مع الانتشار السريع لمتحور أوميكرون، تستعد الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا لبلوغ الموجة الوبائية الجديدة مستويات غير مسبوقة، بينما تسجل قطاعات السياحة والخدمات الترفيهية والمطاعم في هذه البلدان خسائر فادحة بسبب الإلغاء الكثيف للحجوزات، وتراجع الاستهلاك في الوقت الذي بدأت تدابير الحجر الصحي المفروض على المصابين والمتواصلين معهم تهدد بشل قطاعات أساسية من الإنتاج الصناعي إلى الصحة والتعليم والإدارة العامة.
وتواجه البلدان الأكثر تضرراً من هذه الموجة معضلة التوفيق بين تدابير احتواء الفيروس ومنع اتساع دائرة انتشاره من جهة، وحماية دورة النشاط الاقتصادي من الشلل كما حصل إبان المرحلة الأولى من الجائحة. هذا ما دفع الولايات المتحدة الاثنين إلى خفض فترة الحجر على المصابين، وفرنسا إلى وضع قيود صارمة على غير الملقحين، فيما تدرس دول أخرى مثل إيطاليا وإسبانيا وبلجيكا واليونان فرض اللقاح الإلزامي الذي تبدأ النمسا بتطبيقه مطلع فبراير (شباط) المقبل أو إعطاء الجرعة المعززة بعد ثلاثة أشهر على تناول دورة اللقاح الكاملة واشتراطها لإصدار شهادة التلقيح كما أعلنت فرنسا مؤخراً.
لكن رغم ذلك، تخشى هذه الدول انفجاراً كبيراً في عدد الإصابات بعد الاحتفالات الكثيفة بعيدي الميلاد ورأس السنة، حيث تتوقع ضغوطاً كبيرة جداً على المنظومات الصحية، خصوصاً أن المتحور الجديد أصبح يتسبب بثلاثة أرباع الإصابات الجديدة في الولايات المتحدة، وينتظر أن يسود قريباً في البلدان الأخرى. وكان ارتفاع عدد الإصابات الجديدة في الولايات المتحدة بنسبة 83 في المائة خلال الأسبوعين المنصرمين قد أدى إلى إنهاك المنظومات الصحية في عدد من الولايات مثل نيويورك التي منذ أيام تشهد معدلات لسريان الفيروس تتجاوز ذروة الجائحة في شتاء العام الفائت.
وفيما لا يزال عشرات الملايين من الأميركيين بلا تلقيح بدأت مستشفيات نيويورك تؤجل عمليات جراحية مبرمجة للعناية بالحالات الطارئة بعد أن تضاعف عدد الإصابات بالفيروس بين الأطفال دون الخامسة من العمر خمس مرات منذ مطلع هذا الشهر، علما بأن هذه الإصابات تشكل نصف الحالات الإجمالية على المستوى الوطني. وفي ولاية ماساتشوستس أعلنت السلطات تعبئة الحرس الوطني لتخفيف العبء على المستشفيات.
وبعد إلغاء آلاف الرحلات الجوية خلال نهاية الأسبوع الفائت بسبب من إصابة أفراد الطواقم أعلن المستشار الصحي للبيت الأبيض أنطونيو فاوتشي أن الاتجاه هو لفرض شهادة التلقيح كشرط للطيران. وكان موقع Flightaware قد أفاد بأن عدد الرحلات الجوية التي ألغيت نهاية الأسبوع الفائت تجاوز ثمانية آلاف، معظمها في الصين وإندونيسيا والولايات المتحدة، وتوقع إلغاء حوالي 800 رحلة اليوم الأربعاء. وبينما يواصل المتحور الجديد سريانه السريع في بريطانيا، حيث ألغيت عشرات الاحتفالات والاستعراضات، واضطر عشرات الآلاف من أفراد الطواقم الصحية إلى البقاء في بيوتهم تحت الحجر الصحي، وفيما حذرت اللجنة العلمية المستقلة في فرنسا من احتمالات الفوضى الشهر المقبل في عدد من الخدمات الأساسية مثل التعليم والنقل والصحة بسبب من ارتفاع عدد الإصابات الناجمة عن المتحور الجديد، كانت جنوب أفريقيا مصدراً لأخبار واعدة هذه المرة في المعركة المتمادية ضد الفيروس، حيث أبدى الخبراء تفاؤلاً حذراً بنجاح التدابير المعتمدة التي يمكن تطبيقها في البلدان الأخرى.
وتفيد البيانات الأخيرة لوزارة الصحة في جنوب أفريقيا بأن عدد الإصابات الجديدة يشهد تراجعاً مطرداً منذ عشرة أيام بعد أن كان بلغ ذروته في السابع عشر من هذا الشهر، حيث وصل إلى 23437 إصابة لينخفض إلى 15 ألفا يوم الأحد الماضي. وتقول ميشيل غروم، مديرة المعهد الوطني للأمراض السارية، إن كل الدلائل تشير إلى تجاوز ذروة الانتشار في محافظة غوتنغ، حيث ظهر أوميكرون للمرة الأولى، والتي تقع فيها مدينتا جوهانسبرغ وبريتوريا اللتان تسجلان أعلى معدلات السريان في جنوب أفريقيا.
ومن جهتها، قالت مارتا نونيس، الباحثة الرئيسية في قسم تحليل اللقاحات والأمراض السارية في جامعة جوهانسبرغ، إن البيانات المتوافرة تشير إلى أن الموجة كانت قصيرة الأمد ومعتدلة الخطورة من حيث عدد الوفيات والحالات التي تستدعي العلاج في المستشفى، وأنه «ليس مستغرباً في العلوم الوبائية أن ارتفاعاً حاداً وسريعاً، كالذي شهدناه في الشهر الماضي، يعقبه انخفاض سريع وحاد في عدد الإصابات».
وكان المكتب الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية في أفريقيا قد أعرب أمس الثلاثاء عن تفاؤله الحذر بالأنباء الواردة من جنوب أفريقيا حول انخفاض عدد الإصابات بعد شهر ونصف على ظهور المتحور الجديد للمرة الأولى. وتوقف البيان الصادر عن المكتب عند البيانات التي تشير إلى أن الانخفاض الكبير كان في محافظة غوتنغ التي تسجل أعلى كثافة سكانية في جنوب أفريقيا، وحيث 90 في المائة من الإصابات هي بالمتحور الجديد. وكانت البيانات أفادت بأن عدد الإصابات اليومية في هذه المحافظة قد انخفض من 16 ألفا منتصف هذا الشهر إلى ثلاثة آلاف نهاية الأسبوع الفائت. لكن نبهت المنظمة أنه برغم هذا الانخفاض في عدد الإصابات الجديدة، ما زالت نسبة الاختبارات الإيجابية مرتفعة، ما يعني أن الفيروس ما زال يسري بسرعة تستدعي الوقاية والحذر.
وفي مؤتمر صحافي عقده أمس جون نيكنغاسونغ، مدير مراكز مكافحة الأمراض السارية في أفريقيا، قال إن البيانات الواردة من جنوب أفريقيا تفيد أيضا بأن متحور أوميكرون أقل خطورة من متحور دلتا بنسبة 75 في المائة، لكنه نبه إلى أن هذه البيانات لا تنسحب بالضرورة على البلدان الأخرى «لأن ثمة عوامل مثل المتوسط العمري لسكان جنوب أفريقيا لها تأثير كبير على هذه البيانات».
وكانت البروفسورة فيرونيكا أوكرمان رئيسة فريق الاستجابة لـ(كوفيد) في مستشفى بريتوريا الجامعي قالت إن الغالبية الساحقة من الحالات التي تعالج في المستشفى هي بين غير الملقحين، وإنه لا يوجد ملقح واحد في وحدة العناية الفائقة.
«أوميكرون» يهدد دولاً بموجة وبائية غير مسبوقة
تراجع الحالات مستمر في جنوب أفريقيا
«أوميكرون» يهدد دولاً بموجة وبائية غير مسبوقة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة