تعد «رأس بيروت» واحدة من المناطق المهمة والمشهورة في العاصمة اللبنانية، فهي تحتضن المسارح وصالات السينما، وأكثر من صرح جامعي وبينها الجامعتان الأميركية و«هايكازيان»، إضافة إلى منارة بيروت، أما شارع الحمراء المتفرع منها فهو يعد نبض بيروت بمقاهيه ومطاعمه ومكتباته وبوتيكاته المنوعة.
وهج هذه المنطقة خف في فترة الجائحة والأزمة الاقتصادية التي أصابت البلاد مؤخراً. فرغت الشوارع وتوقفت عروض المسرحيات وغيرها من النشاطات الثقافية والاجتماعية أسوة بمناطق أخرى. من هنا ولدت فكرة الاحتفال بهذه المنطقة، وإعادة الحياة إلى شوارعها تحت عنوان «تتروحن رأس بيروت». قررت مبادرة «حسن الجوار» في «الجامعة الأميركية» وبالتعاون مع «مسرح المدينة» أن تمسح الكآبة، وتحتفل ببيروت مدينة الأمل الذي لا ينطفئ تحت عنوان «الجار للجار».
وتأتي هذه الاحتفالية التي انطلقت في 11 الجاري وتستمر حتى 29 منه، عشية أعياد الميلاد ورأس السنة. وتتضمن أمسيات موسيقية وغنائية وعروضاً مسرحية وأخرى من نوع الـ«باراد» في شوارع المنطقة.
«لقد درست في هذه المنطقة، وبعد تخرجي في الجامعة الأميركية، عملت في مبنى ملاصق لمسرح المدينة. من هنا ولدت هذه العلاقة الوطيدة بيني وبين (رأس بيروت)، سيما وأني تزوجت وأقمت في عين المريسة المتفرعة منها». هكذا تصف منى حلاق، صاحبة مبادرة «حسن الجوار» في الجامعة الأميركية، ما تكنه من مشاعر جياشة لهذه المنطقة. وتتابع لـ«الشرق الأوسط»: «هي منطقة استضافت اللبنانيين من مختلف البلدات والمدن. فتحت أبوابها للسياح الأجانب، وللاجئين السوريين والفلسطينيين. البعض يخيل إليه أنها محل إقامة الأغنياء والأرستقراطيين فقط، ولكن الصحيح أن عدداً كبيراً من سكانها يعانون اليوم اقتصادياً، وهم متروكون ولا يسأل أحد عنهم».
من خلال معرفتها الكبيرة بأحياء رأس بيروت، وإثر انتشار الجائحة التي أرست بنتائجها السلبية على عدد كبير من أهالي هذه المنطقة، اتخذت منى حلاق قرارها بإقامة مبادرة «الجار للجار». وهي المبادرة نفسها التي تسهم اليوم في دعم مسرح المدينة وإعادة الحياة إلى شوارع رأس بيروت.
وتقول: «لقد أنشأنا صندوق مساعدات لأهالي المنطقة المحتاجين، جرى تمويله من أساتذة الجامعة الأميركية وموظفيها. ولدت هذه المبادرة في أبريل (نيسان) من عام 2020، يومها اكتشفت أن هناك أشخاصاً يعانون من حالة مادية متردية جداً، فعزمت على إقامة هذه المبادرة».
أهداف مبادرة «الجار للجار» التي تطل على حاجات الناس وتسهل لهم حياتهم، تطول اليوم مسرح المدينة لصاحبته نضال الأشقر. فمن خلالها ستتم مساعدة هذا الصرح الفني الذي ورغم مصاعب كثيرة واجهها في السنوات الأخيرة، لم يشأ الاستسلام لليأس. «هذه السنة شعرت مثل كثيرين غيري بأجواء كئيبة تسود العاصمة، وكذلك تسود منطقتي الحمراء ورأس بيروت. وهو ما حفزني للتفكير بإقامة احتفالية تعيد إلى (ست الدنيا) نبض الشباب وحب الحياة والأمل. ولأن علاقتي بمسرح المدينة قديمة تعود إلى أيام دراستي الجامعية، انطلقت ونضال الأشقر لتنظيم هذه الاحتفالية»، تشير منى حلاق التي تؤكد أن الناس متعطشة لعودة الحياة الطبيعية إلى إيقاعها اليومي. وتتابع: «لقد قمنا بتنظيم وتمويل هذه المبادرة ودعونا الفنانين، وكذلك أجرينا بعض التصليحات في صالة المسرح. كما استأجرنا آلة بيانو وأمنا المبالغ لكلفة مادة المازوت كي لا تواجهنا مشكلات مع انقطاع التيار الكهربائي».
بظرف أيام قليلة، ولد برنامج الحفل الذي يتضمن أمسيات فنية مختلفة. ففي 20 الجاري تحيي فرقة «رند» أمسية غنائية. يشارك فيها كل من المغنين يوسف وليلي وجمال أبو حمد والعازفين هيثم أزرافيل وإيلي يمونة على الأكورديون والرق. فيما تقدم السوبرانو غادة غانم حفلة غنائية بعنوان «معكرونة وغنية» في 21 الجاري. فتعجن وتخبز وتطبخ مباشرة على خشبة المسرح وتقدم في الوقت نفسه مجموعة من أغانيها. ويعود ريع هذا الحفل لدعم صناعة المونة في بلدة صغبين. وفي 27 ديسمبر (كانون الأول) الجاري ستعلو نضال الأشقر خشبة المسرح لتقدم مسرحية «مش من زمان» من كتابتها وإخراجها. ويشاركها فيها خالد العبد الله غناء وعزفاً على العود. وستكون هذه الحفلة خاصة لدعم مسرح المدينة بحضور وزير الثقافة في لبنان محمد وسام المرتضى. وتصل أسعار بطاقات الدخول لهذا العمل إلى مليون وخمسمائة ألف ليرة من أجل جمع مبالغ تسهم في مساندته واستمراريته.
وتروي نضال الأشقر لـ«الشرق الأوسط» عن مضمون هذه المسرحية: «أحكي فيها قصة حياتي. وقد سبق وقدمناها في عام 2016 في مناسبة مرور 20 عاماً على تأسيس مسرح المدينة. وكتبت قصة المسرحية وأخرجتها بنفسي وبأسلوب يخرج عن المألوف وفي سباق مع الوقت. واخترت شخصياً أغنيات قديمة لتتخللها، فيما لحن وكتب خالد العبد الله الجديدة منها».
وتشير الأشقر إلى أن سعر البطاقات لهذه المسرحية مغاير لباقي بطاقات الأعمال المعروضة. «أسعار بطاقات الدخول إلى (مش من زمان) تتراوح بين مليون ومليون وخمسمائة ألف ليرة. فيما أسعار بطاقات الحفلات الأخرى تبلغ 50 ألف ليرة. وقد خصصنا ريعها لدعم مسرح المدينة لأننا نعاني من ديون كثيرة، تراكمت علينا في السنوات الثلاث الأخيرة. حتى إن ريع الحفلات الأخرى سيعود للفنانين أنفسهم المشاركين في البرنامج».
أما في 28 من الشهر الحالي، فسيكون رواد مسرح المدينة على موعد مع الموسيقي زياد سحاب ولمياء غندور، فيتشاركان في تقديم حفل بعنوان «طحلب ودود» وتتخللها مقاطع موسيقية سبق وصدرت في أسطوانات لسحاب، ومقطوعات أخرى تقدم للمرة الأولى. أما النصوص المغناة فهي للشعراء صلاح جاهين وأحمد فؤاد نجم ومحمد خير. وتختتم الاحتفالية مع أمسية لـ«كورال الفيحاء» في 29 الجاري بقيادة المايسترو بركيف تسلاكيان.
وفي موازاة هذه الأمسيات داخل صالة مسرح المدينة، تقام ثلاثة عروض مباشرة في شارع الحمراء لموسيقيين صغار من اللاجئين الفلسطينيين والسوريين. وكانت مجموعة من العاملات الأجنبيات قد افتتحت الاحتفالية بترانيم وعرض موسيقي من وحي عيد الميلاد. وستقام 7 حفلات موسيقية لفرق ومغنين وممثلين محليين. وتشرح منى حلاق: «لقد ثبتنا شاشة ضخمة أمام مسرح المدينة كي يتسنى لكل من يمر في شارع الحمراء أن يشاهد العروض الفنية، ويستمتع بالموسيقى والأغاني. وكذلك سيتم بثها أيضاً عبر قناة اليوتيوب الخاصة بالجامعة الأميركية للوصول إلى أوسع جمهور في لبنان وخارجه».
وتتبع في أثناء الاحتفالات، في مسرح المدينة، الإجراءات والتعليمات الصادرة عن لجنة وباء كورونا. وسيجري الالتزام بخمسين في المائة من القدرة الاستيعابية للمسرح (200 مقعد فقط)، ويتم ارتداء الأقنعة داخل المسرح. وكانت شركة رنتوكيل - بويكرقد تكفلت بتعقيم المسرح قبل كل حفلة موسيقية وبوضع نفق للتعقيم عند الدخول إلى كل حفلة.
أمسيات موسيقية وغنائية تمسح الكآبة عن بيروت
«مسرح المدينة» ومبادرة «حسن الجوار» يحتفلان بمدينة الأمل
أمسيات موسيقية وغنائية تمسح الكآبة عن بيروت
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة