«ناتو» ـ روسيا: علاقات متوترة على إيقاع أوكراني

«ناتو» ـ روسيا: علاقات متوترة على إيقاع أوكراني
TT

«ناتو» ـ روسيا: علاقات متوترة على إيقاع أوكراني

«ناتو» ـ روسيا: علاقات متوترة على إيقاع أوكراني

تنص المادة 10 من «معاهدة واشنطن» الموقَّعة عام 1949 على أنه يمكن توجيه الدعوة إلى أي دولة أوروبية للانضمام إلى «حلف شمالي الأطلسي» (ناتو) شرط وجود إجماع بين الحلفاء على هذا الأمر. ولا يزال هذا المبدأ الأساسي قائماً حتى يومنا هذا.
عام 1990 تحول «ناتو» إلى ملاذ لدول «حلف وارسو» السابق التي تسعى إلى الحماية. وبعد موجات متتالية من التوسع، التي بدأت مع جمهورية التشيك والمجر وبولندا، أصبح «ناتو» اليوم تكتلاً يضم 30 عضواً. وتعد مقدونيا أحدث دولة تنضم إليه عام 2020.
وفرضت البيئة الأمنية الجديدة، التي ظهرت في أعقاب الحرب الباردة بما انطوت عليه من تهديدات وتحديات جديدة والعمليات خارج نطاق منطقة الحلف، على «ناتو» المشاركة في مناطق جغرافية مختلفة بالتعاون مع دول مختلفة، ولم تكن جميعها مقدَّراً لها بالضرورة أن تصبح أعضاء فيه.
وجرى تصميم آليات وإجراءات شراكة جديدة داخل «ناتو» بينها برنامج الشراكة من أجل السلام، وحزمة المساعدة الشاملة، ومبادرة شراكة التشغيل البيني، والحوار المتوسطي، وكذلك مبادرة إسطنبول للتعاون، وعدد من المنتديات مع روسيا وأوكرانيا. في بعض الحالات تكون الشراكات أكثر رمزية، بينما في حالات أخرى يتسم التعاون بعمق واضح.

شراكة «ناتو» مع أوكرانيا
في أثناء قمة بوخارست 2008، أعلن قادة «ناتو» أن أوكرانيا وجورجيا ستنضمان إلى عضويته. وبالفعل، انضمت أوكرانيا إلى برنامج الشراكة من أجل السلام عام 1994. وبعد سنوات قليلة، وقّع «ناتو» وأوكرانيا ميثاق شراكة مميزة. وبمرور الوقت، تعمّق التعاون بينهما، إلا أن العضوية لم تتحقق بعد.
وأدى التدخل الروسي في أجزاء من أوكرانيا عام 2014 إلى اندلاع احتجاجات شديدة اللهجة وإدانات وعقوبات من الغرب.
ويتمسك أعضاء «ناتو» بموقف واضح حيال عدم اعترافهم بالوضع الفعلي القائم داخل شبه جزيرة القرم وشرق أوكرانيا. وأبدى الحلف تضامنه مع أوكرانيا عبر طرق عدة، منها تعزيز وجوده في البحر الأسود وتكثيف التعاون البحري. ومع ذلك، يبقى المجال مفتوحاً أمام عدد لا حصر له من الخيارات والاحتمالات.
على الرغم من التزام «ناتو» بقراره قبول أوكرانيا عضواً جديداً في صفوفه، تبقى هناك وجهات نظر مختلفة داخل الحلف، حول مزايا التوسع بضم دولة تخوض نزاعاً إقليمياً خطيراً مع روسيا.

رد الفعل الروسي إزاء توسع «ناتو»
وصف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين انهيار الاتحاد السوفياتي بأنه «أكبر كارثة جيوسياسية على مدار القرن» و«مأساة حقيقية» لعشرات الملايين من الروس الذين وجدوا أنفسهم خارج حدود الأراضي الروسية. وتوجز هذه الكلمات مشاعر الأسف والخوف لدى روسيا، والتي تشكل أسس تفكيرها الاستراتيجي.
وفي أعقاب الحرب الباردة مباشرة، كانت موسكو منشغلة سلفاً بمشكلات مختلفة على الصعيد الداخلي، وبالصراع الذي خاضته في الشيشان. لذا وقفت عاجزة عن منع توسع «ناتو» إلى داخل دول حلف «وارسو».
لكن منذ عام 2000، أصبحت روسيا أكثر ثقة وقوة لتجهر بمعارضتها لتوسع «ناتو». وتقول موسكو إن «ناتو» نكث بوعد عدم التحرك عندما انسحب الاتحاد السوفياتي من ألمانيا الشرقية ودول شرقي أوروبا. ولا تقتنع موسكو بالطبيعة الدفاعية لـ«ناتو» وتتابع بحرص انتشاره وإقامته منشآت عسكرية إضافية ونشاطاته في منطقة البحر الأسود.
في المقابل، يصر «ناتو» على طبيعته الدفاعية وعلى أن عمليات الانتشار على أراضي الحلفاء تتماشى مع التزاماته الدولية.
ويرى الحلف أنه لا يمكن لأي دولة خارجه أن تستخدم حق النقض ضد قراراته، أو التأثير على عملية انضمام عضو جديد. ومع ذلك، نجد أنه لم يتجاهل تماماً الحساسيات الروسية وتأثيرها.

ماذا الآن؟
خلال العقدين الماضيين، وفي إطار «عقيدة غيراسيموف الإضافية»، لم تتردد موسكو في استخدام تكتيكات هجينة والعمل العسكري المباشر. وأدى الحشد العسكري الأخير إلى تنامي تكهنات ومخاوف من أنها تستعد لغزو أوكرانيا.
وتُبدي موسكو معارضة قوية لتوسع «ناتو» ليشمل أوكرانيا وجورجيا، وتستند في موقفها هذا إلى ادعاءات استراتيجية وتاريخية. وهي تطالب الحلف بالامتناع عن التوسع شرقاً، وكذلك عدم نشر القوات والأسلحة في أوكرانيا، أو أي منطقة أخرى قريبة من روسيا. وهدد الرئيس بوتين بـ«إجراءات عسكرية - فنية انتقامية ملائمة» عند الضرورة.
جدير بالذكر هنا أن موسكو سلّمت واشنطن مسودة معاهدة بشأن الضمانات الأمنية بين الجانبين، واتفاق بشأن إجراءات ضمان أمن روسيا وأعضاء «ناتو». ورداً على ذلك، أعلن الحلف استعداده للدخول في حوار هادف مع موسكو، مشيراً إلى المعاملة بالمثل، وضرورة المضي في أي حوار على أساس التعامل مع مخاوف «ناتو» بشأن تصرفات روسيا. في هذا الإطار، أعلن الحلف استعداده للعمل على تعزيز تدابير بناء الثقة في إطار المنتديات ذات الصلة.
ودعا «ناتو» إلى عقد اجتماع بينه وبين روسيا، لكن يبدو أن جدول الأعمال هو مكمن المشكلة. وتؤكد روسيا أنها لا تعارض عقد اجتماع، لكن يجب استخدام هذا المنتدى للهدف الذي تم إنشاؤه من أجله، أي لتعزيز العلاقات بين «ناتو» وروسيا، وليس لمناقشة أوكرانيا.
فهل سيخوض «ناتو» حرباً من أجل أوكرانيا؟ الرئيس الأميركي جو بايدن أكد أن بلاده لا تزال ملتزمة بقوة بسيادة أوكرانيا وسلامة أراضيها في مواجهة العدوان الروسي. وشدد في الوقت نفسه على أن المادة الخامسة لا تنطبق في هذه الحالة، ولن يكون هناك رد عسكري. كما هدد بفرض عقوبات شديدة ضد موسكو إذا تحركت ضد أوكرانيا.
وردد الأمين العام لـ«ناتو» ينس ستولتنبرغ، الموقف ذاته، مؤكداً أن أي عدوان روسي سيأتي بثمن باهظ «مع عواقب سياسية واقتصادية خطيرة».
في الواقع، الغزو الإضافي لأراضي أوكرانيا سيكون مكلفاً جداً لموسكو، ذلك أن المقاومة الأوكرانية، إلى جانب المساعدة الدفاعية وعقوبات الغرب، لن تجعل الحياة سهلة لروسيا.
في الوقت ذاته، هناك الكثير من جوانب العلاقات والاعتماد المتبادل بين دول «ناتو» ودول الاتحاد الأوروبي وأوكرانيا من جهة، وروسيا من جهة أخرى، أهمها إمدادات الطاقة وطرق نقلها. لذلك، فإن الحرب ستكون مكلفة للغاية ومدمرة لجميع الأطراف. فلماذا يريد أي طرف الدفع في هذا الاتجاه، وما الغرض الذي يخدمه؟
ما نراه الآن هو حرب أعصاب واختبار الجانب الآخر. ويبدو أن أفضل طريقة للتعامل مع التوترات الحالية تكمن في اختيار الدبلوماسية، والبدء في الحديث عن بيئة أمنية آمنة للجميع.



وكالة استخبارات أوروبية: برنامج سري روسي لتصنيع مسيّرات عسكرية بالصين

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال تفقده مصنعاً للمسيّرات في مدينة سانت بطرسبرغ الأسبوع الماضي (رويترز)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال تفقده مصنعاً للمسيّرات في مدينة سانت بطرسبرغ الأسبوع الماضي (رويترز)
TT

وكالة استخبارات أوروبية: برنامج سري روسي لتصنيع مسيّرات عسكرية بالصين

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال تفقده مصنعاً للمسيّرات في مدينة سانت بطرسبرغ الأسبوع الماضي (رويترز)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال تفقده مصنعاً للمسيّرات في مدينة سانت بطرسبرغ الأسبوع الماضي (رويترز)

أفاد مصدران من وكالة استخبارات أوروبية، ووثائق راجعتها وكالة «رويترز»، بأن روسيا وضعت برنامجاً للأسلحة في الصين لتطوير وإنتاج طائرات مسيّرة هجومية بعيدة المدى لاستخدامها في الحرب ضد أوكرانيا.

وتطور شركة «آي إي إم زد كوبول» التابعة لشركة صناعة الأسلحة الروسية المملوكة للدولة «ألماز-أنتي»، وتجري اختبارات الطيران لنموذج جديد لطائرة مسيّرة تسمى «جاربيا-3» (جي3) في الصين بمساعدة متخصصين محليين، وفقاً لإحدى الوثائق، وهي تقرير أرسلته «كوبول» لوزارة الدفاع الروسية في وقت سابق من العام يحدد عملها.

وأبلغت «كوبول» وزارة الدفاع في تحديث لاحق أنها قادرة على إنتاج طائرات مسيّرة، بما في ذلك طائرات «جي 3»، على نطاق واسع في مصنع بالصين ليتسنى نشر الأسلحة في «العملية العسكرية الخاصة» في أوكرانيا، وهو المصطلح الذي تستخدمه موسكو للحرب.

ولم ترد «كوبول» و«ألماز-أنتي» ووزارة الدفاع الروسية على طلبات للتعليق.

وقالت وزارة الخارجية الصينية للوكالة إنها ليست على دراية بمثل هذا المشروع، مضيفة أن البلاد لديها إجراءات رقابة صارمة على تصدير الطائرات المسيّرة.

وقال فابيان هينز، الباحث في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، وهو مؤسسة فكرية دفاعية مقرها في لندن، إن تسليم طائرات مسيّرة من الصين إلى روسيا، إذا تأكد، سيكون تطوراً مهماً. وأضاف: «إذا نظرت إلى ما يُعرف أن الصين سلمته حتى الآن، فقد كان في الغالب سلعاً مزدوجة الاستخدام، مكونات ومكونات فرعية يمكن استخدامها في أنظمة الأسلحة. هذا ما وردت تقارير عنه حتى الآن. لكن ما لم نره حقاً، على الأقل بشكل علني، هو عمليات نقل موثقة لأنظمة أسلحة كاملة».

ومع ذلك، قال سامويل بينديت، الزميل البارز المساعد في مركز الأمن الأميركي الجديد، وهو مؤسسة فكرية مقرها واشنطن، إن بكين ستتردد في الانكشاف على العقوبات الدولية بمساعدة آلة الحرب في موسكو، وإن هناك حاجة لمزيد من المعلومات لإثبات أن الصين تستضيف إنتاج طائرات مسيّرة عسكرية روسية.

وعبَّر مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض عن قلقه البالغ إزاء تقرير «رويترز» عن برنامج الطائرات المسيّرة، الذي قال إنه يبدو حالة عن شركة صينية تقدم مساعدات فتاكة لشركة روسية تخضع لعقوبات أميركية.

وقال متحدث إن البيت الأبيض لم ير أي شيء يشير إلى علم الحكومة الصينية بمثل هذه الصفقة، لكن بكين تتحمل مسؤولية ضمان عدم تقديم الشركات مساعدات فتاكة لروسيا لتستخدمها قواتها.

وأوضحت تقارير شركة «كوبول» لوزارة الدفاع الروسية أنه يمكن للطائرة «جي 3» أن تقطع مسافة تقدر بنحو ألفي كيلومتر بحمولة 50 كيلوغراماً. وفُرضت عقوبات أميركية على شركة «كوبول» في ديسمبر (كانون الأول) 2023.

وأفادت التقارير بأنه تم تسليم عينات من الطائرة وبعض نماذج طائرات أخرى مصنوعة في الصين إلى «كوبول» في روسيا لإجراء مزيد من الاختبارات عليها، بمشاركة خبراء صينيين مجدداً.

ولم تكشف الوثائق هويات المتخصصين الصينيين في الطائرات المسيّرة المشاركين في المشروع الذي أوردته، ولم يتسن للوكالة تحديد هوياتهم.

وكشفت وثيقتان منفصلتان راجعتهما «رويترز»، وهما فاتورتان أرسلتهما إلى «كوبول» في الصيف شركة روسية، قال مصدرا المخابرات الأوروبيان إنها تعمل وسيطاً مع الموردين الصينيين، عن أن «كوبول» تسلمت 7 طائرات عسكرية مسيّرة مصنوعة في الصين، بما في ذلك طائرتان «جي 3»، في مقرها الرئيسي بمدينة إيجيفسك الروسية.

ولم تحدد الفاتورتان، التي تطلب إحداهما الدفع باليوان الصيني، تواريخ تسليم، كما لم تحدد الموردين في الصين.

وقال مصدرا الاستخبارات إن تسليم عينة من الطائرات المسيّرة إلى «كوبول» لهو أول دليل ملموس عثرت عليه وكالتهما على تسليم طائرات مسيّرة كاملة مصنعة في الصين إلى روسيا منذ بدء حرب أوكرانيا في فبراير (شباط) 2022.

وطلبا عدم كشف هويتيهما، ولا وكالتهما؛ بسبب حساسية المعلومات. كما طلبا حجب بعض التفاصيل المتعلقة بالوثائق، بما في ذلك تواريخها الدقيقة.

وعرض المصدران على الوكالة 5 وثائق في المجمل، بينها تقريران من شركة «كوبول» لوزارة الدفاع في النصف الأول من العام والفاتورتان، لدعم ما ذكراه عن وجود مشروع روسي في الصين لتصنيع طائرات مسيّرة لاستخدامها في أوكرانيا. ولم ترد أنباء من قبل عن هذا البرنامج.

ولم تقدم تقارير «كوبول» للوزارة مواقع أكثر دقة للأماكن المتصلة بالمشروع. كما لم يتسن للوكالة تحديد ما إذا كانت وزارة الدفاع قد أعطت الشركة الضوء الأخضر للمضي قدماً في الإنتاج المتسلسل المقترح.

ودأبت بكين على نفي تزويد الصين أو الشركات الصينية لروسيا بأسلحة لاستخدامها في أوكرانيا، قائلة إن البلاد لا تزال محايدة.