صراع محتدم داخل «حماس» بين طرف موالٍ لإيران وآخر لدول عربية

صورة تعود لعام 2012 تجمع بين قياديي «حماس» إسماعيل هنية وخالد مشعل في غزة (غيتي)
صورة تعود لعام 2012 تجمع بين قياديي «حماس» إسماعيل هنية وخالد مشعل في غزة (غيتي)
TT

صراع محتدم داخل «حماس» بين طرف موالٍ لإيران وآخر لدول عربية

صورة تعود لعام 2012 تجمع بين قياديي «حماس» إسماعيل هنية وخالد مشعل في غزة (غيتي)
صورة تعود لعام 2012 تجمع بين قياديي «حماس» إسماعيل هنية وخالد مشعل في غزة (غيتي)

عندما هزّ انفجار ضخم، قبل 10 أيام، مخيم برج الشمالي للاجئين الفلسطينيين على مشارف ميناء صور على البحر المتوسط في لبنان، أُلقي باللوم على إسرائيل في الانفجار الذي أسفر عن مصرع شخص واحد على الأقل، لكنه أبرز صراعاً محتدماً على السلطة داخل «حركة حماس» الفلسطينية المسلحة، له تداعيات على منطقة الشرق الأوسط بأسرها، بحسب تقرير لصحيفة التايمز اللندنية، نشر في عدد الأمس.
ووفقاً للاستخبارات الإسرائيلية، فإن مصدر الانفجار كان عبارة عن مخزن كبير للأسلحة والصواريخ تخفيه «حماس» تحت أحد مساجد المدينة على مسافة نحو 10 أميال شمال الحدود الإسرائيلية. وادعى قادة «حماس»، أنه لا يوجد مخبأ للأسلحة هناك، وقالوا إن الانفجار ناجم عن عطل كهربائي أدى لانفجار أسطوانات الأكسجين. ومع ذلك، كان لدى قلة في لبنان، شكوك، بأن الحادث نجم عن عملية تخريب إسرائيلية استهدفت إمدادات «حماس» من الصواريخ المصنعة محلياً بتوجيهات إيرانية.
سلط الانفجار وتداعياته، الضوء على صدع خفي شاع الحديث عنه للمرة الأولى ضمن الدوائر الداخلية لقيادة الجماعة. فمن جهة، هناك المتشددون المقتنعون بأن مستقبل التنظيم يتعلق باستمراره وكيلاً عسكرياً للنظام في إيران؛ ومن جهة أخرى، هناك أولئك الذين يرفضون هذه الرؤية ويسعون جاهدين لاستعادة رعاية القوى العربية السنية الأكثر اعتدالاً، مثل السعودية والإمارات ومصر.
قال مسؤول استخباراتي غربي للصحيفة: «ظلت الأنظمة العربية المعتدلة قلقة لسنوات من العلاقة الحميمة المتنامية بين (حماس) والمحور الإيراني. ومثل هذه الشراكة قد تخلف عواقب وخيمة على المنطقة».
تأسست «حركة حماس» عام 1987 في غزة، على يد عناصر إسلامية فلسطينية تأثروا بحركة «الإخوان المسلمين» المصرية. وهي منذ ذلك الحين تعارض الحركات الفلسطينية ذات التوجهات الأكثر علمانية وقومية، كما تعارض أي تسوية مع إسرائيل. وقد صنفتها أغلب الحكومات الغربية منظمة إرهابية.
بعد يوم من الانفجار في «صور»، وأثناء جنازة أحد نشطاء «حماس» الذي سقط في الانفجار، اندلع اشتباك مسلح بين عناصر «حماس» وحركة فتح المنافسة التي تحاول منع «حماس» من السيطرة على مخيمات اللاجئين في لبنان. وقُتل 3 أشخاص آخرين. كانت هذه آخر ضربات كثيرة تلقتها «حماس» هذا العام.
اكتسبت الحركة زخماً شعبياً قصير الأمد بين الفلسطينيين في مايو (أيار) الماضي، عبر إطلاق آلاف الصواريخ على إسرائيل، فيما كانت القوات الجوية الإسرائيلية تقصف غزة، إلا أنها باتت على شفا الإفلاس، بعد أن نبذها معظم رعاتها السابقين في العالم العربي. كما أن جهود جمع التبرعات التي تقوم بها بين المجتمعات المسلمة في جميع أنحاء العالم، قد تقلصت هي الأخرى جراء العمليات السرية التي تنفذها أجهزة الاستخبارات الغربية، والضغط على المصارف، لحرمان أي منظمة تعتبر واجهة للمتشددين من الحصول على التسهيلات المالية. ولدى «حماس» أنظمة مالية مزدوجة، أحدهما يحتفظ بحكومته المحلية في قطاع غزة ويساعد في بناء جهازه العسكري هناك، وهو يُمول من الضرائب، والأموال الصادرة من السلطة الفلسطينية، ومن المعونات الدولية. أما الجزء الثاني، فيتخذ من خارج غزة مقراً له، يمول عملياته الإقليمية، بما في ذلك الضفة الغربية المحتلة، ويهدف للحصول على الأسلحة لمقاتليه في غزة، وتمويل بحوث وتطوير الصواريخ.
يتلقى هذا الذراع تمويله جزئياً من إيران، وجزئياً من شبكة دولية من المنظمات الوهمية التي تجمع المساهمات الخيرية في المساجد والمجتمعات الإسلامية في مختلف أنحاء العالم، فضلاً عن الاستثمارات في العقارات والشركات في الدول الإسلامية. وظاهر الأمر أن هذه التبرعات توجه للفلسطينيين المعوزين، لكنها وفقاً للحكومة الأميركية تذهب لتمويل «حماس»، هكذا يقول تقرير «التايمز».
ولفتت الصحيفة أن من شأن قرار الحكومة البريطانية، الشهر الماضي، تسمية الجناح السياسي لحركة «حماس» منظمة إرهابية (تم تصنيف الجناح العسكري على أنه كذلك منذ فترة طويلة)، أن يسبب مزيداً من المشكلات المالية، كما يزيد من حدة الصراع على السلطة داخل الحركة.
وتحدثت الصحيفة عن خالد مشعل (65 عاماً) الرئيس السابق للمكتب السياسي لـ«حماس»، الذي يرأس عمليات الحركة خارج الأراضي الفلسطينية. فقالت إنه منذ اندلاع الحرب السورية في 2011 تزعم مشعل، الذي نجا مرة من محاولة اغتيال على يد عملاء إسرائيليين في الأردن، سياسة الانفصال عن المدار الإيراني. ووفقاً لمصادر الاستخبارات الغربية، فإنه كان يحاول بدلاً من ذلك إعادة بناء علاقات «حماس» مع الأنظمة العربية السنية. وللقيام بذلك، يريد أن يوضح أن «حماس» ليست جزءاً من المحور الإقليمي المؤيد لإيران، الذي يضم «حزب الله» في لبنان، ونظام الأسد في سوريا، وبعض الميليشيات الشيعية في العراق، والحوثيين في اليمن.
غير أن منافس مشعل وخليفته في رئاسة المكتب السياسي، إسماعيل هنية (59 عاماً) اتبع سياسة التقارب مع الإيرانيين الذين يرفضون لقاء مشعل. وقد شكل هنية «مكتب العلاقات الإسلامية والعربية» بهدف تخطي مشعل، الذي لم يُدع إلى كثير من الاجتماعات رفيعة المستوى مع أمثال الرئيس إردوغان في تركيا.
ويقول التقرير إن أحد الدوافع وراء قرار «حماس» إطلاق الصواريخ ضد إسرائيل في مايو الماضي، والذي أشعل حرباً استمرت 12 يوماً، هو رغبة قادة «حماس» الموالين لإسماعيل هنية في غزة إثبات ولائهم للإيرانيين، وأنهم «استثمار جيد» في محاربة إسرائيل.
أما مشعل، فقد زعم في المقابل، أن «حماس» تحتاج إلى التركيز على الدبلوماسية، وليس العنف، إذا كانت راغبة في السيطرة على الحركة الوطنية الفلسطينية في نهاية المطاف.
ويبدو أن قيادة «حماس» لا تزال تعمل بعقلين، ففي الأسابيع الأخيرة، كان ممثلوها في القاهرة يتفاوضون على هدنة محتملة طويلة الأمد مع إسرائيل، في الوقت الذي تسعى فيه لإعادة تأسيس وجود عملاني في الضفة الغربية التي تهيمن على أجزاء منها حركة فتح المنافسة، والتي لا تزال تحت الاحتلال العسكري الإسرائيلي. وكانت القوات الإسرائيلية قد كشفت قبل أسبوعين عما وصفته «بشبكة إرهابية من ناشطي (حماس)، تقوم بتخزين المتفجرات لاستخدامها ضد أهداف مدنية إسرائيلية بتمويل من فصيل (حماس) المؤيد لإقامة علاقات وثيقة مع إيران».



سوء التغذية والشتاء يتربصان بأطفال اليمن والنازحين

طفلة يمنية في محافظة إب تحسنت صحتها بعد تلقي العلاج ضد سوء التغذية ضمن برنامج تنفذه اليونيسيف (الأمم المتحدة)
طفلة يمنية في محافظة إب تحسنت صحتها بعد تلقي العلاج ضد سوء التغذية ضمن برنامج تنفذه اليونيسيف (الأمم المتحدة)
TT

سوء التغذية والشتاء يتربصان بأطفال اليمن والنازحين

طفلة يمنية في محافظة إب تحسنت صحتها بعد تلقي العلاج ضد سوء التغذية ضمن برنامج تنفذه اليونيسيف (الأمم المتحدة)
طفلة يمنية في محافظة إب تحسنت صحتها بعد تلقي العلاج ضد سوء التغذية ضمن برنامج تنفذه اليونيسيف (الأمم المتحدة)

يتزايد عدد الأطفال اليمنيين المصابين بسوء التغذية الحاد الوخيم، في ظل الانهيار الاقتصادي الذي تعيشه البلاد. وفي حين يستعد النازحون لمواجهة شتاء قاسٍ بنقص شديد في الموارد المعيشية، مع تقليص المساعدات الإغاثية الدولية، كشفت تقارير أممية عن نهب الدعم المخصص لمواجهة انعدام الأمن الغذائي.

وارتفع عدد الأطفال اليمنيين دون سن الخامسة الذين يعانون من سوء التغذية الحاد بنسبة 34 في المائة عن العام السابق ليصل إلى 600 ألف طفل في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة اليمنية، وفقاً للتصنيف المرحلي المتكامل الأخير لسوء التغذية الحاد الذي تبنته منظمة الأمم المتحدة للأمومة والطفولة «يونيسيف».

وبينت «يونيسيف» عبر موقعها على الإنترنت أن مديريات المخا في تعز، والخوخة وحيس في الحديدة على الساحل الغربي شهدت مستويات «حرجة للغاية» من سوء التغذية الحاد، وهي المرحلة الخامسة من التصنيف المرحلي المتكامل، لأول مرة، مقدرة أن أكثر من 36 في المائة من الأطفال اليمنيين يعانون من سوء التغذية الحاد.

ممرضة في مدينة المخا تقيس محيط أعلى ذراع طفل للتحقق من تحسن حالته الصحية بعد تلقيه علاجاً لسوء التغذية (الأمم المتحدة)

وأرجعت المنظمة الأممية زيادة سوء التغذية الحاد في اليمن إلى تفشي الأمراض وانعدام الأمن الغذائي الشديد ونقص الوصول إلى مياه الشرب النظيفة، محذرة من أن سوء التغذية قد يكون قاتلاً إذا لم يتم علاجه، خاصة في مناطق الساحل الغربي.

كما ساهمت الفيضانات وانتشار الأمراض في الأشهر الأخيرة من تعقيد الوضع، بالإضافة إلى نقص الوعي الصحي حول تنظيم الأسرة وأهمية التطعيم، في حين دمرت الأمطار الغزيرة المنازل وشردت الأسر، وضاعف انتشار الكوليرا والملاريا وحمى الضنك من حدة سوء التغذية، إلى جانب نقص الوعي بالعناصر الغذائية الصحيحة.

زيادات متوقعة

في مارس (آذار) الماضي أعلن برنامج الغذاء العالمي عن تعليق برنامج الوقاية من سوء التغذية الحاد، بسبب نقص التمويل، تاركاً ما يقارب 3 ملايين طفل وامرأة معرضين لخطر سوء التغذية.

وذكرت مصادر طبية لـ«الشرق الأوسط» في مدينة تعز (جنوبي غرب) أن عدد الأطفال المصابين بسوء التغذية الذين تستقبلهم المستشفيات والمراكز المتخصصة، يزيدون على 30 ألف طفل، ويجد القائمون على هذه المراكز صعوبة في استيعاب أعداد الأطفال المصابين بسوء التغذية الذين يزورونها يومياً لتلقي العلاج.

رغم تراجع التمويل لا تزال بعض الوكالات الأممية والمنظمات الدولية تقدم معونات في اليمن (الأمم المتحدة)

ونبهت المصادر إلى أن تقليص المنظمات الدولية لتدخلاتها ومساعداتها الغذائية في الأسابيع الأخيرة ينذر بتفاقم الوضع، وتحول آلاف الأطفال المصابين بسوء التغذية المتوسط إلى وخيم.

وفي محافظة لحج (جنوب غرب)، قدرت مصادر طبية أن نسبة الأطفال المصابين بسوء التغذية تزيد على 20 في المائة، حيث تستقبل المستشفيات والمراكز المتخصصة آلاف الأطفال شهرياً لتلقي العلاج، مع صعوبة بالغة تواجهها لاستيعاب هذه الحالات.

ويستغرب الباحث اليمني فارس النجار، في حديث لـ«الشرق الأوسط» من إصرار المنظمات الأممية والدولية على تقليص المساعدات الإغاثية المقدمة إلى اليمن، في ظل التراجع الاقتصادي الذي تشهده البلاد بسبب عدد من العوامل، ومن بينها الآليات التي تعمل بها الأمم المتحدة والوكالات الإغاثية، التي بسببها لا تمر أموال المساعدات عبر البنك المركزي اليمني، إلى جانب الفساد وسوء الإدارة الذي يطبع وسائل العمل الإغاثي الدولي في اليمن.

في غضون ذلك، دعا جمال بلفقيه، وهو رئيس اللجنة العليا للإغاثة في الحكومة اليمنية، إلى تنظيم إجراءات جدية وفاعلة لمنع استغلال العمل الإغاثي والمساعدات الدولية في اليمن لصالح الجماعة الحوثية، منوهاً إلى أن تقرير فريق الخبراء الأمميين الخاص باليمن قد كشف الكثير من الانتهاكات التي تتعرض لها أعمال الإغاثة على يد الجماعة، إلى جانب ما تمارسه من تعسفات بحق موظفي المنظمات الدولية والأممية.

التطرفات المناخية والفيضانات تسببتا في نزوح آلاف اليمنيين وفقدانهم المأوى دون تلقي مساعدات إغاثية كافية (أ.ف.ب)

وحث بلفقيه في حديث لـ«الشرق الأوسط» الحكومة اليمنية متمثلة بوزارة التخطيط على وقف كل الاتفاقيات، وعدم توقيع اتفاقيات جديدة مع المنظمات الدولية والأممية، إلا بعد نقل مقراتها وأنشطتها وحساباتها البنكية إلى المحافظات المحررة، مستغرباً من استمرار عمل هذه المنظمات في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية بعد كل ما جرى كشفه من انتهاكات بحقها وبحق العمل الإغاثي.

تأثير التطرفات المناخية

كشف صندوق الأمم المتحدة للسكان عن نزوح نحو 18 ألف يمني، خلال أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، بسبب الصراع والتطرفات المناخية.

وأوضح الصندوق أن آلية الاستجابة السريعة للأمم المتحدة بقيادة صندوق الأمم المتحدة للسكان، ساعدت 17458 فرداً بإغاثة عاجلة منقذة للحياة خلال الشهر الماضي، بالشراكة مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والصندوق المركزي للأمم المتحدة للاستجابة لحالات الطوارئ.

ورغم تراجع الأمطار الغزيرة بنسبة كبيرة منذ نهاية الصيف الماضي، فإن عدداً من المناطق لا تزال تشهد أمطاراً غزيرة تلحق أضراراً بالممتلكات والمساكن وتعطيل الأراضي الزراعية التي تضررت بنسبة 85 في المائة إلى جانب إتلاف المحاصيل، وتدمير سبل العيش، طبقاً للوكالة الأميركية للتنمية الدولية.

ينتظر النازحون اليمنيون شتاء قاسياً في ظل نقص الموارد والمعونات وتراجع تمويلات المساعدات الدولية (غيتي)

ورجحت الوكالة في تقرير أخير لها أن أكثر من 650 ألفاً من النازحين، والعائدين من النزوح، وأفراد المجتمع المضيف في اليمن، بحاجة ماسة لمساعدات المأوى والإغاثة للتغلب على قسوة الشتاء القادم.

ويقدر التقرير أن نحو 655 ألف شخص سيحتاجون إلى إمدادات طارئة خلال الفترة الممتدة من الشهر الماضي حتى فبراير (شباط) المقبل.

وينتشر النازحون في 30 موقعاً داخل 11 محافظة يمنية، في مواجهة ظروف شديدة القسوة بسبب الأمطار الموسمية الغزيرة والفيضانات التي شهدتها البلاد، ما يجعلهم عرضة لمخاطر إضافية في فصل الشتاء.

ويعمل شركاء كتلة المأوى على تقديم دعم عاجل لـ232 ألف شخص من الفئات الأكثر ضعفاً، بما يشمل استبدال الملاجئ التالفة، وتوزيع بطانيات حرارية وملابس شتوية.