديد مهل «مصطنعة» للمفاوضات ليس أمراً جيداً.
إضافة إلى ما سبق، وبانتظار التعرف إلى مزيد عما يجري داخل المفاوضات، هناك ملفان يتسمان بالصعوبة، لكنهما ليسا عصيين على الحل، وهما من جهة المخزون التراكمي من اليورانيوم المخصب بنسب عالية الذي تمتلكه طهران «20 و60 في المائة»، منتهكة بذلك أبرز بنود الاتفاق النووي، والثاني مصير أجهزة الطرد المركزي المتقدمة التي يتواصل نشرها وتطويرها. وحتى اليوم، ما زالت إيران رافضة لإخراج اليورانيوم المخصب من البلاد بحجة حاجتها إليه للاستخدامات المدنية، بما في ذلك قضبان اليورانيوم المعدنية. وفي السياق ذاته، فإنها ترفض إخراج طارداتها. وليس واضحاً بعد ما إذا كانت مواقفها، عالية السقف، إزاء هذين الملفين، «تفاوضية» وهدفها بالدرجة الأولى الرأي العام الداخلي، أم أنها فعلاً قطعية.



إيران «لن تعرقل» مفتشي «الطاقة الذرية»

غروسي يجري محادثات مع محمد إسلامي رئيس المنظمة الإيرانية للطاقة الذرية في فيينا منتصف سبتمبر الماضي (الوكالة الدولية للطاقة الذرية)
غروسي يجري محادثات مع محمد إسلامي رئيس المنظمة الإيرانية للطاقة الذرية في فيينا منتصف سبتمبر الماضي (الوكالة الدولية للطاقة الذرية)
TT

إيران «لن تعرقل» مفتشي «الطاقة الذرية»

غروسي يجري محادثات مع محمد إسلامي رئيس المنظمة الإيرانية للطاقة الذرية في فيينا منتصف سبتمبر الماضي (الوكالة الدولية للطاقة الذرية)
غروسي يجري محادثات مع محمد إسلامي رئيس المنظمة الإيرانية للطاقة الذرية في فيينا منتصف سبتمبر الماضي (الوكالة الدولية للطاقة الذرية)

تعهدت إيران بعدم «عرقلة» مهمة ممثلي الوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة لتفتيش مواقعها النووية. وقال رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية محمد إسلامي، السبت، إن إيران لن تعرقل دخول ممثلي الوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة إلى مواقعها وتفتيشها. ونقلت وسائل إعلام إيرانية عن إسلامي قوله: «لم ولن نضع أي عقبات أمام عمليات التفتيش والمراقبة التي تنفذها الوكالة (الدولية للطاقة الذرية)».

وأضاف: «نعمل في إطار الضمانات كما تعمل الوكالة وفقاً لضوابط، لا أكثر ولا أقل».

ووفقاً لتقرير صدر عن الوكالة الدولية للطاقة الذرية، الخميس الماضي، قبلت إيران تشديد الرقابة على منشأة فوردو النووية بعدما سرّعت طهران بشكل كبير من تخصيب اليورانيوم ليقترب من مستوى صنع الأسلحة. وقبل أيام ذكرت الوكالة أن إيران ضاعفت وتيرة تخصيب اليورانيوم في منشأة فوردو إلى درجة نقاء تصل إلى 60 بالمائة، أي قريباً من نسبة 90 بالمائة اللازمة لإنتاج أسلحة.

وأعلنت الوكالة أنها ستناقش الحاجة إلى إجراءات وقائية أكثر صرامة، مثل زيادة عمليات التفتيش في منشأة فوردو لتخصيب اليورانيوم، وهي واحدة من منشأتين تصلان إلى هذا المستوى العالي من التخصيب.

وجاء في التقرير السري الموجه إلى الدول الأعضاء: «وافقت إيران على طلب الوكالة زيادة وتيرة وشدة تنفيذ إجراءات الضمانات في منشأة فوردو، وتساهم في تنفيذ هذا النهج المعزز لضمانات السلامة».

ووفقاً للوكالة الدولية للطاقة الذرية، يمكن لـ«فوردو» الآن إنتاج أكثر من 34 كيلوغراماً شهرياً من اليورانيوم المخصب بنسبة تصل إلى 60 في المائة، مقارنة بـ5 إلى 7 كيلوغرامات كانت تنتجها مجتمعة في فوردو ومنشأة أخرى في نطنز فوق الأرض.

ووفقاً لمعايير الوكالة، فإن نحو 42 كيلوغراماً من اليورانيوم المخصب بنسبة 60 في المائة تكفي نظرياً، إذا تم تخصيبها أكثر، لصنع قنبلة نووية. إيران تمتلك بالفعل أكثر من أربعة أضعاف هذه الكمية، بالإضافة إلى ما يكفي لصنع المزيد من الأسلحة عند مستويات تخصيب أقل.

وتؤكد القوى الغربية أنه لا يوجد مبرر مدني لتخصيب إيران إلى هذا المستوى، حيث لم تقم أي دولة أخرى بذلك دون إنتاج أسلحة نووية. فيما تنفي إيران هذه الادعاءات، مؤكدة أن برنامجها النووي ذو أهداف سلمية بحتة.