أجواء حزن في إقليم كردستان مع وصول جثث 16 مهاجراً

أهالي ضحايا مأساة القنال الإنجليزي ودّعوا جثامين أبنائهم بالدموع

مراسم تشييع في بلدة رانية بإقليم كردستان لثلاثة من المهاجرين الذين غرقوا في القنال الإنجليزي وأعيدت جثثهم أمس (رويترز)
مراسم تشييع في بلدة رانية بإقليم كردستان لثلاثة من المهاجرين الذين غرقوا في القنال الإنجليزي وأعيدت جثثهم أمس (رويترز)
TT

أجواء حزن في إقليم كردستان مع وصول جثث 16 مهاجراً

مراسم تشييع في بلدة رانية بإقليم كردستان لثلاثة من المهاجرين الذين غرقوا في القنال الإنجليزي وأعيدت جثثهم أمس (رويترز)
مراسم تشييع في بلدة رانية بإقليم كردستان لثلاثة من المهاجرين الذين غرقوا في القنال الإنجليزي وأعيدت جثثهم أمس (رويترز)

كانت العبارة الأخيرة التي قالها شاكار علي لأهله قبل أن يغرق في القنال الإنجليزي خلال نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي: «إذا لم أتصل بكم؛ فيعني أنني وصلت إلى إنجلترا»، لكن الشاب عاد الأحد في تابوت خشبي إلى عائلته مع 15 آخرين من إقليم كردستان في شمال العراق، قضوا في المأساة.
وصلت فجراً طائرة تقل الجثامين الستة عشر إلى مطار أربيل؛ عاصمة الإقليم ذي الحكم الذاتي، وسط حالة من الصمت والحزن والغضب التي خيمت على ذويهم فيما انتظروا استقبال أحبابهم محملين في توابيت خشبية.
داخل المطار؛ تجمع عشرات الرجال والنساء والأطفال يواسي بعضهم بعضاً. النساء المتشحات بالأسود ذرفن الدموع، وإحداهن حملت صورة شاب في مقتبل العمر، بحسب وكالة الصحافة الفرنسية.
وضم مسن بلحية بيضاء عصاه إلى صدره فيما رفع على هاتفه صورة ابنه البالغ من العمر 24 عاماً فقط.
قضى 27 شخصاً على الأقل في الحادث المأساوي الذي وقع في 24 نوفمبر الماضي ويعدّ الأكثر دموية في القنال الإنجليزي الذي يتدفق إليه المهاجرون في محاولة للوصول إلى أراضي المملكة المتحدة على متن قوارب غير آمنة.
وضعت التوابيت الخشبية في سيارات الإسعاف، وغادرت المطار لتقل الضحايا إلى القرى والمدن التي يتحدرون منها، إلى داربنديخان ورانية وأيضاً سوران أو قادر آوا، حيث التقت وكالة الصحافة الفرنسية في نوفمبر بعائلات الضحايا التي كانت تنتظر بحرقة وصول أنباء عن ابن أو قريب كان على متن القارب.
وفيما ألصقت وجهها بسيارة الإسعاف، أجهشت امرأة بالبكاء. جلس شابان داخل إحدى سيارات الإسعاف، وإمارات الحزن تغمر وجهيهما، فيما ضم أحدهما التابوت الخشبي في وداع أخير.
على بعد نحو 100 كيلومتر من المطار، انتظر أهالي بلدة رانية وصول الجثامين الثلاثة للضحايا الذين سقطوا من أبنائها في المأساة. وبعد غسل الجثامين وقراءة الفاتحة عليها في المسجد، توجه الرجال إلى مقبرة البلدة في أجواء من الألم، لدفن الضحايا.
ورغم حالة الصمت السائدة، لم يتمكن كثر من رد دموعهم، عندما رفعت الأكفان على الأكف. وتجمع المئات حول الحفرة التي رقدت فيها الجثامين قبل أن توارى الثرى.
يروي شمال علي، البالغ من العمر 36 عاماً، معاناة شقيقه شاكار البالغ من العمر 30 عاماً الذي «غادر بيته قبل شهرين. من تركيا ثم اليونان وإيطاليا، وصل أخيراً إلى فرنسا». ويقول الشاب الذي يعمل مدرساً: «حاول العبور إلى بريطانيا 7 مرات مع أصدقاء له، لكنه فشل».
ويروي التفاصيل الأخيرة لحياة شقيقه قائلاً: «كان آخر اتصال منهم عند الساعة 2.42 بتوقيت غرينيتش، ليقولوا لنا إنهم عبروا المياه الإقليمية الفرنسية ووصلوا إلى المياه البريطانية».
كان شاكار خريج الجيولوجيا يبحث عن عمل منذ 3 سنوات، دون جدوى. ويقول شقيقه: «كان عاطلاً عن العمل حتى لحظة مغادرته». ويضيف أن أخاه غادر بسبب «عدم وجود فرص عمل... هذه الأسباب نفسها هي خلف هجرة آلاف الشباب الآخرين... وهذه الأسباب أدت إلى فقدان مئات العائلات أبناءها».
يتذكر الشقيق الأصغر راميار البالغ من العمر 20 عاماً، المحادثة الأخيرة مع شاكار. ويروي: «قال لنا: بدأنا بالعبور. إذا اتصلنا يعني أن خفر السواحل أمسكوا بنا، وما لم نتصل، يعني أننا وصلنا».
كان مقرراً إعادة الجثامين الجمعة، لكن العملية أرجئت مرتين. وانتظر السبت قبيل الفجر أقرباء الضحايا لساعات في المطار قبل أن يبلغوا في اللحظة الأخيرة بأن الطائرة لن تحط.
جرى التعرف على هويات 26 من الضحايا في فرنسا من بينهم 17 رجلاً و7 نساء تراوحت أعمارهم بين 19 و46 عاماً، وطفل يبلغ من العمر 7 سنوات. ومن بين الضحايا أيضاً كردي إيراني، و3 إثيوبيين، وصومالي، و4 أفغان، ومصري.
غادر المهاجرون «في نهاية الليل» من «لون بلاج» قرب «غراند سينث»، حيث يخيم العديد من المهاجرين على الساحل الشمالي لفرنسا، على متن قارب مطاطي قابل للنفخ، ليعبروا إلى السواحل الإنجليزية. لم ينجُ من الغرق سوى كردي عراقي وسوداني، وفق وزارة الداخلية الفرنسية. وبحسب أحدهما، أحصى المهربون 33 شخصاً على متن القارب.
وتثار تساؤلات حول النداءات التي يفترض أن المهاجرين قد أطلقوها للسلطات الفرنسية والبريطانية حينما بدأ مركبهم بالغرق؛ كما أفاد أحد الناجيين. لكن الشرطة البحرية الفرنسية قالت إنه في حال الاتصال بها، لا يمكنها عدم التدخل.
رفعت على إحدى سيارات الإسعاف صورة الشابة مريم نوري حمه أمين؛ المعروفة باسم «باران» والبالغة من العمر نحو 20 عاماً، وكتبت إلى جانبها عبارة «عروسة البحر» باللغة الكردية، فيما تحركت من مطار أربيل لنقلها إلى سوران. أرادت الشابة اللحاق بخطيبها كارزان المقيم في بريطانيا بحثاً عن حياة أفضل كما روى والدها.
رغم كل تلك المآسي، ما زالت الحوادث المماثلة تتكرر؛ فقد وقعت هذا الأسبوع 3 حوادث غرق قبالة الجزر اليونانية، ما أدى إلى مصرع 30 شخصاً على الأقل؛ بينهم سوريون ومصريون وعراقيون.



حملة ابتزاز حوثية تستهدف كسارات وناقلات الحجارة

كسارة حجار أغلقها الحوثيون في إحدى مناطق سيطرتهم (فيسبوك)
كسارة حجار أغلقها الحوثيون في إحدى مناطق سيطرتهم (فيسبوك)
TT

حملة ابتزاز حوثية تستهدف كسارات وناقلات الحجارة

كسارة حجار أغلقها الحوثيون في إحدى مناطق سيطرتهم (فيسبوك)
كسارة حجار أغلقها الحوثيون في إحدى مناطق سيطرتهم (فيسبوك)

فرضت الجماعة الحوثية خلال الأيام الماضية إتاوات جديدة على مُلاك مناجم الحجارة وسائقي ناقلات الحصى المستخدم في الخرسانة المسلحة في العاصمة المختطفة صنعاء ومدن أخرى؛ ما تَسَبَّبَ أخيراً في ارتفاع أسعارها، وإلحاق أضرار في قطاع البناء والتشييد، وزيادة الأعباء على السكان.

وذكرت مصادر محلية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، أن قيادات حوثية تُدير شؤون هيئة المساحة الجيولوجية والثروات المعدنية الخاضعة لسيطرة الجماعة، فرضت زيادة سعرية مفاجئة على ناقلات الحصى تتراوح ما بين 300 و330 دولاراً (ما بين 160 ألفاً و175 ألف ريال) لكل ناقلة.

ووصل إجمالي السعر الذي يُضطر مُلاك مناجم الحجارة وسائقو الناقلات إلى دفعه للجماعة إلى نحو 700 دولار (375 ألف ريال)، بعد أن كان يقدر سعرها سابقاً بنحو 375 دولاراً (200 ألف ريال)، حيث تفرض الجماعة سعراً ثابتاً للدولار بـ 530 ريالاً.

مالكو الكسارات في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية يشتكون من الابتزاز والإتاوات (فيسبوك)

وتذهب الزيادة المفروضة، وفقاً للمصادر، لمصلحة أحد المشرفين الحوثيين، الذي يُكنى بـ«الجمل»، ويواصل منذ أيام شن مزيد من الحملات التعسفية ضد مُلاك كسارات وسائقي ناقلات بصنعاء وضواحيها، لإرغامهم تحت الضغط والترهيب على الالتزام بتعليمات الجماعة، وتسديد ما تقره عليهم من إتاوات.

واشتكى مُلاك كسارات وسائقو ناقلات في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، من حملات الابتزاز الحوثي لفرض الزيادة المفاجئة في أسعار بيع ونقل الخرسانة المستخدمة في البناء والتشييد، ما يزيد من أعبائهم ومعاناتهم.

وقال بعضهم إن الجماعة لم تكتفِ بذلك، لكنها فرضت إتاوات أخرى عليهم تحت أسماء متعددة منها تمويل تنظيم الفعاليات بما تسمى ذكرى قتلاها في الحرب، ورسوم نظافة وتنمية مجتمعية وأجور مشرفين في الجماعة بذريعة تنفيذ الرقابة والمتابعة والإشراف على السلامة البيئية.

وتحدث مالك كسارة، اشترط إخفاء اسمه، عن لجوئه وآخرين يعملون في ذلك القطاع، لتقديم عدة شكاوى لسلطة الانقلاب للمطالبة بوقف الإجراءات التعسفية المفروضة عليهم، لكن دون جدوى، وعدّ ذلك الاستهداف لهم ضمن مخطط حوثي تم الإعداد له مسبقاً.

الإتاوات الجديدة على الكسارة وناقلات الحصى تهدد بإلحاق أضرار جديدة بقطاع البناء (فيسبوك)

ويتهم مالك الكسارة، المشرف الحوثي (الجمل) بمواصلة ابتزازهم وتهديدهم بالتعسف والإغلاق، عبر إرسال عناصره برفقة سيارات محملة بالمسلحين لإجبارهم بالقوة على القبول بالتسعيرة الجديدة، كاشفاً عن تعرُّض عدد من سائقي الناقلات خلال الأيام الماضية للاختطاف، وإغلاق نحو 6 كسارات لإنتاج الحصى في صنعاء وضواحيها.

ويطالب مُلاك الكسارات الجهات الحقوقية المحلية والدولية بالتدخل لوقف التعسف الحوثي المفروض على العاملين بذلك القطاع الحيوي والذي يهدد بالقضاء على ما تبقى من قطاع البناء والتشييد الذي يحتضن عشرات الآلاف من العمال اليمنيين.

وسبق للجماعة الحوثية، أواخر العام قبل الفائت، فتح مكاتب جديدة تتبع هيئة المساحة الجيولوجية والثروات المعدنية الخاضعة لها، في أغلبية مناطق سيطرتها بغية التضييق على مُلاك الكسارات وسائقي ناقلات الحصى، ونهب أموالهم.

وأغلقت الجماعة الحوثية عبر حملة استهداف سابقة نحو 40 كسارة في محافظات صنعاء وعمران وحجة وإب والحديدة وذمار، بحجة مخالفة قانون المناجم، رغم أنها كانت تعمل منذ عقود وفق القوانين واللوائح المنظِّمة لهذا القطاع.

إتاوات جديدة فرضتها الجماعة الحوثية على ناقلات الحصى المستخدم في الخرسانة المسلحة (فيسبوك)

وسبق أن فرضت الجماعة في ديسمبر (كانون الأول) من العام قبل الماضي، على مُلاك المناجم في صنعاء وبقية المناطق رسوماً تقدر بـ 17 دولاراً (8900 ريال) على المتر الواحد المستخرج من الحصى، والذي كان يباع سابقاً بـ5 دولارات ونصف الدولار (2900 ريال) فقط.

وتفيد المعلومات بإقدامها، أخيراً، على مضاعفة الرسوم المفروضة على سائقي ناقلات الحصى، إذ ارتفعت قيمة الرسوم على الناقلة بحجم 16 متراً، من 181 دولاراً (64 ألف ريال)، إلى 240 دولاراً (128 ألف ريال)، في حين ارتفع سعر الحمولة ليصل إلى 750 دولاراً، (400 ألف ريال).