عروض الأزياء بين دراما الإخراج المسرحي وضخامة الديكورات

بعضها ينسج قصصًا مثيرة وقوية.. وبعضها تمويهًا على رتابة الأزياء وافتقاد الجديد فيها

أرجوحة ضخمة نصبها مارك جايكوبس في ساحة «كور كاريه» بمتحف «اللوفر» في عرضه لـ«لويس فويتون» في أكتوبر عام 2011
أرجوحة ضخمة نصبها مارك جايكوبس في ساحة «كور كاريه» بمتحف «اللوفر» في عرضه لـ«لويس فويتون» في أكتوبر عام 2011
TT

عروض الأزياء بين دراما الإخراج المسرحي وضخامة الديكورات

أرجوحة ضخمة نصبها مارك جايكوبس في ساحة «كور كاريه» بمتحف «اللوفر» في عرضه لـ«لويس فويتون» في أكتوبر عام 2011
أرجوحة ضخمة نصبها مارك جايكوبس في ساحة «كور كاريه» بمتحف «اللوفر» في عرضه لـ«لويس فويتون» في أكتوبر عام 2011

ما لا يختلف عليه اثنان أن عروض الأزياء أصبحت أكثر إبهارا وتعقيدا. فالدراما والإخراج المسرحي أصبحا جزءا لا يتجزأ من العروض، وهو ما يتطلب تكاليف عالية لا يقدر عليها الكل، لا سيما أنها، أي التكاليف، تضع المصممين الشباب في مأزق وترميهم خارج اللعبة، فعروضهم البسيطة تبدو باهتة بالمقارنة مع تلك التي يصر على حبكها مصممو البيوت الكبيرة. وما علينا في هذا الصدد، إلا أن نتذكر عروض جون غاليانو سابقا عندما كان يمسك بزمام دار «ديور» أو عروض مارك جايكوبس عندما كان في دار «لويس فويتون»، مرة بنصب سلالم متحركة تنزل منها العارضات وسط ساحة في متحف «اللوفر»، أو بالاستعانة بقطار ضخم يستحضر قطار الشرق السريع، أو أرجوحة ضخمة.. وهلم جرا. بعد خروجه منها، خففت الدار من غلو هذه العروض وبذخها مكتفية بالتركيز على الأزياء والإكسسوارات في مقرها الجديد «منظمة لويس فويتون» التي صممها لها المعماري العالمي فرانك غيري، بالقرب من غابة «بوا دو بولون».
لكن مهما أسهبنا في الحديث عن مارك جايكوبس أو جون غاليانو وغيرهما في هذا المجال، فإن البطولة تبقى لكارل لاغرفيلد من دون منازع، فهو يتحفنا في كل موسم بديكور جديد يبهرنا، ويكاد ينسينا الأزياء نفسها لولا أنه يعرف جيدا أن الأمر يتعلق بـ«شانيل» وكل ما يخرج منها ساحر وجذاب، حتى وإن كان بيجاما على شكل فستان سهرة. في عرضه الأخير، حول «لوغران باليه» المقر شبه الرئيسي لدار «شانيل»، إلى مقهى باريسي أطلق عليه اسم «براسيري غابرييل»، نصب وسطه بارا من خشب الماهوغني، يقدم فيه نُدُل برابطات عنق «بابيون»، القهوة بالكريمة، والكرواسون وحلويات «لاديري»، قبل أن يأخذ الضيوف أماكنهم على أرائك من الجلد الأحمر. الفكرة أن هذه الأزياء تخاطب امرأة عصرية تريد أن تبدو أنيقة في كل الأوقات. قبل ذلك، حول المكان نفسه إلى متحف للفن حديث، ثم إلى سوبر ماركت يباع فيه كل ما يخطر على البال من الحليب إلى الخضراوات والشوكولاته، ومرة إلى شارع غامبون، عنوان الدار، الذي شهد ثورة نسوية مثيرة، وهلم جرا من المسرحيات التي أصبح يتقنها جيدا ولا يكتمل أي عرض من عروضه من دونها، إلى درجة أن التكهنات تسبق العرض بأيام، وتحديدا منذ التوصل لبطاقة الدعوة التي تعطي بعض المفاتيح لفك اللغز. لكن دائما يكون المكان بديكوراته، أكبر من كل التوقعات. الملاحظ أن الأزياء، خلال العرض، تصبح ثانوية وكأنها مجرد كومبارس في هذه الدراما، ولا تبرز جمالياتها إلا بعد أن تهدأ النفوس وتخف قوة الإبهار التي تشد الأنفاس لساعات، وربما أكثر. فقط عندما تعود المهتمات إلى الإنترنت لمتابعة العرض من جديد، يكتشفن مدى روعتها، ودقة تلك التفاصيل التي تجعل كل ما يخرج من أنامل لاغرفيلد أو خياله ساحرا.
البعض يرى أن هذه الحبكات المسرحية والجرعات القوية من الإبهار التي بات المصممون يعتمدونها في عروضهم، مبالغات أو فذلكات لا داعي لها، لأنها تبدد الطاقة ومبالغ طائلة على عرض لا يستغرق سوى 20 دقيقة في أحسن الحالات، فيما يجب أن يكون التركيز على الأزياء أولا وأخيرا. هذه الشريحة ترى أيضا أنها وسيلة رخيصة للتأثير على الحضور، عندما لا تتضمن الأزياء أي جديد يذكر، ما يستدعي إضافة بهارات تغطي على بساطتها وعلى تكرارها.
المدافعون في المقابل، يرون أنها عملية تواصل مع الزبون، يحاول من خلالها المصمم أن يشرح تصوره الخاص، والإطار الذي يريد أن يضع فيه هذه التصاميم، خصوصا أن عصر الإنترنت يتطلبها. وسواء كانت الفئة الأولى أو الثانية على حق، فإن المؤكد أنه في حال نجح العرض وشد الانتباه، فإنه ينجح أيضا في إضفاء العمق على فستان أو تنورة أو تايور، مهما كانت بساطته. وهذا ما أصبح كثير من المصممين يدركونه ويحاولون استغلاله، وهذا أيضا ما تعرفه دار «شانيل» التي تستعمل أجزاء من هذه الديكورات لتزيين محلاتها المترامية في كل أنحاء العالم، وكأنها تحكي لزبائنها قصصا مثيرة لتزيد من عنصر التشويق، أو تدعوهم من خلالها إلى دخول عالم «شانيل» الباريسي، الذي يخاطب كل الأذواق والأعمار. في هذا العرض، مثلا كانت هناك عشرات القطع، حتى إذا لم تعجبك المعاطف الجلدية المبطنة المنتفخة المستوحاة من الثمانينات، فهناك الفساتين ذات الخصور المنخفضة للنهار. وإذا لم تكوني من المعجبات بالتنورات ذات الخطوط المتعرجة المتداخلة الألوان، التي نسقها المصمم فوق بنطلونات وقطع من الـ«موهير»، فيمكنك الحصول على تنورة من الحرير تتكون من عدة طبقات، أو منقوشة بمربعات بالأبيض والأسود وغيرها. فقد فكر المصمم في كل مناسباتك وغطاها من كل الجوانب حتى يسد الأبواب على باقي بيوت الأزياء باكتفائك به من جهة، ويبرز خصوبة «شانيل» من جهة ثانية فيما يخص الأزياء والإكسسوارات على حد سواء.
لكن، ورغم أن قدرات الدار الفرنسية ومصممها المخضرم لا تقارن بغيرها، فإن هذا لا يعني أن مصممين آخرين يحاولون المزج بين الديكور والأزياء لخلق صورة متكاملة تبعد الملل عن النفوس.. من هؤلاء نذكر:
جولي دي ليبران، في مجموعتها الثانية لدار «سونيا ريكييل». بحكم إمكانات الدار المحدودة بالمقارنة، اختارت، كما كان الحال في المجموعة الأولى، متجرها الرئيسي الواقع في سان جيرمان دي بيريه ليكون مسرحا لها. ما قامت به المصممة أنها أعادت تخيل المكان كمكتبة ضخمة تغطي جدرانها آلاف الكتب، في إشارة إلى أن زبونة الدار امرأة شابة ومثقفة في الوقت ذاته، تلبس فساتين منسابة من الصوف الخفيف، كما تقبل على الجينز والقمصان الواسعة التي تم تنسيقها مع تنورات قصيرة من الجلد، والمعاطف المصنوعة من فراء الثعلب أو من المخمل فيما يخص أزياء السهرة والمساء.
من جهتها، وعندما قدمت ناديج فانهي سابولسكي عرضها الأول لـ«هيرميس» في مقر الحرس الجمهوري، فإنها كانت تدرك أن الخلفية يجب أن تتناسب مع تاريخ الدار. لهذا لعبت على صلتها بالأحصنة والسروج وكل ما يتعلق بالفروسية، وهو ما ترجمته أيضا في الأزياء، من خلال تنورات بلون الزهر، مستوحاة من الأوشحة التي تشتهر بها الدار، ومعاطف من الكشمير بوجهين موشاة حوافها بلون داكن، وتشبه الغطاء الذي يوضع على ظهر الحصان. كانت هناك أيضا بنطلونات مصنوعة من الجلد بجيوب على شكل حدوة الحصان، منفذة بطريقة «هيرميس» المعروفة، والتي تفنن فيها كل المصممين الذين توالوا عليها، من جون بول غوتييه إلى كريستوفر لومير وأخيرا فانهي سابولسكي. كل منهم أعاد تصورها بطريقته في أول ظهور لهم، وفي كل مرة تغني إرث الدار بالمزيد.
في دار «سان لوران» استكان المصمم هادي سليمان إلى ما يعرفه، وكرر الديكور نفسه تقريبا الذي يلعب عليه منذ دخول الدار منذ بضع سنوات. فقد صممه مرة أخرى على شكل منصة متحركة يتم رفعها وخفضها باستخدام قضبان ضخمة. لأن الإطلالات كانت تستحضر صورة «لوليتا» عصرية، فإنه اختار موسيقى مناسبة كتبت خصيصا له وغنتها فرقة «فيلينز» التي تقدم موسيقى الـ«بانك» وتتكون من فتيات فقط، كما انعكست على كثير من الإطلالات، مثل الفساتين القصيرة والمنقطة أحيانا، التي تناسب حفلات التخرج، والقطع الجلدية الضيقة جدا، ماركته المسجلة، إضافة إلى بنطلونات بسحابات، و«كابات» من جلد النمر بلون الأسود الأبنوسي، وقطع أخرى مزدانة بحبات الترتر، مع قوس أبيض كبير على الكتف. يمكن القول إن العرض كان خدعة محكمة لإغراق الحواس بموسيقى الـ«بانك روك»، وإن بقيت المشكلة في التصاميم التي لم يكن فيها جديد، وأصبحت متوقعة من هادي سليمان. وهذا يعني أنه بات عليه أن يفكر في طرق جديدة تفاجئ الحضور وتبهره ولا بأس أن يتعلم من كارل لاغرفيلد أن عنصر المفاجأة لا بد منه، فضلا عن ابتكار في التصاميم ولو في التفاصيل.
في المقابل، كان ديكور عرض «فالنتينو» بسيطا أو منعدما؛ إذ أقيم في خيمة وسط حدائق التويلريز، وركز فيه الثنائي ماريا غراتسيا تشيوري، وبيرباولو بيكيولي على الأزياء حتى لا يشتتان جهودهما على الديكور أو المؤثرات الجانبية. ونجحا إلى حد كبير في إثارة الإعجاب، لأن التصاميم كانت البطل بلا منازع، تميزت بمزيج من «الإثارة الحسية والاستقلالية» استلهمها المصممان من نساء قويات ومبدعات، مثل إيميلي فلوغي، التي ألهمت الفنان جوستاف كليمت، والفنانة سيليا بيرتويل، التي ساهمت في طبع بعض النفشات التي استعملها المصممان في كثير من القطع. رغم الإثارة الحسية التي تفوح من جوانب كثير من التصاميم، فإنه كانت هناك أيضا بساطة محتشمة، تجسدت في قطع بياقات مستديرة وأكتاف صغيرة وخصر مرتفع، علاوة على «كابات» سادة من الجلد الأسود ظهرت مع بنطلونات مستقيمة، أو تنورات موشاة باللون الذهبي، وفساتين مصنوعة من 10 أنواع مختلفة من القماش الخفيف المخرم أو الحرير والريش.
كانت هناك أيضا قطع مطبوعة بأشكال زهور ونباتات وحيوانات تزأر بالأناقة ولا تحتاج إلى إخراج مسرحي يخطف منها الأضواء أو يغطي على أي نقص فيها. لولا ظهور كل من النجمين بين ستيلر، وأوين ويلسون، بطلي فيلم «زولاندر» في آخر العرض، لظل الحديث مركزا على الأزياء وحدها. ومع ذلك، حتى هذان النجمان، كانا يروجان لنفسيهما ولفيلمهما المقبل الذي يتم تصويره في روما، أكثر ما كانا يروجان لتشكيلة ستبيع نفسها بسهولة، لسلاستها، وهو ما يؤكد أن الأمر لا يحتاج إلى تكاليف عالية وديكورات ضخمة لبيع الأزياء، بقدر ما يحتاج إلى التركيز على التصاميم نفسها لتجنب تشتيت الانتباه، إلا إذا كانت الفكرة التمويه على تصاميم مستهلكة لا جديد فيها أو ديكور ضخم ومثير، بمعنى الكلمة، كما هي الحال بالنسبة لدار «شانيل».



درجة العام الجديد «موكا موس»… ما لها وما عليها

«موكا موس» له تأثير حسي دافئ ولذيذ من دون بهرجة (برونيللو كوتشينيللي)
«موكا موس» له تأثير حسي دافئ ولذيذ من دون بهرجة (برونيللو كوتشينيللي)
TT

درجة العام الجديد «موكا موس»… ما لها وما عليها

«موكا موس» له تأثير حسي دافئ ولذيذ من دون بهرجة (برونيللو كوتشينيللي)
«موكا موس» له تأثير حسي دافئ ولذيذ من دون بهرجة (برونيللو كوتشينيللي)

بعد البني بدرجاته التي تتراوح بين القمحي والكاراميل والقهوة والشوكولاته، سمع الكل بإعلان معهد «بانتون» المختص في اختيار ألوان العام، أن لون 2025 سيكون من فصيلة «البُنيات»، لكن بدرجة قشدة القهوة، كما يشير اسمه «موكا موس». لهذا؛ ما عليكِ سوى أن تتخيلي قهوة أو شوكولاته مخفوقة بقليل من الكريمة لتعرفي الدرجة المقصودة. أول ما يتبادر إلى الذهن عند ذِكر «موكا موس» خفتها وذوبانها في الفم، وهذا تحديداً ما تعمّده المسؤولون على التسمية في معهد «بانتون». كان بالإمكان الاكتفاء بـ«موكا»، لكن وفق قول لوري بريسمان، نائبة رئيس معهد «بانتون» للألوان في بيان صحافي: «إن اسم اللون دائماً ما يكون مهماً لنقل الشعور الذي نلمسه ونتوخى إيصاله». إضافة كلمة «موس» زادت الإحساس بالنعومة والخفة. كان هذا هو المطلوب، وترجمه الكثير من المصممين لحد الآن في قطع مصنوعة من الساتان الحريري والصوف الناعم إلى جانب الجلد والشامواه، في الإكسسوارات تحديداً.

تُرجمت خفته ونعومته في قطع من الساتان الحريري في عرض «هيرميس» (فيليبو فيور)

كيف يتم اختيار لون العام؟

المتعارف عليه أن اختيار لون العام لا يقوم على أساس أن يكون لوناً أنيقاً يناسب الموضة أو يحدد توجهاتها فحسب. هو نتاج دراسات كثيرة تشمل خبراء وأشخاص عاديين على حد سواء. كلهم يقرأون أو يُعبّرون عن نبض الشارع: تغيراته الاجتماعية والسياسية والاقتصادية ومن ثم تأثيراتها على الحالة النفسية العامة. من هذا المنظور، جاء اختيار «موكا موس» تعبيراً عن الانسجام والعودة إلى الطبيعة باعتباره واحداً من الدرجات الترابية، ووفق قول بريسمان هو أيضاً محاولة «لترجمة سلوكيات الإنسان العادي الذي أصبح يُقدّر المتع الصغيرة ويرغب في أن يعيش اللحظة».

كما ظهر في عرض «هيرميس» لخريف وشتاء 2024 (فيليبو فيور)

لون السلام الداخلي

تضيف لوري بريسمان، أن هذه الدرجة الترابية تولد مشاعر الرضا وتُلهم حالة من السلام الداخلي والهدوء والتوازن على المستويات النفسية والجسدية والعقلية والروحية، كونها ترابية تتلاحم بحميمية مع الطبيعة.

في عامي 2023 و2024، مثلاً اختار المعهد لوني ماجنتا والمشمس. السبب أن العالم كان خارجاً لتوه من جائحة كورونا وكان يحتاج إلى أي شيء فيه بريق أمل يعكس الانعتاق والانفتاح. لم يختلف الهدف هذا العام، وإن كانت نسبة الرغبة في تحقيق التوازن النفسي أعلى»، حسب قول بريسمان «فتزايد الاضطرابات والتوترات التي يشهدها العالم الخارجي، انعكس على نفسيات الناس وسلوكياتهم. أصبحنا نبحث عن السلام الداخلي والتناغم مع محيطنا بأي ثمن».

استبقت «هيرميس» معهد «بانتون» واستعملته بسخاء في تشكيلتها لخريف وشتاء 2024 (فيليبو فيور)

من جهتها، تُشير لي آيزمان، المدير التنفيذي للمعهد ذاته، إلى تنوع الظل قائلة «ربما نطلق عليه لوناً ترابياً، لكن استخدامه بإيحاءات بملمس الحرير الناعم يجلب شعوراً جديداً نسميه الدفء الحسي من دون أن ننسى أنه متعدد الاستخدامات ويتناغم مع الكثير من الألوان الأخرى». ما تقصده آيزمان أنه عند تنسيقه مع ألوان مثل الأزرق الفاتح أو الفيروزي أو الوردي، فإنه لا يبقى محايداً، ويتحول ظلاً جريئاً ومثيراً. فـ«موكا موس» لن يُلغي درجات الدوبامين المتوهجة مثل الأخضر والأصفر والوردي وغيرها. فهذه لها مكانتها في ساحة الموضة وأيضاً تأثيراتها الإيجابية على ذائقة المستهلك.

«برونيللو كوتشينيللي» يستعمله منذ سنوات في تشكيلاته (برونيللو كوتشينيللي)

المؤكد أن «موكا موس»، مثل سابقيه من ألوان الأعوام الماضية، اختير ليعكس حالة مزاجية مهمة تمرّ بها الموضة حالياّ. هذه الحالة تتبنى أو تطمح لفخامة مبطنة يلمسها صاحبها قبل الناظر إليها، و لا تريد أن تتقيد بزمن أو مكان. وهذا ما يجعلها مستدامة شكلاً ومضموناً، ويُفسّر انتعاش درجات البني حتى الآن رغم حياديتها. بداية في معاطف شتوية وحقائب يد وأحذية، ليتمدد حديثاً إلى باقي الأزياء. فمنذ أن روَّجت النجمة وسيدة الأعمال غوينيث بالترو من دون قصد لأسلوب الفخامة الهادئة وهذا اللون يزيد قوة. ففي عام 2023، وخلال حضورها محاكمتها في قضية حادثة التزلج الشهيرة، كانت تظهر بأزياء بسيطة للغاية بألوان حيادية غير مثيرة للنظر، لكن عندما تتعرف على مصدرها تعرف أنها من ماركات تهمس بالترف والفخامة. وهكذا خرجت بالترو من المحاكمة منتصرة على رافع القضية ضدها، وفي الوقت ذاته منتصرة لأسلوب موضة يمكن اعتباره مضاداً حيوياً لموضة استهلاكية تتجنب «اللوغوهات» والتفاصيل الصارخة.

من تشكيلة «برونيللو كوتشينيللي لخريف وشتاء 2024 (برونيللو كوتشينيللي)

ما يؤكد استقواء هذا التوجه أن ماركات مثل «برونيللو كوتشينيللي» و«لورو بيانا» و«ذي رو» و«هيرميس» وما شابهها من بيوت أزياء راقية، تُسجِل أرباحاً عالية على عكس الكثير من المجموعات الضخمة التي تشهد تراجعاً مخيفاً. الفضل في نجاحهم، اعتمادهم على وصفة واحدة، تمتزج فيها الحرفية والجودة من ناحية الخامات والتفاصيل والتقنيات بالأناقة. كما استعاضوا فيها عن الدرجات الصارخة بأخرى، ربما تكون مطفية، لكنها كلاسيكية، مثل الأخضر الزيتوني والرمادي والأزرق الغامق والأسود وكل درجات البني من البيج إلى الشوكولاتي الغامق.

من اقتراحات «لورو بيانا» لربيع وصيف 2025 (لورو بيانا)

ولأن واحدة من ميزات الفخامة الهادئة أنها مستدامة، بمعنى أنها ليست موسمية تميل إلى الصرعات؛ فإن لون «موكا موس» حسب معهد «بانتون» للألوان مناسب جداً في ظل التغيرات التي يشهدها العالم حالياً. فهي درجة تبُث مشاعر الحذر والأمان، وهو «ما يحتاج إليه المستهلك حالياً». خبراء الموضة يوافقونهم الرأي ويضيفون أن ما يُحسب لدرجة «موكا موس» أنها تُفسح المجال لكل واحد منا باختيار الخلطة حسب الرغبة والهوى، بمزج نسبة القهوة أو الشوكولاته مع نسبة الحليب أو القشدة. فأكثر ما يمنحه البني هو تنوعه الكبير من لون البسكوت إلى لون الشوكولاته الغامقة، فضلاً عن سهولة تنسيقه مع ألوان أخرى.

«كلوي» نسّقته مع قطع بألوان وخامات مختلفة (كلوي)

ثم لا ننسى هنا عنصر اللذة الذي تثيره هذه الدرجة، وهو ما تؤكده الجدالات والتعليقات التي أثارتها هذه الدرجة منذ الإعلان عنها. فالتركيز منذ الإعلان عنها كان على اللذة التي تثيرها من دون التطرق إلى أي سلبيات، مثل أنها بحياديتها قد تكون باهتة على البشرة السمراء والحنطية. لكن يبقى هذا مأخذاً حله بسيط، يتلخص في إضافة لون قوي يعزّزه فيُضفي على البشرة ما تحتاج إليه من ألق والمظهر من تألق.