بعد انقضاء نحو شهر على ظهوره في جنوب أفريقيا، رسمت الأوساط العلمية أول صورة لمتحور «أوميكرون» الذي لم يعد مستبعداً أن يسود في بلدان عديدة حتى قبل نهاية السنة الحالية. ويستفاد من التحاليل والدراسات الأولية التي أجراها الباحثون أن هذا المتحور يحمل كمية غير معهودة من التحولات البيولوجية، ويتمتع بسرعة سريان تفوق بكثير الطفرات المعروفة حتى الآن لفيروس كورونا المستجد.
كانت السلطات الصحية الأوروبية حذرت أمس من أن الإصابات بالمتحور الجديد تتضاعف كل يومين، فيما أفادت النتائج الأولية لدراسة أجريت في جامعة هونغ كونغ بأن «أوميكرون» يسري في القصبات الهوائية البشرية بسرعة تضاعف 70 مرة سرعة سريان متحور «دلتا» السائد حالياً في العالم. وكان الخبراء الذين أجروا هذه الدراسة بإشراف الأخصائي المعروف في العلوم الفيروسية، مايكل شان، لاحظوا أن «أوميكرون» ينتشر بسهولة وسرعة كبيرة في القصبات الهوائية العليا، ما يفسر الارتفاع السريع في عدد الإصابات الجديدة، لكنه أبطأ 10 مرات من الطفرات السابقة في الدخول إلى الرئتين، الأمر الذي يحمل على الاعتقاد بأنه قد يكون أقل خطورة.
كان الخبير شان قد أوضح أن خطورة الإصابة في البشر لا تقاس بنسبة تكاثر الفيروس فحسب، بل أيضاً بالاستجابة المناعية عند المصاب، التي قد تؤدي إلى عاصفة بروتينية يمكن أن تتسبب في الوفاة. وقال «إن الفيروس الذي يصيب عدداً كبيراً من الناس يمكن أن يتسبب في حالات خطرة كثيرة ووفيات، حتى وإن كان هو ذاته أقل خطورة».
وكان التقرير الأخير الذي صدر عن المركز الأوروبي لمكافحة الأمراض السارية والوقاية منها، قد رجح أن يؤدي «أوميكرون» إلى زيادة كبيرة في عدد الحالات التي تستدعي العلاج في المستشفى والوفيات، أكثر من متحور «دلتا».
قدرة على التهرب
وتشير دراسات أولية عديدة إلى أن المتحور الجديد يملك قدرة على التهرب من الخطوط الدفاعية الأولى التي تولدها اللقاحات، لذلك يتسبب في إصابات طفيفة بين الملقحين بدورة كاملة، أو الذين تعافوا من المرض. وكانت الوكالة البريطانية للأمن الصحي قد أفادت مؤخراً بأن فاعلية الجرعتين من لقاح «فايزر» لمنع هذه الإصابات الخفيفة تتراجع بعد مرور أربعة أشهر إلى 35 في المائة ضد المتحور الجديد. وفي حال جرعتين من «أسترازينيكا» تنخفض الحماية المناعية إلى الصفر لمنع هذه الإصابات.
وتفيد الدراسة الأولية التي أجرتها الوكالة البريطانية بأن الجرعة المعززة من «فايزر» ترفع مستوى الحماية إلى 75 في المائة عند الذين تناولوا الجرعتين من هذا اللقاح، وإلى 71 في المائة عند الذين تنالوا لقاح «أسترازينيكا». ويقول الباحث البريطاني جامي برنال، «أنصح الجميع بتناول الجرعة المعززة عندما يحين موعدها، لأن البيانات التي تجمعت من متابعة الطفرات السابقة تبين أنه من المحتمل جداً أن تكون الحماية ضد الأعراض الخطرة أعلى من الحماية لمنع الإصابة».
يذكر أن البؤرة الوبائية التي شهدتها النرويج أواخر الشهر الفائت أظهرت قدرة «أوميكرون» العالية على إصابة الملقحين، عندما أصيب 117 شخصاً شاركوا في عشاء مع مصاب. وقد اقتصرت الأعراض التي أصيبوا بها على السعال الناشف والإنهاك العام وآلام في الحنجرة وارتفاع في درجة الحرارة، لكن حتى الآن لم يعالج أي منهم في المستشفى، كما أفادت أمس وزارة الصحة النرويجية التي قالت إن الإصابات ظهرت بعد ثلاثة أيام فقط من العشاء.
من جهته، يقول خبير العلوم الفيروسية، فيل كراوز، عضو فريق اللقاحات في منظمة الصحة العالمية، إنه إذا تمكن «أوميكرون» من تجاوز مضادات الأجسام يواجه حاجزاً دفاعياً ثانياً تشكله الكرويات البيض التي بإمكانها أن تمنع الأعراض الخطرة بعد حدوث الإصابة، وأن هذا الحاجز الدفاعي يحافظ على كامل فاعليته ضد «أوميكرون»، إلى جانب الدفاعات التي تولدها اللقاحات وتلك التي تنشأ عن الإصابة السابقة.
التطعيم الكامل
كانت إحدى شركات التأمين الصحي في جنوب أفريقيا قد نشرت يوم الأربعاء الفائت نتائج واعدة للتحاليل التي أجراها باحثوها على مائتي ألف حالة، بالتعاون مع معهد البحوث الطبية، أظهرت أن الدورة الكاملة من لقاح «فايزر» تحافظ على 70 في المائة من فاعليتها لمنع الإصابات الخطرة بالمتحور الجديد، علماً بأن هذه الفاعلية تبلغ 93 في المائة ضد متحور «دلتا».
كما بينت النتائج أن فاعلية الدورة الكاملة من «فايزر» لمنع الإصابات الخفيفة بـ«أوميكرون» لا تتجاوز 30 في المائة، بينما تبلغ 80 في المائة ضد «دلتا». ومن النتائج الأخرى التي أسفرت عنها هذه التحاليل أن خطر إصابة المعافين بمتحور «أوميكرون» يزيد بنسبة 40 في المائة عن خطر الإصابة المتكررة بمتحور «دلتا»، ويزيد بنسبة 70 في المائة بين المواطنين الذين أصيبوا خلال الموجة الوبائية الأولى مطالع العام الفائت. ورغم أن الخطورة الفعلية للمتحور الجديد ما زالت لغزاً لم تكشفه الدراسات التي أجريت حتى الآن، فإن الأوساط العلمية والهيئات الصحية تشدد على أنه، أياً كانت درجة خطورة «أوميكرون»، فإن مجرد سريانه بهذه السرعة غير المسبوقة يجعل من الصعب على غالبية المنظومات الصحية أن تتحمله.
وتنبه منظمة الصحة إلى أن زيادة الإصابات في أوساط أفراد الطواقم الصحية واضطرارهم إلى التزام الحجر الصحي، من شأنه أن يؤدي إلى شلل عام في المستشفيات.
مشكلة التوريد
يذكر أن خبير العلوم الوراثية البريطاني، جيفري باريت، أكد أن الحاجة لمستلزمات الاختبارات ستزداد بنسبة عالية، وفي الوقت نفسه تقريباً في كل البلدان، ما سيؤدي إلى صعوبات كبيرة في سلاسل التوريد العالمية لهذه المواد. وكان الخبير الوبائي في جامعة أوكسفورد، دونكان روبرتسون، قد علق ساخراً بقوله أمس، «لن نصل إلى مليون إصابة جديدة يومياً، لأننا لا نملك القدرة الكافية لإجراء مليون اختبار كل يوم في بريطانيا». ومن جهتها كانت المفوضية الأوروبية قد نبهت إلى ضرورة تعزيز إنتاج مستلزمات الاختبارات أمام الارتفاع المطرد في الحاجة إليها.