الثقافة السعودية 2021: توسّع وانتشار وتكريس للإبداع

حزمة فعاليات أبرزها معرض الكتاب ومهرجان البحر الأحمر السينمائي ومؤتمر الفلسفة

متحدثون في مؤتمر الفلسفة
متحدثون في مؤتمر الفلسفة
TT

الثقافة السعودية 2021: توسّع وانتشار وتكريس للإبداع

متحدثون في مؤتمر الفلسفة
متحدثون في مؤتمر الفلسفة

شهدت السعودية في عام 2021 زخماً ثقافياً جديداً، بدأ مطلع العام باعتماد استراتيجية وزارة الثقافة للقطاع غير الربحي، عبر الإعلان عن تأسيس 16 جمعية مهنية للمثقفين والفنانين، كما شهد حزمة واسعة من الفعاليات الثقافية مثل معرض الرياض الدولي للكتاب، الأكبر من نوعه الذي تشهده المملكة، ومهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي، الذي وضع السعودية كمحطة مهمة لصناعة السينما في منطقة الشرق الأوسط، وحاضنة رئيسية للإبداع العربي.
لكن المفاجأة أن العام الميلادي انطوى على حدث ثقافي فريد من نوعه، وهو انعقاد مؤتمر دولي كبير حول الفلسفة في السعودية، بهدف تشجيع التفكير النقدي، بمشاركة مختصين من جميع أنحاء العالم، بينهم الفيلسوف الأميركي البارز مايكل ساندل.

تقرير الحالة الثقافية
في 7 مارس (آذار) 2021، نشرت وزارة الثقافة السعودية النسخة الكاملة من تقرير «الحالة الثقافية في المملكة 2020: رقمنة الثقافة» في نحو 292 صفحة تضمنت أرقاماً وإحصاءات ودراسات بحثية معمّقة لمجمل القطاع الثقافي في هذا العام، مع وصف لحجم التأثيرات التي طالته بسبب جائحة كورونا، ومدى قدرته على التكيّف مع الظروف الطارئة وابتكار السبل التي تضمن نموه واستمراره، والتي بدت بشكل واضح في الجانب الرقمي.
وتناول التقرير في فصوله المتعددة حالة كل قطاع ثقافي فرعي على حدة، مستعرضاً السمات المميزة وأوجه النجاح والقصور فيه، وذلك وفق سبعة محاور أساسية هي: «الإبداع والإنتاج، والحضور والانتشار، والمشاركة، والبنية التحتية والاقتصاد الإبداعي، ورقمنة الثقافة، والتطورات التنظيمية، والإدارة المستدامة»، مقدماً وصفية شاملة على ضوء هذه المحاور لجميع القطاعات الثقافية الفرعية: التراث، والمتاحف، والمواقع الثقافية والأثرية، والمسرح والفنون الأدائية، والكتب والنشر، وفنون العمارة والتصميم، والتراث الطبيعي، والأفلام، والأزياء، واللغة والترجمة، وفنون الطهي، والمهرجانات والفعاليات الثقافية، والأدب، والمكتبات، والفنون البصرية، والموسيقى.
ويأتي هذا التقرير بوصفه النسخة الثانية من تقرير «الحالة الثقافية» الذي تصدره وزارة الثقافة سنوياً؛ لرصد تطورات القطاع الثقافي في المملكة.

استراتيجية لهيئة المسرح والفنون الأدائية
في 14 يوليو (تموز) 2021، دشّنت هيئة المسرح والفنون الأدائية استراتيجيتها لتطوير القطاع المسرحي بالمملكة، ورؤيتها ورسالتها وأهدافها الاستراتيجية التي تسعى من خلالها إلى إدارة قطاع المسرح، والفنون الأدائية بأشكالها السبعة، إضافة إلى دورها في تفعيل دور العرض، وتشجيع صناعة المحتوى المسرحي ونشر ثقافة العروض الأدائية، إلى جانب تمكين المواهب السعودية.

في مهرجان «كان» السينمائي
في 13 يوليو 2021، شاركت السعودية عبر جناحها الذي يعد الأكبر في مهرجان «كان» السينمائي، واحتوى الجناح على أكبر تمثيل من نوعه في تاريخ المملكة، بعدد الجهات المشاركة، ومستوى المبادرات التي انطلقت منه، والتي أخذت بُعداً إقليمياً لافتاً.
وقدمت المبادرات السعودية في المهرجان خريطة طريق لمستقبل صناعة السينما العربية والوصول بها إلى العالمية، حيث أعلن القائمون على مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي عن تلقيهم منحة إضافية بـ4 ملايين دولار من هيئة الأفلام لدعم صانعي الأفلام العرب، في حين أعلن مركز الملك عبد العزيز الثقافي العالمي (إثراء) عن إنتاج فيلمين جديدين؛ «بحر الرمال» و«طريق الوادي»، بشراكات بين سينمائيين سعوديين وعرب.

اكتشافات أثرية
في 13 يوليو 2021، أعلنت هيئة التراث عن اكتشاف أثري جديد بمحافظة الحائط في منطقة حائل (شمال المملكة)، وهو عبارة عن نقوش صخرية تعود للملك البابلي نابونيد في منتصف القرن السادس قبل الميلاد، تُعطي دليلاً إضافياً على الدور التاريخي للجزيرة العربية وتواصلها الحضاري مع معظم حضارات الشرق الأدنى القديم.
ويُضاف هذا الاكتشاف الأثري إلى اكتشافات سابقة من نقوش ومسلات حجرية في عدد من المواقع بين تيماء وحائل التي تذكر ملك بابل (نابونيد)، والتي تثبت اتساع الاتصال الحضاري والتجاري بين الجزيرة العربية وحضارات بلاد الرافدين. يذكر أنه في 28 يونيو (حزيران) 2021، أعلنت هيئة التراث عن توصل علماء آثار وأحافير من الهيئة بالتعاون مع هيئة المساحة الجيولوجية السعودية، وجامعة الملك سعود، ومعهد ماكس بلانك الألماني، إلى اكتشاف جديد في كهف أم جرسان بحرّة خيبر في المدينة المنورة، وعُثر بداخل كهف أم جرسان على مخلفات من الآثار والأحافير التي كشفت تقنية الكربون المشع أن عمرها يربو على 7000 سنة، إضافة إلى غنى الكهف بعشرات الآلاف من عظام متنوعة لحيوانات، وجمعيها بحالة جيدة رغم مرور الزمن، وكذلك جماجم إنسان يرجح أنها قد نُبشت من قبور قريبة تعود لما قبل التاريخ.
وفي 15 يونيو 2021، اعتمدت هيئة التراث تسجيل 624 موقعاً أثرياً وتاريخياً جديداً في السجل الوطني للآثار، وذلك خلال الربع الأول من عام 2021، ليصل مجموع المواقع الأثرية التي تم تسجيلها في السجل منذ إنشائه إلى 8176 موقعاً بمختلف مناطق المملكة.

ملتقى الأدباء
في 27 أغسطس (آب) 2021، تمّ تنظيم ملتقى أدب في «السودة» بمنطقة عسير بمشاركة أدباء ونقاد سعوديين، لتبادل الآراء والخبرات حول مستقبل القطاع الأدبي في المملكة، وتطلعاته. تضمن الملتقى عدداً من الندوات والجلسات الحوارية. ويعد الملتقى مناسبة سنوية تنظمها هيئة الأدب والنشر والترجمة من أجل مواكبة تطورات المشهد الأدبي السعودي ومتابعة مستجداته، وبالشراكة مع الأدباء والنقّاد السعوديين في مختلف التخصصات الأدبية.

معرض الرياض للكتاب
شهدت السعودية خلال الفترة من 1 إلى 10 أكتوبر (تشرين الأول) 2021، انعقاد معرض الرياض الدولي للكتاب، وهو الحدث الذي يتّوج السعودية كأكبر واجهة للنشر العربي، وسط حضور كبير من المفكرين والمثقفين والأدباء، وبمشاركة أكثر من ألف دار نشر سعودية وعربية وعالمية من 28 دولة.
واحتفى المعرض بجمهورية العراق بوصفها «ضيف الشرف»، حيث شاركت بوفد ثقافي وفني كبير، كما شارك الوفد في ندوات وأمسيات ثقافية. ويمثل المعرض الذي احتل مكاناً مرموقاً في معارض الكتب العربية، منصة للشركات والمؤسسات والأفراد العاملين والمهتمين بقطاع صناعة الكتب والنشر لعرض منتجاتهم وخدماتهم، إضافة إلى دوره الأساسي في تعزيز وتنمية العادات والمهارات القرائية للمجتمع، وزيادة الوعي المعرفي والثقافي والأدبي والفني؛ وذلك عبر تحفيز الأفراد على الاطلاع واقتناء الكتب، وحضور المؤتمرات وورش العمل والندوات والمحاضرات الثقافية والأدبية المصاحبة للمعرض.
تميز المعرض بحضور واسع من الجمهور السعودي، وبفعاليات ثقافية هي الأضخم من نوعها في معارض الكتب التي تقام في المملكة، وشارك أكثر من 100 مثقف وناقد من مختلف الجنسيات في «لقاءات ثقافية» للحديث عن قضايا أدبية وثقافية مُلحة من خلال 36 ندوة ومحاضرة أقيمت بالمعرض.
كما نظم المعرض أكثر من 60 ورشة عمل متعددة المشارب والاتجاهات الثقافية، قدمها أكثر من 100 خبير ومتخصص في مجالات إبداعية متنوعة. واحتفى المعرض بتجارب رواد الأدب والنقد والفن: محمد مهدي الجواهري، وبدر شاكر السياب، وعلي جواد الطاهر، وواسيني الأعرج، والأمير خالد الفيصل.
ولأول مرة، تمزج الفعاليات الثقافية مع فنون الموسيقى، حيث قدم مسرح جامعة الأميرة نورة بنت عبد الرحمن أربع أمسيات غنائية وموسيقية ذات قيمة فنية رفيعة، شملت أمسية غنائية للفنان عبد الرحمن محمد، وأمسية موسيقية للموسيقار المصري عمر خيرت، وأمسية جمعت الموسيقي العراقي نصير شمة بمواطنه المطرب القدير سعدون جابر، والأمسية الرابعة تناولت الأغاني الشهيرة التي كتبها الشاعر الراحل الأمير عبد الله الفيصل لأم كلثوم، وغيرها من نجوم الأغنية.

بينالي «بينالسور» للفن المعاصر
في 15 أكتوبر 2021، تمّ تنظيم المعرض العالمي بينالي الجنوب الدوليّ للفن المعاصر «بينالسور» في دورته الثالثة، بالتعاون مع جامعة تريس دي فيبريرو الوطنيّة بالأرجنتين التي ابتكرت البينالي وطوّرته، حيث ستكون المملكة إحدى المحطات الدولية التي سيتوقف عندها البينالي، وشهد البينالي مدينتا الرياض وجدّة، حيث أقيم في حي جاكس بالدرعية وفي قصر خُزام بجّدة. واحتوى على أكثر من 30 عملاً لفنانين من مختلف جنسيات العالم، من بينهم خمسة فنانين سعوديين.

«نقوش السعودية»
في 4 نوفمبر (تشرين الثاني) 2021، أعلن وزير الثقافة إطلاق مبادرة وطنية لاستكشاف النقوش والفنون الصخرية الموجودة في مختلف المناطق السعودية، تنظمها وتشرف عليها هيئة التراث، وتشارك فيها جميع الشرائح الاجتماعية، تحت عنوان «نقوش السعودية»، وضمن مبادرة «نقوش» التي تهدف إلى تسليط الضوء على النقوش والمنحوتات الصخرية بالمملكة.
وسجلت هيئة التراث، حتى الآن أكثر من 3000 من النقوش والكتابات والفنون الصخرية في السجل الوطني للآثار.

مهرجان البحر الأحمر السينمائي
في 6 ديسمبر (كانون الأول) 2021، انطلق مهرجان البحر الأحمر السينمائي، الذي أقيم في القلب التاريخي لمدينة جدة، واستمر حتى 15 من الشهر. وكرّم المهرجان في حفل الافتتاح جاك لانغ وزير الثقافة الفرنسي الأسبق، ورئيس معهد العالم العربي بباريس، وكاترين دينوڤ أيقونة السينما الفرنسية، والفنّانة المصرية ليلى علوي، والمخرجة والمنتجة السعودية هيفاء المنصور، صاحبة أول فيلم روائي طويل تم تصويره بالكامل في المملكة سنة 2012، تحت عنوان «وجدة».
وعُرض في الافتتاح الفيلم الموسيقي «سيرنو» للمخرج البريطاني جو رايت، كما تم اختبار الفيلم المصري «برا المنهج»، للمخرج المصري عمرو سلامة، لحفل اختتام المهرجان.
وعرض المهرجان 135 فيلماً من 67 دولة، منها 48 تُعرض عربياً لأول مرة، و27 فيلماً سعودياً، و17 في عرضها العالمي الأول، وقد افتتح عروضه بالفيلم الموسيقي البريطاني «سيرنو» للمخرج جو رايت.
وتنافس على جوائز «اليسر» التي قدمها مهرجان البحر الأحمر السينمائي؛ 16 فيلماً في مسابقة الأفلام الروائية الطويلة، و18 في مسابقة الأفلام القصيرة، إلى جانب مسابقة السينما التفاعلية، كما تم منح أكثر من 700 ألف دولار أميركي للمشاريع الفائزة بجوائز سوق البحر الأحمر.

مؤتمر دولي للفلسفة
خلال الفترة من 8 إلى 10 ديسمبر 2021، أقيم «مؤتمر الرياض الدولي للفلسفة»، تحت شعار «مهرجان الأفكار»، وهو أول مؤتمر من نوعه في السعودية بمشاركة مفكرين ومؤسسات من حول العالم، ومختصين في الفلسفة ونظرياتها وتطبيقاتها الحديثة من جميع أنحاء العالم، ويسعى المؤتمر لدعم حضور الفلسفة وامتداداتها الفكرية والثقافية والمعرفية في كل مجالات الحياة ، وبناء جسور راسخة فيما بينها قائمة على أسس فكرية ومعرفية مشتركة. واتخذ المؤتمر مفهوم «اللامتوقع» محوراً مركزياً لمناقشاته، حيث تناول المختصون نظريات الأخلاق وأبعادها المفاهيمية، ومستجدات التقدم العلمي، والوتيرة المتسارعة لتطبيقات التكنولوجيا، كما سلط الضوء على حضور الفلسفة المهم في كل هذه المسارات والأنشطة الإنسانية، إضافة إلى ندوات وجلسات حوارية، وورش عمل مختلفة.



إعلان القائمة الطويلة لجائزة بوكر

إعلان القائمة الطويلة لجائزة بوكر
TT

إعلان القائمة الطويلة لجائزة بوكر

إعلان القائمة الطويلة لجائزة بوكر

أعلنت لجنة الجائزة العالمية للرواية العربية (المعروفة بـ«البوكر العربية») صباح اليوم القائمة الطويلة لدورة عام 2026. وتم اختيار الـ16 المرشحة من بين 137 رواية، ضمن 4 روايات من مصر، و3 من الجزائر، و2 من لبنان، ورواية واحدة من السعودية، والعراق، والمغرب، وسوريا، واليمن، وتونس، وعمان. وتنوعت الموضوعات والرؤى التي عالجتها هذه الروايات كما جاء في بيان اللجنة، وهي:

«ماء العروس» للسوري خليل صويلح، و«خمس منازل لله وغرفة لجدتي» لليمني مروان الغفوري، و«الاختباء في عجلة الهامستر» للمصري عصام الزيات، و«منام القيلولة» للجزائري أمين الزاوي، و«عمة آل مشرق» لأميمة الخميس من السعودية، و«عزلة الكنجرو» لعبد السلام إبراهيم من مصر، و«أيام الفاطمي المقتول» للتونسي نزار شقرون، و«البيرق» للعُمانية شريفة التوبي، و«فوق رأسي سحابة» للكاتبة المصرية دعاء إبراهيم، و«في متاهات الأستاذ ف. ن.» للمغربي عبد المجيد سباطة، و«الرائي: رحلة دامو السومري» للعراقي ضياء جبيلي، و«غيبة مي» للبنانية نجوى بركات، و«أصل الأنواع» للمصري أحمد عبد اللطيف، و«حبل الجدة طوما» للجزائري عبد الوهاب عيساوي، و«الحياة ليست رواية» للبناني عبده وازن، و«أُغالب مجرى النهر» للجزائري سعيد خطيبي.

وستُعلَن القائمةُ القصيرة للجائزة في فبراير (شباط) المقبل، والرواية الفائزة في التاسع من أبريل (نيسان) 2026 في احتفالية تُقام في العاصمة الإماراتية أبوظبي.


متى ينتهي زمن الوصاية على الفنان العربي؟

من أعمال الفنان ثائر هلال
من أعمال الفنان ثائر هلال
TT

متى ينتهي زمن الوصاية على الفنان العربي؟

من أعمال الفنان ثائر هلال
من أعمال الفنان ثائر هلال

كان للسوري خالد سماوي مشروع رؤيوي مهم عبر، من خلال قاعته «أيام»، عن سعته في احتواء التجارب الفنية العربية، السورية منها بشكل خاص. ولقد سعدت حين رأيت ذات مرة معرضاً للفنان ثائر هلال في قاعة «أيام بلندن». ما فعله سماوي كان ريادياً من جهة أنه كان جديداً من نوعه. فلأول مرة هناك قاعة عربية تعرض لفنانين عرب وسط لندن. وفي دبي كانت له قاعة أيضاً. ولكن سماوي كان قبل ذلك قد فشل في فرض فكرته عن الاحتكار الفني المعمول به عالمياً يوم أصدر فنانون سوريون بياناً يتخلون من خلاله عن العلاقة بقاعته.

أتذكر منهم عيد الله مراد ويوسف عبد لكي وفادي يازجي وياسر صافي. السوريون يعرفون بضاعتهم أكثر منا. من جهتي كنت أتمنى أن ينجح خالد سماوي في مشروعه. فهو رجل طموح، ما كان لشغفه بالفن أن ينطفئ لولا جرثومة الوصاية التي تصيب أصحاب القاعات الفنية الناجحين في العالم العربي. في العالم هناك وصاية يمارسها صاحب قاعة على عدد من الرسامين الذين يتعامل معهم وهو ما يُسمى الاحتكار المحدود، غير أن ما يحدث في العالم العربي أن تلك الوصاية تتحول إلى وصاية وطنية شاملة. كأن يمارس شخص بعينه وصاية على الفن التشكيلي في العراق ويمارس آخر وصاية على الفن في لبنان وهكذا.

الخوف على المال

حين بدأ اهتمام المزادات العالمية بعد أن أقامت فروعاً لها في دبي بالنتاج الفني العربي، حرصت على أن تقدم ذلك النتاج بوصفه جزءاً من بضاعتها القادمة من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وليس من العالم العربي. ومن الطبيعي أن يكون لتلك المزادات خبراؤها الذين حتى وإن لم تكن لهم دراية فنية أو معرفة تاريخية بتحولات الحداثة الفنية في العالم العربي فإنهم كانوا على استعداد لصناعة تاريخ مجاور من أجل الترويج للبضاعة المعروضة. وبذلك صنعت المزادات إحداثيات زائفة، ذهب ضحيتها الكثير من رجال الأعمال العرب الذين لم يسمعوا بشيء اسمه النقد الفني، وهم لذلك لم يعدّوا ما يقوله نقاد الفن العرب مرجعاً يُعتد به. كانت كتيبات ومنشورات المزادات هي مرجعهم الوحيد الموثوق به. وإذا ما قلنا لهم اليوم «لا تصدقوا ما يقوله خبراء المزادات» فسيسخر الكثير من مقتني الأعمال الفنية منا، لا لشيء إلا لأن ذلك يؤثر على القيمة المادية للأعمال الفنية التي اقتنوها.

الأسوأ من ذلك أن الكثير من أصحاب القاعات الفنية في مختلف أنحاء العالم العربي صاروا يتحينون الفرص من أجل أن يتم عرض ما تكدس لديهم من أعمال فنية في تلك المزادات بسبب معرفتهم بحقيقة أن خبراءها لا خبرة لهم بالفن في العالم العربي وأن وصايتهم عليه مستلهمة من قوة المال لا من قوة الثقافة.

غياب سلطة النقد

لقد انتهى النقد الفني في العالم حين انتصر عليه المال. عبر أكثر من عشر سنوات لم تُعقد ندوات نقدية عن الفن في العالم العربي إلا بطريقة فقيرة بعيداً عن المراكز الحيوية التي كانت سوق الفن تحقق فيها نجاحاتها وأرباحها. لم يكن ذلك إلا انتصاراً لإرادة الخبراء الأجانب الذين نجحوا في العمل بعيداً عما يسببه نقاد الفن من صداع وإزعاج. في ذلك الفراغ تم تمرير الكثير من الأعمال المزورة كما تم إسباغ أهمية فنية على فنانين لا قيمة تاريخية أو فنية لأعمالهم.

قبل سنوات اتصلت بي سيدة نمساوية وطلبت اللقاء بي في أحد مقاهي لندن. حين التقيتها عرفت أنها اشترت مجموعة من الأعمال الورقية بنصف مليون درهم إماراتي رغبة منها في الاستثمار. حين رأيت تلك الأعمال اتضح لي أن تلك المرأة كانت ضحية لعملية استغفال، وأنها لن تتمكن من إعادة بيع ورقياتها لأنها لا قيمة لها. فجعت المرأة برأيي وكان واضحاً عليها أنها لم تصدقني. ذلك ما يفعله كل مقتني الأعمال الفنية العرب فهم لا يرغبون في أن يصدقوا أنهم كانوا ضحايا عمليات احتيال متقنة. في ظل غياب سلطة النقد الفني واختفاء النقاد أو اكتفاء بعضهم بالمتابعات الصحافية بعد أن أجبرتهم لقمة العيش على التحول إلى صحافيين، تستمر المزادات في تكريس سلطتها معتمدة على أموال المقتنين العرب.

محاولة لكسر الوصاية الأجنبية

وإذا ما تركنا المزادات وما يجري في كواليسها جانباً واتجهنا إلى أسواق الفن التي صارت تُقام سنوياً في مدن بعينها، فسنكتشف أن تلك الأسواق تُدار من قبل خبيرات أوروبيات. أصحاب القاعات الفنية العربية الذين شاركوا في العرض في تلك الأسواق يعرفون حقائق أكثر من الحقائق التي نعرفها ولكنهم لا يصرحون بها خشية على مصالحهم. ذلك لأن هناك شبكة من المنتفعين من تلك الأسواق في إمكانها أن تضر بهم أو هو ما يتوهمونه. ليس لأن المال جبان كما يُقال، بل لأن الإرادة ضعيفة. قيام سوق فنية عربية للفن هو الحل. ولكن ذلك الحل لن يكون ممكناً إلا بتضافر جهود أصحاب القاعات الفنية في العالم العربي. حقيقة أنا معجب بتجربة التعاون الحيوي والخلاق والنزيه بين غاليري مصر في القاهرة وغاليري إرم في الرياض. وفق معلوماتي، هذه هي المرة التي يتم فيها اختراق الحدود العربية بنتاج فني عربي. أجمل ما في الموضوع أن ذلك لا يتم من خلال فرض وصاية لا على الفن ولا على الفنانين. ليست الفكرة مدهشة فحسب، بل مفردات تنفيذها أيضاً. ذلك لأنها لا تقوم على تبادل ثقافي بين بلدين عربيين بقدر ما هي مساحة لعرض أعمال فنانين عرب بغض النظر عن هوياتهم الوطنية. ذلك التعاون مهم، كما أنه لا ينهي الوصاية الأجنبية على الفن في العالم العربي فحسب، بل أيضاً لأنه يمهد لولادة سوق نزيهة ومنصفة للفن.

حين حُول الفنانون إلى أجراء

في ظل غياب الملتقيات الفنية العربية نشط البعض في إقامة لقاءات فنية، غالباً ما تكون الجهات الراعية لها لا علاقة لها بالثقافة. فهي إما فنادق تسعى إلى الاستفادة من أوقات الكساد السياحي أو مصارف تقتطع الأموال التي تنفقها على النشاط الفني من الضرائب التي تدفعها. وهكذا ولدت ظاهرة اصطلح على تسميتها «السمبوزيوم». ذلك تعبير إغريقي يعني مأدبة الشرب من أجل المتعة مصحوباً بالموسيقى والرقص أو الحفلات أو المحادثة. ومن تجربتي الشخصية - وقد حضرت عدداً من تلك اللقاءات - فإن الأمر لا يخرج عن ذلك التوصيف إلا في منطقة واحدة، وهي أن القائمين على الـ«سمبوزيوم» كانوا يمارسون على الفنانين وصاية تجعلهم أشبه بالأجراء. لقد رأيت الرسامين والنحاتين يذهبون في ساعة محددة إلى العمل الذي لا ينتهون منه إلا في ساعة محددة. كان حدثاً فجائعياً أن يُطلب من الرسام أن يرسم ومن النحات أن ينحت.

كنت أشعر باليأس كلما رأيت تلك المشاهد. من الإنصاف القول هنا إن هناك مَن رفض أن ينضم إلى تلك الظاهرة حفظاً لكرامته. لذلك صار القيمون على تلك اللقاءات يتداولون فيما بينهم قوائم الفنانين الصالحين للوصاية. يشهد العالم لقاءات فنية شبيهة كل يوم. غير أنها لقاءات حرة فيها الكثير من البذخ، لا يشعر الفنان فيها بأن كرامته قد خُدشت وأنه صار أجيراً.


الإسباني لبينيتو بيريز غالدوس... البيروقراطي في متاهته

غالدوس
غالدوس
TT

الإسباني لبينيتو بيريز غالدوس... البيروقراطي في متاهته

غالدوس
غالدوس

رواية «مياو» لبينيتو بيريز غالدوس، التي صدرت في منتصف مسيرته المهنية، بترجمة مارغريت جول كوستا من الإسبانية، 302 صفحة، تصوّر معاناة موظف حكومي بيروقراطي مُسرّح من عمله.

كنت تعرّفتُ على روايات القرن التاسع عشر عندما كنتُ في الحادية عشرة من عمري، وأعيش مع عائلتي في مدريد. لكن القرن التاسع عشر الذي تعرّفتُ عليه لم يكن إسبانياً. وإذا كانت المكتبة الصغيرة للمدرسة البريطانية التي التحقتُ بها قد تضمّنت أعمالاً مترجمة لبينيتو بيريز غالدوس، فأنا لا أتذكرها، مع أن مدريد هي المدينة التي تدور فيها معظم رواياته. بدلاً من ذلك، كان هناك رفّ من روايات ديكنز، قرأتها بنهمٍ، وإن كان عشوائياً، ناسية حبكاتها وأنا أقرأها. كان غالدوس، الذي يصغر ديكنز بثلاثين عاماً قارئاً نهماً لأعمال الروائي الإنجليزي في شبابه، ويمكن ملاحظة تأثير ديكنز في شخصياته المتنوعة، وأنماطه المرسومة بشكل واسع، ومشاهده لقذارة المدن. ويشترك الكاتبان أيضاً في حماسة الإصلاح، مع أن شخصيات ديكنز في إنجلترا تُكافح التصنيع السريع، بينما في إسبانيا تُواجه شخصيات غالدوس عجز الحكومة وقوى رجعية راسخة.

غالدوس غير معروف في العالم الناطق باللغة الإنجليزية، وإن لم يكن ذلك بسبب قلة جهد المترجمين والناشرين.

عندما شرعت في كتابة هذه المراجعة، تخيلت أن عدداً قليلاً فقط من كتبه قد تُرجم، ولكن في الواقع، ظهرت نحو ثلاثين رواية باللغة الإنجليزية على مدار المائة وخمسين عاماً الماضية، نُشر العديد منها أكثر من مرة. هذه الروايات لم يبقَ منها إلا القليل، ومن المرجح أن يكون القراء المعاصرون الذين سبق لهم الاطلاع على أعمال جالدوس قد قرأوا إحدى الروايتين: «فورتوناتا وجاسينتا» (1887) أو «تريستانا» (1892)، اللتين تجذبان قراء مختلفين. «فورتوناتا وجاسينتا» رواية واقعية طموحة تُصعّد من حدة الأحداث، وتُعتبر عموماً أعظم رواية إسبانية في القرن التاسع عشر. وهي تروي قصة امرأتين على علاقة برجل واحد (غير جدير بالثقة)، بالإضافة إلى قصة مدينة مدريد، من مركزها النابض بالحياة إلى ضواحيها المتوسعة. أما «تريستانا»؛ فهي رواية أقصر وأكثر غرابة، وتدور حول فتاة يتيمة في التاسعة عشرة من عمرها يتبناها صديق لوالدها ويستغلها ببراعة. وكان لويس بونويل قد حوَّلها إلى فيلم سينمائي، وأصبحت من كلاسيكيات السينما. (قام بونويل أيضاً بتكييف روايتي غالدوس «نازارين» و«هالما»، والأخيرة بعنوان «فيريديانا»).

لم تُترجم روايتا «فورتوناتا» و«جاسينتا» إلى الإنجليزية حتى عام 1973، أي بعد نحو قرن من نشرها الأصلي. ربما يُعزى ذلك جزئياً إلى حجمها الضخم، لكن هذا التأخير يُشير إلى تدني مكانة إسبانيا في أدب القرن التاسع عشر - ففي نهاية المطاف، يُعتبر طول رواية مثل: «الحرب والسلام» أو «البؤساء» وسام فخر.

وقد يُشار أيضاً إلى ميل القراء المترجمين إلى توقع أن تُناسب الأدبيات الوطنية نمطاً مُعيناً - رومانسياً وتقليدياً في حالة إسبانيا القرن التاسع عشر. عند الأجيال السابقة، كانت رواية «دونيا بيرفكتا» أشهر رواية غالدوس بالإنجليزية، وهي عمل مبكر عن أم ريفية مُسيطرة تُحبط زواج ابنتها من ابن عمها الحضري. لغتها وحبكتها ميلودرامية، وأجواء قريتها أبسط من مدريد فورتوناتا وجاسينتا متعددة الطبقات. لكن موضوعها الأساسي - إسبانيا الحديثة الليبرالية في حرب مع قوى التقاليد المفسدة - حاضر في جميع أعماله الروائية.

تحت تأثير الكوميديا الإنسانية لبلزاك، شرع غالدوس في سبعينات القرن التاسع عشر في أولى روايتين ضخمتين، إحداهما تاريخية والأخرى اجتماعية. وفي هذه الأيام، تحول الاهتمام في إسبانيا إلى روايته التاريخية: «الحلقات الوطنية»، وهي غير متوفرة في الغالب باللغة الإنجليزية. كان هذا مشروعاً ضخماً: ست وأربعون رواية، نُشرت في خمس سلاسل على مدار مسيرته المهنية، تناول فيها تاريخ الصراع المستمر بين الملكيين الإسبان والليبراليين خلال القرن التاسع عشر.

* خدمة «نيويورك تايمز»