تطور التصعيد السياسي بين القوى السياسية المسيحية من جهة؛ و«حزب الله» و«حركة أمل» من جهة ثانية، على خلفية إجراءات القاضي طارق البيطار وعدم عقد جلسات مجلس الوزراء، إلى سجال بين المؤسستين الدينيتين المسيحية والشيعية، ارتفع فيه سقف الانتقادات المسيحية لتعطيل جلسات الحكومة، تلاه رد من «المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى» الذي رأى نائب رئيسه أنه «تجاوز لطائفة أساسية بغية تغييبها عن المشهد السياسي».
وانقسمت مكونات الحكومة في شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي على إجراءات المحقق العدلي في ملف انفجار المرفأ القاضي طارق البيطار، وتحديداً بين الفريق القريب من رئاسة الجمهورية، والفريق الوزاري المحسوب على «أمل» و«حزب الله»، مما أدى إلى تجميد جلسات مجلس الوزراء. ومع تمدد الأزمة، تصاعدت الدعوات المسيحية لإعادة تفعيل جلسات الحكومة، وجاء أبرزها، أمس، على لسان البطريرك الماروني بشارة الراعي ومتروبوليت بيروت للروم الأرثوذكس المطران إلياس عودة، مما استدعى رداً من «المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى»، في أول سجال غير مباشر بين المؤسستين الدينيتين منذ بداية الأزمة.
وسأل الراعي في عظة الأحد أمس: «أليس من المعيب أن يصبح انعقاد مجلس الوزراء مطلباً عربياً ودولياً بينما هو واجب لبناني دستوري يلزم الحكومة؟»، وأضاف: «كيف تمعن فئة نافذة في تعطيله باسم الميثاقية التي تشوه بينما هي ارتقاء بالتجربة التاريخية للعيش الواحد بين المكونات اللبنانية، وقاعدة لتأسيس دولة تحقق أماني اللبنانيين جميعاً، وتبعدهم عن المحاور والصراعات، وهي أساس لبناء علاقات الدولة مع الخارج؛ المدعو إلى الاعتراف بخصوصية لبنان؟».
وإذ لفت إلى أنه «بعدم انعقاد مجلس الوزراء، تتعطل السلطة الإجرائية، ومعها تتعطل الحركة الاقتصادية بكل قطاعاتها، والحركة المالية، والحياة المصرفية، وبنتيجتها يفتقر الشعب أكثر فأكثر»، سأل الراعي: «أهذا ما يقصده معطلو انعقاد مجلس الوزراء؟». ودعا إلى «وقف التشكيك المتصاعد بعمل القضاء». وقال: «إذا كان اتهام القاضي الفاسد بالفساد طبيعياً، فلم اتهام القاضي النزيه بالانحراف، والمستقيم بالتسيس، والشجاع بالتهور، والمصمم بالمنتقم، والصامت بالغموض، والعادل بالاستنسابي؟ كأن الهدف ضرب عمل القضاء ككل وتحويل المجتمع إلى غابة إجرام متنقل دونما حسيب أو رقيب».
ودعا الراعي إلى استمرار التحقيق القضائي، «وأن تسقط الحصانات عن الجميع، ولو بشكل محصور وخاص بجريمة المرفأ، ليتمكن القضاء العدلي الذي تقدم كفاية من أن يستمع إلى الجميع من دون استثناء، أي إلى كل من يعتبره المحقق معنياً وشاهداً ومتهماً مهما كان موقعه، ومهما علا؛ إذا كان كل مواطن تحت سلطة القانون».
بالموازاة، أشار المطران عودة إلى أنه «مع أن بلدنا كان مهداً للديمقراطية، إلا إنه تحول إلى ديكتاتورية مقنعة، تحكمها شريعة الغاب». وأضاف: «أصبح من يلجأ إلى القانون في بلدنا هو الضعيف والمهان والمظلوم، أما القوي والمتسلط فلا يأبه للقانون ولا يعير أحكامه أي أهمية أو احترام. حتى إن البعض أصبح يستهين بثقة الناس الممنوحة لهم، وبواجباتهم التي تفرضها عليهم مسؤوليتهم».
وسأل عودة: «في بلد يحترم المسؤولون فيه بلدهم وشعبهم، هل يحتاجون إلى تسويات للقيام بأبسط واجباتهم، والمشاركة في اجتماع مجلس الوزراء وغيرها من الاجتماعات؟ إلى متى ستبقى الحكومة محتجزة وجلد الذات مستمراً؟» وأضاف: «هل يدري من يعطلون عمل المؤسسات أنهم يدفعون البلد دفعاً إلى الانهيار الكامل؟ هل يمكن التصدي للكارثة بحكومة مشلولة وانعدام قرار؟ أليست الحكومة فريق عمل يدير شؤون البلاد، وهي ليست مكاناً للمناكفات وتصفية الحسابات؟».
وبعد المواقف التصعيدية من قبل الراعي وعودة، طالب نائب رئيس «المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى»، الشيخ علي الخطيب، المسؤولين في بيان، بـ«اتخاذ خطوات سريعة تنقذ وطنهم من خطر الانهيار وتداعياته، وتستجيب للمساعي والجهود المبذولة لتصحيح المسار القضائي بما يحقق العدالة في قضية المرفأ ويمهد لإنتاج حل سياسي يصوب المسار القضائي ويعيد التضامن الحكومي الذي يحتاجه لبنان في هذا الظرف الصعب».
وفي رد غير مباشر، رأى الخطيب أن «تجاهل البعض لسبب المشكلة الأساسية وإصراره على تسييس القضاء، من خلال الدعوة إلى عقد جلسة لمجلس الوزراء، مجافاة لحقيقة الأزمة وإمعان في تعقيدها، وتجاوز لطائفة أساسية حفظت النسيج الوطني بغية تغييبها عن المشهد السياسي خدمة لأهداف ومآرب خارجية لا تخدم المصلحة الوطنية».
وشدد على «ضرورة القيام بالاستحقاقات الدستورية؛ ومنها الانتخابات النيابية، في مواعيدها المقررة دستورياً»، مشيراً إلى أن «الحل في القيام بالإصلاحات السياسية وفق ما نص عليه (اتفاق الطائف) من إلغاء الطائفية السياسية، وتأليف مجلس شيوخ يحفظ للطوائف اللبنانية حقوقها، وقانون انتخابي خال من القيد الطائفي، وإلا؛ فإن الانتخابات النيابية دون القيام بهذه الإصلاحات لن تحل المشكلة؛ بل ستعقدها»، محذراً من أن ذلك «سيستدعي اصطفافاً طائفياً واستخداماً للقضاء كورقة انتخابية تزيد في التشنجات الطائفية كما يحدث الآن ويمكن أن يؤدي إلى حرب أهلية».
يأتي ذلك في ظل استمرار الانهيار الاقتصادي والمعيشي وارتفاع معدل الاعتداءات والجرائم. ودعا عضو «اللقاء الديمقراطي» النائب نعمة طعمة، في بيان، «إلى أن يتنازل أهل الحل والربط عن مصالحهم ومكاسبهم للصالح العام، وأن ينعقد مجلس الوزراء في أسرع وقت ممكن ويتحول إلى خلية أزمة، وإلا فليتحمل كل مسؤوليته»، مضيفاً: «كفانا ترفاً سياسياً وبحثاً عن مكاسب انتخابية وشعبوية وتصفية حسابات؛ فيما البلد يحتضر».
وأكد طعمة أن «إعلان جدة» يمثل «خارطة طريق لخلاص لبنان». وقال: «من تابع (إعلان جدة) وجولات ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان الخليجية، وصولاً إلى (إعلان الرياض) والالتفاف الخليجي والعربي والدولي حول المملكة، يدرك مدى حضور ودور الرياض وحكمة قيادتها في مقاربة أوضاع المنطقة وسائر الملفات وصولاً إلى العلاقة اللبنانية - السعودية، وقد بات لزاماً على المعطلين والمتضررين أن يقرأوا جيداً (إعلان جدة)، فهو خارطة طريق لخلاص لبنان، ودليل على مدى حرص المملكة على أمنه واستقراره وازدهاره وعودة الأمور إلى نصابها الصحيح بين البلدين».
سجال أزمة الحكومة اللبنانية يمتد إلى المؤسستين الدينيتين المسيحية والشيعية
الراعي يتهم «فئة نافذة» بتعطيل الدستور
سجال أزمة الحكومة اللبنانية يمتد إلى المؤسستين الدينيتين المسيحية والشيعية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة