الحرب تفاقم مآسي الأطفال في سوريا

تحقيق لـ «الشرق الأوسط» عن عمالة القاصرين في مخيم للنازحين بالحسكة

أطفال في مخيم للنازحين أقيم في منطقة أثرية قرب سرمدا شمال غربي سوريا في نوفمبر الماضي (إ.ب.أ)
أطفال في مخيم للنازحين أقيم في منطقة أثرية قرب سرمدا شمال غربي سوريا في نوفمبر الماضي (إ.ب.أ)
TT

الحرب تفاقم مآسي الأطفال في سوريا

أطفال في مخيم للنازحين أقيم في منطقة أثرية قرب سرمدا شمال غربي سوريا في نوفمبر الماضي (إ.ب.أ)
أطفال في مخيم للنازحين أقيم في منطقة أثرية قرب سرمدا شمال غربي سوريا في نوفمبر الماضي (إ.ب.أ)

في متجر لبيع الخضراوات والمواد التموينية في مخيم «واشوكاني» شمال غربي مدينة الحسكة (شمال شرقي سوريا)، تعمل جيلان ذات الـ15 ربيعاً بدوام كامل لمدة 8 ساعات. فهذه الفتاة التي لم يشتدّ ساعدها بعد على العمل، تحمل يومياً أحجاماً أكبر من جسدها النحيل بسبب ظروف النزوح والحياة القاسية؛ بغية الحصول على راتب نهاية الشهر لإعالة أسرتها، وتعود في نهاية يوم عملها إلى خيمتها منهكة ومتعبة. أما حازم، البالغ من العمر 12 عاماً، فما أن تدق الساعة السابعة صباحاً حتى يهرع إلى عمله في «بسطة» لبيع الدخان على قارعة الطريق العابر من بلدة التوينة المجاورة إلى مركز المدينة. يقف لمدة تزيد على 8 ساعات يومياً لبيع أنواع من علب السجائر، منها المحلية الصنع والأجنبية؛ وذلك بهدف تأمين لقمة عيش له ولأهله بعدما وقفت رحلة النزوح عائقاً دون متابعته تعليمه وحركته من التعرف على حقوقه في الدراسة... واللعب.
في هذا المخيم الذي تحوّل إلى بلدة صغيرة يقطنها نحو 14 ألف نسمة يتحدرون من مدينة رأس العين وريفها، أو «سري كانيه» بحسب تسميتها الكردية، ممن نزحوا جراء العملية التركية «نبع السلام» نهاية 2019، يعمل الكثير من الأطفال عمّال نظافة وفي خدمة زبائن المطاعم القليلة ومحال الخضراوات ومتاجر مواد الأغذية، إضافة إلى عملهم باعةً متجولين لمختلف أنواع البضائع وضمن شبكات تعمل على جمع البلاستيك والورق من القمامة لبيعها لتجار إعادة تدوير النفايات.
وتعمل جيلان في حمل علب الزيت والسمنة والمياه المعدنية، وتواظب على نشاطها؛ حتى لا يتسبب تأخرها في طردها من العمل. تقول هذه الفتاة الصغيرة وهي تقف قرب علب كرتون فارغة تعيد ترتيبها ليسهل إخراجها «صاحب المحل يعطيني يومياً ألفي ليرة وأحياناً 3 آلاف و500 ليرة (نحو دولار أميركي) لمساعدة أمي في مصروف أخوتي». حاولت أن تخفي ابتسامتها لأنها «محظوظة بفرصة عمل»، وأقرّت بتركها الدراسة منذ 3 سنوات، قائلة «الكثير من أبناء الجيران يبحثون عن العمل ولا يجدون شيئاً، نعم لقد تركت دراستي حتى أساعد والدتي بالمصروف». وقد أكدت والدتها، وتدعى ريمة وهي سيدة في بداية عقدها الرابع، أنها تربّي إلى جانب جيلان 5 أطفال آخرين في خيمة مساحتها 25 متراً قسّمتها لمكان للنوم وآخر للحمام والمطبخ، وقد فقدت منزلها وجميع ممتلكاتها قبل فرارها من مسقط رأسها برأس العين، وانتهى بها المطاف للعيش في هذا المخيم. قالت ريمة التي كانت تلبس زياً محلياً عبارة عن فستان أزرق اللون ممزوجاً بخيوط ذهبية وغطاء رأس «إن السلّل الغذائية (المعونات الإنسانية) لا تكفينا. فبعد وفاة زوجي بمرض عضال أصبحت أرملة أربّي 7 أفراد، لكن ينقصنا الكثير. بحثت عن عمل دون جدوى. راتب جيلان يسد بعض الاحتياجات». وهناك أطفال يعملون في جرّ عربات لبيع الخضراوات والفواكه أو بيع الدخان مثل حازم، وهؤلاء لا يواجهون فقط إجهاد العمل واستغلال رب العمل الذي يفضّلهم على غيرهم بسبب أجورهم المتدنية. يقول حازم «أخشى من دوريات الشرطة لأن البسطة مخالفة فعندما تأتي أختفي بسرعة من شدة الخوف، ولا يوجد خيار ثان لأن والدتي مريضة ووالدي تقدّم في السن وبات عاجزاً عن إيجاد مصدر للرزق».
وفي بلدة التوينة، المجاورة للمخيم، كان في الإمكان مشاهدة أطفال يجوبون الشوارع ولا تتعدى أعمارهم عشر سنوات، حاملين على ظهورهم أكياساً عملاقة تفوق حجمهم يجمعون بها القوارير البلاستيكية من القمامة حتى يبيعوها. ويقول سكان محليون، إن معظم هؤلاء الأطفال من أبناء المخيم أجبرتهم ظروف الحرب على العمل في النفايات. وتقول سعدية، وهي نازحة وأم لطفلين من إحدى قرى ريف بلدة تل تمر «يعمل أطفالي بجمع علب النايلون البلاستيكية والكرتون لبيعها بثمن زهيد. لم يذهبوا إلى المدرسة ولا يتقنون القراءة والكتابة لعجزي على تحمل مصاريف احتياجاتهما من الكتب والثياب.. بالكاد نسد جوعنا».
وأشارت مديرة المخيم ستير رشك إلى خطورة عمالة الأطفال وسلبياته وعدم التقيد بالقوانين الموضوعة التي تمنع من ذلك، وتقول في حديث لـ«الشرق الأوسط»، إن الظروف المعيشية الصعبة تساهم في ظاهرة عمالة الأطفال، مشيرة إلى «الارتفاع الجنوني لأسعار المواد الغذائية والاستهلاكية والتي ترتفع مع ارتفاع صرف الدولار الأميركي، يضاف إليها نقص المساعدات التي تقدمها المنظمات الإنسانية وخاصة الدولية العاملة في مناطق الإدارة». وتشدد على عدم تعرض أي من الأطفال العاملين في المخيم لحادث أو مشكلة. لكن هناك إحصائية رسمية دقيقة عن عدد أطفال المخيمات العاملين، سيما الذين يتعرضون منهم لحوادث خلال العمل.
وبحسب الأهالي وعاملين من المنظمات المدنية العاملة بالمخيم؛ أصيب شقيقان يعانيان من مرض الربو بحالة من ضيق التنفس أثناء عملهما في بيع الخضراوات على عربة خشبية مقابل أجر بسيط يعطيه صاحبها. ووقع الحادث عندما حمل الشقيقان مادة الكاز المستخدم في إشعال مواقد الطهي والتي تقوم إحدى المنظمات الإنسانية بتوزيعها على قاطني المخيم وفق بطاقة في كل أسبوع. وبحسب شكاوى بعض الأهالي، تعرض عشرات الأطفال لسوء المعاملة من رب العمل ما تسبب في تركهم وطردهم والتنقل مكروهين من عمل لآخر داخل المخيم. كما تعرض طفل لكسر في يده أثناء عمله بتوزيع مياه الشرب ضمن المخيم بعد انزلاقه وسقوطه على الأرض. كذلك تعرّض 10 من الأطفال العاملين في حقل للزراعة للطرد جميعاً من العمل في اليوم نفسه من قبل مالك قطعة الأرض.
وتقول منظمة «يونيسيف» التابعة للأمم المتحدة، إن عدد الأطفال النازحين في عموم سوريا بعد 11 سنة من القتال يبلغ نحو مليونين و600 ألف طفل. وتحققت الأمم المتحدة منذ عام 2014 من تعرّض أكثر من 4500 طفل للقتل، وأكثر من 3000 طفل للإصابة بجروح، وتم تجنيد أكثر من 3800 طفل في جبهات القتال المشتعلة. وقد تكون الأرقام أكبر من ذلك لصعوبة التحقق منها من مصادر مستقلة.
ويرى المحامي كيلان أوسكان، وهو عضو في نقابة المحامين بسوريا ويتحدر من بلدة الدرباسية التابعة للحسكة، ويعمل مستشاراً قانونياً في منظمات مدنية توعوية، أن غياب القوانين الرادعة وجدية سن تشريعات لتنفيذها، وعدم وجود احتياطات للسلامة من رب العمل، يجعل هؤلاء الأطفال معرّضين لمخاطر في أعمالهم. ويقول «تنص أحكام المادة 113 من قانون العمل السوري رقم 17 عام 2010، بمنع تشغيل الأحداث من الذكور والإناث قبل إتمام مرحلة التعليم الأساسي أو إتمام سن الخامسة عشرة أيهما أكثر»، لافتاً إلى أن قانون العمل السوري يسمح للأطفال بممارسة بعض الأعمال التي لا تتطلب جهداً عضلياً وبشرط عدم تجاوز مدة العمل ساعات محددة «على أن يتم تسجيل الطفل العامل لدى التأمينات الاجتماعية لضمان سلامته، حيث حظرت المادة 114 من قانون العمل تشغيل الحدث أكثر من ست ساعات يوميا شريطة أن تتخللها ساعة راحة».



مصر: «رسوم» الجوال المستورد تُربك مستخدميه

مصر تعتزم تطبيق رسوم جمركية على الجوالات الواردة من الخارج (رويترز - أرشيفية)
مصر تعتزم تطبيق رسوم جمركية على الجوالات الواردة من الخارج (رويترز - أرشيفية)
TT

مصر: «رسوم» الجوال المستورد تُربك مستخدميه

مصر تعتزم تطبيق رسوم جمركية على الجوالات الواردة من الخارج (رويترز - أرشيفية)
مصر تعتزم تطبيق رسوم جمركية على الجوالات الواردة من الخارج (رويترز - أرشيفية)

تسببت رسوم فرضتها السلطات المصرية، على الجوالات المستوردة من الخارج، في حالة إرباك واسعة بين المصريين، الذين انتقدوا تحميلهم «أعباء إضافية»، وسط إصرار حكومي على تنفيذ القرار، بداية من يناير (كانون الثاني) الحالي، بداعي «تشجيع الصناعة المحلية».

وبموجب القرار الجديد، يُسمح للمسافرين بإدخال جوال شخصي واحد فقط، بينما يخضع أي جوال إضافي يتم إدخاله لرسوم جمركية بنسبة 38.5 في المائة من قيمته. وفي حال دخول الجوال من خلال الجمارك دون دفع الرسوم المقررة، يتلقى صاحب الجوال رسالة تطالبه بسداد الرسوم خلال 90 يوماً.

وإذا لم يتم السداد في الموعد المحدد، فسوف يتم وقف خدمة الاتصالات عن الجوال، كما تشير وزارة المالية المصرية.

ورغم المحاولات الحكومية المتكررة، عبر بيانات أو تصريحات رسمية، لتوضيح المعنيين بالقرار وطريقة الدفع، فإن تطبيق إلكتروني أطلقته «مصلحة الجمارك»، لتسجيل بيانات الأجهزة المحمولة المستوردة، تسبب في حالة إرباك واضحة بين المواطنين، بعدما اكتشف كثيرون أنهم يحملون جوالات عليها رسوم مستحقة بآلاف الجنيهات، وسط تساؤلات عن مصيرها.

وسعت وزارة المالية، وكذلك وزارة «الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات»، لتوضيح ذلك اللبس في بيان مشترك، الأربعاء، حيث أكد البيان أن المنظومة الجديدة تسري على الجوالات الجديدة المستوردة من الخارج، ولا تسري على التي سبق شراؤها من السوق المحلية، أو من الخارج، وتم تفعيلها قبل الأول من يناير 2025، حيث لا تطبق هذه المنظومة بأثر رجعي.

وترفض الحكومة المصرية وصف تلك الرسوم بالجديدة، مؤكدة أن «الرسوم والضريبة الجمركية من دون تغيير»، غير أنها حددت لكل مواطن يأتي من الخارج «إعفاء جوال واحد للاستخدام الشخصي لفترة انتقالية لمدة 3 أشهر لأول مرة»، وفقاً للبيان.

وبررت الحكومة المصرية العمل بالمنظومة الجديدة بداعي «تشجيع وتوطين صناعة الجوال في مصر»، في ظل «بدء عدد من الشركات الدولية تصنيع جوالات بمختلف أنواعها بالسوق المصرية»، وشدّدت على دعم جهود توفير جوالات محلية الصنع بجودة عالية، وأسعار تنافسية، ومحفزة للتصدير.

وأرجع رئيس الوزراء المصري، مصطفى مدبولي، في مؤتمر صحافي، الأربعاء، تطبيق الرسوم على الجوالات المستوردة، إلى «شكوى 5 شركات دولية، تعمل على إنتاج أجهزة الجوالات في مصر، من عمليات التهريب»، التي وصفها بـ«الكبيرة».

ويصل إجمالي الطاقة الإنتاجية للشركات الأجنبية المصنعة للجوالات في مصر إلى نحو 11.5 مليون وحدة سنوياً، حسب إفادة من وزارة الاتصالات المصرية، في أغسطس (آب) الماضي.

ومع محاولة مواطنين استخدام تطبيق «تليفوني» الإلكتروني، الذي أطلقته مصلحة الجمارك المصرية، للاستعلام عن قيمة الرسوم المستحقة، اشتكى كثيرون على مواقع التواصل الاجتماعي من ارتفاع قيمة الرسوم، عادّين أنها «تتخطى أرباح الشركة المصنعة للجوال».

وانتقد مصريون تطبيق رسوم الجوالات المستوردة، وانتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي مطالبات بوقفها، وتصدر هاشتاغ #اوقفو_قرار_ضريبه_المحمول صدارة «التريند» على موقع «إكس»، للمطالبة بوقف القرار.

وأبدى كثير من المصريين المغتربين انتقادهم لتلك الرسوم، كونهم أكثر المتضررين من القرار وفق قولهم، لافتين إلى أن كثيرين يمتلكون جوالين، أحدهما برقم مصري وآخر برقم الدولة التي يعيشون فيها، وهو ما يكبدهم أموالاً طائلة مع عودتهم.

وما زالت إجراءات فرض الرسوم على الجوالات المستوردة، «غير واضحة»، كما يشير سكرتير شعبة الاتصالات باتحاد الغرف التجارية المصرية، تامر محمد، الذي طالب الحكومة بتوضيح آليات تنفيذها حتى لا يُساء استخدامها.

وقال محمد، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، إن «غاية الحكومة المصرية من حوكمة سوق الجوالات (خطوة جيدة)، خاصة أن المستفيد الأكبر من تلك الخطوة، هي شركات تعمل بشكل منضبط»، لكنه أشار كذلك إلى «ضرورة شرح آلية تطبيق النظام الجديد والبدائل للمستخدمين».

وارتفعت واردات مصر من الجوالات بنسبة 31.4 في المائة، خلال الخمسة الأشهر الأولى من العام الماضي 2024، حيث سجلت 1.828 مليون دولار، مقابل 1.391 مليون دولار خلال الفترة نفسها من عام 2023، حسب إفادة من «الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء» بمصر في أغسطس الماضي.

ومع شكاوى المستخدمين من تطبيق «تليفوني» التابع للجمارك، أقر نائب رئيس شعبة المحمول باتحاد الغرف التجارية، محمد الحداد، بوجود أخطاء في التطبيق، تتعلق بتلقي بعض المستخدمين رسائل برسوم على جوالات تم شراؤها من قبل، لكنه عدّها «طبيعية»، وأوضح: «هناك أخطاء سيتم تداركها، خصوصاً أن التطبيق يجري تفعيله لأول مرة في مصر».

ورغم ترحيبه بالمنظومة الجديدة، قال الحداد لـ«الشرق الأوسط»، إن «شركات تعاملت بشكل خاطئ مع القرار، وقامت برفع أسعار الجوالات بنسب تتراوح بين 5 و15 في المائة»، محذراً من أن هذه التصرفات «ستسهم في حالة ركود داخل السوق المحلية».