عام 1892 أسّس شقيقان سوريان هما نجيب وإبراهيم عربيلي أول صحيفة باللغة في الولايات المتحدة واختارا لها اسم «كوكب أميركا». ولقد أسست هذه الصحيفة الرائدة في مدينة نيويورك وظلت تصدر حتى عام 1908. ولم يطل الوقت حتى أخذت تظهر صحف ومجلات أخرى تكاثرت ونمت بالتوازي مع نمو الجالية العربية في الأميركتين الشمالية والجنوبية. وعزّز وجود هذه النهضة الصحافية بضعة عوامل، لعل أهمها: أولاً، رسوخ الحضور العربي المهاجر في الأميركيتين. وثانياً، تمتع هذا الحضور بالتأهيل العلمي والثقافي الكافي لإطلاق إعلام لا يقتصر على نقل الخبر فحسب بل يشمل الاهتمامات الأدبية والثقافية أيضاً. وثالثا، المتغيرات السياسية الداخلية والإقليمية المتلاحقة في الوطن الأم، الذي هو في حالة المهاجرين الأوائل بلاد الشام. ورابعاً، التغيرات الاجتماعية – كمسائل المرأة والدين والتحول الاقتصادي - التي أخذت تمس مجتمعات أوطان المهاجرين في منطقة الشرق الأوسط، وتفاعلهم معها بفضل تطور وسائل الاتصال.
وحقاً، انعكست في المطبوعات الرائدة كل الاهتمامات والميول والتنوعات وحتى الاختلافات السياسية، ولا سيما بعد 1920 الذي شهد انعقاد مؤتمر الصلح في باريس بنهاية الحرب العالمية الأولى، وإعادة رسم خارطة منطقة الشرق الأدنى التي ينتمي إليها معظم المهاجرين الأوائل.
والواقع، كما تذكر إحدى الدراسات، أن الصحف والمجلات الأولى شكلت النواة لازدهار الحياة الثقافية للعرب الأميركيين. ثم أنها أسهمت بشكل مباشر عبر مقالاتها ومواقفها، وحتى إعلاناتها التجارية، في تطوير تفاعلهم وبلورة فهمهم مجتمعاتهم الجديدة. أضف إلى ذلك أنها لعبت دوراً نشطاً في تعريفهم على تفاصيلها ولا سيما على ثقافاتها وبيئاتها المتنوعة. وهذا سواء على مستوى الجاليات المهاجرة التي استقرت في المدن أو الأرياف، وفي المناطق الصناعية في ولايات ميشيغن وكونكتيكت وأوهايو، أو أحواض المناجم في ويست فيرجينيا وبنسلفانيا.
والمعروف، أن مصانع السيارات التي ازدهرت خلال مطلع القرن العشرين في ولايات شمال المتحدة، وبالأخص في ميشيغن، استقطبت كثرة من المهاجرين «الشوام». وراهناً تشكل مدينة ديربورن - حيث المقر الرئيس شركة فورد, وهي ملاصقة لمدينة ديترويت، مركز ثقل سكاني وثقافي عربي يحسب حسابه في أي انتخابات محلية أو على مستوى الولاية.
- السياسة
على الصعيد السياسي، كانت مسألة «الهوية» إحدى أبرز الخلافات التي عبّرت عنها جمعيات المهاجرين وانعكست في كتابات ناشطيهم، وبالتالي، مطبوعاتهم. إذ بينما كان بعضهم يتكلم عن «الهوية السورية» الجامعة لبلاد الشام، ظهرت جماعات تنادي بالكيانية الأضيق مثل «الكيان اللبناني»، وجماعات أخرى ذهبت أبعد مشدّدة على فكرة العرب والعروبة. بل، قبل اندلاع الحرب العالمية الأولى، كانت هناك أصوات عربية مهاجرة تدعم الهوية العثمانية وتتبناها، مثل صحيفة «الدليل». ولكن انتهاء الحرب بهزيمة الدولة العثمانية، ونشوء نظام إقليمي بديل يرعاه الغرب، فتحا فتح الباب على مصراعيه على الجدل حول الهويات البديلة.
ومثلما انقسمت الأراء في الوطن الأم حول هذه المسألة انقسمت في المهاجر، وذهبت احياناً في اتجاهات دينية ومذهبية. ولقد نشر نجيب دياب، صاحب «مرآة الغرب»، خُطَباً لقادة مسلمين في القاهرة تؤيد الأمة السورية، كذلك نشطت مؤسسات وجمعيات وأحزاب تحمل أسماء كـ{الاتحاد السوري» و{حزب سورية الجديدة» و»العالم السوري». وفي حين نادت شخصيات مثل نعّوم مكرزل، مالك «الهدى» وناشرها – و هو مسيحي بارز من الطائفة المارونية - بكيان مستقل للبنان. ظهرت الروح العروبية جلية في مؤسسات وجمعيات ومطبوعات كصحيفتي «نهضة العرب» و»البيان»، وأيضاً في «العصبة الأندلسية» الأدبية في أميركا الجنوبية.
وبما يخصّ «العصبة الأندلسية»، فإن ذكرها لا يجوز أن يمرّ بمعزل عن توأمها الشهير في أميركا الشمالية، ألا وهي «الرابطة القلمية». والحقيقة أنه كانت لـ{الرابطة القلمية» و{العصبة الأندلسية» الريادة في مضماري أدب النهضة والإبداع الثقافي العربي في الأميركتين. ولقد ولدت فكرة «الرابطة» عام 1916 قبل تأسيسها رسميا عام 1920 في مدينة نيويورك بهمة أدباء مهاجرين من بلاد الشام (سوريا ولبنان وفلسطين) كان في طليعتهم: جبران خليل جبران وميخائيل نعيمة ونسيب عريضة والشقيقان ندرة وعبدالمسيح حداد ورشيد أيوب وغيرهم. وكان من ثمار جهود هؤلاء صدور صحف ومجلات عربية اللسان والروح أشهرها: مجلة «الفنون» (نسيب عريضة) و»السائح» (عبدالمسيح حداد) و»السمير» (إيليا أبو ماضي).
وأما عن «العصبة الأندلسية» فأسست في وقت لاحق، تحديداً في يناير (كانون الثاني) 1933، وكان من أبرز شخصياتها الفكرية والأدبية شعراء آل المعلوف وأدباؤهم (فوزي وشفيق إبنا العلامة عيسى إسكندر المعلوف) وكل من رشيد سليم الخوري «الشاعر القروي» والياس فرحات وعقل الجرّ وشكر الله الجرّ وتوفيق ضعون وسلمى الصائغ. ولقد ترأسها ميشال المعلوف بين 1933 و1958 وخلفه في الرئاسة «الشاعر القروي».
على صعيد متصل، تفيد المصادر أن سلوم مكرزل، (من قرية الفُريكة في منطقة المتن في جبل لبنان، وهي نفسها قرية العلامة والأديب أمين الريحاني) أسس عام 1910، استجابة للطلب المتزايد، أول آلة طباعة عربية في مدينة نيويورك.
خطوة سلوم – وهو شقيق نعوم مكرزل – عزَّزت كثيراً نشاط الصحافة والنشر والمطبوعات حتى عقد الثلاثينيات من القرن الماضي. ثم أنه برزت صحف أخرى في الولايات المتحدة خارج نيويورك، التي كانت مركز الطباعة والنشر حينها. وكان وقع هذه الفورة في الطباعة والنشر كبيراً، بدليل أنه عام 1930 وفي مجتمع لم يتجاوز تعداد سكانه الـ 140 ألف عربي أميركي، توافر ما لا يقل عن 81 داراً للنشر. وهو ما يعادل صحيفة لكل 1800 مهاجر عربي، مقابل معدل عام للولايات المتحدة ككل يبلغ صحيفة لكل 50 ألف أميركي.
- أقدم الصحف والمجلات العربية في الأميركتين
> كوكب أميركا (نجيب وإبراهيم عربيلي) – نيويورك – 1892
> الرقيب (أسعد خالد ونعوم لبكي) – ريو دي جانيرو – 1896
> الأيام (يوسف نعمان المعلوف) – نيويورك – 1897
> الهدى (نعوم مكرزل) – فيلادلفيا ثم نيويورك – 1898
> مرآة الغرب (نجيب دياب) – نيويورك – 1899
> العدل (شكري أنطون) – ساو باولو – 1900
> المناظر (نعوم لبكي) – ساو باولو – 1901
> جراب الكردي (أنطون زريق) – نيويورك – 1902
> السلام (وديع شمعون) – بوينوس آيرس – 1902
> المهاجر (أمين الغريّب) – نيويورك – 1903
> الأفكار (سعيد أبو جمرة) – ساو باولو – 1903
> الزمان (ميخائيل السمرا) – بوينوس آيرس – 1905
> أبو الهول (شكري الخوري) – ساو باولو – 1906
> الجامعة (فرح أنطون) – نيويورك – 1907
> الخواطر (يوسف صالح الحلو) – مكسيكو – 1908
> الميزان (إسطفان وجورج غلبوني) – ساو بالولو – 1909
> الغربال (يوسف مسلّم) – مكسيكو – 1910
> البيان (سليمان بدّور وعباس أبو شقرا) – بروكلن-نيويورك – 1911
> السائح (عبد المسيح حداد) – نيويورك – 1912