زمن السبعينات وانكساراته في رواية مصرية

الكاتب عصام البرعي يفضح تشوهاته في «عظّومة»

زمن السبعينات وانكساراته في رواية مصرية
TT

زمن السبعينات وانكساراته في رواية مصرية

زمن السبعينات وانكساراته في رواية مصرية

يخيم زمن السبعينات بكل انكساراته وأحلامه على رواية «عظومة» للكاتب عصام البرعي، الصادرة حديثاً عن دار ميريت للنشر والتوزيع بالقاهرة، وتنعكس على مرآتها بزوايا مختلفة التحولات التي جرت في مصر خلال مرحلة السبعينات من القرن الماضي، وما تبعها من تغييرات في الواقع وتشوهات في المجتمع، وتصبح موضوعاً لأحداثها التي تدور في محيط مدينة الإسكندرية، وأحيائها الشعبية والفقيرة، وتكشف عن مصائر شخصياتها عما صار من تبدل في الجو العام، أدى إلى أن تكتسي حياة الناس بنوع من التردي والوحدة والخوف والانعزال، ذبلت تحت وطأته أرواحهم، كما أصاب بعضهم بالذاتية والانتهازية التي راحت تضرب في أعماقهم، فقراء كانوا أو أغنياء.
تطرح الرواية كل هذا في أنساق سردية شديدة البساطة والعمق؛ فالتداعيات التي وقعت لم تختص بفئة دون أخرى ولا بطبقة دون سواها، فقد أصابت رياح الضياع الذي طال كل شيء، أبناء الطبقة الوسطى والتجار وأصحاب المهن والمثقفين الذين استشعر البعض منهم ما هو مقبل من أزمات، وراحوا يطوفون على المقاهي يحذرون من وقوع «كارثة» أو «طوفان» يأخذ في طريقه كل شيء. هكذا فعل «عظومة» بطل الرواية الذي تردى به الحال، وتحول من محاسب ناجح في شركة قطاع عام كبرى تتخذ من مدينة الإسكندرية مركزاً لها إلى شخص قعيد معزول يسكن غرفة مظلمة في حي شعبي مشهور بتجارة المخدرات والبلطجة. وقد صار الكثيرون يخشون الحديث معه ويتجنبونه، ويرونه خطراً عليهم لدرجة أن اتهمه البعض بالجنون بسبب تجواله قبل مرضه بين التجمعات وسعيه الدائم لتحذير كان من يجده في طريقه من خطر داهم ومصيبة آتية لا محالة.

صديق الطفولة

تدور الرواية حول شخصين يقوم أحدهما «الراوي» بالبحث عن صديق طفولته وصباه وشبابه «عظومة»، بعد أن عرف صدفة أنه مريض، ويمر بظروف صعبة، تحتم عليه أن يقف إلى جانبه في محنته، ومن خلال تفاصيل تتراكم مع تواصل السرد يتكشف لدى القارئ أن الراوي، الذي يتحرك طوال الأحداث من دون اسم، يشبه صديقه في كثير من أحواله وحياته، فكلاهما تركته زوجته بعد أن طلبت الطلاق، بسبب علاقتها بشخص آخر، وكلاهما رغم ما يملك من ثقافة وإمكانات عاطل وبلا عمل، وكلاهما معزول يشعر بالوحدة حتى قبل أن تغادره أسرته، الفرق الوحيد بينهما أن الراوي كان يعيش حياة متوازنة بسبب تركة ورثها عن والدته، أما عظومة فلم يكن لديه ما يؤمّن له لقمة عيشه بعد أن طرده ملاك الشركة الجدد من العمل رغم أنه كان أحد كبار موظفيها.
ومنذ البداية يضعنا الكاتب عصام البرعي في قلب المأساة حين يصف حال «عظومة» وهو يحتضر في غرفته وحيداً، يقول على لسان الراوي صديق طفولته «بدا لي أنه يعرف أنه في نهاية مشواره، كانت ابتسامته الكبيرة معلقة باستسلام في فراغ شاحب، وغطت عينيه سحابة من الضباب الرمادي، بدا هيكلاً عظميّاً مغطى بجلد باهت تتناثر فيه التقرحات والبقع البنية والسوداء».
ويتحرك الراوي في رحلة بحثه عن صديقه بين مناطق وشوارع تتسم بالعشوائية وتتوزع فيها أكوام القمامة هنا وهناك، يصف البنايات بجدرانها وأبوابها وشرفاتها الكالحة، ليشير إلى أن ما جرى على البشر من تحولات طال أيضاً الكثير من الأماكن التي يعيشون في رحابها، وأن القبح الذي صار يسكن أرواحهم يجد ظلا له فيما يحيط بهم من مساحات جغرافية، بدءاً من شارع فرغلي الذي كان يسكن فيه عظومة قبل مرضه، حتى مؤسسة التوزيع والتسويق المتحدة التي كان يعمل فيها، ثم ميدان محطة مصر والذي يعدّه الراوي أحد أكثر ميادين الإسكندرية كآبة واتسخا، يمتلئ بسيارات الأجرة الجماعية والباعة الجائلين واكوام القمامة، وتحيط به مبانٍ غطتها ترسبات دخان عوادم السيارات، ولا يختلف «حي دنا» ملجأ عظومة الأخير بعد مرضه، عن شارع المواردي الذي ينضح بقبح عفوي، أما سجن الحضرة القريب منه فكان يتميز بطابع خاص، فقد انتشرت حوله أعمال كثيرة مثل الفِطر، فهناك من يعدون «عواميد» الطعام أو يؤجرونها فارغة إلى أقارب السجناء، وهناك من يضعون الطعام والحلوى فوق عربات خشبية تحيط بها سحب كثيفة من الذباب، أما الأهالي الذين يعيشون في شقق قريبة من جدار السجن، فكانوا يؤجرون بعض الغرف بالساعة لعائلات بعض السجناء لمخاطبتهم منها، وكان المسجون يجلس متعلقاً بقضبان نافذة زنزانته يتبادل حديث أقرب إلى الصراخ مع أقربائه في الشقة المستأجرة حتى ينال التعب منهم أو تنفد ساعات إيجار الشقة».

تشوهات في الروح

في رحلة بحثه عن عظومة تكشف الحوارات التي أجراها الراوي مع العديد من الأشخاص عما أصاب شخصياتهم من تشوهات، وقد كانت البداية مع سعيد شقيق طليقة عظومة، وزميله في المؤسسة وقد اكتشف الراوي بعد مقابلة معه حين ذهب إليه يسأله عن أخباره أنه شخص انتهازي، يميل إلى التظاهر، ولديه استعداد لأن يبيع نفسه لمن يدفع، أما جعفر مدمن المخدرات ابن منطقة الحضرة، والذي لجأ إليه عظومة بعد طرده من العمل، فليس أكثر من بلطجي يعمل لصالح أصحاب النفوذ من رجال الأعمال في تخليص مصالحهم، ولا يختلف عن هذا وذاك الأسطى لبيب الحلاق برائحة فمه الكريهة، أما محمد البقال الفتي القعيد الذي يتحرك في دكانه على كرسي متحرك، فقد كان القشة التي قسمت ظهر عظومة، وأدخلته في أزمة قتلته في النهاية، فبعدما تراكمت ديونه عليه، ولم يستطع عظومة الوفاء بها، وتوقف البقال عن مطالبته، بدأت الحكايات تتناثر في المنطقة عن علاقة تربط نوال زوجته بالبقال، وأنها تمنحه بعض لحظات المتعة مقابل ما حصلت عليه من سلع واحتياجات.

مفارقات الحب

يحيلنا ما وقعت فيه نوال وزوجة الراوي من خيانة إلى ماهية الحب والإخلاص الذي طرحه الكاتب في روايته، حيث يقدم النساء في صورة زوجات خائنات وبنات ليل وموظفات على استعداد للتحول وتقديم أي نوع من التنازل من أجل تحقيق مصلحة، أما عن الحب فلم يكن موجوداً لدي عظومة أو الراوي، كان فقط مجرد تصورات ذهنية تحملها ذكرياتهما البريئة. أما خروج الراوي للبحث عن صديق طفولته، والذي يعدّ واحداً من محركات السرد الأساسية في الرواية، فيشكل نوعاً من التحول الجذري في شخصيته، فمنذ البداية يشير إلى أنه يكره مغادرة منزله، ويرهنه فقط باحتياجاته؛ وذلك بسبب ما يسميه «جحيماً متأججاً خارج البيوت»، كان يدرك أن الخروج للبحث عن عظومة يحتاج إلى قدر كبير من الشجاعة، وبلادة الحس لمواجهته، وينبغي أن يتم من دون تهور، ويجب حال حصوله أن يتم البحث بكفاءة وتركيز حتى يستغرق وقتاً قصيراً، ولا تطول معاناته.
دون حساب وبشكل تلقائي جاء قرار عظومة بالخروج لتحذير الناس من كارثة على وشك الوقوع. وقد ترتبت على قراره عواقب وخيمة، كان أبسطها تضييع أسرته وفقد عمله، وأصعبها تعرّضه للاعتقال، فقد تم دون حساب ولا تفكير، وبدأت حكايته عندما التقى رجلاً بالمصادفة في أحد مواقف السيارات، قال له إنه ينتظره منذ وقت طويل وإنه يعرفه جيداً ويعرف أسرته وهناك جماعة يريدون رؤيته سوف يعرفهم حين يراهم، «لم يكن عظومة يعرف الرجل، ولسبب ما وجد نفسه في الطريق إلى المحطة في الموعد تماماً. كان الرجل في انتظاره. قال له إن (الأساتذة) موجودون في مصنع غزل قريب، هناك وجد خمسة أشخاص، وقد أخبروه أن دوام الحال من المحال. وهناك أمور ستحدث. شرحوا له بلهجة واثقة تفاصيل كل شيء، وقالوا إنها شبيه بكرة تتدحرج من تل مرتفع وتحط على الجميع وتغمرهم بالبؤس والدمار، وفي نهاية المقابلة طلبوا منه أن يحذر كل من يراهم من قرب وقوعها، وحمّلوه المسؤولية، قالوا له لا يمكنك الإفلات منها، ونصحوه أن يبقى اللقاء بينهم سراً».
المدهش في أمر عظومة، أنه فور العودة إلى منزله خصص دفتراً صغيراً وضع فيه خطة لمهمته «التي لم تكن صعبة تماماً»، هكذا وصف عظومة قصته للراوي بعد أن عثر عليه في غرفته المظلمة بحي «دنا» العشوائي، كان وحيداً يحتضر، ظل يحكي إلى أن فارق الحياة وهو موقن تماماً أن هناك كارثة مقبلة سوف تحط على الجميع، وكان يحمل معه شعوراً غامراً بالمرارة لأنه لم يجد أحداً يهتم بما يقول، مات وهو جالس أمام غرفته، ودفن في مقابر الصدقة.
في الختام، هذه رواية أولى لكاتب مشغول بهموم الإنسان وأشواقه في العدل والحرية، جدلها عصام البرعي في ضفائر سردية شيقة ولغة سلسة، كأنه مخضرم في عالم الكتابة يعرف منحنيات صعودها وهبوطها في دوائر الصراع المنداحة في أروقة الزمان والمكان، فبدت الرواية وكأنها استراحة محارب، لبطل لا يكف عن الشغف بالحياة.



«جائزةُ الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي» في قطر تحتفي بالفائزين غداً

«جائزةُ الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي» في قطر تحتفي بالفائزين غداً
TT

«جائزةُ الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي» في قطر تحتفي بالفائزين غداً

«جائزةُ الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي» في قطر تحتفي بالفائزين غداً

تكرّم «جائزةُ الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي» في قطر، الثلاثاء، الفائزين في فئات الدورة العاشرة، وذلك خلال انعقاد حفلها السنوي.

وخلال هذه الدورة، توصلت الجائزةُ إلى مشاركات من 35 دولة حول العالم، تمثل أفراداً ومؤسسات معنية بالترجمة، من بينها 17 دولة عربيّة.

وقد عرفت الدورة العاشرة اختيار «اللغة الفرنسية» لغةً رئيسة ثانية إلى جانب اللغة الإنجليزية، كما اختيرت «البلوشية» و«التترية» و«الهنغارية» و«لغة يورُبا» في فئة اللغات القليلة الانتشار.

وتعقد الجائزة على هامش الحفل السنوي، الثلاثاء، ندوة ثقافية تجمع نخبة من أهم العاملين في مجال الترجمة والمثاقفة من اللغة العربية وإليها، بعنوان: «من العربية إلى البشرية: عقد من الترجمة وحوار الحضارات».

وتتناول الندوةُ في الجلسة الأولى «الترجمة من اللغة العربية وإليها: واقع وآفاق»، ويشارك فيها كلٌّ من المترجم والأكاديمي المغربي الدكتور حسن حلمي، والدكتورة ربا رياض خمم الأستاذة المشاركة في اللغة العربية واللغويات والترجمة في جامعة ليدز (المملكة المتحدة)، والدكتور سلفادور بينيا مارتين الأستاذ في قسم الترجمة في جامعة مالقة الإسبانية، والدكتورة نبيلة يون أون كيونغ أستاذة ورئيسة قسم اللغة العربية في جامعة هانكوك للدراسات الأجنبية بكوريا الجنوبية، ويديرها الدكتور يوسف بن عثمان أستاذ الفلسفة وتاريخ العلوم الحديثة بجامعة تونس المنار.

وتتناول الجلسةُ الثانية دورَ الجائزة في الارتقاء بمعايير جودة الترجمة، وكيفية تطوير هذا الدور. ويُشارك فيها كلٌّ من الدكتور والمترجم التركي أرشد هورموزلو رئيس المنتدى الدولي للحوار التركي - العربي، والدكتور الزواوي بغورة أستاذ ورئيس قسم الفلسفة بجامعة الكويت، والمترجم الدكتور شكري مجاهد أستاذ الأدب الإنجليزي المتفرغ بجامعة عين شمس، والدكتور علي حاكم صالح أستاذ الفلسفة بجامعة ذي قار بالعراق، ويديرها الدكتور خالد أرن مدير مركز الأبحاث للتاريخ والفنون والثقافة الإسلاميّة في تركيا.

وتهدف الجائزة إلى تكريم المترجمين وتقدير دورهم في تمتين أواصر الصداقة والتعاون بين شعوب العالم، وتقدير دورهم عربياً وعالمياً في مد جسور التواصل بين الأمم، ومكافأة التميز في هذا المجال، وتشجيع الإبداع، وترسيخ القيم السامية، وإشاعة التنوع، والتعددية والانفتاح، كما تطمح إلى تأصيل ثقافة المعرفة والحوار، ونشر الثقافة العربية والإسلامية، وتنمية التفاهم الدولي، وتشجيع عمليات المثاقفة الناضجة بين اللغة العربية وبقية لغات العالم عبر فعاليات الترجمة والتعريب. ويبلغ مجمل قيمة الجائزة في مختلف فئاتها مليونَي دولار أميركي.

عقد من الإنجاز

وفي ندوة بعنوان «عقد من الإنجاز» نظمتها «جائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي»، مؤخراً، قال الدكتور حمد بن عبد العزيز الكواري وزير الدولة ورئيس مكتبة قطر الوطنية، إن هذه الجائزة «قامت بتوسيع دائرة اللغات التي يُترجم منها وإليها، حيث تضاف في كل دورة لغات جديدة إلى قائمة اللغات المعتمدة للترجمة حتى غطت الجائزة خلال عشر سنوات 37 لغة حول العالم؛ مما يوسع نطاق التفاعل الثقافي»، مشيراً إلى أن من مزايا الترجمة «إنقاذ الثقافة الإنسانية من الضياع والتلاشي والحرق والإتلاف والتهميش والإقصاء، فهي حافظة مستمرة، بل أشبه بذاكرة صامدة في وجه الزمن ودعاة الانغلاق الفكري. فالترجمة حافظت على ما ساهمت به الشعوب من إبداعات في الفكر والفن والعلم».

وفي الندوة ذاتها، أوضحت الدكتورة حنان الفياض المستشارة الإعلامية لـ«جائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي»، أن الجائزة التي انطلقت عام 2015، فاز بها 214 شخصاً يمثلون 48 دولة، كما غطت الجائزة خلال عشر سنوات 37 لغة حول العالم.