فقراء لبنان يحجمون عن استخدام «الباصات» بعد تفجير الشويفات الانتحاري

«الرجاء فتح الجاكيت قبل الصعود».. وسيلة جديدة ابتكرها السائقون لطمأنة الركاب

بيروت
بيروت
TT

فقراء لبنان يحجمون عن استخدام «الباصات» بعد تفجير الشويفات الانتحاري

بيروت
بيروت

باتت حافلات نقل الركاب الصغيرة (الفانات) مصدرا للخوف بالنسبة إلى اللبنانيين، لا سيما الفقراء منهم الذين يجدون فيها الوسيلة الوحيدة والأقل تكلفة للتنقل يوميا، وذلك بعد الانفجار الذي استهدف باصا في منطقة الشويفات، شرق الضاحية الجنوبية لبيروت، الاثنين الماضي. لكن المواطن اللبناني الذي لم يعد يجد سبيلا للراحة في بلد يتآكله الفساد وتنهشه البطالة ويقتله الانتحاريون، لجأ إلى ابتكار وسيلة للسخرية من مآسيه وتجنب التفجيرات في الوقت عينه.
وقرر أبو علي، صاحب ما يعرف في لبنان بـ«باص رقم 4» الذي يعمل بين خط الضاحية الجنوبية - الحمرا في بيروت، قرر بعد تفجير الشويفات الذي نفذه انتحاري كان يرتدي حزاما ناسفا، يضع لافتة تحمل عبارة «الرجاء فتح الجاكيت قبل الصعود» ليتأكد بذلك أنه ليس محزّما بالمتفجرات ولطمأنة الركاب في الوقت عينه. ويعلّق على هذه الخطوة ساخرا: «بعد أكياس الرمل التي استخدمها أرباب العمل لحماية متاجرهم من شظايا التفجيرات في الضاحية ها نحن نستخدم اللافتات لحماية ركابنا من الانتحاريين».
يروي أبو علي لـ«الشرق الأوسط» التداعيات السلبية التي أصابت السائق الفقير بعد التفجير الأخير، ويقول: «انخفض عملنا بنسبة كبيرة. أصبح الطلاب والركاب يخافون الفانات ويفضلون وسيلة نقل أخرى للتنقل. بحكم عملي أتنقل بين منطقة الحدث وشوارع الضاحية المختلفة، من حارة حريك إلى مارمخايل وغيرها من المناطق التي أصبحت تشكل رعبا وهاجسا كبيرا لدى المواطن اللبناني بعد استهداف منطقة الضاحية بشكل متكرر». ويضيف: «الخسارة الكبيرة تقع على عاتقنا خن الشعب المسكين فالإرهاب لا يستهدف سوى أرواح أطفالنا، كفى متاجرة بدمائنا ودعونا نعِش بسلام».
يقاطعه صاحب فان آخر ينتظر أمام مدخل مجمع الجامعة اللبنانية في الحدث، بحثا عن لقمة عيشه، محاولا إقناع الطلاب واحدا واحدا ليقنعهم بالذهاب معه، ويقول: «(خط الحدث - الشويفات – خلدة) هو أكثر تضررا بسبب تفجير الشويفات، إذ إن عملنا أصبح يقتصر على نقل الطلاب من الجامعة إلى مناطق مجاورة، وإن كان معظمهم باتوا يترددون في استخدام الباص للذهاب إلى منازلهم»، فإذا بسائق زميل لأبي علي يضحك ويقول: «سأعلق لافتة وأكتب عليها للطلاب فقط».
هذا الوضع الذي بات يقلق الأهالي والطلاب يؤكّد عليه كذلك، الطالب الجامعي ميشال أبي راشد، مردّدا ما يقوله أصحاب الفانات: «أفضل أن أنتظر ساعات قدوم أحد من أقربائي لإيصالي إلى المنزل على أن أصعد في فان ينقل الانتحاريين، لكن في حال عدم تمكن أحد من المجيء أختار الباص المخيف». ويصف ميشال المشهد في حديثه لـ«الشرق الأوسط» قائلا: «عيون الركاب تترقب كل صاعد وخارج من الباص، ننظر إلى جسمه وحجم ضخامته ونرصد تحركاته لكي نتصدى لأي هجوم قد يحدث». يضحك قليلا ليستكمل وصفه لمشهد يومي أصبح يعيشه كل مواطن لبناني: «حتى إن صاحب الفان يطلب من كل راكب أن يفتح حقيبته لتفتيشها تحسبا لأي مواد متفجرة قد تحتويها».
أما الطالب محمد شقور فوضعه المادي لا يسمح له بالتنقل بسيارة أجرة، يصعد إلى الفان وهاجس الخوف من حدوث تفجير انتحاري لا يفارقه، ويقول: «أخرج من منزلي كل يوم وأنتظر قدوم فان رقم 4، ليس لدي حل آخر». ويضيف منزعجا: «والدتي تخنقني بتوصياتها وأنا في كل مرة أجيبها: الله الحامي يا أمي».



نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
TT

نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)

شيّعت الجماعة الحوثية خلال الأسبوع الماضي أكثر من 15 قتيلاً من قيادييها العسكريين والأمنيين من دون إعلان ملابسات سقوطهم. ورغم توقف المعارك العسكرية مع القوات الحكومية اليمنية في مختلف الجبهات؛ فإن النزيف البشري المستمر لقياداتها وعناصرها يثير التساؤلات عن أسبابه، بالتزامن مع مقتل العديد من القادة في خلافات شخصية واعتداءات على السكان.

ولقي قيادي بارز في صفوف الجماعة مصرعه، الأحد، في محافظة الجوف شمال شرقي العاصمة صنعاء في كمين نصبه مسلحون محليون انتقاماً لمقتل أحد أقاربهم، وذلك بعد أيام من مقتل قيادي آخر في صنعاء الخاضعة لسيطرة الجماعة، في خلاف قضائي.

وذكرت مصادر قبلية في محافظة الجوف أن القيادي الحوثي البارز المُكنى أبو كمال الجبلي لقي مصرعه على يد أحد المسلحين القبليين، ثأراً لمقتل أحد أقاربه الذي قُتل في عملية مداهمة على أحد أحياء قبيلة آل نوف، التي ينتمي إليها المسلح، نفذها القيادي الحوثي منذ أشهر، بغرض إجبار الأهالي على دفع إتاوات.

من فعالية تشييع أحد قتلى الجماعة الحوثية في محافظة حجة دون الإعلان عن سبب مقتله (إعلام حوثي)

ويتهم سكان الجوف القيادي القتيل بممارسات خطيرة نتج عنها مقتل عدد من أهالي المحافظة والمسافرين وسائقي الشاحنات في طرقاتها الصحراوية واختطاف وتعذيب العديد منهم، حيث يتهمونه بأنه كان «يقود مسلحين تابعين للجماعة لمزاولة أعمال فرض الجبايات على المركبات المقبلة من المحافظات التي تسيطر عليها الحكومة، وتضمنت ممارساته الاختطاف والتعذيب والابتزاز وطلب الفدية من أقارب المختطفين أو جهات أعمالهم».

وتقول المصادر إن الجبلي كان يعدّ مطلوباً من القوات الحكومية اليمنية نتيجة ممارساته، في حين كانت عدة قبائل تتوعد بالانتقام منه لما تسبب فيه من تضييق عليها.

وشهدت محافظة الجوف مطلع هذا الشهر اغتيال قيادي في الجماعة، يُكنى أبو علي، مع أحد مرافقيه، في سوق شعبي بعد هجوم مسلحين قبليين عليه، انتقاماً لأحد أقاربهم الذي قُتِل قبل ذلك في حادثة يُتهم أبو علي بالوقوف خلفها.

في الآونة الأخيرة تتجنب الجماعة الحوثية نشر صور فعاليات تشييع قتلاها في العاصمة صنعاء (إعلام حوثي)

وتلفت مصادر محلية في المحافظة إلى أن المسلحين الذين اغتالوا أبو علي يوالون الجماعة الحوثية التي لم تتخذ إجراءات بحقهم، مرجحة أن تكون عملية الاغتيال جزءاً من أعمال تصفية الحسابات داخلياً.

قتل داخل السجن

وفي العاصمة صنعاء التي تسيطر عليها الجماعة الحوثية منذ أكثر من 10 سنوات، كشفت مصادر محلية مطلعة عن مقتل القيادي الحوثي البارز عبد الله الحسني، داخل أحد السجون التابعة للجماعة على يد أحد السكان المسلحين الذي اقتحم السجن الذي يديره الحسني بعد خلاف معه.

وتشير المصادر إلى أن الحسني استغل نفوذه للإفراج عن سجين كان محتجزاً على ذمة خلاف ينظره قضاة حوثيون، مع المتهم بقتل الحسني بعد مشادة بينهما إثر الإفراج عن السجين.

وكان الحسني يشغل منصب مساعد قائد ما يسمى بـ«الأمن المركزي» التابع للجماعة الحوثية التي ألقت القبض على قاتله، ويرجح أن تجري معاقبته قريباً.

وأعلنت الجماعة، السبت الماضي، تشييع سبعة من قياداتها دفعة واحدة، إلى جانب ثمانية آخرين جرى تشييعهم في أيام متفرقة خلال أسبوع، وقالت إنهم جميعاً قتلوا خلال اشتباكات مسلحة مع القوات الحكومية، دون الإشارة إلى أماكن مقتلهم، وتجنبت نشر صور لفعاليات التشييع الجماعية.

جانب من سور أكبر المستشفيات في العاصمة صنعاء وقد حولته الجماعة الحوثية معرضاً لصور قتلاها (الشرق الأوسط)

ويزيد عدد القادة الذين أعلنت الجماعة الحوثية عن تشييعهم خلال الشهر الجاري عن 25 قيادياً، في الوقت الذي تشهد مختلف جبهات المواجهة بينها وبين القوات الحكومية هدوءاً مستمراً منذ أكثر من عامين ونصف.

ورعت الأمم المتحدة هدنة بين الطرفين في أبريل (نيسان) من العام قبل الماضي، ورغم أنها انتهت بعد ستة أشهر بسبب رفض الجماعة الحوثية تمديدها؛ فإن الهدوء استمر في مختلف مناطق التماس طوال الأشهر الماضية، سوى بعض الاشتباكات المحدودة على فترات متقطعة دون حدوث أي تقدم لطرف على حساب الآخر.

قتلى بلا حرب

وأقدمت الجماعة الحوثية، أخيراً، على تحويل جدران سور مستشفى الثورة العام بصنعاء، وهو أكبر مستشفيات البلاد، إلى معرض لصور قتلاها في الحرب، ومنعت المرور من جوار السور للحفاظ على الصور من الطمس، في إجراء أثار حفيظة وتذمر السكان.

وتسبب المعرض في التضييق على مرور المشاة والسيارات، وحدوث زحام غير معتاد بجوار المستشفى، ويشكو المرضى من صعوبة وصولهم إلى المستشفى منذ افتتاح المعرض.

ويتوقع مراقبون لأحوال الجماعة الحوثية أن يكون هذا العدد الكبير من القيادات التي يجري تشييعها راجعاً إلى عدة عوامل، منها مقتل عدد منهم في أعمال الجباية وفرض النفوذ داخل مناطق سيطرة الجماعة، حيث يضطر العديد من السكان إلى مواجهة تلك الأعمال بالسلاح، ولا يكاد يمرّ أسبوع دون حدوث مثل هذه المواجهات.

ترجيحات سقوط عدد كبير من القادة الحوثيين بغارات الطيران الأميركي والبريطاني (رويترز)

ويرجح أن يكون عدد من هؤلاء القادة سقطوا بقصف الطيران الحربي للولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا اللتين شكلتا منذ قرابة عام تحالفاً عسكرياً للرد على استهداف الجماعة الحوثية للسفن التجارية وطرق الملاحة في البحر الأحمر، وتنفذان منذ ذلك الحين غارات جوية متقطعة على مواقع الجماعة.

كما تذهب بعض الترجيحات إلى تصاعد أعمال تصفية الحسابات ضمن صراع وتنافس الأجنحة الحوثية على النفوذ والثروات المنهوبة والفساد، خصوصاً مع توقف المعارك العسكرية، ما يغري عدداً كبيراً من القيادات العسكرية الميدانية بالالتفات إلى ممارسات نظيرتها داخل مناطق السيطرة والمكاسب الشخصية التي تحققها من خلال سيطرتها على أجهزة ومؤسسات الدولة.

وبدأت الجماعة الحوثية خلال الأسابيع الماضية إجراءات دمج وتقليص عدد من مؤسسات وأجهزة الدولة الخاضعة لسيطرتها، في مساعِ لمزيد من النفوذ والسيطرة عليها، والتخفيف من التزاماتها تجاه السكان بحسب المراقبين.