مواكب السودان تخترق الحواجز الأمنية والمتظاهرون يصلون لمحيط القصر

قطع خدمة الإنترنت والاتصالات وإطلاق قنابل الغاز على المحتجين واعتقال بعضهم

اشتباكات بين المتظاهرين وقوات الأمن في أحد شوارع الخرطوم أمس (أ.ف.ب)
اشتباكات بين المتظاهرين وقوات الأمن في أحد شوارع الخرطوم أمس (أ.ف.ب)
TT

مواكب السودان تخترق الحواجز الأمنية والمتظاهرون يصلون لمحيط القصر

اشتباكات بين المتظاهرين وقوات الأمن في أحد شوارع الخرطوم أمس (أ.ف.ب)
اشتباكات بين المتظاهرين وقوات الأمن في أحد شوارع الخرطوم أمس (أ.ف.ب)

تعرض عشرات آلاف من المتظاهرين، المناوئين للسلطة العسكرية الحاكمة في السودان، مرة أخرى لوابل من قنابل الغاز المسيل للدموع، والرصاص المطاط، لمنعهم من الوصول إلى القصر الرئاسي، ما أدى إلى إصابة المئات. لكن ذلك لم يمنع، الآلاف من اجتياز الحواجز الأمنية في محيط القصر، لإرسال رسالة ترفض إجراءات الجيش التي أطلقها في 25 أكتوبر (تشرين الأول) التي أطاح بموجبها بالمكون المدني، واستولى على السلطة منفرداً، ورفض الاتفاق المبرم بين قائد الجيش الفريق عبد الفتاح البرهان، ورئيس الوزراء عبد الله حمدوك في 21 نوفمبر (تشرين الثاني).
ووصل المحتجون إلى محيط القصر الجمهوري، مقر السلطة الانتقالية التي يترأسها الفريق أول عبد الفتاح البرهان، في تحدٍ واضح للإجراءات الأمنية المشددة التي اتخذتها السلطات العسكرية للحيلولة دون وصولهم للقصر، بما في ذلك قطع خدمة الإنترنت والاتصالات الهاتفية بشكل كامل، وفرض طوق محكم بإغلاق الجسور، ونشر قوات عسكرية بحجم غير مسبوق.
وشهدت الشوارع المحيطة بالقصر الرئاسي معارك كر وفر عنيفة بين المحتجين والقوات الأمنية التي استخدمت أطناناً من عبوات الغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطي، والهراوات والعصي، ما أدى لعدد كبير من الإصابات.
ومنذ وقت مبكر صباح السبت، ألقت السلطات الأمنية القبض على أعداد مقدرة من النشطاء من منازلهم، قبل أن تفرض طوقاً تأمينياً حول وسط الخرطوم حيث قصر الرئاسة ورئاسة مجلس الوزراء، وأغلقت الجسور الرابطة بين مدن العاصمة الثلاث «الخرطوم، الخرطوم بحري، أم درمان»، ونشرت قوات كبيرة من شرطة العمليات، وقوات الجيش والدعم السريع، على آليات عسكرية وعربات دفع رباعي محملة بالجنود.
ولم يستطع المحتجون القادمون من أم درمان والخرطوم بحري عبور الجسور التي أغلقتها السلطات العسكرية بالمتاريس الأسمنتية والحاويات المعدنية، ونشرت حولها مئات الجنود المدججين بالسلاح، وشهدت مداخل هذه الجسور محاولات عديدة لاختراقها مرة أخرى، وفي بحري استطاع الثوار تسلق الحاويات المعدنية التي سدت بها سلطات الأمن مدخل جسر المك نمر، وقال بعضهم ساخرون: «كنا ننصب المتاريس حتى لا تصلنا أجهزة القمع، أما اليوم فقد نصبت أجهزة الأمن المتاريس حتى لا نصلها».
وسدت السلطات الأمنية الشوارع القادمة من جنوب الخرطوم، وحاولت منع المحتجين من الوصول لوسط المدنية، وهذا يحدث للمرة الأولى منذ بدء الاحتجاجات المنددة بانقلاب الجيش على الحكومة الانتقالية، بيد أن آلاف المحتجين أفلحوا في اختراق الطوق الأمني، ووصلوا محيط القصر الرئاسي بمواجهة حاجز بشري من أفراد الجيش، وهم يرفعون شعار المواكب «لا تفاوض مع الجيش».
ولردهم أطلقت القوات الأمنية كميات كبيرة من الغاز المسيل للدموع، بيد أنهم قاوموا هجمات الغاز، واستمرت الاحتجاجات وعمليات الكر والفر بين القوات الأمنية، في معظم الطرق المحيطة بالقصر الرئاسي ومركز الخرطوم التجاري والاستراتيجي.
وكانت لجان المقاومة وتجمع المهنيين السودان وقوى إعلان الحرية والتحرير، قد دعت لاحتجاجات لمناهضة إجراءات قائد الجيش الفريق أول عبد الفتاح البرهان، واتفاقه مع رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، تطالب بإبعاد الجيش عن السياسة، وهم يرددون هتاف: «العسكر للثكنات».
ولم تحل الإجراءات الأمنية وكثافة الانتشار الأمني بين الثوار، الذين سرعات ما ينتظمون في شكل أفواج كبيرة، اتجهت نحو القصر الرئاسي، في اليوم الذي يوافق مرور شهر على ذكرى مرور شهرين على انقلاب قائد الجيش الفريق أول عبد الفتاح البرهان، على الحكومة الانتقالية، متحدين التدابير الأمنية غير المسبوقة.
ومنذ الإجراءات التي اتخذها قائد الجيش الفريق أول عبد الفتاح البرهان في 25 أكتوبر الماضي، لم تتوقف الاحتجاجات والمواكب التي شارك فيها مئات الآلاف في مختلف أنحاء البلاد، واجهتها القوات العسكرية بعنف مفرط، أدى لمقتل 48 متظاهراً، وإصابة المئات بجروح ما يزال بعضهم يتلقى العلاج.
واعتبر المحتجون وقوى المعارضة المدنية بمختلف توجهاتها، إجراءات البرهان «انقلاباً عسكرياً» كامل الدسم، أعلن خلاله حالة الطوارئ، وحل كلاً من مجلسي السيادة والوزراء وحكومات الولايات، واعتقل عدداً من الوزراء وكبار المسؤولين والقادة السياسيين، بمن فيهم رئيس الوزراء عبد الله حمدوك الذي وضعوه قيد الإقامة الجبرية، فضلاً عن تعليق مواد الوثيقة الدستورية التي تنص على الشراكة بين تحالف قوى إعلان الحرية والتغيير، وسارع إلى تكوين مجلس سيادي بمفرده.
وأدى الرفض الشعبي الواسع والضغوط الدولية الرافضة للانقلاب، إلى إعادة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك لممارسة مهام منصبه، وفقاً لإعلان سياسي، قضى بتكوين حكومة كفاءات وطنية، بيد أن الاتفاق لم يجد التأييد الشعبي ولا تأييد قوى الحرية والتغيير، بل زاده السخط العام الذي اعتبره محاولة لتبرير الانقلاب.
وهاجمت السلطات الأمنية مستشفى الخرطوم التعليمي للحليولة دون تلقي المصابين للعلاج، وقال المكتب الموحد لأطباء السودان، وهو هيئة تجمع تنظيمات الأطباء المهنية، إن السلطة الانقلابية واصلت التعدي على المرافق الصحية، دون مراعاة لحرمتها، ولا لكرامة الكوادر الصحية والمرضى والمصابين، واعتدت على مستشفى الخرطوم التعليمي أحد أكبر مستشفيات البلاد، وقامت قوة مسلحة بالاعتداء على المستشفى واعتدت على الكوادر العاملة والمرضى والمصابين، وإطلاق الغاز المسيل للدموع والقنابل الصوتية داخل حرم المستشفى.
ونددت الهيئة الطبية بالاعتداء على المستشفيات، وقالت إنه محرم دولياً وفقاً لوثائق حقوق الإنسان.
ودعا تجمع المهنيين السودانيين، الشعوب المحبة للسلام والديمقراطية، للتضامن مع الشعب السوداني والثوار السلميين، وتوجيه أنظارها للسودان، ومراقبة الوضع وإدانة كل الجرائم التي يرتكبها «المجلس العسكري الانقلابي»، بما في ذلك استخدام الرصاص والقنابل الصوتية والغاز المسيل للدموع، وخراطيم المياه ومياه الصرف الصحي.
وقال التجمع الذي قاد الثورة التي أسقطت نظام المعزول عمر البشير، في بيان حصلت عليه الصحيفة أمس، إن الشعب السوداني عازم على انتزاع سلطته الوطنية المدنية كاملة، و«لن يمنعه أو يثنيه عن أهدافه، سلاح الميليشيات المأجورة، أو عنفها الأهوج».

... المزيد
 



بيانات أممية: غرق 500 مهاجر أفريقي إلى اليمن خلال عام

رغم المخاطر وسوء المعاملة يواصل المهاجرون التدفق إلى الأراضي اليمنية (الأمم المتحدة)
رغم المخاطر وسوء المعاملة يواصل المهاجرون التدفق إلى الأراضي اليمنية (الأمم المتحدة)
TT

بيانات أممية: غرق 500 مهاجر أفريقي إلى اليمن خلال عام

رغم المخاطر وسوء المعاملة يواصل المهاجرون التدفق إلى الأراضي اليمنية (الأمم المتحدة)
رغم المخاطر وسوء المعاملة يواصل المهاجرون التدفق إلى الأراضي اليمنية (الأمم المتحدة)

على الرغم من ابتلاع مياه البحر نحو 500 مهاجر من القرن الأفريقي باتجاه السواحل اليمنية، أظهرت بيانات أممية حديثة وصول آلاف المهاجرين شهرياً، غير آبهين لما يتعرضون له من مخاطر في البحر أو استغلال وسوء معاملة عند وصولهم.

ووسط دعوات أممية لزيادة تمويل رحلات العودة الطوعية من اليمن إلى القرن الأفريقي، أفادت بيانات المنظمة الدولية بأن ضحايا الهجرة غير الشرعية بلغوا أكثر من 500 شخص لقوا حتفهم في رحلات الموت بين سواحل جيبوتي والسواحل اليمنية خلال العام الحالي، حيث يعد اليمن نقطة عبور رئيسية لمهاجري دول القرن الأفريقي، خاصة من إثيوبيا والصومال، الذين يسعون غالباً إلى الانتقال إلى دول الخليج.

وذكرت منظمة الهجرة الدولية أنها ساعدت ما يقرب من 5 آلاف مهاجر عالق في اليمن على العودة إلى بلدانهم في القرن الأفريقي منذ بداية العام الحالي، وقالت إن 462 مهاجراً لقوا حتفهم أو فُقدوا خلال رحلتهم بين اليمن وجيبوتي، كما تم توثيق 90 حالة وفاة أخرى للمهاجرين على الطريق الشرقي في سواحل محافظة شبوة منذ بداية العام، وأكدت أن حالات كثيرة قد تظل مفقودة وغير موثقة.

المهاجرون الأفارقة عرضة للإساءة والاستغلال والعنف القائم على النوع الاجتماعي (الأمم المتحدة)

ورأت المنظمة في عودة 4.800 مهاجر تقطعت بهم السبل في اليمن فرصة لتوفير بداية جديدة لإعادة بناء حياتهم بعد تحمل ظروف صعبة للغاية. وبينت أنها استأجرت لهذا الغرض 30 رحلة طيران ضمن برنامج العودة الإنسانية الطوعية، بما في ذلك رحلة واحدة في 5 ديسمبر (كانون الأول) الحالي من عدن، والتي نقلت 175 مهاجراً إلى إثيوبيا.

العودة الطوعية

مع تأكيد منظمة الهجرة الدولية أنها تعمل على توسيع نطاق برنامج العودة الإنسانية الطوعية من اليمن، مما يوفر للمهاجرين العالقين مساراً آمناً وكريماً للعودة إلى ديارهم، ذكرت أن أكثر من 6.300 مهاجر من القرن الأفريقي وصلوا إلى اليمن خلال أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وهو ما يشير إلى استمرار تدفق المهاجرين رغم تلك التحديات بغرض الوصول إلى دول الخليج.

وأوضح رئيس بعثة منظمة الهجرة في اليمن، عبد الستار إيسوييف، أن المهاجرين يعانون من الحرمان الشديد، مع محدودية الوصول إلى الغذاء والرعاية الصحية والمأوى الآمن. وقال إنه ومع الطلب المتزايد على خدمات العودة الإنسانية، فإن المنظمة بحاجة ماسة إلى التمويل لضمان استمرار هذه العمليات الأساسية دون انقطاع، وتوفير مسار آمن للمهاجرين الذين تقطعت بهم السبل في جميع أنحاء البلاد.

توقف رحلات العودة الطوعية من اليمن إلى القرن الأفريقي بسبب نقص التمويل (الأمم المتحدة)

ووفق مدير الهجرة الدولية، يعاني المهاجرون من الحرمان الشديد، مع محدودية الوصول إلى الغذاء، والرعاية الصحية، والمأوى الآمن. ويضطر الكثيرون منهم إلى العيش في مأوى مؤقت، أو النوم في الطرقات، واللجوء إلى التسول من أجل البقاء على قيد الحياة.

ونبه المسؤول الأممي إلى أن هذا الضعف الشديد يجعلهم عرضة للإساءة، والاستغلال، والعنف القائم على النوع الاجتماعي. وقال إن الرحلة إلى اليمن تشكل مخاطر إضافية، حيث يقع العديد من المهاجرين ضحية للمهربين الذين يقطعون لهم وعوداً برحلة آمنة، ولكنهم غالباً ما يعرضونهم لمخاطر جسيمة. وتستمر هذه المخاطر حتى بالنسبة لأولئك الذين يحاولون مغادرة اليمن.

دعم إضافي

ذكر المسؤول في منظمة الهجرة الدولية أنه ومع اقتراب العام من نهايته، فإن المنظمة تنادي بالحصول على تمويل إضافي عاجل لدعم برنامج العودة الإنسانية الطوعية للمهاجرين في اليمن.

وقال إنه دون هذا الدعم، سيستمر آلاف المهاجرين بالعيش في ضائقة شديدة مع خيارات محدودة للعودة الآمنة، مؤكداً أن التعاون بشكل أكبر من جانب المجتمع الدولي والسلطات ضروري للاستمرار في تنفيذ هذه التدخلات المنقذة للحياة، ومنع المزيد من الخسائر في الأرواح.

الظروف البائسة تدفع بالمهاجرين الأفارقة إلى المغامرة برحلات بحرية خطرة (الأمم المتحدة)

ويقدم برنامج العودة الإنسانية الطوعية، التابع للمنظمة الدولية للهجرة، الدعم الأساسي من خلال نقاط الاستجابة للمهاجرين ومرافق الرعاية المجتمعية، والفرق المتنقلة التي تعمل على طول طرق الهجرة الرئيسية للوصول إلى أولئك في المناطق النائية وشحيحة الخدمات.

وتتراوح الخدمات بين الرعاية الصحية وتوزيع الأغذية إلى تقديم المأوى للفئات الأكثر ضعفاً، وحقائب النظافة الأساسية، والمساعدة المتخصصة في الحماية، وإجراء الإحالات إلى المنظمات الشريكة عند الحاجة.

وعلى الرغم من هذه الجهود فإن منظمة الهجرة الدولية تؤكد أنه لا تزال هناك فجوات كبيرة في الخدمات، في ظل قلة الجهات الفاعلة القادرة على الاستجابة لحجم الاحتياجات.