سيومارا كاسترو... ضمّ هوندوراس إلى كتلة اليسار في أميركا اللاتينية

حققت فوزاً ساحقاً في انتخابات الرئاسة ووعدت بإنهاء الفساد

سيومارا كاسترو... ضمّ هوندوراس إلى كتلة اليسار في أميركا اللاتينية
TT

سيومارا كاسترو... ضمّ هوندوراس إلى كتلة اليسار في أميركا اللاتينية

سيومارا كاسترو... ضمّ هوندوراس إلى كتلة اليسار في أميركا اللاتينية

نهاية الشهر الماضي قرّرت جمهورية هوندوراس تسليم زمامها لأول مرة في تاريخها إلى امرأة، هي سيومارا كاسترو، زعيمة «تيار الحرية» اليساري، في انتخابات شهدت مشاركة قياسية، وتميّزت بشفافية أجمعت عليها البعثات الخارجية المراقبة والأحزاب المنافسة. وحقاً، سارعت البعثات الخارجية والأحزاب إلى تهنئة الرئيسة الجديدة، ووضعت نفسها في تصرفها للتعاون معها من أجل النهوض بالوضع الاقتصادي والاجتماعي المتردي الذي جعل من هذا البلد ثاني أفقر دول أميركا اللاتينية، والمُصدّر الأول لقوافل المهاجرين غير الشرعيين إلى الولايات المتحدة. ومن المنتظَر أن تتسلّم الرئيسة الجديدة كاسترو مهامها، أواخر الشهر المقبل، لتنهي 12 سنة من الفساد الجامح والانقلابات والاضطرابات السياسية والاجتماعية وانتهاكات حقوق الإنسان، كما قالت في أول كلمة لها بعد إعلان فوزها الساحق الذي أهدته إلى «الشهداء الذين دفعوا أرواحهم ثمناً لاستعادة الحرية والعدالة والديمقراطية».
حتى عام 2009، لم يكن عند سيومارا كاسترو أي طموح في خوض المعترك السياسي. إذ كانت تكتفي بمقاربته من أطرافه البروتوكولية بوصفها «سيّدة هوندوراس الأولى»، ترافق زوجها الرئيس مانويل زيلايا في المناسبات الاحتفالية، وتدشّن المشروعات الخيرية، وتجول من حين لآخر على الأحياء الفقيرة، فتواسي سكانها وتتفقّد أوضاعهم وتعِد بتلبية احتياجاتهم الأساسية وتقديم الخدمات والرعاية لهم.
ولكن في منتصف العام، وبعد أشهر من التوتر السياسي الذي كان بلغ مستويات غير مسبوقة، أطاح انقلاب عسكري مدعوم من الأحزاب والقوى اليمينية الرئيس زيلايا. وعندها لجأ الرئيس إلى نيكاراغوا بينما بقيت زوجته في هوندوراس تقود المعارضة ضد الانقلاب. وقيل يومها إن واشنطن كانت وراء الانقلاب، بعدما ذهب زيلايا بعيداً في تقاربه مع النظامين الكوبي والفنزويلي.
ذلك الحدث شكّل المنعطف الذي وضع كاسترو على المسار الذي أوصلها اليوم إلى سدّة الرئاسة، في بلد يعيش منذ عقود على وقع الكوارث الطبيعية والفساد وتفشّي أعمال العنف على يد العصابات المسلّحة... ولم يعد سكانه يسعون لإيجاد فرصة عمل، بل إلى توفير غذائهم اليومي، بعدما صار أكثر من نصفهم دون مستوى الفقر ويعيش بأقلّ من مائة دولار أميركي شهرياً.
في هذه الظروف، تولّت كاسترو تنظيم الاحتجاجات والمظاهرات السلمية. ومن ثم، خرجت من الظل إلى قيادة الحركة التي اعادت اليسار إلى الحكم بعد 12 سنة في هوندوراس، في أعقاب انضمامها إلى «منتدى ساو باولو» الذي يضمّ القوى والأحزاب اليسارية الرئيسية في أميركا اللاتينية... من «القوى الثورية المسلحة» في كولومبيا إلى الزعيم البوليفي إيفو موراليس.

ابنة أسرة ميسورة
تنتمي كاسترو إلى عائلة ميسورة من أرياف هوندوراس في مقاطعة أولانتشو، إلا أنها ولدت وترعرعت في العاصمة تيغوسيغالبا حيث تخرّجت في جامعتها مجازة في العلوم الإدارية. وفي العاصمة تعرّفت بعد التخرّج إلى زوجها الذي صرّح بعد فوزها في الانتخابات بأنه لن يتولّى أي منصب رسمي في حكومتها، بل وسيكتفي بتقديم المشورة لها «إذا طلبت منه ذلك».
الأمر اللافت بالفعل أن كاسترو لم تكتفِ بالفوز الكبير الذي حققته على رئاسة الجمهورية، بل حصد حزبها اليساري أيضاً غالبية المقاعد في البرلمان، وحقق اكتساحاً في الانتخابات البلدية فائزاً في 17 من أصل 18 محافظة. الأمر الذي دفع بمنافسها المرشّح اليميني نصري عصفورة، المتحدّر من أصول لبنانية وفلسطينية، إلى زيارتها في منزلها للتهنئة قبل إعلان النتائج النهائية الرسمية، إثر تأكد حصول حزبها على ثلاثة أضعاف الأصوات التي حصل عليها اليمين في العاصمة تيغوسيغالبا التي كان يرأس عصفورة بلديتها. وجاء في تعليق عصفورة على النتيجة: «أسأل الله تسديد خطاها من أجل مصلحة البلاد، التي هي اليوم بأمسّ الحاجة إلى المصالحة والوحدة، فهما الطريق الوحيد للتنمية». وكانت نسبة المشاركة في الاقتراع قد حطّمت كل الأرقام القياسية، إذ بلغت 68 في المائة من مجموع السكان، في منطقة نادراً ما تتجاوز نسبة المشاركة فيها 50 في المائة.

واشنطن أول المهنئين
لافت أيضاً أن أولى الدول التي اعترفت بفوز كاسترو كانت الولايات المتحدة، التي غرّد وزير خارجيتها أنطوني بلينكن على حسابه في «تويتر» قائلاً: «نهنئ الرئيسة الجديدة المنتخبة لهوندوراس ونتطلع إلى العمل معها لتعزيز المؤسسات الديمقراطية والنهوض بالوضع الاقتصادي ومحاربة الفساد». ومن جهتها، أعربت بعثة المراقبة التي اوفدها الاتحاد الأوروبي عن ارتياحها بشكل عام لنزاهة الانتخابات، غير أنها انتقدت تخصيص موارد عامة ضخمة لدعم المرشحين الموالين للحكومة، وأيضاً ما وصفته بمستويات غير مسبوقة من العنف السياسي.
هذا، وكانت سيومارا كاسترو قد نجحت في استقطاب تأييد واسع بين سكان المناطق الريفية والطبقة الوسطى التي أنهكها الفساد المستشري. وللعلم، طالت تهم الفساد الرئيس الحالي للجمهورية، خوان أورلاندو، وعشرات النواب والوزراء الذين صدرت في حقهم مذكرات ملاحقات قضائية في الولايات المتحدة، بتهمة الضلوع في غسل الأموال والتعاون مع منظمات تهريب المخدرات والاتجار بالمهاجرين.
من جهة أخرى، في أول خطاب للرئيسة الجديدة، بعد الإعلان الرسمي لفوزها، أكدت عزمها على الوفاء بالوعد الأساسي الذي أطلقته في حملتها الانتخابية، ألا وهو الدعوة إلى عقد جمعية تأسيسية تعيد تشكل النظام السياسي ومؤسساته. وأردفت: «سنفي بكل الوعود التي قطعناها، ولن نتهاون في سعينا نحو بناء وطنٍ مختلفٍ وحرٍّ وعادل». واعتبرت كاسترو أن الفوز الذي حققته يضع نقطة الختام على الأزمة السياسية التي تتخبط فيها البلاد منذ انقلاب عام 2009. وقالت: «هذا الفرح الذي تشهده اليوم طوى 12 سنة من الدموع والعذاب»، في إشارة إلى القمع الذي تعرّض له حزبها على يد القوات المسلحة والأجهزة الأمنية طوال سنوات. ويتوقع المراقبون أن تؤدي عودة اليسار إلى الحكم في هوندوراس إلى خلط الأوراق في أميركا الوسطى، نظراً للعلاقات الوطيدة التي تربط الحزب الفائز بالنظام الفنزويلي منذ عهد هوغو شافيز، كما أنها ستفتح نافذة أمام رئيس نيكاراغوا المحاصر، دانييل أورتيغا، الذي احتضن زوج كاسترو عندما أطاحه الانقلاب العسكري واضطر لمغادرة البلاد بلباس النوم إلى العاصمة النيكاراغوية ماناغوا، حيث عاش حتى عودته إلى هوندوراس.
جدير بالذكر، أن عزل زيلايا بعد الانقلاب العسكري جاء بأمر صدر عن المحكمة العليا التي وجّهت إليه تهمة الخيانة العظمى، ونصبّت مكانه رئيس مجلس النواب روبرتو ميكيليتي، الذي كان يعتبر «رجل الولايات المتحدة في هوندوراس». واستدعت تلك الأحداث يومذاك إدانة واسعة في الأوساط الدولية، بما فيها «منظمة البلدان الأميركية» والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، التي طالبت كلها بإعادة الرئيس المخلوع إلى السلطة. وإيّان اقامته في نيكاراغوا تمكّن زيلايا من العودة خلسة إلى هوندوراس؛ حيث لجأ طوال خمسة أشهر إلى سفارة البرازيل، قبل خروجه مجدداً إلى جمهورية الدومينيكان. ثم عاد فعلياً في عام 2011، واستأنف العمل السياسي فأسّس «حزب الحرّية» الذي حلّ ثانياً في الدورتين السابقتين للانتخابات الاشتراعية.

الطريق نحو الرئاسة
أيضاً، يستحق الإشارة، أن الرئيسة المنتخبة كانت ترشّحت للمرة الأولى في عام 2013. ثم عادت وترشّحت لمنصب نائب الرئيس مع المرشح الرئاسي (آنذاك) المحافظ سالفادور نصر الله، الذي سيتولّى هو الآن إلى جانبها نيابة الرئاسة. وكان نصر الله - الذي يتحدّر هو أيضاً من أصول لبنانية - دخل المعترك السياسي من باب الإعلام؛ حيث كان يعتبر النجم التلفزيوني بلا منازع في هوندوراس، قد أسس مطلع العام الحالي حزباً سياسياً جديداً أطلق عليه «سالفادور (مخلّص) هوندوراس»، وأعلن ترشحه لرئاسة الجمهورية. إلا أنه عاد عن قراره مطلع أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وانضمّ إلى كاسترو مترشحاً كنائب لها.
من الوعود التي أطلقتها كاسترو أثناء حملتها الانتخابية، وأعلنت أنها ستنفذها في حال فوزها، إعادة النظر في قرار الرئيس السابق إقامة علاقات دبلوماسية مع تايوان. وذكر مصدر مقرّب من الرئيسة المنتخبة أنها تعدّ لقطع هذه العلاقات واستئنافها مع بكين. يُذكر هنا أن هوندوراس هي واحدة من 15 دولة تقيم علاقات دبلوماسية مع تايوان مقابل حصولها على مساعدات اقتصادية. ونظراً إلى ضخامة التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجه الرئيسة الجديدة، يتوقع المراقبون أن تتجّه حكومة كاسترو نحو الصين، التي نجحت خلال السنوات الأخيرة من تعزيز حضورها الاقتصادي وترسيخه في نيكاراغوا المجاورة، وبالتالي لن تتردّد في استقطاب هوندوراس... التي كانت طوال عقود «الحديقة الخلفية» بامتياز للولايات المتحدة.
وفي سياق متصل، كان البنك الدولي قد توقّع منذ شهر في تقريره الإنمائي الإقليمي أن يبلغ عدد الذين سيُغادرون هوندوراس وينضمّون إلى قوافل المهاجرين غير الشرعيين إلى الولايات المتحدة عبر المكسيك نحو 700 ألف، معظمهم من الشباب والقاصرين. وكانت منظمة الهجرة العالمية قد حذّرت في تقريرها السنوي من أن موجات تدفق المهاجرين الذين يغادرون بلدان أميركا الوسطى، إذا استمرّت على وتيرتها الحالية، فستقضي على جميع الإنجازات الإنمائية التي تحققت في تلك المنطقة على مدى العقود الثلاثة الماضية.



أورتيغا وزوجته يشددان قبضتهما على نيكاراغوا

دانيال أورتيغا يحيي أنصاره في الذكرى الـ43 للثورة الساندينستا في 19 يوليو الماضي (رويترز)
دانيال أورتيغا يحيي أنصاره في الذكرى الـ43 للثورة الساندينستا في 19 يوليو الماضي (رويترز)
TT

أورتيغا وزوجته يشددان قبضتهما على نيكاراغوا

دانيال أورتيغا يحيي أنصاره في الذكرى الـ43 للثورة الساندينستا في 19 يوليو الماضي (رويترز)
دانيال أورتيغا يحيي أنصاره في الذكرى الـ43 للثورة الساندينستا في 19 يوليو الماضي (رويترز)

في إطار سعيهما لتعزيز قبضتهما على السلطة، يهاجم رئيس نيكاراغوا دانيال أورتيغا ونائبته وزوجته روزاريو موريو الكنيسة الكاثوليكية، بعدما عملا على سجن أو نفي شخصيات معارضة.
بدأ المقاتل السابق في جبهة التحرير الوطني الساندينية، بدعم قوي من زوجته، بالتأسيس لاستمرارية في السلطة منذ عودته إليها في عام 2007. وسمحت تعديلات دستورية في العامين 2011 و2014 برفع الحظر المفروض على إعادة انتخاب الرئيس، الذي كان منصوصاً عليه سابقاً في الدستور، حسبما تقول عالمة الاجتماع إلفيرا كوادرا التي تعيش في المنفى في كوستاريكا.
وتشير كودارا لوكالة «الصحافة الفرنسية» إلى أن أورتيغا (76 عاماً) «حوّل بذلك شكل الحكومة التي نصّ عليها الدستور» من أجل الانتقال إلى نظام «استبدادي» يضع «صنع القرار المطلق في أيدي الثنائي الرئاسي».
ومنذ القمع الدامي لاحتجاجات عام 2018 التي كانت تُطالب باستقالة الزوجيْن، تمرّ نيكاراغاوا بـ«أزمة مطوّلة لا يمكن تخطّيها» لأن أورتيغا وزوجته «أكّدا استمراريتهما في السلطة خلال انتخابات نوفمبر (تشرين الثاني) 2021. ومن خلال مأسسة الدولة البوليسية».
وأُعيد انتخاب أورتيغا لولاية رابعة على التوالي خلال انتخابات غاب عنها جميع منافسيه الأقوياء المحتملين، بسبب اعتقالهم أو إرغامهم على العيش في المنفى.
ولطالما دان المجتمع الدولي أفعال النظام في نيكاراغوا. وطالبت منظمة الدول الأميركية، أول من أمس الجمعة، الحكومة في نيكاراغوا بوقف «المضايقات والقيود التعسّفية» بحق المنظمات غير الحكومية ووسائل الإعلام والمنظمات الدينية والمعارضين. وطالبت أيضاً بـ«الإفراج الفوري عن السجناء السياسيين الذين يُقدّر عددهم بنحو 190».
ويعتبر المحلل والنائب السابق في نيكاراغوا إيليسيو نونييز، الذي يعيش هو أيضاً في المنفى، أن جبهة التحرير الوطني الساندينية «تنتقل من موقع الحزب المهيمن إلى موقع الحزب الواحد (...) مع خلق عبادة شخصية لا مثيل لها حالياً في أميركا اللاتينية».
ومنذ عام، تمّ اعتقال 46 معارضاً أو مجرد منتقد للحكومة وحُكم عليهم بالسجن لفترات تصل إلى 13 عاماً. وكان سبعة منهم يريدون الترشّح إلى الرئاسة.
- قمع الإعلام
وكانت وسائل الإعلام أيضاً من الأهداف الأولى للسلطة.
لم تعد صحيفة «لا برينسا» La Prensa، التي كانت تنشر نسخة ورقية، موجودة إلّا على الإنترنت، بعدما اختار صحافيوها المنفى خوفاً من الاعتقال، وذلك عقب مصادرة مقرّها وزجّ مديرها لورينزو هولمان بالسجن.
وأغلقت السلطات أيضاً المحطة التلفزيونية التابعة للكنيسة الكاثوليكية في نيكاراغوا، بالإضافة إلى عدة إذاعات في أبرشيات مختلفة، وعشرات وسائل الإعلام المستقلة.
في 15 أكتوبر (تشرين الأول) 2020. أصدرت نيكاراغوا تشريعاً يستهدف الذين يتلقون أموالاً من الخارج ويفرض تسجيلهم لدى السلطات بصفة «عملاء أجانب». وأثار هذا القانون انتقادات المجتمع الدولي لما يشكله من خطر على الصحافيين ونشطاء حقوق الإنسان.
وبموجب هذا القانون، اعتبرت أكثر من ألف مؤسسة ومنظمة غير حكومية كان بعضها يكرّس عمله للدفاع عن حقوق الإنسان، غير قانونية. وأغلقت جامعات خاصة ومنظمات ثقافية بين عشية وضحاها.
في يوليو (تموز) اضطرت راهبات مجمّع الإرساليات الخيرية الذي أسسته الأم تيريزا، إلى الرحيل من نيكاراغوا، وطُردن كأنّهن «منبوذات»، حسبما قال مركز نيكاراغوا للدفاع عن حقوق الإنسان.
- «كنيسة صامتة»
وتُظهر الكنيسة الكاثوليكية نفسها على أنها آخر معقل يحمي من الإجراءات التعسّفية. لكن الموالين للحكومة يعتبرون الكهنة والأساقفة الذين ينتقدون النظام «أنبياء مزيّفين».
ومنعت الشرطة أسقف ماتاغالبا (شمال شرق) المونسنيور رولاندو ألفاريز من التنقّل، منذ 4 أغسطس (آب)، مما يعكس ذروة الأزمة مع نظام يسعى إلى إسكات رجال الدين في الكنيسة الكاثوليكية المحلية لقمع أصوات المعارضة.
وقال ألفاريز في إحدى عظاته: «لطالما أرادت الحكومة كنيسة صامتة، لا تريدنا أن نتكلّم وأن نندّد بالظلم».