الضغوط الغربية تدفع طهران لتقديم تنازل «الحد الأدنى»

المندوب الفرنسي نيكولا دو ريفيير يتلو بياناً مشتركاً من الترويكا الأوروبية في مجلس الأمن أول من أمس (الأمم المتحدة)
المندوب الفرنسي نيكولا دو ريفيير يتلو بياناً مشتركاً من الترويكا الأوروبية في مجلس الأمن أول من أمس (الأمم المتحدة)
TT

الضغوط الغربية تدفع طهران لتقديم تنازل «الحد الأدنى»

المندوب الفرنسي نيكولا دو ريفيير يتلو بياناً مشتركاً من الترويكا الأوروبية في مجلس الأمن أول من أمس (الأمم المتحدة)
المندوب الفرنسي نيكولا دو ريفيير يتلو بياناً مشتركاً من الترويكا الأوروبية في مجلس الأمن أول من أمس (الأمم المتحدة)

لم يتبين حتى الساعة ما إذا كانت جولة المحادثات الحالية الجارية في فيينا بين مجموعة «4+1» وإيران مباشرة، أو بوساطة أوروبية مع الوفد الأميركي، ستتوقف مؤقتاً، على غرار الجولة السابقة التي علقت لأسبوع، بناء على طلب أميركي - أوروبي احتجاجاً على أداء الوفد الإيراني، والمسودتين اللتين تقدم بهما رئيس وفد طهران علي باقري كني، وقد رأى فيهما الغربيون أمرين؛ الأول، تراجع من جهة عن تسويات تم التوصل إليها في يونيو (حزيران) الماضي مع الوفد الإيراني السابق. والثاني، مغالاة في المطالب التي تريدها طهران على صعيد رفع العقوبات المفروضة عليها كلياً ودفعة واحدة، بما فيها تلك غير المرتبطة بالجانب النووي. يضاف إلى ذلك الاستمرار المتسارع في تخصيب اليورانيوم بمستويات عالية «20 و60 في المائة، وربما أكثر من ذلك»، واستمرار التصلب في التعاطي مع مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، إلى درجة أن مديرها بعد زيارة فاشلة إلى طهران اعترف بـ«العجز» عن توفير صورة واضحة لما وصل إليه البرنامج النووي، وبالتالي اعتباره أنه سيكون من الصعب إبرام اتفاق جديد مع طهران، فيما المفاوضون يجهلون الدرجة التي وصل إليها.
كانت النتيجة المباشرة لوصول المحادثات إلى ما يشبه الطريق المسدود أن تزايدت الضغوط على إيران بشكل لا مثيل له منذ انطلاق المفاوضات في شهر أبريل (نيسان) الماضي. وجاءت الضغوط من عدة مصادر؛ أولاً، الولايات المتحدة الأميركية التي تردد على لسان وزير خارجيتها والناطق باسمه ورئيس وفدها إلى فيينا ورئيس مجلس الأمن القومي، أكثر فأكثر، أن خيار الدبلوماسية ما زال قائماً، لكن إدارة الرئيس بايدن «تدرس مع الشركاء والحلفاء خيارات أخرى»، لتضيف أن «نافذة التفاوض أخذت تضيق». واشنطن لم تكن معزولة في تقييماتها. فالشركاء الأوروبيون الثلاثة «فرنسا وبريطانيا وألمانيا» أخذوا يطلقون التحذير تلو الآخر، إلى درجة أن المواقف الأميركية والأوروبية أصبحت متطابقة تماماً. ثم جاء دور وزراء خارجية مجموعة السبع، الذين عقب اجتماعهم الأخير في بريطانيا أصدروا بياناً تحذيرياً حاداً لإيران. وجاء كلام وزيرة الخارجية البريطانية ليز تروس صادماً ومتجاوزاً التنبيهات السابقة كافة، إذ أعلنت أن أمام طهران «الفرصة الأخيرة» للعودة إلى الاتفاق النووي. يضاف إلى ذلك تسريع المشاورات الأميركية - الإسرائيلية على المستويات كافة، والتهديد المكشوف باللجوء إلى الخيار العسكري، وتأكيد الجانب الإسرائيلي أنه لا يعتبر نفسه «معنياً» بأي اتفاق يتم التوصل إليه، بالتوازي مع الضغوط الداخلية على الرئيس بايدن.
شكلت الكلمة التي ألقاها مندوب فرنسا لدى الأمم المتحدة بمناسبة اجتماع مجلس الأمن، ليل أول من أمس، للنظر في الملف النووي الإيراني، أكمل وأشمل مضبطة اتهام لطهران. وبعد أن سرد نيكولا دو لا ريفيير مسار المفاوضات منذ أن استؤنفت نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي في فيينا، رأى أن «بقاء الاتفاق النووي على قيد الحياة أصبح اليوم مهدداً أكثر من أي يوم مضى». وأعرب دو لا ريفيير عن «الخيبة والقلق من الفريق الإيراني المفاوض الجديد» الذي يرأسه نائب وزير الخارجية علي باقري كني، مضيفاً أن التصعيد النووي الإيراني «أفرغ الاتفاق من مضمونه»، خصوصاً أن إيران اكتسبت المهارات والمعارف التي تمكنها من إنتاج السلاح النووي. ولم يغفل دو لا ريفيير الأنشطة الصاروخية الإيرانية، وما يمثله من ضرب للاستقرار الإقليمي تزويد أطراف خارجية بالصواريخ، وهو ما يمنعها عنه القرار الدولي رقم 2231. وخلاصة الدبلوماسي الفرنسي الذي يعبر عن موقف بلاده أن إيران ومعها العالم اليوم على «مفترق طريق، إما أن تستمر خلال الأسابيع المقبلة في التصعيد النووي، ما سيفضي إلى انهيار الاتفاق، وإلى إطلاق أزمة خطيرة، أو أن تختار إيران بشكل طارئ طريق (الوصول) إلى اتفاق شامل وعادل لصالح شعبها». وخلاصة دو لا ريفيير «إنها الفرصة الأخيرة» لإعادة إحياء الاتفاق، وإنها «مسألة أيام وأسابيع».
حتى أمس، كانت إيران تصمّ أذنيها عن النداءات والتحذيرات، وكانت متمسكة بمطالبها، معتبرة أن الضغوط التي تمارس عليها غرضها فقط دفعها للتراجع. والحال، وفق مصادر أوروبية معنية بالمفاوضات، أن المسؤولين في طهران وعوا أن الكلام المعسول الذي أطلقه باقري كني ووزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان حول «تحقيق تقدم» وإمكانية التوصل إلى اتفاق «إذا حسنت النوايا» من الجانب الآخر لم يعد يغني عن جوع، وأن على إيران «إذا أرادت أن تواصل المفاوضات أن تقدم للغربيين شيئاً ما». من هذه الزاوية، تقيّم المصادر المشار إليها تراجع طهران عن رفضها تمكين الوكالة الدولية للطاقة الذرية من استبدال معدات المراقبة في مجمع تسا، الواقع في منشأة كرج، قريباً من طهران والمتخصص بتصنيع مكونات أجهزة الطرد المركزي الحديثة. وذكرت وكالة «نور نيوز» التي تعبر عن مواقف المجلس الأعلى للأمن القومي أن الموافقة الإيرانية تعد «في بادرة حسن نية»، فيما نقلت وكالات إيرانية أخرى أن القرار الإيراني «جاء طوعياً للحد من سوء التفاهم للعلاقات مع الوكالة الدولية للطاقة». لكن السؤال الذي يفرض نفسه هو؛ لماذا جعلت طهران مدير الوكالة الدولية رافاييل غروسي يعود خالي الوفاض من زيارته لطهران حيث التقى رئيس المنظمة الذرية الإيرانية محمد إسلامي، الذي هو أيضاً نائب رئيس الجمهورية، كما التقى عبد اللهيان؟ وكيف يمكن تفسير كلام إسلامي يوم الاثنين الماضي حيث اعتبر أن ملف كرج يخرج عن نطاق الضمانات المعطاة للوكالة، «وهو أمر لا تقبله طهران»، وأن بلاده «تتصرف ضمن نطاق معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية، ولا تقبل أي شيء آخر»؟
حقيقة الأمر أن طهران، بحسب ما تشير إليه الأوساط الأوروبية، «وجدت نفسها في عزلة» في فيينا وخارجها، ووعت أن «اللعب على حبل التناقضات بين الأوروبيين والأميركيين لم يعد متاحاً». ولذا، وجدت أن هناك «حدوداً» للعبة الضغوط عبر المناورات المتتالية وكسب الوقت والمماطلة وأن المغالاة في استخدام التكتيكات المعروفة لم تعد مجدية. ولذا، فإن نتيجتها المباشرة ستكون دفع الغربيين إلى التخلي عن المفاوضات، ما سيعني استمرار العقوبات، بل تعزيزها ودفع الأميركيين والإسرائيليين إلى مزيد من التنسيق الأمني والعسكري وتوفير الذريعة لهما لاستهداف برنامجها النووي بعدة وسائل، ليست الضربة العسكرية أولها.
يبقى أن ما قدمته طهران لا يتعدى كونه تنازل الحد الأدنى. والسؤال راهناً هو عن معرفة ما إذا كان سيقنع الغربيين من أجل مواصلة المحادثات، أم أنهم سيرون فيه تكتيكاً إضافياً، على غرار ما برعت طهران في استيلاده.



تصريحات ميتسوتاكيس تُعيد إشعال التوتر بين أثينا وأنقرة بعد أشهر من الهدوء

إردوغان مستقبلاً ميتسوتاكيس خلال زيارته لأنقرة في مايو الماضي (الرئاسة التركية)
إردوغان مستقبلاً ميتسوتاكيس خلال زيارته لأنقرة في مايو الماضي (الرئاسة التركية)
TT

تصريحات ميتسوتاكيس تُعيد إشعال التوتر بين أثينا وأنقرة بعد أشهر من الهدوء

إردوغان مستقبلاً ميتسوتاكيس خلال زيارته لأنقرة في مايو الماضي (الرئاسة التركية)
إردوغان مستقبلاً ميتسوتاكيس خلال زيارته لأنقرة في مايو الماضي (الرئاسة التركية)

أشعل رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس توتراً جديداً مع تركيا، بعد أشهر من الهدوء تخللتها اجتماعات وزيارات متبادلة على مستويات رفيعة للبناء على الأجندة الإيجابية للحوار بين البلدين الجارين.

وأطلق ميتسوتاكيس، بشكل مفاجئ، تهديداً بالتدخل العسكري ضد تركيا في ظل عدم وجود إمكانية للتوصل إلى حل بشأن قضايا المنطقة الاقتصادية الخالصة والجرف القاري.

تلويح بالحرب

نقلت وسائل إعلام تركية، السبت، عن ميتسوتاكيس قوله، خلال مؤتمر حول السياسة الخارجية عُقد في أثينا، إن «الجيش يمكن أن يتدخل مرة أخرى إذا لزم الأمر». وأضاف: «إذا لزم الأمر، فسيقوم جيشنا بتنشيط المنطقة الاقتصادية الخالصة. لقد شهدت أوقاتاً تدخّل فيها جيشنا في الماضي، وسنفعل ذلك مرة أخرى إذا لزم الأمر، لكنني آمل ألا يكون ذلك ضرورياً».

رئيس الوزراء اليوناني ميتسوتاكيس (رويترز - أرشيفية)

ولفت رئيس الوزراء اليوناني إلى أنه يدرك أن وجهات نظر تركيا بشأن «الوطن الأزرق» (سيطرة تركيا على البحار التي تطل عليها) لم تتغير، وأن اليونان تحافظ على موقفها في هذه العملية. وقال ميتسوتاكيس: «في السنوات الأخيرة، زادت تركيا من نفوذها في شرق البحر المتوسط. قضية الخلاف الوحيدة بالنسبة لنا هي الجرف القاري في بحر إيجه وشرق البحر المتوسط. إنها مسألة تعيين حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة، وعلينا أن نحمي جرفنا القاري».

من ناحية أخرى، قال ميتسوتاكيس إن «هدفنا الوحيد هو إقامة دولة موحّدة في قبرص... قبرص موحّدة ذات منطقتين ومجتمعين (تركي ويوناني)، حيث لن تكون هناك جيوش احتلال (الجنود الأتراك في شمال قبرص)، ولن يكون هناك ضامنون عفا عليهم الزمن (الضمانة التركية)».

ولم يصدر عن تركيا رد على تصريحات ميتسوتاكيس حتى الآن.

خلافات مزمنة

تسود خلافات مزمنة بين البلدين الجارين العضوين في حلف شمال الأطلسي (ناتو) حول الجرف القاري، وتقسيم الموارد في شرق البحر المتوسط، فضلاً عن النزاعات حول جزر بحر إيجه.

وتسعى اليونان إلى توسيع مياهها الإقليمية إلى ما هو أبعد من 6 أميال، والوصول إلى 12 ميلاً، استناداً إلى «اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار» لعام 1982 التي ليست تركيا طرفاً فيها.

وهدّد الرئيس التركي رجب طيب إردوغان من قبل، مراراً، بالرد العسكري على اليونان إذا لم توقف «انتهاكاتها للمياه الإقليمية التركية»، وتسليح الجزر في بحر إيجه. وأجرت تركيا عمليات تنقيب عن النفط والغاز في شرق البحر المتوسط في عام 2020 تسبّبت في توتر شديد مع اليونان وقبرص، واستدعت تحذيراً وعقوبات رمزية من الاتحاد الأوروبي، قبل أن تتراجع تركيا وتسحب سفينة التنقيب «أوروتش رئيس» في صيف العام ذاته.

سفن حربية تركية رافقت سفينة التنقيب «أوروتش رئيس» خلال مهمتها في شرق المتوسط في 2020 (الدفاع التركية)

وتدخل حلف «الناتو» في الأزمة، واحتضن اجتماعات لبناء الثقة بين البلدين العضوين.

أجندة إيجابية وحوار

جاءت تصريحات رئيس الوزراء اليوناني، بعد أيام قليلة من تأكيد وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، في كلمة له خلال مناقشة البرلمان، الثلاثاء، موازنة الوزارة لعام 2025، أن تركيا ستواصل العمل مع اليونان في ضوء الأجندة الإيجابية للحوار.

وقال فيدان إننا «نواصل مبادراتنا لحماية حقوق الأقلية التركية في تراقيا الغربية، ونحمي بحزم حقوقنا ومصالحنا في بحر إيجه وشرق البحر المتوسط، ​​سواء على الأرض أو في المفاوضات».

وعُقدت جولة جديدة من اجتماعات الحوار السياسي بين تركيا واليونان، في أثينا الأسبوع الماضي، برئاسة نائب وزير الخارجية لشؤون الاتحاد الأوروبي، محمد كمال بوزاي، ونظيرته اليونانية ألكسندرا بابادوبولو.

جولة من اجتماعات الحوار السياسي التركي - اليوناني في أثينا الأسبوع الماضي (الخارجية التركية)

وذكر بيان مشترك، صدر في ختام الاجتماع، أن الجانبين ناقشا مختلف جوانب العلاقات الثنائية، وقاما بتقييم التطورات والتوقعات الحالية؛ استعداداً للدورة السادسة لمجلس التعاون رفيع المستوى، التي ستُعقد في تركيا العام المقبل.

ولفت البيان إلى مناقشة قضايا إقليمية أيضاً خلال الاجتماع في إطار العلاقات التركية - الأوروبية والتطورات الأخيرة بالمنطقة.

وجاء الاجتماع بعد زيارة قام بها فيدان إلى أثينا في 8 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، أكد البلدان خلالها الاستمرار في تعزيز الحوار حول القضايا ذات الاهتمام المشترك.

لا أرضية للتوافق

وقال ميتسوتاكيس، في مؤتمر صحافي عقده بعد القمة غير الرسمية للاتحاد الأوروبي في بودابست في 9 نوفمبر، إن الحفاظ على الاستقرار في العلاقات بين بلاده وتركيا سيكون في مصلحة شعبيهما.

وأشار إلى اجتماع غير رسمي عقده مع إردوغان في بودابست، مؤكداً أن هدف «التطبيع» يجب أن يكون الأساس في العلاقات بين البلدين، وتطرق كذلك إلى المحادثات بين وزيري خارجية تركيا واليونان، هاكان فيدان وجيورجوس جيرابيتريتيس، في أثنيا، قائلاً إنه جرى في أجواء إيجابية، لكنه لفت إلى عدم توفر «أرضية للتوافق بشأن القضايا الأساسية» بين البلدين.

وزير الخارجية اليوناني يصافح نظيره التركي في أثينا خلال نوفمبر الماضي (رويترز)

وسبق أن التقى إردوغان ميتسوتاكيس، في نيويورك على هامش مشاركتهما في أعمال الدورة 79 للجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر (أيلول) الماضي، وأكد أن تركيا واليونان يمكنهما اتخاذ خطوات حازمة نحو المستقبل على أساس حسن الجوار.

وزار ميتسوتاكيس تركيا، في مايو (أيار) الماضي، بعد 5 أشهر من زيارة إردوغان لأثينا في 7 ديسمبر (كانون الأول) 2023 التي شهدت عودة انعقاد مجلس التعاون الاستراتيجي بين البلدين، بعدما أعلن إردوغان قبلها بأشهر إلغاء المجلس، مهدداً بالتدخل العسكري ضد اليونان بسبب تسليحها جزراً في بحر إيجه.