غوتيريش يزور بيروت غداً «للتضامن مع اللبنانيين الذين يعانون»

دعا السياسيين إلى وقف انقساماتهم «التي شلت مؤسسات الدولة»

غوتيريش يزور بيروت غداً «للتضامن مع اللبنانيين الذين يعانون»
TT

غوتيريش يزور بيروت غداً «للتضامن مع اللبنانيين الذين يعانون»

غوتيريش يزور بيروت غداً «للتضامن مع اللبنانيين الذين يعانون»

حذر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، عشية وصوله غداً الأحد إلى لبنان في زيارة رسمية تستمر ثلاثة أيام، من أن هذا البلد لن يجد «المسار الصحيح» إذا لم «يتفهم» زعماؤه السياسيون أن هذه «ربما آخر لحظة ممكنة» لكي يتحدوا.
وكان الأمين العام للمنظمة الدولية يتحدث في مؤتمر صحافي افتراضي في نيويورك إذ أعلن أنه يتطلع إلى السفر إلى لبنان بدعوة من الحكومة «في زيارة دولية للتعبير عن تضامني مع اللبنانيين الذين يعانون منذ فترة طويلة جداً».
وسئل عن عدم قيام الأمم المتحدة بمحاولة وقف الانهيار الاقتصادي في لبنان على غرار ما فعلته في أماكن مثل اليمن وأفغانستان، فأجاب أن «الأمر الأول الضروري هو أن يجتمع الزعماء السياسيون في لبنان»، موضحاً أن «الانقسامات» بينهم «شلت المؤسسات، وشلل المؤسسات يؤدي بالطبع إلى استحالة الوصول إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي، واستحالة إطلاق برامج اقتصادية فاعلة وإيجاد الظروف لكي يبدأ البلد بالانتعاش». أضاف أن «القادة اللبنانيين ليس لهم الحق أن ينقسموا في لحظة مثل هذه الأزمة الدراماتيكية». ورأى أن إيجاد الظروف لهذه الوحدة «يستوجب معالجة عدد من الأمور، أمور تتصل بالإصلاحات في النظام السياسي والاقتصادي، أمور تتعلق بالقتال والفساد، أمور متعلقة بالوصول إلى الحقيقة حيال ما حصل في مرفأ بيروت، ومن ثم إطلاق برنامج إنعاش فاعل باتفاق مع صندوق النقد الدولي وبدعم من المجتمع الدولي الذي يحتاج إلى تعزيز قوي للشعب اللبناني وكذلك للاجئين الذين يستقبلهم لبنان بسخاء».
وأوضح غوتيريش أن «اللبنانيين فقط هم من يمكنهم قيادة هذه العملية» علماً بأن «واجبي بصفتي أميناً عاماً للأمم المتحدة هو أن أكون متضامناً دائماً مع الشعب اللبناني»، مذكراً أنه عندما كان مفوضاً سامياً للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين «رأيت قبول اللاجئين في لبنان»، مضيفاً أنه «علينا، كمجتمع دولي، التزام بذل كل ما في وسعنا لمساعدة» هذا البلد. لكنه رأى أنه «يستحيل أن يجد لبنان المسار الصحيح إذا لم يكن القادة السياسيون اللبنانيون قادرين على تفهم أن هذه هي اللحظة، وربما آخر لحظة ممكنة، لكي يجتمعوا». وعشية سفره وجه الأمين العام رسالة مسجلة إلى «الشعب اللبناني» الذي «يتميز بخصال السخاء وسعة الحيلة»، معبراً عن «بالغ القلق إزاء المحن التي تواجهونها اليوم». وقال إن «انفجار ميناء بيروت المروع في العام الماضي أزهق أرواحاً عزيزة» لأكثر من 200 شخص ينتمون إلى أكثر من 12 بلداً، مضيفاً أن «الأمم المتحدة تشاطركم حزنكم» إذ «سقط ضحية الانفجار طفلان لموظفين في الأمم المتحدة كانا من بين أصغر الضحايا سناً». كما أدى الانفجار إلى إصابة نحو سبعة آلاف شخص، كثيرون منهم أصيبوا بعجز دائم، وعن تدمير آلاف البيوت. وقال: «أنا أعلم أن الشعب اللبناني يريد إجابات عن تساؤلاته، وأسمع مطالبكم بإجلاء الحقيقة وإحقاق العدالة». وأشار غوتيريش في رسالته إلى أن الأزمات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية المتراكمة «تزيد من حدة معاناتكم» التي «تتفاقم» بسبب جائحة (كوفيد - 19). وإذ كرر أنه يحمل «رسالة واحدة بسيطة، وهي أن الأمم المتحدة تقف إلى جانب شعب لبنان»، أكد أن «إيجاد الحلول الدائمة لا يمكن أن يأتي إلا من قلب لبنان»، مطالباً القادة اللبنانيين بأن «ينفذوا الإصلاحات اللازمة لإعادة لبنان إلى مساره الصحيح، بما في ذلك بذل الجهود من أجل تعزيز المساءلة والشفافية واجتثاث الفساد». وشدد على أن «الانتخابات المقررة العام المقبل ستكون ذات أهمية أساسية» لأنها السبيل الوحيد الذي سيكفل للبنان وضع الأسس لمستقبل أفضل».

برنامج الزيارة
ويتوقع أن يصل غوتيريش إلى مطار رفيق الحريري الدولي في بيروت الساعة 2:30 بعد ظهر غد الأحد، على أن يلتقي الرئيس ميشال عون مساءً في قصر بعبدا. ويجتمع في اليوم التالي مع رئيسي مجلس النواب نبيه بري ومجلس الوزراء نجيب ميقاتي، إضافة إلى عدد من القادة الدينيين وممثلين عن المجتمع المدني. كما سيقف الأمين العام دقيقة صمت في مرفأ بيروت، تكريماً لأرواح ضحايا الانفجار الذي وقع في أغسطس (آب) 2020، وبالإضافة إلى طرابلس حيث يلتقي تلامذة من إحدى المدارس، سيقوم أيضاً بزيارات ميدانية يلتقي خلالها المتضررون من الأزمات المتعددة التي تواجهها البلاد. وفي ختام الزيارة، سيتوجه غوتيريش إلى الجنوب لزيارة وحدات من القوة المؤقتة للأمم المتحدة في لبنان (اليونيفيل) وللقيام بجولة على «الخط الأزرق» على الحدود اللبنانية مع إسرائيل. ومن المقرر أن يغادر لبنان في 22 ديسمبر (كانون الأول).



عودة «آلاف السودانيين» تكبح جماح الإيجارات في أحياء مصرية

سودانيات يسرن بملابسهن المميزة في شارع فيصل بمحافظة الجيزة (الشرق الأوسط)
سودانيات يسرن بملابسهن المميزة في شارع فيصل بمحافظة الجيزة (الشرق الأوسط)
TT

عودة «آلاف السودانيين» تكبح جماح الإيجارات في أحياء مصرية

سودانيات يسرن بملابسهن المميزة في شارع فيصل بمحافظة الجيزة (الشرق الأوسط)
سودانيات يسرن بملابسهن المميزة في شارع فيصل بمحافظة الجيزة (الشرق الأوسط)

انتقل نافع عبد الحي، وهو سوداني مقيم في منطقة فيصل جنوب القاهرة، إلى شقة بنصف سعر إيجار أخرى سكن فيها هو وعائلته منذ 9 أشهر، مستفيداً من تراجع أسعار إيجارات الشقق في مصر بشكل ملحوظ مع عودة آلاف السودانيين إلى بلادهم.

يقول لـ«الشرق الأوسط» إنه يدفع الآن 4500 جنيه فقط في الشهر (الدولار 48.75 جنيه)، بدلاً من 9 آلاف جنيه في الشقة الأولى، وهما في نفس المستوى، ولا يبعدان عن بعضهما سوى 2 كيلومتر فقط.

وخلال الشهور الماضية، تَقَدَّمَ الجيش السوداني في أحياء سكنية ومناطق عدة بالعاصمة الخرطوم وضواحيها على حساب «قوات الدعم السريع»، كما سيطر على مداخل 3 جسور استراتيجية في العاصمة المثلثة، وهي «الفتيحاب» و«النيل الأبيض» و«الحلفايا»، والذين يربطون ولايات أم درمان والخرطوم والخرطوم بحري، ومهدت هذه الانتصارات لعودة آلاف السودانيين.

ووصف القنصل السوداني في أسوان السفير عبد القادر عبد الله لـ«الشرق الأوسط» أعداد العائدين من مصر إلى السودان بـ«الكبيرة»، مشيراً إلى أنهم لا يملكون إحصائية دقيقة، لكن «أستطيع أن أقول إنه منذ 3 شهور العائدون إلى السودان أضعاف القادمين من السودان إلى مصر»، على حد قوله.

محل بيع ملابس سودانية في منطقة المهندسين (الشرق الأوسط)

وتوقع الدبلوماسي السوداني أن تزداد الأعداد بشكل أكبر الفترة المقبلة، قائلاً: «كلما تقدم الجيش السوداني عاد المزيد من السودانيين»، خصوصاً «في بداية العام المقبل، بعد انتهاء امتحانات الشهادة السودانية والتي تبدأ في 28 ديسمبر (كانون الأول)، وتستمر أسبوعين»، موضحاً أن «كثيراً من الأُسر تنتظر إنهاء أبنائها للامتحانات للعودة إلى السودان».

وفسّر المستشار الإعلامي السابق للسفارة السودانية في القاهرة وأمين أمانة العلاقات الخارجية في جمعية الصداقة السودانية المصرية محمد جبارة لـ«الشرق الأوسط»، عدم وجود حصر دقيق بالأعداد إلى أن بعض العائدين دخلوا مصر في الأساس بطرق غير شرعية، وعودتهم تتم دون أوراق أيضاً، أما الآخرون ممن دخلوا بشكل رسمي، فوثقت الجمعية عودة 29 ألف منهم في الفترة منذ أغسطس (آب) وحتى أكتوبر (تشرين الأول) الماضيين.

وقدّرت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، أعداد السودانيين المسجلين لديها في مصر حتى 30 سبتمبر (أيلول) الماضي بـ503 آلاف و993 لاجئاً. ولا يعكس ذلك كل أعداد السودانيين الذين دخلوا مصر بعد الحرب، إذ ثمة آخرون غير مسجلين في المفوضية.

وتسبب توافد السودانيين إلى مصر وتمركزهم في مناطق محددة في رفع أسعار الإيجارات أضعافاً عدة. وتعد ضاحية فيصل، الحي الشعبي جنوب العاصمة، واحدة من نقاط تمركز الوافدين السودانيين، إذ بلغ متوسط الإيجار في المنطقة الشعبية 8 آلاف جنيه، بعدما كان 2000 جنيه قبل قدومهم، حسب السمسار أحمد عبد الرحيم.

مواطن سوداني يجلس على مقهى بفيصل تحت عبارة «تحيا مصر» (الشرق الأوسط)

تراجع متفاوت

والآن، يؤكد عبد الرحيم لـ«الشرق الأوسط»، تراجُع أسعار الشقق خصوصاً «المفروشة في الأبراج السكنية»، والتي كان يسكنها «السودانيون اللي معاهم فلوس»، مشيراً إلى أن كثيرين منهم عادوا إلى بلدهم.

يوضح السمسار: «كانوا يدفعون في الشهر 15 ألف جنيه في الشقة المفروشة، وبعد عودتهم لا تجد هذه الشقق من يسكنها بالأسعار نفسها، ما دفع أصحابها إلى تخفيض أسعارها إلى 12 و10 آلاف جنيه».

وأقرّ السمسار بأن هذه القيمة تظل مبالغاً فيها في منطقة شعبية مثل فيصل «لكن قد تنخفض أكثر مع قلة الطلب»، مُرجعاً بطء حركة تراجع الإيجارات إلى «جشع أصحاب الشقق ممن يأملون في أن يدفع المصري نفس ما كان يدفعه السوداني».

وقال السمسار السوداني حسن عبد الله، والذي يعمل على عرض الشقق على غروب بـ«فيسبوك» يضم آلاف السودانيين في مصر، لـ«الشرق الأوسط» إن الأسعار انخفضت إلى النصف تقريباً، فالشقة التي كان يعرضها بسعر 5 و4 آلاف جنيه، أصبحت معروضة بـ2000 و2500 و3000 جنيه «الشقق متوفرة مو زي قبل»، وذلك بعدما ترك الكثير من السودانيين الشقق وعادوا إلى السودان، على حد وصفه.

ومن فيصل إلى منطقتي الدقي والمهندسين الراقيتين بمحافظة الجيزة، انخفضت الأسعار كذلك بشكل ملحوظ. يقول أحمد الأسيوطي وهو حارس عقار وسمسار في الدقي لـ«الشرق الأوسط» إن إيجارات الشقق المفروشة في المنطقة تراجعت «بشكل كبير جداً»، مشيراً إلى أنها وصلت الفترة الماضية مع قدوم السودانيين، وتحديداً منذ منتصف العام الماضي إلى 70 ألف جنيه، لكنها بدأت تتراجع منذ 3 شهور إلى ما بين 40 و30 ألف جنيه، مع عودة بعض السودانيين.

أحمد الأسيوطي حارس عقار وسمسار في منطقة الدقي بالجيزة (الشرق الأوسط)

ويعود التفاوت الكبير في الأسعار بين فيصل والدقي إلى طبيعة المنطقتين من جهة، ومساحة ومستوى الشقة نفسها من جهة أخرى، إذ إن الشقق في المنطقة كبيرة في المساحة «4 غرف و3 حمامات ومستوى لوكس».

وتوقّع السمسار أن تتراجع إيجارات الشقق بشكل أكبر الفترة المقبلة، مستدلاً على ذلك أن «تحت يدي شققاً فاضية من أكثر من شهر، لا تجد من يسكنها، وكل فترة يخفض أصحابها السعر أكثر، للعثور على مستأجر».

الأمر نفسه أكده السمسار في منطقة المهندسين حمدي الصعيدي، واصفاً سوق الإيجارات حالياً بالـ«الهادئ»، في إشارة إلى كثرة المعروض مقابل المطلوب.

التأثير نفسه شهدته منطقة مدينة نصر شرق العاصمة، حيث تراجعت الإيجارات فيها إلى 20 و30 ألف جنيه، بعدما وصلت إلى 40 و50 ألف الفترة الماضية، حسب محمود محسن، وهو صاحب شقق يقوم بتأجيرها.

يقول محسن لـ«الشرق الأوسط» إن لديه شقة حالياً يعرضها بـ 22 ألف جنيه، كانت وصلت الفترة الماضية إلى ضعف هذا السعر مع كثرة الطلب على الإيجارات بقدوم السودانيين، مشيراً إلى أن مدينة نصر من مناطق جذب الوافدين من جنسيات مختلفة.

ورغم التراجع النسبي لأسعار الإيجارات في مناطق تمركز السودانيين، استبعد عضو شعبة الاستثمار العقاري في غرفة القاهرة التجارية أحمد عبد الله، أن تشهد السوق العقارية تراجعات تعود به إلى المستوى الذي كان عليه قبل قدومهم، قائلاً لـ«الشرق الأوسط»، إنه لا يتوقع انخفاضاً في أسعار الإيجارات بوجه عام بفعل التضخم وعوامل أخرى، «ومع ذلك ففي بعض المناطق التي شهدت تراجعاً مؤثراً في أعداد الجالية السودانية، من المتوقع أن ينخفض الطلب».

وتابع: «في كل الأحوال، الأرجح هو ألا تنخفض أسعار الإيجارات إلا إذا حدث تراجع كبير في الطلب مقارنة بالمعروض، وهو ما يعني مغادرة عدد كبير من الإخوة السودانيين».

محل سوداني في حي فيصل ينوي مغادرة مصر قريباً (الشرق الأوسط)

وسبق أن علق رئيس الحكومة الدكتور مصطفى مدبولي، على أزمة الإيجارات قائلاً إن الأسعار ارتفعت، لكن الحكومة لا تستطيع التدخل في سوق العقارات الذي يحتكم لـ«العرض والطلب»، متوقعاً آنذاك أن تكون «أزمة الإيجارات في مصر مسألة مؤقتة».

وخلال 6 شهور على حد أقصى، سيعود الشاب السوداني نافع عبد الحي إلى السودان، بعد شفاء قدمه التي خضعت لعملية جراحية مؤخراً، مشيراً إلى أن والديه عادا بالفعل، وأن «كثيراً من الوافدين السودانيين في مصر عاد منهم على الأقل شخص، يطمئن على الأوضاع هناك، قبل أن تتبعه بقية الأسرة».

واتفق معه توكل أحمد، وهو سوداني جاء إلى مصر مع عائلته قبل نحو 9 شهور، ويستعد للمغادرة في غضون أيام، قائلاً لـ«الشرق الأوسط» إن السودانيين يفضلون العودة بمجرد الاطمئنان على استتباب الأمن في مناطقهم بسبب ارتفاع تكلفة المعيشة في مصر، فضلاً عن عدم توافر وظائف وأعمال لهم، وهو ما أكده أيضاً أمين أمانة العلاقات الخارجية في جمعية الصداقة المصرية السودانية محمد جبارة.