في مخيّم للنازحين في شمال غربي سوريا، تعجز أم رغد عن توفير الملابس الشتوية أو أي وسيلة لتدفئة أطفالها الثلاثة الذين يضطرون صبيحة كل يوم للبحث عن بقايا نفايات وبلاستيك لإشعالها علّها تقيهم البرد.
وتقول أم رغد لوكالة الصحافة الفرنسية من أحد مخيمات كفر عروق في ريف إدلب الشمالي: «أستيقظ صباحاً ولا أجد أطفالي قربي لأنهم يخرجون لجمع النايلون والنفايات من الشوارع كالأكياس والأحذية من أجل إشعالها».
وتضيف بغصّة بينما تغطي وجهها بشال من الصوف: «لا أملك ثمن المدفئة ولا أقدر أن أطعمهم كبقية الناس، فالشتاء قاسٍ جداً علينا والأولاد بردى ولا يوجد لديهم ألبسة أو أحذية مناسبة تقيهم برد الشتاء».
يُجدّد فصل الشتاء في كل عام معاناة آلاف العائلات في إدلب ومحيطها، حيث يقيم ثلاثة ملايين شخص نصفهم نازحون فروا من مناطق أخرى على وقع تقدم المعارك خلال سنوات النزاع الذي أودى بحياة قرابة نصف مليون شخص.
مع بدء هطول الأمطار الغزيرة، تتحوّل الطرق الترابية الفاصلة بين الخيام إلى ممرات موحلة، تتسرب منها المياه إلى داخل الخيام التي يحاول سكانها تمتينها عبر أحجار كبيرة تزنّرها.
قبل ثلاث سنوات، نزحت أم رغد التي قتل زوجها بقصف طال منزلهم، إلى المخيم حيث تقطن اليوم مع أطفالها الثلاثة. وتتكرر معاناتهم سنوياً مع بدء الشتاء بينما تعجز عن توفير مستلزمات عائلتها الأساسية من ثياب وتدفئة.
وتوضح أن أطفالها يحضرون ما يجمعونه من أشياء قابلة للاشتعال إلى جارتها أم رائد، التي تملك مدفأة تستخدمها من أجل أعداد الطعام وتدفئة الأطفال. وتقول: «يقضي الأطفال يومهم قرب المدفئة ويعودون إلى خيمتنا للنوم عند المغرب».
وغالباً ما توفّر منظمات الإغاثة خيماً عازلة وبطانيات وملابس للعائلات النازحة، إلا أن الجهات المانحة تكافح لمواكبة الطلب المتزايد.
وقدّرت مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين الحاجة إلى تمويل بقيمة 182 مليون دولار للاستجابة للاحتياجات الرئيسية لأكثر من ثلاثة ملايين شخص في سوريا خلال هذا الشتاء لكن نصف هذا المبلغ متوفر حالياً، وفق ما ورد في بيان الشهر الماضي.
في خيمة أم رائد المكسوة بقماش عازل للمياه، يتجمع العشرات حول مدفأة بدائية بينما تتساقط الأمطار في الخارج وتنخفض درجات الحرارة.
وقدّمت مجموعة من المتبرعين العام الماضي المدفأة إلى أم رائد لمساعدتها على تدفئة أطفالها الثمانية، ثلاثة منهم من ذوي الاحتياجات الخاصة.
وباعتبار أنها غير قادرة على توفير الحطب أو الفحم لإبقاء النيران مشتعلة، تعتمد أم رائد (45 عاماً) على ما يحضره أطفال جيرانها وبينهم أولاد أم رغد من قصاصات وكرتون وخشب ومواد بلاستيكية بعد بحث مضن لساعات، وتقول: «يتجمع الجيران عندي لننعم بالدفء»، مضيفة أن «خيمتها تزدحم بنحو 15 شخصاً، نأكل ونشرب ونتدفأ معاً».
الشهر الماضي، نبّهت منظمة «أطباء بلا حدود» التي توفر دعماً لعشرات المخيمات في شمال غربي سوريا، إلى أن أساليب التدفئة غير الآمنة تزيد من خطر الإصابة بأمراض تنفسية ومضاعفات جراء تنشّق الدخان.
وأوردت أنّ «أمراض الجهاز التنفسي هي على الدوام من بين أول ثلاثة أمراض يتم الإبلاغ عنها في مرافقنا في شمال غربي سوريا».
ويموت سنوياً عدد من الأشخاص والأطفال جراء الحرائق التي تندلع في الخيام القماشية مع اللجوء إلى وسائل تدفئة غير آمنة.
قبل تسع سنوات، نزحت أم محمد مع أطفالها الثلاثة من مدينة حلب إلى إدلب، لتتكرر معاناتها سنوياً في توفير وسائل التدفئة في مخيمات عشوائية عدّة تنقلت بينها.
ورغم أنّها تُعد من المحظيين لامتلاكها مدفأة، لكن عدم تمكنها من إحضار الحطب يجعلها تعتمد على أغصان الزيتون التي لم تيبس تماماً، والتي ينبعث منها دخان كثيف يثير سعالها بشكل متكرر.
وتقول: «لورق الزيتون رائحة قوية ودخان. شعرت بألم في صدري أمس ولم أتمكن من زيارة طبيب» بسبب عدم قدرتها على تحمّل الكلفة.
على بعد أمتار، يراقب أبو حسين (40 عاماً) مجموعة من الأطفال تحلّقت حول نيران مشتعلة جراء حرق أكياس بلاستيكية وبعض الحطب، ويقول: «عندما نشعل النار داخل الخيمة وثمّة زحمة أطفال فيها قد يتسبب الدخان في الاختناق».
قبل أربعة أعوام، نزح أبو حسين مع عائلته من محافظة حماة، وفي كل شتاء يقول إن الوضع يزداد سوءاً وبالكاد يستطيع شراء حطب الزيتون للتدفئة أو الأدوية لأطفاله الذين يصابون بالزكام وأمراض تنفسية جراء الصقيع، ويوضح: «سعر أقل دواء بين 50 و60 ليرة تركية، وهنا لا عمل لدي ولا نتلقى مساعدات».
ويبذل الرجل قصارى جهده للحؤول دون تسرب مياه الأمطار إلى خيمته.
ويشرح: «في بعض الأحيان، نسهر طيلة الليل لنضع أكياساً من النايلون نسدّ بها تسرب الأمطار إلى الأولاد».
رحلة البحث عن الدفء المفقود في مخيمات النازحين بسوريا
رحلة البحث عن الدفء المفقود في مخيمات النازحين بسوريا
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة