العراق... نخبة معزولة تقاوم احتضار مشروع «ما بعد صدام»

حدثان بارزان في 2021: الانتخابات البرلمانية واستمرار الاحتجاجات

دمار بمنزل رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي بعد محاولة اغتياله في بغداد يوم 7 نوفمبر الماضي (رويترز)
دمار بمنزل رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي بعد محاولة اغتياله في بغداد يوم 7 نوفمبر الماضي (رويترز)
TT

العراق... نخبة معزولة تقاوم احتضار مشروع «ما بعد صدام»

دمار بمنزل رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي بعد محاولة اغتياله في بغداد يوم 7 نوفمبر الماضي (رويترز)
دمار بمنزل رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي بعد محاولة اغتياله في بغداد يوم 7 نوفمبر الماضي (رويترز)

يلخص عام 2021 الحالة التي ينتهي إليها العراق الجديد... فالنظام البديل لصدام حسين يصل الآن إلى مرحلة متقدمة من انعدام الفاعلية، ولم يعد يعمل، ولا قدرة للنخب الحزبية على إدامته أو تحديثه.
ثمة حدثان مرتبطان أسهما في إنتاج هذه الخلاصة: الحراك الاحتجاجي الذي انطلق في أكتوبر (تشرين الأول) 2019. والانتخابات التشريعية المبكرة التي أجريت في أكتوبر الماضي. لكن هذا الاحتضار لن يكون حتمياً، بسبب ممانعة النخبة المدعومة من «كارتيلات» الفساد والأجنحة المسلحة. وستقوم الفعاليات السياسية المعزولة بكل ما في وسعها لحماية نظامها، وربما ستسمح ببعض التعديلات عليه.
العام الذي تسقط أوراقه الأخيرة هذه الأيام، شهد تشابكاً في العُقد العراقية دفعة واحدة: أزمة «كورونا»، وبلوغ الاقتصاد الريعي حالة العجز في نظام مالي مشوه، فضلاً عن اختلال العلاقة بين شركاء السلطة، والانقسام الذي ضرب المجموعات السياسية؛ الطائفية والعرقية. ويجري هذا أمام رأي عام غاضب، حاول بالاحتجاج صياغة عقد جديد يستهدف تعديل صيغة المشاركة في القرار.
أبرز انقسام سياسي شهده عام 2021 ما حدث في المنظومة الشيعية. فبعد الغطاء التشريعي الذي أمنته نتائج انتخابات عام 2018، انتهت هذه المنظومة التوافقية إلى جماعات متناحرة، تملك جميعها أجنحة مسلحة، وتواجه مفككة انفراط عقد المصالح.

واقعة المطار: الشروع في التفكك

في 3 يناير (كانون الثاني) العام الماضي، قتلت غارة أميركية بطائرة مسيّرة قائد «فيلق القدس» الإيراني قاسم سليماني، ونائب رئيس «هيئة الحشد الشعبي» العراقي أبو مهدي المهندس. ومنذ ذلك اليوم بدأ العد التصاعدي لتأثير غياب العنصر الفاعل الإيراني في البلاد، وبرز معه تنافس المجموعات الشيعية المسلحة على شغل المكانة المحورية للرجلين.
خلال العام الماضي، تحدثت «الشرق الأوسط» إلى قيادات رفيعة في فصائل شيعية مختلفة بشأن الوضع الميداني والسياسي بعد حادثة المطار، وكان من الواضح أن أمرين حكما سياق الأحداث التي تلتها: تأخر إيران في إيجاد الصيغة البديلة لسليماني، وفشل الفصائل العراقية في التحكم بمصالحها، مقابل إطلاق العنان لطموحاتها في النفوذ الذي تركه «العقل المدبر». أحد هؤلاء القياديين قال: «أيام سليماني كنا نعمل ضمن سياقات مدروسة في مشروع له استراتيجية واضحة بعيدة المدى. بعد ذلك؛ صرنا نعاني لاتخاذ قرار حاسم بشكل جماعي».
وعندما قتل سليماني والمهندس، كان آلاف الشباب العراقيين يهددون صيغة الحكم، لفشلها في تأمين الخدمات والحريات واحتكارها القرار الاستراتيجي. لم يكن هناك إجماع على إسقاط النظام داخل هذا الحراك، لكنه في الوقت نفسه هدف إلى إسقاط التوافق بين النخبة، وهو توافق قائم على مصالح مشتركة، عبر شبكة من المنافع الممتدة بين مكونات النخبة.
فشلت المنظومة الشيعية، في غياب سليماني والمهندس، في احتواء الاحتجاج، دون أن يعني هذا أن وجودهما كان سيضمن الاستجابة السلمية للمطالب، لكن لحظة التنافس على شغل الفراغ تزامنت مع ذروة الاحتجاج، وتنازل فيها التوافق الشيعي عن رئيس الوزراء السابق عادل عبد المهدي، وقدمه كبشاً لفداء النظام. وفي الشهور اللاحقة، سعت القوى الفاعلة إلى تقليل الأضرار. لقد فقدت أفضلية المبادرة، وتحولت إلى دور أقل فاعلية. ويمكن القول إنها حددت مسبقاً نتائجها في الانتخابات التي أجريت في أكتوبر الماضي.

الكاظمي: ممثل الاحتجاج أم مُخلَص النظام؟

استفاد الحراك الاحتجاجي من الانقسام الذي أحدثه في المنظومة السياسية. ونتيجة للتقاطع بين صناع القرار في التعامل مع ضرورات التغيير، جاء مصطفى الكاظمي، المقرب حينها من رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي، خياراً اضطرارياً لتصريف المرحلة الانتقالية؛ من الاحتجاج وصولاً إلى احتوائه. لكن تآكل النظام أفرز طيفاً حزبياً أراد استثمار فرصة تغيير ميزان القوى.
وجاء الكاظمي إلى رأس السلطة، وكان من الواضح أنه خاض في الشهور الأولى آليات تجريبية للحكم، ونوع في أساليبه لإدارة الأزمة. التنويع والتجريب لم يسفرا عن صيغة واضحة، لكنه في النهاية اعتمد سياق «العمل بما ينجح الآن، وترك ما لا ينجح». وتجلت هذه الصيغة منذ أول مواجهة صريحة بينه وبين الفصائل المسلحة. ففي يونيو (حزيران) من العام الماضي، اعتقل الجيش العراقي مجموعة صغيرة لتورطها في شن هجمات صاروخية على منشآت حيوية؛ منها مطار بغداد. وفي مايو (أيار) الماضي اعتقلت قوة خاصة القيادي في «الحشد الشعبي» قاسم مصلح لتورطه في عمليات اغتيال عدد من الناشطين. لكن، بعد أسابيع من الحادثتين، أُطلق سراح من اعتُقل، وصار من الواضح أين يقف الكاظمي في الأزمة العراقية.
لم يكن سهلاً أن تمرر الجماعات الشيعية رئيس وزراء ساهمت في اختياره ليجري تعديلات تطال نفوذها. وفي الأشهر التي سبقت إجراء الانتخابات، اتبعت الفصائل سياسة لإحراج الكاظمي، بينما كان هو يتجنب الصدام معها. وخلال ذلك انتقل رئيس الوزراء من التجريب السياسي إلى إتقان التسويات، في مهمة عسيرة لضبط الإيقاع؛ بالحد الأدنى من التوتر لضمان إجراء الانتخابات. لكن، بهذا المعنى، لم يكن الكاظمي مرشحاً للحراك الاحتجاجي، بل إنه حلقة وصل بين مرحلتين في العملية السياسية، إلا إنها حلقة غير تقليدية.

انتخابات إعادة ضبط النظام

في 10 أكتوبر الماضي، شارك نحو ثلث العراقيين في أول انتخابات مبكرة تشهدها البلاد منذ عام 2003، وأبرز ما ميز هذا الاقتراع أنه جاء واحداً من مخرجات الحراك الاحتجاجي. لكن المصادفة أن غالبية جمهور هذا الحراك قاطعت العملية، بطريقة وصفها منظرو الحراك بأنها «مشاركة عقابية».
في العملية الانتخابية نفسها، ثمة عملية حسابية، كانت جديدة على الأحزاب؛ إذ فرضت عليها آليات جديدة لتوزيع الجمهور على الدوائر الانتخابية. القانون الجديد الذي حدد شكل الاقتراع كشف عن استجابات متأخرة للأحزاب التقليدية. «تحالف الفتح» واحد من الأمثلة التي ترجمتها لاحقاً أرقام المفوضية. فتعدد الرؤوس فيه، وغياب الانسجام بين تياراته، جعل توزيع المرشحين يخضع لمعايير التنافس الداخلي. ويقول سياسيون من التحالف إنهم وضعوا مرشحين في غير مناطق نفوذهم. والسبب، بحسبهم، هو تفادي تضارب المصالح داخل «الفتح». الأمر هنا ينطبق على فعاليات سياسية أخرى دفعت ثمن سوء تقديرها القانون الانتخابي.
وكان المقاطعون الكتلة التصويتية الأكثر نجاحاً في استغلال القانون الانتخابي. فهي بشكل من الأشكال أطاحت الكبار في مناطق نفوذهم، ومنحت منافسين آخرين أفضلية نسبية في عدد المقاعد. فـ«التيار الصدري»، مثلاً، استفاد من انحسار جمهور «الفتح» المنافس، وفي دوائر متفرقة من الوسط والجنوب أكل المستقلون من حصة الطرفين.
ولم تكن نتائج الانتخابات ثورية بالشكل الذي يقلب معادلات القوى، ولا حتى جوهر النظام السياسي وطبيعته. لكن ما حدث بداية واعدة لتغييرات بهذا الحجم. ورغم الجدال الدائر بشأن نزاهة الانتخابات، حيث عمدت القوى الخاسرة إلى الطعن فيها والمطالبة بإلغائها، فإنه في الحقيقة جدال على طبيعة النظام، وتتويج للصدام بين فريقين يتنافسان على إنهاء الوضع القائم منذ 2003: التيار العام الذي خرج منه آلاف الشباب المحتجين، والنخبة السياسية النافذة، وكلاهما خاض مواجهة سياسية شرسة خلال العام الماضي، على تحديد شكل الدولة وآليات الحكم.
لكن الطريق لا تزال طويلة لبلوغ أي تغيير صيغته النهائية والمستقرة.



حملة ابتزاز حوثية تستهدف كسارات وناقلات الحجارة

كسارة حجار أغلقها الحوثيون في إحدى مناطق سيطرتهم (فيسبوك)
كسارة حجار أغلقها الحوثيون في إحدى مناطق سيطرتهم (فيسبوك)
TT

حملة ابتزاز حوثية تستهدف كسارات وناقلات الحجارة

كسارة حجار أغلقها الحوثيون في إحدى مناطق سيطرتهم (فيسبوك)
كسارة حجار أغلقها الحوثيون في إحدى مناطق سيطرتهم (فيسبوك)

فرضت الجماعة الحوثية خلال الأيام الماضية إتاوات جديدة على مُلاك مناجم الحجارة وسائقي ناقلات الحصى المستخدم في الخرسانة المسلحة في العاصمة المختطفة صنعاء ومدن أخرى؛ ما تَسَبَّبَ أخيراً في ارتفاع أسعارها، وإلحاق أضرار في قطاع البناء والتشييد، وزيادة الأعباء على السكان.

وذكرت مصادر محلية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، أن قيادات حوثية تُدير شؤون هيئة المساحة الجيولوجية والثروات المعدنية الخاضعة لسيطرة الجماعة، فرضت زيادة سعرية مفاجئة على ناقلات الحصى تتراوح ما بين 300 و330 دولاراً (ما بين 160 ألفاً و175 ألف ريال) لكل ناقلة.

ووصل إجمالي السعر الذي يُضطر مُلاك مناجم الحجارة وسائقو الناقلات إلى دفعه للجماعة إلى نحو 700 دولار (375 ألف ريال)، بعد أن كان يقدر سعرها سابقاً بنحو 375 دولاراً (200 ألف ريال)، حيث تفرض الجماعة سعراً ثابتاً للدولار بـ 530 ريالاً.

مالكو الكسارات في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية يشتكون من الابتزاز والإتاوات (فيسبوك)

وتذهب الزيادة المفروضة، وفقاً للمصادر، لمصلحة أحد المشرفين الحوثيين، الذي يُكنى بـ«الجمل»، ويواصل منذ أيام شن مزيد من الحملات التعسفية ضد مُلاك كسارات وسائقي ناقلات بصنعاء وضواحيها، لإرغامهم تحت الضغط والترهيب على الالتزام بتعليمات الجماعة، وتسديد ما تقره عليهم من إتاوات.

واشتكى مُلاك كسارات وسائقو ناقلات في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، من حملات الابتزاز الحوثي لفرض الزيادة المفاجئة في أسعار بيع ونقل الخرسانة المستخدمة في البناء والتشييد، ما يزيد من أعبائهم ومعاناتهم.

وقال بعضهم إن الجماعة لم تكتفِ بذلك، لكنها فرضت إتاوات أخرى عليهم تحت أسماء متعددة منها تمويل تنظيم الفعاليات بما تسمى ذكرى قتلاها في الحرب، ورسوم نظافة وتنمية مجتمعية وأجور مشرفين في الجماعة بذريعة تنفيذ الرقابة والمتابعة والإشراف على السلامة البيئية.

وتحدث مالك كسارة، اشترط إخفاء اسمه، عن لجوئه وآخرين يعملون في ذلك القطاع، لتقديم عدة شكاوى لسلطة الانقلاب للمطالبة بوقف الإجراءات التعسفية المفروضة عليهم، لكن دون جدوى، وعدّ ذلك الاستهداف لهم ضمن مخطط حوثي تم الإعداد له مسبقاً.

الإتاوات الجديدة على الكسارة وناقلات الحصى تهدد بإلحاق أضرار جديدة بقطاع البناء (فيسبوك)

ويتهم مالك الكسارة، المشرف الحوثي (الجمل) بمواصلة ابتزازهم وتهديدهم بالتعسف والإغلاق، عبر إرسال عناصره برفقة سيارات محملة بالمسلحين لإجبارهم بالقوة على القبول بالتسعيرة الجديدة، كاشفاً عن تعرُّض عدد من سائقي الناقلات خلال الأيام الماضية للاختطاف، وإغلاق نحو 6 كسارات لإنتاج الحصى في صنعاء وضواحيها.

ويطالب مُلاك الكسارات الجهات الحقوقية المحلية والدولية بالتدخل لوقف التعسف الحوثي المفروض على العاملين بذلك القطاع الحيوي والذي يهدد بالقضاء على ما تبقى من قطاع البناء والتشييد الذي يحتضن عشرات الآلاف من العمال اليمنيين.

وسبق للجماعة الحوثية، أواخر العام قبل الفائت، فتح مكاتب جديدة تتبع هيئة المساحة الجيولوجية والثروات المعدنية الخاضعة لها، في أغلبية مناطق سيطرتها بغية التضييق على مُلاك الكسارات وسائقي ناقلات الحصى، ونهب أموالهم.

وأغلقت الجماعة الحوثية عبر حملة استهداف سابقة نحو 40 كسارة في محافظات صنعاء وعمران وحجة وإب والحديدة وذمار، بحجة مخالفة قانون المناجم، رغم أنها كانت تعمل منذ عقود وفق القوانين واللوائح المنظِّمة لهذا القطاع.

إتاوات جديدة فرضتها الجماعة الحوثية على ناقلات الحصى المستخدم في الخرسانة المسلحة (فيسبوك)

وسبق أن فرضت الجماعة في ديسمبر (كانون الأول) من العام قبل الماضي، على مُلاك المناجم في صنعاء وبقية المناطق رسوماً تقدر بـ 17 دولاراً (8900 ريال) على المتر الواحد المستخرج من الحصى، والذي كان يباع سابقاً بـ5 دولارات ونصف الدولار (2900 ريال) فقط.

وتفيد المعلومات بإقدامها، أخيراً، على مضاعفة الرسوم المفروضة على سائقي ناقلات الحصى، إذ ارتفعت قيمة الرسوم على الناقلة بحجم 16 متراً، من 181 دولاراً (64 ألف ريال)، إلى 240 دولاراً (128 ألف ريال)، في حين ارتفع سعر الحمولة ليصل إلى 750 دولاراً، (400 ألف ريال).