نادين هاني لـ «الشرق الأوسط»: هيلاري كلينتون اختياري لشخصية عالمية ناجحة

نادين هاني
نادين هاني
TT

نادين هاني لـ «الشرق الأوسط»: هيلاري كلينتون اختياري لشخصية عالمية ناجحة

نادين هاني
نادين هاني

مع خلفية ثرية في المجال الاقتصادي، ومع رزانة التقديم والحضور، واكبت المذيعة نادين هاني مشاهديها خلال المراحل والجوانب المختلفة للحياة الاقتصادية. قدمت الأخبار وتوسعـت في تحليلها سعيا لتقديم صورة تتجاوز الأرقام والأسماء.
* كيف ومتى اخترت العمل في الإعلام.. وما هي دوافعك الخاصة والعامة لذلك؟
- عملي في الإعلام كان صدفة، ولم أخطط يوما لأكون إعلامية أو أظهر على شاشة التلفزيون. فقد تخرجت في الجامعة الأميركية في بيروت بماجستير إدارة أعمال، وبدأت حياتي المهنية في مصرف أجنبي (ABN Amro)، حيث عملت في الصيرفة الخاصة. كنت أنصح أصحاب الثروات حول الطريقة المثلى لاستثماراتهم، ومن ثم انتقلت إلى مصرف عالمي آخر (BNP Paribas). كنت سعيدة بنجاحي ولم أفكر يوما في الانتقال إلى مجال آخر. لكن الصدفة جعلت صديقا يتصل بي وأنا في مقهى مع أصدقاء، ليعرض علي فكرة العمل (part time) في تلفزيون لبناني من أجل تقديم فقرة حول الأسواق العالمية والأسهم. كانت فكرة جديدة على الشاشات العربية حيث كانت الأخبار الاقتصادية حتى ذلك الحين تقتصر على العموميات من دون تغطية أسواق المال بالتفصيل. وقد عرضوا الفكرة علي لأنهم كانوا يبحثون عمن يقدر أن يعد ويقدم الفقرة، وبالتالي يتمتع بالخلفية الاقتصادية، فأعجبتني الفكرة وقدمت أخبار الأسواق بالتزامن مع عملي في البنك. بعدها بسنتين تلقيت عرضا لأنتقل إلى دبي للتفرغ للعمل الإعلامي، وهكذا بدا المشوار لكي أصبح مقدمة «الأسواق العربية»، البرنامج الاقتصادي الأكثر مشاهدة في العالم العربية. لو سألني أحد في أيام الدراسة عما إذا كنت سأصبح شخصية تلفزيونية لكنت ضحكت كثيرا، لأنني كنت خجولة جدا، ولم أكن أتخيل أن بإمكاني أن أكون مقدمة برامج أمام الملايين من المشاهدين أبدا.
* ماذا كان طموحك في مطلع عملك في المهنة التي اخترتها.. هل كان العمل كمذيعة هو رغبتك من البداية؟
- في البداية أردت أن أصبح مديرة بنك. لكن بعد دخولي المجال الإعلامي أصبح الهدف أن أكون أفضل مقدمة برامج اقتصادية في العالم العربي. أما اليوم فهدفي أن أحظى بحياة سعيدة. أنا أهدف إلى التميز في أي مجال كان. اليوم أنا أحب عملي وأقوم به بشغف، وأعتقد أن هذا هو الأهم. أطل على الناس من أفضل منبر إعلامي في العالم العربي، قناة «العربية»، فلم يكن ليتحقق النجاح من دون دعم المحطة والقيمين عليها الذين آمنوا بقدراتي ومنحوني الفرصة لأنجح، ومن دون العمل الشاق من ناحيتي والإصرار على أن أكون كل يوم أفضل من الذي سبق.
* ما هي الخطوة اللاحقة في مشروع حياتك المهني.. ما الذي تطمحين إليه؟
- أكيد أنني أفكر دائما في مشاريعي المستقبلية، وأعتبر أن لدي القدرات للانتقال إلى «الجانب الآخر» من عالم الأعمال ما بعد الظهور على الشاشة، فأنا أصلا أتيت منه، ولكن أنا من النوع الذي يعطي 100 في المائة من قدراته للعمل الذي يقوم به، وبالتالي أنا في الوقت الحاضر متفرغة لعملي كمقدمة برامج اقتصادية، ولدي الكثير من الطموح في هذا المجال قبل أن أنتقل إلى أمور أخرى.
* من كان (كانت) قدوتك في الإعلام؟
- أقدر النجاح بكل أشكاله، وأحاول أن أدرس شخصيات ومهارات قصص النجاح لكن من دون أن أقلدهم. أعتقد أن كل إنسان ناجح هو الذي يتصرف بتلقائية وبشخصيته هو، فمن يقلد الآخر سيكون دائما نسخة رديئة لأن التقليد لن يكون يوما بنفس جودة الأصل. وكوني لم أخطط يوما لأصبح إعلامية بالتالي لم يكن لدي قدوة من المجال الإعلامي لأنه لم يكن محط اهتمامي، أما بعد دخولي هذا المجال فقد أصبحت أراقب الإعلاميين على الشاشات الغربية لأتعلم منهم، فأحاول أن أراقب أداءهم لاكتشف سبب النجاح، ومن ثم أعمل على تطوير نفسي من دون أن أتمثل بأحد. أما إذا أردت أن اختار شخصية عالمية ناجحة بالمطلق (ليس في نطاق الإعلام) فستكون هيلاري كلينتون، لأنها أكبر مثال على نجاح المرأة في واحدة من أصعب المهن في العالم، الدبلوماسية والعلاقات الخارجية لدولة بمكانة الولايات المتحدة.
* من هو كاتبك المفضل (كاتبتك المفضلة) محليا وعالميا؟
- كاتبتي المفضلة هي جين استون، فقد كتبت عددا من القصص التي أصبحت كلاسيكية وهي صغيرة السن، مما يدل على حنكتها وقوة المراقبة لديها. فقد تأثرت بالشخصيات التي ابتكرتها، فكانت بطلات قصصها شخصيات نسائية ذكية وذات جوانب متعددة. هن دائما سريعات البديهة، فريدات في مجتمعهن، جريئات في خوض التجارب حتى لو أخطأن. القصة المفضلة لدي لأوستن هي «كبرياء وتحمل»، رغم أنها من أكثر القصص رومانسية في الأدب الإنجليزي، إلا أن شخصيات هذه القصة تتمتع بعمق من النادر أن نراه في هذا النوع من القصص.
* ما عدد ساعات العمل التي تمضينها خلال الأسبوع، وهل يترك ذلك لك الكثير من الوقت لكي تمضيه مع الأسرة؟
- لست أدري إن كان من الإيجابيات أم السلبيات للعمل الإعلامي أنه لا يتوقف مع خروجك من المكتب، فلا يكفي أن تقضي عددا من الساعات في مكان العمل ثم تذهب إلى البيت وتتفرغ للعائلة. عليك أن تكون متابعا للأخبار على مدار الـ24 ساعة. فإذا كنت تلحق قصة معينة فعليك أن تتابع مع مصادرك حتى لو في وقت متأخر من الليل، لأنك لا تتحكم في الوقت بل هدفك الحصول على المعلومة لتحقيق السبق الصحافي. كما أن متابعة الأسواق لا تتوقف، فالسوق الأميركية تبقى عاملة حتى ساعة متأخرة من الليل بتوقيتنا، وتغلق ليبدأ التداول في آسيا، فحتى وقت وجودي في المنزل أتابع على شاشات التلفزة المحطات الاقتصادية الأجنبية والأخبار على «تويتر». وفي أوقات فراغي أقرأ المجلات العالمية المتخصصة التي تختلف عن الأخبار اليومية في أنها تعطيك الجانب التحليلي للأخبار. فالعمل لا يتوقف، وهذا أكيد على حساب الحياة الشخصية، فلا شك لدي أن عملي دائما كان على حساب حياتي الشخصية.
* ما رأيك في الإعلام الجديد (إنترنت ووسائل اتصال أخرى) وهل–في رأيك–سيحل محل الإعلام السائد (صحافة، وتلفزيون)؟
- مهم جدا، ومكمل للإعلام التقليدي، لكن لن يحل محله. أنا من الإعلاميين الذين استقبلوا الإعلام الجديد بحماس، وكنت دائما نشطة في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي والهواتف الذكية. كلنا نتذكر قبل سنوات ليست طويلة أيام الجلوس في البيت لانتظار مخابرة هاتفية. مذهل التقدم الذي حصل في سنوات قليلة، ومذهل أنك تستطيع الحصول على المعلومة اليوم في أي وقت وأي مكان. ووسائل الإعلام التقليدية هي المؤهلة بالدرجة الأولى لاعتناق وسائل الإعلام الجديدة والتميز بها. فالتلفزيونات الناجحة لديها صحافيون ذوو مصداقية وخبرة طويلة ومصادر قوية، فتستطيع أن تستخدم كل هذه المقومات لتقدم لمتابعيها على وسائل التواصل الاجتماعي المعلومة في الوقت نفسه الذي تبثه على الشاشة التقليدية. والمشاهدون يتابعوننا على الشاشة الأولى، التلفزيون، والثانية، هاتفهم الذكي أو الحاسوب اللوحي، مع طابع تفاعلي أكثر هنا.
* هل تتأثرين بالأخبار السياسية أو التي تقدمينها على الشاشة على نحو شخصي، أو تستطيعين الحفاظ على مسافة بينك وبينها؟
- يكذب من يقول إنه لا يتأثر بالأخبار السياسية أو الإنسانية أو حتى بالأسواق عند نزولها وتعرض الملايين لخسائر تفقدهم في بعض الأحيان كل ما يملكونه. لكن المهنية تفرض عليك أن تضع هذه المسافة عندما تكون على الهواء لأن واجبنا تقديم المعلومة بموضوعية. مع ذلك لا أعتقد أن هناك إعلاميا يستطيع الوصول إلى درجة من التجرد تجعله لا يتفاعل أبدا مع الأخبار، إنما كلما استطعت التقليل منها زادت مهنيتك ومصداقيتك لدى الناس. أما في أخبار الأسواق فهناك بعد آخر هو الأجندة أو المصلحة الشخصية. فمن السهل أن يتم استغلال المنبر الإعلامي لتحقيق المصلحة الشخصية، ولكن هذا يفقدك المصداقية تماما لو ظهر للناس. فأنا كنت حريصة كل الحرص منذ بداية عملي الإعلامي على أن أغطي أخبار الأسواق بكل تجرد، وعدم الاستثمار بأي أدوات استثمارية أغطيها من خلال عملي على الشاشة، حتى لا يكون هناك تضارب مصالح، وفي السياق نفسه إذا شعرت بأن ضيفي يتحدث وفق أجندة مسبقة أغير موضوع النقاش أو أنهي المقابلة باكرا. فلا شيء يعيد للإعلامي مصداقيته إذا فقدها أمام الناس.
* ما هي، بالنسبة لك، المدونة المفضلة أو الموقع الإلكتروني المفضل؟
- لا أتابع المدونات، لكن أكثر وسائل التواصل الاجتماعي المفضلة لدي «تويتر» لأن طابعه إخباري أكثر من غيرها، و«يوتيوب» بالطبع. أما المواقع المفضل، فمن بينها «alarabiya.net» و«Bloomberg» للأخبار. ولا ينتهي نهاري من دون «wikipedia»، فأنا أحب أن أعرف معنى وخلفية كل شيء، فأستعين بـ«ويكيبيديا» لمعرفة خلفية أي قصة. وللترفيه، مواقع الأزياء والموضة.
* ما هي نصيحتك للصحافيين والصحافيات الشباب في بداية حياتهم الإعلامية؟
- دقائق الظهور على الشاشة هي مجرد عمل، كأي وظيفة أخرى. من السهل جدا أن يصاب الإعلامي بالغرور، وعندها يبدأ في الخسارة، خسارة محبة وتقدير من حوله ولاحقا مشاهديه. أما النجاح فلا يتحقق من دون العمل الشاق والمجهود الذي لا يتوقف. الثقة بالنفس مهمة، لكنها لا تكفي من دون الإلمام بالموضوع أو المادة التي تقدمها. فالمتابعة اليومية للأخبار وقراءة التحاليل ضرورية للنجاح. وأخيرا عدم التصنع، فالطريقة الوحيدة للتميز هي التصرف على طبيعتك.
* ما هي الشروط التي يجب توافرها، حسب رأيك، في أي صحافي؟
- الذكاء الشديد والدراسة والإلمام بالمادة التي يقدمها، لأن غلطة الشاطر بألف، فعندما تخطئ فأنت تخطئ أمام الملايين ليس فقط أمام رب عملك. أنا لا أوافق الرأي السائد بأن الأهم في المقدم هو طريقة القراءة أو الإلقاء، لأن القراء كثيرون، إنما التميز هو بتقديم المادة بذكاء، وأن تفهم كل جوانبها لتسأل السؤال المناسب، وتستخرج من حوارك مع ضيفك جوانب جديدة وتحليلية تجذب المشاهد لك. كما أن الإلمام باللغات ضروري، فمن غير المسموح الأخطاء في التحريك والنطق في اللغة العربية. أما الإنجليزية فهي ضرورية هذه الأيام لأنها لغة الأعمال، حتى ولو كنت لا تستخدمها على الشاشة. وأخيرا الكاريزما التي تحبب المشاهد بك، وهذه خلطة من الصفات الشخصية، التلقائية، المصداقية، والأناقة.
* في رأيك، ما هي أنجح قصة إخبارية قدمتها حتى الآن؟
- هي ليست أبدا ناجحة لكنها مؤثرة، وتطلبت الكثير من المجهود لتغطية مهنية للحدث. خلال 10 سنوات من العمل الإعلامي مررت بتجربة تغطية الصعود والنزول في أسواق المال.
أكثر الأحداث التي أثرت في كانت في 2006 و2008. أولها هبوط الأسواق الخليجية في 2006، حيث خسر الملايين أموالا طائلة، والبعض خسر مسكنه المرهون للبنك لقاء محفظة أسهم، فكانت تردني اتصالات من أشخاص خسروا كل شيء، وأنا عاجزة عن المساعدة. وكذلك عند وقوع الأزمة المالية العالمية في 2008 حيث خضت تجربة الذهاب إلى أرض بورصة نيويورك لأغطي الأحداث من هناك، فكانت تجربة مهمة جدا في حياتي المهنية وتعلمت خلالها الكثير، فكانت أسباب أزمة الرهونات العقارية في الولايات المتحدة معقدة جدا وأخذت الكثير من الجهد لفهمها وفهم تداعياتها وتفسيرها للمشاهد بطريقة مبسطة. لن أنسى هاتين المرحلتين.



بسّام برَّاك... عاشق العربية وحارسها أوصى بتكريمها في جائزة

أوصى زوجته دنيز بإطلاق جائزة خاصة باللغة العربية (الشرق الأوسط)
أوصى زوجته دنيز بإطلاق جائزة خاصة باللغة العربية (الشرق الأوسط)
TT

بسّام برَّاك... عاشق العربية وحارسها أوصى بتكريمها في جائزة

أوصى زوجته دنيز بإطلاق جائزة خاصة باللغة العربية (الشرق الأوسط)
أوصى زوجته دنيز بإطلاق جائزة خاصة باللغة العربية (الشرق الأوسط)

أقفل الإعلامي اللبناني الراحل بسّام برَّاك باب العربية الفصحى وراءه ومشى. أصدقاؤه وزملاؤه، عندما تسألهم من يرشحون لحمل إرثه، يردّون: لا أحد. حبّه للعربية الفصحى كان يسري في دمه. أبحر في مجالها الواسع وغاص في معانيها حتى صارت جزءاً لا يتجزأ من شخصيته. ألقابه ترتبط ارتباطاً مباشراً بها، وهي كثيرة. فهو «الأستاذ» و«المعلّم» و«عاشق اللغة» و«حارسها». كثيرون من أهل الإعلام والصحافة يعدّونه شخصية لن تتكرر في لبنان. وكان برَّاك قد رحل بعد صراع مع المرض عن عمر ناهز الـ53 عاماً في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.

حالة العشق هذه لم يكن يخفيها عن أحد. يفتخر بإجادة العربية وبالتحدث بها في أي مكان ومناسبة. حتى عندما يحاور أولاده في البيت كان يتكلّم معهم بالفصحى، وهو على يقين بأن زرع بذور العربية في أعماقهم، لا بدّ أن تتفتّح براعمها عند الكبر.

الإعلامية لينا دوغان رافقته في مشوار إعلامي طويل (الشرق الأوسط)

جائزة بسام برَّاك للغة العربية

حلم الإعلامي الراحل بتنظيم جائزة يكرّم من خلالها اللغة المغرم بها. فهو تربّى في منزل يهوى أفراده، من والدين وأخوة، العربية. نشأ على حبها والإعجاب بها. حاول أكثر من مرة إطلاق الجائزة، غير أن ظروفاً عاكسته. وعندما أصابه المرض وبدأت صحته تتراجع، أوصى زوجته دنيز بأن تنفذها بعد مماته.

تقول دنيز لـ«الشرق الأوسط»: «كان يطرب للعربية فيقرأها بنهم، ويتحدث بها بشغف. كانت فكرة الجائزة تراوده دائماً. وعندما مرض أوكل هذه المهمة لي. وسنعلن عن هذه الجائزة في الذكرى السنوية الأولى لوفاته، ونقدمها لمن يستحقها».

المناسبة الثانية التي سيتم تكريم بسام برَّاك خلالها تقام في 18 ديسمبر (كانون الأول)، ويصادف اليوم العالمي للغة العربية. تنظّم مدرسة العائلة المقدسة التي كان أستاذ الصفوف العربية فيها، يوماً كاملاً لاستذكاره.

كان الراحل برّاك يلقب بـ"عاشق اللغة العربية وحارسها" (الشرق الأوسط)

بسام الزميل الخلوق

عندما تسأل أصدقاء الراحل بسام برَّاك عنه تأتيك أجوبة متشابهة، وجميعها تصب في خانة «الزميل الخلوق». يؤكدون كذلك أنه إعلامي متميّز بشدة حبّه للعربية الفصحى.

الإعلامية لينا دوغان التي رافقت برَّاك في مشوارٍ مهني طويل، تعدّه مثلها الأعلى في اللغة العربية. وتضيف لـ«الشرق الأوسط»: «كان دقيقاً جداً في ملاحظاته للأخطاء في العربية. فعندما تسمع أذنه أي لفظ أو إلقاء أو خطأ يقترفه مذيع أخبار، يبادر إلى تصحيحه بشكل تلقائي».

وعن التأثير الذي تركه بسام على الذاكرة الجماعية من خلال اللغة، تردّ: «لقد قام بخطوة استثنائية في هذا الخصوص. أطلق مسابقة (الإملاء باللغة العربية). ووضع حجر الأساس للغة نحكيها، ولا نجيد قواعدها ولا كتابة ألفاظها. حتى أنه كان من النادر جداً في المسابقة المذكورة، أن ينجح أحد فيها، مع أن المتسابقين من الطراز الأول، ويتألفون من دكاترة واختصاصيين في العربية، إضافة إلى أدباء ووزراء ونواب».

تروي لينا دوغان أنه لبالغ ولعه بالفصحى، كان يتكلمها مع أطفاله. «تخيلي كان عندما يتوجه لابنه الصغير الذي يؤدي بالفرنسية أغنية طفولية معروفة (Tape les mains) يقول له: (صفّق صفّق). كان حارساً للغة، يعدّها أساسية في هويتنا العربية». وتضيف: «لقد كان إعلامياً مثقفاً جداً ومهذباً، خلوقاً. وهو ما بتنا نفتقده اليوم في مهنتنا».

وعما تعلّمته منه تردّ: «الكثير وأهمها الدقّة في العمل. ولا سيما قراءة النص أكثر من 10 مرات كي أتقّن إذاعته. كما تعلمت منه المثابرة في العمل. فبسام كان يملك تقنية إلقاء مثالية. ومرات كثيرة يرتجل مباشرة على المسرح في مناسبة يطلب منه تقديمها».

الإعلامي جورج صليبي كان رفيق دربه في المهنة وفي حب فيروز (الشرق الأوسط)

فيروز ألهمته فرحل وهو يردد «إيماني ساطع»

علاقة وطيدة كانت تربط بين بسام برَّاك والسيدة فيروز. وكان يردد بأنه عشق العربية من خلالها. كان صوتها يلهمه للبحث في هذه اللغة، وكذلك إتقان مخارج الحروف وعملية تحريك النص. آخر مشوار للقائها، قام به بمناسبة تقديم التعازي لفيروز بوفاة نجلها زياد الرحباني، رافقه فيه زميله وصديقه الإعلامي جورج صليبي. وتشير زوجته دنيز إلى أنه كان على علاقة وثيقة بـ«سفيرتنا إلى النجوم». «كانا يتبادلان الهدايا في المناسبات، ومن بينها ربطة عنق أوصاني بأن يرتديها عندما يرحل. وكان يزورها بين وقت وآخر. أما أغنيتها (إيماني ساطع) فقد بقي يسمعها حتى لحظاته الأخيرة». وتتابع: «صوت فيروز كان يرافقنا دائماً، في البيت كما في السيارة، وفي أي مناسبة أخرى. فلا يتعب ولا يملّ من سماعه وكأنه خبزه اليومي».

ولكن من ترشّح زوجته ليكمل طريق بسام في العربية؟ تجاوب: «في الحقيقة لا أعرف من يمكن أن يحمل هذا الإرث. بسام كان يبدي إعجابه بكثيرين يجيدون العربية الفصحى قراءة ولفظاً، ومن بينهم زملاء كالإعلاميين يزبك وهبي وماجد بو هدير وجورج صليبي ومنير الحافي والمؤرّخ الدكتور إلياس القطار وغيرهم، وجميعهم ضليعون بالعربية ويحبونها».

أصدر بسّام برَّاك كتاباً واحداً من تأليفه بعنوان «توالي الحبر»، وتضمن صوراً أدبية كثيرة، وضعها تحت عنوان الحبر، ومن بينها «حبر الحب» و«حبر الوطن» و«حبر فيروز». كما كتب مؤلفاً بعنوان «أسطورة المال والأعمال»، يحكي فيه سيرة عدنان القصار كرجل أعمال وسياسي. والجدير ذكره أن الإعلامي الراحل تأثر كثيراً بأستاذه الراحل عمر الزين. فهو من وضعه على سكة الفصحى المتقنة خلال عمله الإذاعي عبر أثير «صوت لبنان». وعندما رحل الزين أوصى بمنح برَّاك مكتبته المؤلفة من مجلدات ومؤلفات عربية، وكذلك من مدونات، وقصاصات، ورقية وخواطر. واليوم يترك بسام خلفه، إرثين، أحدهما يخصه، والآخر ورثه عن عمر الزين.

صداقة وزمالة وذكريات مع بسام برَّاك

كل من عرف الراحل بسام برَّاك عن قرب من زملاء وأصدقاء، يحدثك عنه بحماس. فالإعلامي يزبك وهبي يعتبره نابغة في مجاله، وكذلك زافين قيومجيان الذي قال عند رحيله إن اللغة العربية أصبحت يتيمة، بينما وصفه الرئيس اللبناني العماد جوزيف عون بأنه كان «الصحّ دوماً».

حبّه للعربية الفصحى كان يسري في دمه، فأبحر في مجالها الواسع وغاص في معانيها حتى صارت جزءاً لا يتجزأ من شخصيته

من جهته، يقول زميله جورج صليبي الذي بقي على اتصال به حتى لحظاته الأخيرة، بأنه الزميل الصديق والوفي. كانت تربطه به علاقة مميزة، عمرها 33 سنة، منذ عملهما سوياً في إحدى الإذاعات اللبنانية في أوائل التسعينات. يقول لـ«الشرق الأوسط»: «بالنسبة لجيلنا كان الراحل برَّاك مرجعنا الوحيد للعربية. نتصل به ونستفهم منه حول كيفية تحريك عبارة ما. وحتى عن معنى كلمة تصادفنا لأول مرة. كان موسوعة متنقلة للغة العربية. وأعتبره مقاتلاً شرساً في سبيلها».

ويستطرد صليبي: «كان يبالغ أحياناً في اعتماده الفصحى في أي زمان ومكان. وأذكر مرة عندما أهداني ربطة عنق، اتصلت به لأشكره، قال لي: لا نسميها كرافات أو ربطة عنق، بل (الإربة). فلا أحد يضاهيه في ثقافته وغوصه في هذه اللغة».

ترافق صليبي وبرَّاك في حبّهما لفيروز. الاثنان مولعان بها ويحبان أغنياتها ويحضران حفلاتها، فيلحقان بها أينما كانت حتى خلال تقديمها تراتيل كنائسية. «أول حفلة حضرناها معاً لفيروز، كانت في 17 سبتمبر (أيلول) من عام 1994 وسط بيروت. وبقينا نتذكر هذا التاريخ في موعده من كل عام. فيروز كانت تمثّل له العالم الذي يعشقه تماماً، كما اللغة العربية. وحتى عندما كنا نزورها سوياً، كان يخرج من عندها مفعماً بالفرح والإعجاب».

التقاه صليبي قبل 36 ساعة من وفاته: «حزن كثيراً لمصابه، فمرضه العضال أفقده القدرة على النطق. وهو ما كان يعدّه النقطة الأساسية في مهنته. فكان يحزّ في قلبه كثيراً هذا السكوت الذي ابتلي به وفُرض عليه. المرض أفقده صوته وشغفه بالإلقاء. وكان يعبّر عن هذا الأمر بلوم وعتب. وفي آخر لقاء معه كان شبه فاقد لوعيه، ولا أعرف إذا ما كان يسمعني، أخبرته عن ذكرياتي معه، وعن فيروز وأمور أخرى يحبها».

أما عن إرث بسام برَّاك اللغوي والأدبي، فيعلّق صليبي: «أرشيف غني وضخم، كان يملكه زميلي الراحل بسام. وهو تضاعف بعدما أوصى عمر الزين بتحويل مكتبته الأدبية له بعد رحيله. هذان الإرثان يجب أن يتم الاهتمام بهما من قبل مؤسسة جامعية أو ثقافية، لأن الحفاظ عليهما يفوق قدرة الفرد الواحد».


استخدام الذكاء الاصطناعي في «واتساب» يُعمق الخلاف القانوني بين أوروبا و«ميتا»

شعار «ميتا» (رويترز)
شعار «ميتا» (رويترز)
TT

استخدام الذكاء الاصطناعي في «واتساب» يُعمق الخلاف القانوني بين أوروبا و«ميتا»

شعار «ميتا» (رويترز)
شعار «ميتا» (رويترز)

أثار استخدام شركة «ميتا» للذكاء الاصطناعي في تطبيق «واتساب» معركة قانونية جديدة بين شركة التكنولوجيا الأميركية والاتحاد الأوروبي، لا سيما بعدما أعلنت أوروبا فتح تحقيق مع «ميتا» بشأن احتمال انتهاكها قواعد المنافسة المتعلقة بميزات الذكاء الاصطناعي في «واتساب»، ما اعتبر بحسب خبراء «تصعيداً لنزاع قانوني قائم، وتأكيداً على اتجاه أوروبا لتنظيم مواقع التواصل»، رغم ضغوط الولايات المتحدة، واتهام الرئيس دونالد ترمب لأوروبا بـ«استهداف الصناعة الأميركية بشكل غير عادل».

ووفق المفوضية الأوروبية، فإن «السياسة الجديدة التي أعلنتها (ميتا) قد تمنع مزودي خدمات الذكاء الاصطناعي الخارجيين من تقديم خدماتهم عبر (واتساب)، ما يعد إساءة استخدام لوضع مهيمن». وقالت نائبة رئيسة المفوضية الأوروبية المسؤولة عن المنافسة، تيريزا ريبيرا، في بيان صحافي الأسبوع الماضي، إن «بروكسل تريد ضمان استفادة المواطنين والشركات بشكل كامل من الثورة التكنولوجية المتعلقة بزيادة استخدام الذكاء الاصطناعي، وذلك من خلال منع أصحاب المراكز المهيمنة من استغلالها لإقصاء المنافسين».

ويتيح «واتساب» حالياً للشركات التواصل مع العملاء على التطبيق، وبعض هذه الشركات يستخدم تقنيات ذكاء اصطناعي لإجراء المحادثات، لكن مع القواعد الجديدة التي أعلنتها «ميتا» فإن هذه الشركات قد لا تستطيع استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي التي طورتها، ما يصب في صالح خدمة «ميتا إيه آي». لكن «واتساب» ترى أن «انتشار روبوتات الدردشة عبر التطبيق يثقل كاهل أنظمته غير المصممة لتحمل هذا العبء، ولذلك كان ينبغي الإعلان عن تغييرات»، بحسب «وكالة الصحافة الفرنسية».

الصحافي وعضو مجلس نقابة الصحافيين الأردنيين، خالد القضاة، رأى أن «هذا التحقيق جزء من صراع قانوني متصاعد بين الاتحاد الأوروبي وشركات التكنولوجيا الكبرى وعلى رأسها (ميتا)». وأوضح لـ«الشرق الأوسط» أن «الصراع متعلق بأمور عدة؛ من بينها حماية البيانات الشخصية للمستخدمين، ومنع المحتوى المسيء، واستخدام الذكاء الاصطناعي».

وقال إن «استخدام الذكاء الاصطناعي يضر بالخصوصية، ويتيح معالجة كم هائل من البيانات في وقت قصير»، مرجحاً استمرار تصاعد الصراع القانوني بين الاتحاد الأوروبي و«ميتا».

وكانت «ميتا» قد بدأت في مارس (آذار) الماضي دمج روبوت المحادثة والمساعد الافتراضي «ميتا إيه آي» في تطبيق «واتساب» داخل الأسواق الأوروبية. وفي يوليو (تموز) الماضي، فتحت هيئة مكافحة الاحتكار الإيطالية تحقيقاً بشأن اتهامات لـ«ميتا» باستغلال قوتها السوقية عبر دمج أداة ذكاء اصطناعي في «واتساب»، وتوسع التحقيق في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي لفحص ما إذا كانت «ميتا» قد انتهكت قواعد المنافسة والاحتكار.

المتخصص في الرصد والتحليل الإعلامي والصحافي المصري محمد الصاوي قال إن «التحقيق الأخير الذي أطلقه الاتحاد الأوروبي ضد (ميتا) ليس مجرد خلاف تقني، أو قانوني، بل نقطة تحوّل حقيقية في كيفية تعامل المنظمين مع هيمنة الشركات الكبرى على أدوات المستقبل، وتحديداً الذكاء الاصطناعي». وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن «محاولة (ميتا) حصر استخدام الذكاء الاصطناعي ضمن منظومتها فقط قد تُفهم على أنها محاولة لبناء (بوابة مغلقة) تقيّد الابتكار، وتمنع المنافسة، ما يتنافى مع المبادئ الأساسية التي يحرص عليها الاتحاد الأوروبي». وأشار إلى أن الخلافات القانونية بين الاتحاد الأوروبي و(ميتا) ليست وليدة اللحظة، بل تمتد لسنوات مضت، بدءاً من قضايا حماية البيانات، مروراً بالتحقيقات المرتبطة بالاحتكار واستغلال الهيمنة السوقية، وانتهاءً بالخلافات حول الإعلانات الموجهة، والمحتوى السياسي.

وقال الصاوي إن هذا «النزاع المستمر بين الاتحاد الأوروبي و(ميتا) يحمل وجهين؛ فمن جهة، يمكن أن يؤدي إلى مزيد من الحماية للبيانات، والخصوصية، وفرض معايير أكثر شفافية على كيفية استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي. ومن جهة أخرى، قد يتسبب في تقييد بعض الخدمات، أو تعقيد تجربة الاستخدام في حال قررت (ميتا) تقليص بعض المزايا في أوروبا للامتثال للقوانين».


ما العلاقة بين تراجع «إكس» وسياسات ماسك؟

ماسك يُشير بيده في أثناء حديثه خلال العرض الافتتاحي داخل صالة «كابيتول وان آرينا» بواشنطن في يناير (كانون الثاني) الماضي (أ.ف.ب)
ماسك يُشير بيده في أثناء حديثه خلال العرض الافتتاحي داخل صالة «كابيتول وان آرينا» بواشنطن في يناير (كانون الثاني) الماضي (أ.ف.ب)
TT

ما العلاقة بين تراجع «إكس» وسياسات ماسك؟

ماسك يُشير بيده في أثناء حديثه خلال العرض الافتتاحي داخل صالة «كابيتول وان آرينا» بواشنطن في يناير (كانون الثاني) الماضي (أ.ف.ب)
ماسك يُشير بيده في أثناء حديثه خلال العرض الافتتاحي داخل صالة «كابيتول وان آرينا» بواشنطن في يناير (كانون الثاني) الماضي (أ.ف.ب)

بعد أكثر من 3 سنوات على استحواذ الملياردير الأميركي إيلون ماسك على منصة «إكس» (تويتر سابقاً) في أكتوبر (تشرين الأول) 2022، تزداد المؤشرات على تراجع المنصة من حيث «التأثير والتفاعل»، بحسب ما يقول مختصون، بالتوازي مع تجدُّد الحديث بشأن سياساتها التحريرية، وعلاقة المنصة بطموحات مالكها السياسية، وتحوُّل المعلنين عنها.

ويرى مختصون أن ما يجري على «إكس» لم يعد مجرد تغييرات تقنية أو تجارية، بل هو «انعكاس مباشر لرؤية ماسك الآيديولوجية، وطريقة توظيفه المنصة في مشروع نفوذ سياسي أوسع». ويقولون: «إن وجود علاقة مباشرة بين طموحات ماسك السياسية وسياساته التحريرية الجديدة أخرج المنصة عن مسارها».

شعار منصة "إكس" فوق أحد مقراتها في سان فرانسيسكو (رويترز)

وأشارت بيانات حديثة عدة إلى تراجع التفاعل على منصة «إكس» خلال الأعوام الأخيرة، وجاء من أبرزها تحليل إحصائي نشره موقع «بروكسيدايز (Proxidize)» في أكتوبر الماضي، تحدَّث عن تراجع معدلات التفاعل على المنصة بنحو 48.3 في المائة خلال عام واحد فقط، إذ انخفض معدل التفاعل المتوسط لكل تغريدة من 0.029 في المائة في 2024 إلى 0.015 في المائة في 2025.

كما قلصت العلامات التجارية وتيرة النشر بنحو ثُلث المحتوى تقريباً، مع انخفاض متوسط عدد التغريدات الأسبوعية من 3.31 إلى 2.16 تغريدة للحسابات التجارية. وتشير بيانات أخرى إلى تراجع متوسط زمن الاستخدام اليومي من أكثر من 30 دقيقة إلى نحو 11 دقيقة فقط، بما يعكس تغيراً في سلوك المُستخدمين، لا سيما مع صعود المنصات المُعتمِدة على الفيديو القصير.

تقارير تحدثت عن تراجع معدلات التفاعل على منصة "إكس" (رويترز)

الباحث المتخصص في التحول الرقمي والذكاء الاصطناعي التوليدي، الدكتور فادي عمروش، أكد «فرضية تراجع المتابعات على المنصة النقاشية الأبرز»، ودلَّل على ذلك بالإشارة إلى «تراجع التفاعل على منصة (إكس) مقارنة بسنوات ما قبل 2022»، لافتاً إلى أن بيانات «سيميلر ويب (Similarweb)» تشير إلى هبوط مستخدمي المنصة على الهواتف المحمولة من 388.5 مليون في يونيو (حزيران) 2023 إلى 311.1 مليون في 2025، أي خسارة تتجاوز 75 مليون مستخدم، بما يقارب 20 في المائة.

وأضاف لـ«الشرق الأوسط»: «ليس هذا فحسب، إنما وُجدت أيضاً تحليلات تظهر انخفاض متوسط الإعجابات لكل منشور من 37.8 في 2023 إلى نحو 31.4 في 2024، أي تراجع نحو 17 في المائة». وأرجع هذه المؤشرات إلى أسباب، من بينها «ارتباط (إكس) باسم إيلون ماسك بعد استحواذه عليها، وما يرافق ذلك من استقطابات حادة بين مؤيدي ومعارضي آرائه، بالإضافة إلى تغييره الخوارزمية التي تعرض المنشورات عدة مرات بحجة محاربة البوتات، والتي رغم ادعائه أنها شفافة، فإن هذا الادعاء غير مُدعم بأدلة كافية بعد، خصوصاً أن ليس كل المستخدمين متساوين في فرص الوصول والتفاعل». وأشار إلى بُعد آخر قائلاً: «في منصات الأخبار السريعة، مغادرة عدد من الصحافيين والأكاديميين والخبراء قلّلت من الحوار النوعي وأضعفت حركة إعادة النشر».

وعدّ عمروش أن سياسة ماسك الربحية وتفضيله «الحسابات الموثقة المدفوعة»، مثَّلا اتجاهاً أفرغ المنصة من ركيزتها الأساسية بوصفها ساحةً للنقاش التفاعلي القائم على الأفكار، مضيفاً «إجراءات الحد من الوصول المجاني للواجهة البرمجية (API) أضعفت تجربة المتابعة والبحث، وهذا ينعكس عادة في تراجع التفاعل غير المدفوع».

ومع ذلك، لا يلقي عمروش باللوم على سياسات ماسك وحدها، إذ يعيد جانباً من تراجع التفاعل أيضاً إلى «تحوّل عادات المُستخدمين نحو الفيديو والمنصات المُعتمِدة على المقاطع القصيرة، فالسوق كلها تتجه إلى الفيديو القصير. وهذا يقلل الوقت الذهني المتاح لمنصات النصِّ السريع، خصوصاً لدى الشباب، إذ إن استخدام المراهقين لـ(إكس) أقل بكثير مما كان عليه سابقاً».

طموحات ماسك

بعيداً عن القرارات التحريرية داخل المنصة، تَزَامَنَ هذا التراجع في التفاعل مع صعود ماسك لاعباً سياسياً ثقيل الوزن في الولايات المتحدة. وتشير تحليلات صحافية من بينها «واشنطن بوست»، استناداً إلى بيانات لجنة الانتخابات الفيدرالية الأميركية، إلى أن «ماسك قدَّم خلال دورة انتخابات 2024 تبرعات سياسية تجاوزت ربع مليار دولار لدعم دونالد ترمب ومرشحين جمهوريين آخرين، ليصبح بذلك أكبر متبرع فردي في تلك الدورة الانتخابية، وفق هذه البيانات».

وفي يوليو (تموز) 2025 أعلن ماسك عبر «إكس» تأسيس حزب سياسي جديد يحمل اسم «America Party»، في خطوة رأت فيها تقارير لوكالات كبرى مثل «رويترز» و«أسوشييتد برس» انتقالاً من دور الممول للتيار اليميني إلى «فاعل» يسعى إلى بناء مشروع سياسي مستقل يستند إلى نفوذه على المنصة.

أستاذ الإعلام الجديد والرقمي في الجامعة الكندية بدبي، الدكتور الأخضر شادلي، يرى أن منصة «إكس» شهدت أكبر تحول في تاريخها بعد استحواذ ماسك عليها؛ بسبب «خلفيته المثيرة للجدل وطموحاته السياسية المتنامية». وقال لـ«الشرق الأوسط»: «أظهر ماسك مواقف سياسية متزايدة علنية، خصوصاً فيما يتعلق بحرية التعبير، والقيود الحكومية، والانتخابات الأميركية، ودعمه لبعض التيارات، وانتقاده للإعلام التقليدي والمؤسسات الديمقراطية، وهذه الخلفية السياسية أصبحت مهمة لفهم قراراته بعد السيطرة على (إكس)».

وأضاف شادلي: «قبل استحواذ ماسك، كانت سياسات (تويتر سابقاً) مستقرَّة نسبياً، وترتكز على مكافحة خطاب الكراهية والتحريض، والحد من (المعلومات المضللة)، وكانت هناك آليات تَحقُّق صارمة للحسابات ولجان مستقلة لمراجعة المحتوى، كما ركزت الإدارة السابقة على الحفاظ على بيئة رقمية آمنة». لكنه أشار إلى أن «وجود علاقة مباشرة بين طموحات ماسك السياسية وسياساته التحريرية الجديدة أخرج المنصة عن مسارها»، إذ «تَزَامَنَ تبنيه لخطاب حرية التعبير مع تحالفاته السياسية، وظهر انحيازٌ لصالح خطاب اليمين الشعبوي، ما أضعف المعايير المهنية وفتح المجال لحملات التضليل. وأصبحت المنصة بمثابة مساحة نفوذ سياسي عالمي في يد ماسك، وليست مجرد شركة تواصل اجتماعي».

عزوف المعلنين

وأشار الصحافي المتخصص في الإعلام الرقمي بقناة «سي إن إن» العربية، الحسيني موسى، إلى أن تراجع التفاعل على منصة «إكس» انعكس مباشرةً على سياسات المعلنين وعزوف بعضهم نحو منصات أخرى.

وقال لـ«الشرق الأوسط»: «الأرقام تشير إلى تراجع واضح في ثقة المعلنين بـ(إكس)». وتحدَّث عن تقرير لشركة الأبحاث العالمية «Kantar»، نُشر في سبتمبر (أيلول) 2024، ذكر أن 4 في المائة فقط من المعلنين يعدّون أن «إكس» توفر بيئة «آمنة للعلامة التجارية» مقابل 39 في المائة لصالح «غوغل» و32 في المائة لـ«يوتيوب». كما يُظهر التقرير نفسه أن «26 في المائة من المُسوِّقين يخططون لخفض إنفاقهم على إعلانات (إكس) خلال 2025، في أكبر تراجع مسجَّل لأي منصة إعلانية كبرى».

وأضاف موسى أن «مجموعة من الشركات الكبرى أعلنت رسمياً وقف إعلاناتها على (إكس)، من بينها: (أبل)، و(ديزني)، و(آي بي إم)، و(باراماونت)، و(وورنر براذرز). وجاءت قرارات الإيقاف؛ نتيجة مخاوف من ظهور محتوى مثير للجدل أو معادٍ للسامية بجوار إعلاناتها، بالإضافة إلى ضبابية سياسات المحتوى تحت إدارة إيلون ماسك».

«ما يجري على إكس انعكاس مباشر لرؤية ماسك الآيديولوجية وطريقة توظيفه المنصة في مشروع نفوذ سياسي أوسع»

وشرح قائلاً: «الميزانيات غادرت (إكس) إلى منصات أكثر استقراراً من حيث سلامة العلامة وفعالية التوزيع؛ مثل منصة (يوتيوب) التي تعدّ اليوم الأكثر جذباً للمعلنين البارزين، و(تيك توك) التي تُعدّ المنصة الأعلى تأثيراً على المستهلكين الشباب، كما أن (أمازون) تستحوذ على ثقة كبيرة لدى العلامات التي تعتمد على التجارة المباشرة، وأخيراً (ميتا)، بمنصتيها (فيسبوك) و(إنستغرام)، ما زالت تحتفظ بجاذبية لدى قطاعات واسعة من المعلنين».

ويرى موسى أن «هناك فرصة لا تزال قائمة أمام (إكس) لاستعادة جزء من المستخدمين والمعلنين»، قائلاً: «العودة ممكنة، لكن المطلوب أولاً إعادة بناء ثقة العلامات التجارية عبر تحسين معايير (الأمان) وضمان استقرار سياسات المحتوى، والشفافية في عرض الإعلانات».

بالعودة إلى الباحث المتخصص في التحول الرقمي والذكاء الاصطناعي الدكتور فادي عمروش، فإنه يرى أن أهم الخطوات التي تحتاج إليها «إكس» الآن لاستعادة ثقة المستخدمين هي تحقيق توازن حقيقي بين حرية التعبير وضبط المحتوى الضار. وقال إن هذه المعادلة ممكنة إذا جرى «توسيع نظام (ملاحظات المجتمع) مع شفافية أكبر، فلا تكفي مجرد إضافة الملاحظة، بل يجب نشر بيانات دورية تتضمَّن، مثلاً: كم محتوى تم تقييده؟ كم ملاحظة أُضيفت؟ وما أثرها على الانتشار؟ أعتقد أن الشفافية تقلل اتهامات التحيُّز، وتدعم حرية التعبير ضمن قواعد واضحة».

وفي ضوء كل ذلك، يقول محللون مختصون بالإعلام: «إن مستقبل (إكس) سيتحدَّد على الأرجح في المساحة الواقعة بين طموحات ماسك السياسية وحسابات السوق وصبر المُستخدمين والمعلنين على منصة تحاول أن تعرّف نفسها من جديد في عالم يتغير بسرعة».