«الاتحادية» العراقية تؤجل من جديد نظر طلب إلغاء الانتخابات

حزب بارزاني يرفض بقاء صالح رئيساً ويريد بديلاً له من «الاتحاد الوطني»

حراسة أمنية لأنصار الخاسرين في انتخابات العراق المحتجين على أبواب المنطقة الخضراء في بغداد (أ.ف.ب)
حراسة أمنية لأنصار الخاسرين في انتخابات العراق المحتجين على أبواب المنطقة الخضراء في بغداد (أ.ف.ب)
TT

«الاتحادية» العراقية تؤجل من جديد نظر طلب إلغاء الانتخابات

حراسة أمنية لأنصار الخاسرين في انتخابات العراق المحتجين على أبواب المنطقة الخضراء في بغداد (أ.ف.ب)
حراسة أمنية لأنصار الخاسرين في انتخابات العراق المحتجين على أبواب المنطقة الخضراء في بغداد (أ.ف.ب)

ثانية تضطر المحكمة الاتحادية العليا في العراق إلى تأجيل النظر في الطعون المقدمة من قوى الإطار التنسيقي الشيعي بشأن إلغاء نتائج الانتخابات. ومع أن الجميع ينتظر الدخان الأبيض من مبنى الاتحادية التي تصدر قرارات قاطعة باتة ملزمة التطبيق، فإن المحكمة وبسبب إدراكها طبيعة المشهد السياسي المعقد في العراق تنتظر التوافق بين القوى السياسية في العراق، خصوصاً القوتين المتصارعتين الرئيسيتين وهما الكتلة الصدرية الفائزة الأولى في الانتخابات والإطار التنسيقي الخاسر الأكبر فيها.
القضاة المسنون الذين تحال إليهم أخطر القضايا في البلاد لا يريدون في النهاية أن تكون مخرجات قراراتهم مقدمة لتهديد السلم الأهلي. فقبل الدخان الأبيض الذي يجب أن يخرج من قبتها لا بد من خروج أكثر من دخان ملون من مبانٍ كثيرة تتوزع بين بغداد والنجف ترسم قوس قزح التوافقات في البلاد.
وفي الوقت الذي ينتظر العراقيون مصادقة المحكمة الاتحادية العليا على نتائج الانتخابات التي مضى شهران على إجرائها فإن تأجيل النظر في الطعن الذي قدمه لها زعيم تحالف الفتح هادي العامري باسم قوى «الإطار التنسيقي» يعني التأخير في حسم أهم ملف يلي المصادقة وهو إجراءات تشكيل الحكومة القادمة بدءاً من اختيار الرئاسات الثلاث (الجمهورية، الوزراء، البرلمان).
المحكمة أجلت نظر الطعن المقدم لها إلى جلسة أخرى تعقد في الثاني والعشرين من الشهر الحالي. وكانت المحكمة التي عقدت جلستها الأولى بخصوص هذه الدعوى في الثاني من ديسمبر (كانون الأول) الجاري وبحضور معظم قادة الإطار التنسيقي يتقدمهم هادي العامري أجلت النظر بالدعوى إلى يوم أمس الاثنين. ومع أن جلسة أمس لم يحضرها سوى محامي الإطار التنسيقي محمد الساعدي فإن القضاة سرعان ما أعلنوا تأجيل البت بها ثانية الأمر الذي يعكس مدى خطورة ما يمكن أن يصدر عن المحكمة من قرار قد يتسبب بمشكلة في الشارع العراقي لا سيما مع استمرار الاعتصامات أمام بوابات المنطقة الخضراء رغم إعلان العامري التزام الإطار بقرار المحكمة.
وتجد المحكمة الاتحادية نفسها في موقف هو الأخطر بصرف النظر عن طبيعة القرار. ففي حال كان القرار لصالح الإطار التنسيقي فإنها تخشى ردة فعل التيار الصدري. وفي حال كان القرار لصالح التيار الصدري فإنها لا تضمن بعض قوى الإطار التنسيقي، لا سيما الأطراف المسلحة فيه.
سياسياً، يستمر الجدل بين المكونات الرئيسية الثلاثة (الشيعية والسنية والكردية). ففيما بات الانقسام واضحاً في المشهد الشيعي بين الصدريين والإطار التنسيقي وهو ما سوف يعقد من قضية الاتفاق على المرشح لمنصب رئيس الوزراء، فإن المشهدين السني والكردي يكاد ينطبق عليهما نفس آلية الانقسام. فالسنة انتهوا مؤخراً إلى تحالفين (تقدم) بزعامة محمد الحلبوسي و(العزم) بزعامة خميس الخنجر وهو ما يعقد آلية اختيار رئيس البرلمان. الكرد يستمر الانقسام القديم نفسه بين الحزبين الكرديين الرئيسيين (الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود بارزاني والاتحاد الوطني الكردستاني) وهو ما يعقد إمكانية الاتفاق على مرشح كردي لرئاسة الجمهورية. وطبقاً لما يجري تداوله في الأوساط الكردية فإن رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود بارزاني، لا سيما بعد اتهامه لرئيس الجمهورية برهم صالح، وهو قيادي بارز في الاتحاد الوطني، بأخذ مقعدين من حزبه لصالح الاتحاد، بات يرفض تماماً التجديد لصالح لولاية ثانية يسمح له بها الدستور. بارزاني ذهب إلى ما هو أبعد من ذلك وهو موافقته على ترشيح بديل لصالح من داخل الاتحاد الوطني لمنصب رئيس الجمهورية في مسعى منه لشق صفوف الاتحاد الوطني الذي لا يزال يعلن تمسكه بصالح لهذا المنصب.
وبالعودة إلى وضع المحكمة الاتحادية والظروف المحيطة بها في ظل هذا المشهد الذي يزداد تعقيداً على مستوى المكونات والقوى السياسية فإن أي قرار يمكن أن تتخذه الاتحادية يمكن أن تكون له تداعيات سياسية غير مأمونة العواقب.
وفي هذا السياق يقول رئيس المجلس الاستشاري العراقي فرهاد علاء الدين لـ«الشرق الأوسط» ورداً على سؤال في حال قررت الاتحادية إلغاء نتائج الانتخابات أن «أي قرار للمحكمة الاتحادية بإلغاء الانتخابات سيولد فراغاً دستورياً قد يفضي إلى فوضى غير متوقعة، لأن كل الاحتمالات تصبح واردة دون استثناء، لذلك لا خيار أمام المحكمة الاتحادية غير المصادقة، لكن يبقى موضوع التعجيل بالمصادقة مستعصياً حتى الان». وأضاف علاء الدين أن «المعطيات المتوافرة تقول إن المصادقة ستكون في منتصف الشهر المقبل بهدف إفساح المجال أمام الكتل السياسية للتفاوض والوصول إلى توافق قبل المصادقة».



الحوثيون يفرضون مقرراً دراسياً يُضفي القداسة على زعيمهم

شقيق زعيم الجماعة الحوثية يشرف على طباعة الكتب الدراسية (إعلام حوثي)
شقيق زعيم الجماعة الحوثية يشرف على طباعة الكتب الدراسية (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يفرضون مقرراً دراسياً يُضفي القداسة على زعيمهم

شقيق زعيم الجماعة الحوثية يشرف على طباعة الكتب الدراسية (إعلام حوثي)
شقيق زعيم الجماعة الحوثية يشرف على طباعة الكتب الدراسية (إعلام حوثي)

ازدادت مساحة التدخلات الحوثية في صياغة المناهج الدراسية وحشوها بالمضامين الطائفية التي تُمجِّد قادة الجماعة وزعيمها عبد الملك الحوثي، مع حذف مقررات ودروس وإضافة نصوص وتعاليم خاصة بالجماعة. في حين كشف تقرير فريق الخبراء الأمميين الخاص باليمن عن مشاركة عناصر من «حزب الله» في مراجعة المناهج وإدارة المخيمات الصيفية.

في هذا السياق، كشف ناشطون يمنيون على مواقع التواصل الاجتماعي عن أعمال تحريف جديدة للمناهج، وإدراج المضامين الطائفية الخاصة بالجماعة ومشروعها، واستهداف رموز وطنية وشعبية بالإلغاء والحذف، ووضع عشرات النصوص التي تمتدح قادة الجماعة ومؤسسيها مكان نصوص أدبية وشعرية لعدد من كبار أدباء وشعراء اليمن.

إلى ذلك، ذكرت مصادر تربوية في العاصمة المختطفة صنعاء أن الجماعة الحوثية أقرّت خلال الأسابيع الأخيرة إضافة مادة جديد للطلاب تحت مسمى «الإرشاد التربوي»، وإدراجها ضمن مقررات التربية الإسلامية للمراحل الدراسية من الصف الرابع من التعليم الأساسي حتى الثانوية العامة، مع إرغام الطلاب على حضور حصصها يوم الاثنين من كل أسبوع.

التعديلات والإضافات الحوثية للمناهج الدراسية تعمل على تقديس شخصية مؤسس الجماعة (إكس)

وتتضمن مادة «الإرشاد التربوي» -وفق المصادر- دروساً طائفية مستمدة من مشروع الجماعة الحوثية، وكتابات مؤسسها حسين الحوثي التي تعرف بـ«الملازم»، إلى جانب خطابات زعيمها الحالي عبد الملك الحوثي.

وبيّنت المصادر أن دروس هذه المادة تعمل على تكريس صورة ذهنية خرافية لمؤسس الجماعة حسين الحوثي وزعيمها الحالي شقيقه عبد الملك، والترويج لحكايات تُضفي عليهما هالة من «القداسة»، وجرى اختيار عدد من الناشطين الحوثيين الدينيين لتقديمها للطلاب.

تدخلات «حزب الله»

واتهم تقرير فريق الخبراء الأمميين الخاص باليمن، الصادر أخيراً، الجماعة الحوثية باعتماد تدابير لتقويض الحق في التعليم، تضمنت تغيير المناهج الدراسية، وفرض الفصل بين الجنسين، وتجميد رواتب المعلمين، وفرض ضرائب على إدارة التعليم لتمويل الأغراض العسكرية، مثل صناعة وتجهيز الطائرات المسيّرة، إلى جانب تدمير المدارس أو إلحاق الضرر بها أو احتلالها، واحتجاز المعلمين وخبراء التعليم تعسفياً.

تحفيز حوثي للطلاب على دعم المجهود الحربي (إكس)

وما كشفه التقرير أن مستشارين من «حزب الله» ساعدوا الجماعة في مراجعة المناهج الدراسية في المدارس الحكومية، وإدارة المخيمات الصيفية التي استخدمتها للترويج للكراهية والعنف والتمييز، بشكل يُهدد مستقبل المجتمع اليمني، ويُعرض السلام والأمن الدوليين للخطر.

وسبق لمركز بحثي يمني اتهام التغييرات الحوثية للمناهج ونظام التعليم بشكل عام، بالسعي لإعداد جيل جديد يُربَّى للقتال في حرب طائفية على أساس تصور الجماعة للتفوق الديني، وتصنيف مناهضي نفوذها على أنهم معارضون دينيون وليسوا معارضين سياسيين، وإنتاج هوية إقصائية بطبيعتها، ما يُعزز التشرذم الحالي لعقود تالية.

وطبقاً لدراسة أعدها المركز اليمني للسياسات، أجرى الحوثيون تغييرات كبيرة على المناهج الدراسية في مناطق سيطرتهم، شملت إلغاء دروس تحتفي بـ«ثورة 26 سبتمبر (أيلول)»، التي أطاحت بحكم الإمامة وأطلقت الحقبة الجمهورية في اليمن عام 1962، كما فرضت ترديداً لـ«الصرخة الخمينية» خلال التجمعات المدرسية الصباحية، وتغيير أسماء المدارس أو تحويلها إلى سجون ومنشآت لتدريب الأطفال المجندين.

مواجهة حكومية

في مواجهة ما تتعرض له المناهج التعليمية في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية من تحريف، تسعى الحكومة اليمنية إلى تبني سياسات لحماية الأجيال وتحصينهم.

اتهامات للحوثيين بإعداد الأطفال ذهنياً للقتال من خلال تحريف المناهج (أ.ف.ب)

ومنذ أيام، أكد مسؤول تربوي يمني عزم الحكومة على مواجهة ما وصفه بـ«الخرافات السلالية الإمامية العنصرية» التي تزرعها الجماعة الحوثية في المناهج، وتعزيز الهوية الوطنية، وتشذيب وتنقية المقررات الدراسية، وتزويدها بما يخدم الفكر المستنير، ويواكب تطلعات الأجيال المقبلة.

وفي خطابه أمام ملتقى تربوي نظمه مكتب التربية والتعليم في محافظة مأرب (شرق صنعاء) بالتعاون مع منظمة تنموية محلية، قال نائب وزير التربية والتعليم اليمني، علي العباب: «إن ميليشيات الحوثي، تعمل منذ احتلالها مؤسسات الدولة على التدمير الممنهج للقطاع التربوي لتجهيل الأجيال، وسلخهم عن هويتهم الوطنية، واستبدال الهوية الطائفية الفارسية بدلاً منها».

ووفقاً لوكالة «سبأ» الحكومية، حثّ العباب قيادات القطاع التربوي، على «مجابهة الفكر العنصري للمشروع الحوثي بالفكر المستنير، وغرس مبادئ وقيم الجمهورية، وتعزيز الوعي الوطني، وتأكيد أهداف ثورتي سبتمبر وأكتوبر (تشرين الأول) المجيدتين».

قادة حوثيون في مطابع الكتاب المدرسي في صنعاء (إعلام حوثي)

ومنذ أيام توفي الخبير التربوي اليمني محمد خماش، أثناء احتجازه في سجن جهاز الأمن والمخابرات التابع للجماعة الحوثية، بعد أكثر من 4 أشهر من اختطافه على خلفية عمله وزملاء آخرين له في برنامج ممول من «يونيسيف» لتحديث المناهج التعليمية.

ولحق خماش بزميليه صبري عبد الله الحكيمي وهشام الحكيمي اللذين توفيا في أوقات سابقة، في حين لا يزال بعض زملائهم محتجزين في سجون الجماعة التي تتهمهم بالتعاون مع الغرب لتدمير التعليم.

وكانت الجماعة الحوثية قد أجبرت قبل أكثر من شهرين عدداً من الموظفين المحليين في المنظمات الأممية والدولية المختطفين في سجونها على تسجيل اعترافات، بالتعاون مع الغرب، لاستهداف التعليم وإفراغه من محتواه.